2024-11-25 12:37 م

تأملات في الإستبداد الأمريكي

2014-09-26
بقلم: حسن العاصي*
حين انتهت الحرب الباردة بين المعسكرين الرئيسيين في العالم ، المعسكر الغربي بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية وقوتهم الضاربة " حلف الناتو " من جهة ، وبين المعسكر الشرقي بقيادة الإتحاد السوفييتي السابق وجناحهم العسكري " حلف وارسو " من جهة ثانية ،في بداية التسعينات من القرن الماضي ، مع انهيار الإتحاد السوفييتي وحصول دول الإتحاد على استقلالها ، إذ أضحت دولاً مستقلة بذاتها بعد أن كانت جزء من امبراطورية استمرت عقوداً ،نهاية الحرب هذه أفضت إلى وضع بدأت تتشكل معه معالم الشكل الجديد للعالم ذو القطب الواحد المتمثل بالرأس الكبير الولايات المتحدة الأمريكية بما يتضمن ذلك من قوة عظمى اقتصادياً وعسكرياً .
تميزت هذه الفترة وحتى نهاية ولاية الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الإبن ،تميزت بالغطرسة الأمريكية والعربدة ، كقوة انفلتت من عقالها ،وظهرت الولايات المتحدة في صورة الدولة الزاهية التي انتصرت على الظلام، وبدا رئيسها كسيد لهذا العالم ، يريد نشر وتعميم الثقافة والقيم الأمريكيتين ،وتميزت الفترة أيضاً إضافة إلى أحادية القطب ـ في غياب مبدأ الحوار بين الشعوب والدول ،هذا بسبب أن سيدة العالم -الولايات المتحدة- تستطيع أن تفرضالإملاءات والشروط على الآخرين دون حوار لأنهم لايملكون القوة التي تمكنهم من مقاومة النموذج الأمريكي ،وبالتالي فإن الولايات المتحدة لم تكن تلجأ إلى الحوار إلا عندما تواجه صعوبات في تشكيل العالم كما تبتغي . 
واستيقظ العالم على قدر بدا وكأنه لامفر منه ،وبدأت مرحلة أمركة العالم سواء عبر وسائل الإغراء او بواسطة العنف ، عبر تصدير السلع والمنتجات الأمريكية إلى العالم ، وبالتالي الإستحواذ على الأسواق العالمية وخاصة الناشئة منها ،وعبر نشر الثقافة الأمريكية وإظهار النوذج الأمريكي الأفضل للعيش الرغيد ، وبالتالي بسط السيطرة الفكرية على مناطق متعددة ، وشعوب متنوعة ،أو عبر الإحتلال والقوة العسكرية ،فما هو مهم لدى الإدارة الأمريكية هو تحقيق النتائج ، حتى لو كان عبر التدخل الوقح في شؤون الآخرين ، واللعب على التناقضات بين الأطراف في المناطق الساخنة في هذا العالم ، وبالتالي بسط الهيمنة على العلاقات الدولية ،وتسخير مقدرات الكون لمصلحة الإمبراطورية الأمريكية .¨
لقد كانت القوة العسكرية الأمريكية في التسعينات غبر مسبوقة ،فالإنفاق العسكري الأمريكي كان يزيد عن إنفاق عشرين دولة متطورة ، وما أنفقته على البحث العلمي يعادل إنفاق العالم كله ،وهي القوة الإقتصادية الأكبر في العالم ، رغم تراجع نصيبها في التجارة الدولية عن ماكان عليه في الخمسينات والستينات من القرن الماضي .
وبالرغم من كل هذه القوة فشلت الولايات المتحدة في فرض إرادتها المطلقة على عالم التسعينات ، ولم تنجح في تحويل عالم القطب الواحد ينصاع إلى إرادة القطب الواحد ،بسبب رفض العالم تحكم قوة واحدة في شؤونه ،أيضاً لأن مقياس التحكم والقيادة لم يعد ينحصر بالأساطيل ، بل في مصداقية السياسة والإلتزام بالقيم المشتركة بين شعوب العالم، فقد خرجت الولايات المتحدة من فترة الحرب الباردة متسلحة بأيديولوجية الديمقراطية وحقوق الإنسان ، لكنها في ذات الوقت استمرت في حصارها غبر المبرر لكوبا ، وتنكر واضح للحقوق الفلسطينية ،وما أن ختم كلينتون ولايته في نهاية التسعينات ، حتى كانت سياسة العولمة الإقتصادية غير العادلة التي قادها، قد أدت إلى انهيار الإقتصاد الأندونيسي ، وإلى تراجع خطير في اقتصاديات دول شرق وجنوب شرق آسيا ، وإلى إفلاس الأرجنتين ،وتراجع متسارع في اقتصاد جميع دول أمريكا اللاتينية .
المناطق الوحيدة التي لم تتأثر نسبياً من دكتاتورية العولمة الأمريكية هي دول أوروبا الغربية ، والصين التي لم تكن قد انضمت إلى منظمة التجارة العالمية ، واليابان عملاق الثمانينات المرعب هوت إلى مرحلة من عدم التوازن الإقتصادي 
التسعينات حملت معها أيضاً فشل أمريكي تدلّل عليه على سبيل المثال، الإنفجارات التي حصلت في منطقة البلقان ، وصمود كوبا في وجه استمرار الحصار الأمريكي ،وتحول الصين إلى قوة لا يستهان بها في الإقتصاد العالمي ، استمرار كوريا الشمالية في برنامج التسلح وإطلاقها صاروخ تجريبي فوق اليابان ،وانهيار اتفاق أوسلو ومعه انهار وهم تغيير وجه الشرق الأوسط الذي أطلقه الرئيس الأمريكي كلينتون .
ومع وصول الرئيس الأمريكي جورج بوش الإبن إلى البيت الأبيض في بداية عام 2001 ، لم يكن أحد من أفراد طاقم الرئاسة يختلف حول ضعف الموقف الأمريكي ، لكنهم كانوا منقسمين في الموقف حول الآليات التي يجب اتخاذها في معالجة هذا الضعف .
فقد ظهر صوت قوي من داخل الإدارة الأمريكية يدعو إلى إنسحاب أمريكي محدود من الشأن الدولي ، وصرف النظر عن مشروع العولمة ،والدفاع عن المصالح الأمريكية الإقتصادية في مواجهة الإجماع العالمي ، وتعزيز القدرات العسكرية الإستراتيجية لمواجهة التحديات المحتملة .
لكن هجمات الحادي عشر من أيلول-سبتمبر- عززت نفوذ أنصار الخيار الثاني ، خيار الإنتشار الأمريكي الإمبريالي في العالم ، وفرض الإرادة الأمريكية بالقوة المجردة إن اقتضى الأمر.وماحصل أن سياسة بوش الخارجية كانت في الحقيقة انتهت إلى إجتماع الجوانب الأسوأ في الخيارين ، فأعلنت الحرب على أفغانستان عام 2001 وعلى العراق عام 2003 ، بذريعة مكافحة الإرهاب ،واستمرت الولايات المتحدة في الإستهتار بإرادة المجتمع الدولي في مواضيع كثيرة ، منها قضايا البيئة ،المحكمة الجنائية الدولية ، اتفاقات الحد من الأسلحة الكيمائية ،وحتى فيما يتعلق بالتجارة العالمية التي صاغت قواعدها الولايات المتحدة في الأصل لم تحترمها ،وأبدت الإدارة الأمريكية استهتار ملحوظ بالأمم المتحدة وشرعية القرار الدولي، ومضت في استفزاز القوى العالمية بتطوير حائط الصواريخ البالستية بعيدة المدى ، ونشرت عشرات الآلاف من قواتها في أماكن متعددة من العالم ،وقامت باحتلال العراق وإسقاط نظام صدام حسين ، وقامت بالتحكم في مصادر العراق النفطية .
حاولت هذه السياسة في عهد الرئيس جورج بوش تحقيق ما عجزت عنه إدارة الرئيس كلينتون عن تحقيقه 
خلال عقد التسعينات ، وقد ظهرت مع وصول بوش الإبن إلى البيت الأبيض تحولات في توجهات السياسة الخارجية الأمريكية ،بأن اعتمد في إدارته على مجموعة من المفكرين الذين لاينتمون إلى أي حزب لكنهم يمثلون مراكز الدراسات الإستراتيجية ،فكانت حقبة بوش الإبن هي المرتع والمناخ الملائم الذي احتضن أفكار - المحافظين الجدد- الذبن استطاعوا السيطرة على الرئيس الأمريكي طوال فترة رئاسته ، واستغلوا أحداث الحادي عشر من أيلول للترويج لنظرية الأمن القومي التي تعتمد على الإستخدام المفرط للقوة العسكرية ،وفرض توجهاتهم المتطرفة على مخططي السياسة الخارجية الأمريكية ،وكانت أهم ملامح هذه السياسة المتشددة إعلان الحرب على الإرهاب كأولوية للسياسة الخارجية الأمريكية، وظهر مبدأ ابتدعه المحافظين الجدد باسم "الحرب الإستباقية ضد عدو محتمل" فتم إعلان الحرب على أفغانستان عام 2001 للقضاء على حركة طالبان ، وتم احتلال العراق عام 2003 بذريعة امتلاك صدام حسين لأسلحة دمار شامل ،وتم تشجيع إسرائيل لشن عدوانها على لبنان عام 2006 للقضاء على حزب الله، ومن ثم أرسلت الولايات المتحدة قواتها العسكرية إلى الصومال عام 2005 لدعم أمراء الحرب ضد المحاكم الإسلامية ،وفي عام 2008 سعت الإدارة الأمريكية إلى محاولة بناء درع دفاع صاروخي في بعض الدول الأوروبية المحاذية لروسيا، وأدت إلى اشتباكات دموية بين روسيا وجورجيا بشأن أبخازيا وأوستيا ، واستخدمت الولايات المتحدة القوة المفرطة في أماكن متعددة ، وحاولت تفعيل نظرية المؤامرة ضد أنظمة حكم في بلدان أخرى ادعت إدارة بوش أنها دول معادية لأمريكا مثل إيران وسورية والعراق وكوريا الشمالية وفنزويلا وغيرها من الدول ، ومن أجل تحقيق هذه السياسة تكبدت الولايات المتحدة أعباء مالية ضخمة ، وأدت إلى آثار سلبية تم إلحاقها بالإقتصاد الأمريكي، وأدت إلى أزمة مالية بدأت في العام 2008 ألحقت أضراراً بالإقتصاد العالمي، ومازالت آثارها مستمرة حتى يومنا هذا .
كل هذا ينطلق من النظرة الأمريكية إلى العالم على أنه عبارة عن أقاليم متمردة يجب إعادتها إلى بيت الطاعة ،واتبعت الإدارة الأمريكية الفاوستية روحها الشيطانية لتغيير العالم كما تشاء،وكان لابد من وجود الآخر الذي على خطأ تماماً ، ليوحي للقطب الأوحد بجدوى وجوده، وتصرفت الولايات المتحدة كعصابة في خضم الأحداث المتلاحقة في فترة الرئيس بوش ،وليس كدولة ، ‘ذ أنها انفلتت من عقالها وأصبحت خارج اي قانون ، فبدلاً من الجهد الجماعي العالمي والمنظم لمكافحة الإرهاب وأسبابه ،انفردت أمريكا بإعلانها وخوضها لحروب على أعداء قد لايكونون بالضرورة أعداء حقيقيين للعالم بأسره .
السؤال المهم هنا والذي يدعو إلى التأمل هو السؤال التالي : ما الذي جعل الولايات المتحدة تفقد عقلها على أثر انهيار برجي نيويورك ؟ هل بسبب سقوط ضحايا أم أنه خدش هيبة الإستبداد ؟
مما لاشك فيه أن الولايات المتحدة لاتهتم بسقوط آلاف الضحايا، إذ أن القيم لاتتجزأ، فنظام قتل عشرات الآلاف في العراق 
وأفغانستان وغواتيمالا وتشيلي وفيتنام وبنما وجرينادا. إن دولة كهذه ليست معنية بالضحايا الذين سقطوا بسقوط برجي التجارة ،إنما ما يعني هذه الدولة هو المس بهيبتها وغطرستها ، وما يمثله هذا السقوط من إعتداء على الرمزية التي يعنيها هذان البرجان من جنون العظمة الأمريكية .
انتهت مرحلة جورج دبليو بوش الذي كان أكثر الرؤساء الأمريكيين تطرفاً وصلفاً على صعيد السياسة الخارجية ،وأوصل العالم إلى أقصى درجات التوتر والإحتقان غير مسبوقة خلال الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية ، بسبب السياسات العليائية والعدوانية المخالفة للقوانين الدولية ،إذ لم تعرف أمريكا والعالم كذباً ونفاقاً سياسياً كما عرفته في عهد الرئيس بوش الذي ودع البيت الأبيض بفوز الرئيس أوباما في الإنتخابات الأمريكية عام 2008 على وقع الأزمة الإقتصادية الكبرى التي تسببت بها إدارة بوش،وكانت إدارة أوباما بمثابة إدارة لخروج الإقتصاد الأمريكي من مغبات هذه الأزمة ووضع الخطط للحد من تداعياتها.
خلال السنوات الأولى من فترة رئاسة أوباما كان يحاول أن يحقق أهداف سياسته الخارجية باعتماده بدرجة كبيرة على مبادراته الشخصية ، وشعوره بأهمية عامل الوقت ، إذ قام بإعداد جدولاً زمنياً لانسحاب القوات الأمريكية من العراق ،وحدد بعض السياسات لإنهاء حرب الإستنزاف في أفغانستان، وحاول أوباما أن يتشارك العالم مع أفكاره خلال فترتيه الرئاسيتيين ، لكنه يبدو أنه اكتشف أن كافة الدول لديها أفكارها وخططها الخاصة ،وحاول أن يقدم نفسه كصانع سياسات جديدة ومختلفة في علاقة الولايات المتحدة مع العالم العربي الذي استبشر بقدوم رئيس أمريكي أسود ومن أصول مسلمة ومن بيئة مختلفة عن بيئة سلفه بوش ،لكن أوباما كان عاجز عن تقديم أية دلائل للبرهنة على نيته فتح صفحة جديدة مع العرب ،وفيما يتعلق بالصراع العربي -الإسرائيلي مازالت الإدارة الأمريكية تتبنى الرواية الصهيونية وتقدم لها كافة أشكال الدعم السياسي والعسكري بلا حدود .
العالم الذي يواجهه الرئيس أوباما اليوم مختلف كثيراً عن ذلك الذي كان حين دخل البيت الأبيض قبل نحو ستة أعوام ، بعد كل هذا التردد والغموض والإرتباك في سياسة أوباما الخاجية ، يبدو أن مجريات الأحداث قد خرجت عن سيطرته،فالرئيس أوباما الذي حاول خلال فترة رئاسته وضع رؤية خاصة به لسياسة داخلية وخارجية،وقارب ذلك بمهارات التواصل والخطابة ،يواجه عالم فقد عقله وحروب في أكثر من مكان ،ويواجه تهديدات للمصالح الأمريكية ولحلفاءها في المنطقة ،ويواجه أيضاً الشعب الأمريكي الذي ملَّ الحروب ونفذ صبره من التدخلات العسكرية الأمريكية في شؤون العالم،وربما أننا أمام حالة عنوانها أنه منذ الحرب العالمة الثانية يظهر شعار أن على الولايات المتحدة الأمريكية ورئيسها قيادة العالم غير حقيقي لا سيما في الوقت الراهن .
فالولايات المتحدة في عهد أوباما لم تحقق أية اختراقات في الملفات الساخنة في السياسة الخارجية لا في منطقة الشرق الأوسط ولا فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية ، ولا في ملف إيران النووي،وفشلت في إعادة الأمن والإستقرار إلى العرق بعد انسحاب قواتها،وكذلك فشل ذريع في موقف عدم الموقف من المتغيرات المتسارعة التي تحصل في العالم العربي ،كما أن خطة الخروح المنظم من أفغانستان تترنح مكانها، وشارفت روسيا على غزو أوكرانيا ولم يجرؤ أوباما على منعها،وفي الوقت الذي يظهر فيه العالم مشتعلاً في أكثر من مكان ،يتابع الرئيس أوباما عطلاته لممارسة رياضة الغولف، وقيامه بالإدلاء بتصريحات صحفية والحديث عن الصراعات في العالم ، فيما يظهر وهو هادئ ذو رؤية مشوشة، متردد، غير واثق ، بدا وكأنه رئيس غير ملائم لهذه المرحلة.
جاء ذبح الصحفي الأمريكي على أيدي تنظيم الدولة الإسلامية ، والذي جرى تصويره وتناقلته وسائل الإعلام والتواصل الإجتماعي ، وشكل صدمة مروعة للشعب الأمريكي وللعالم ، نقول جاء هذا الحدث ليشكل تحدياً لقوة الولايات المتحدة وصفعة قوية لهيبتها ونفوذها ، حينها فقط تحركت الولايات المتحدة واستنفرت الإدارة الأمريكية طاقمها من أجل حشد تحالف واسع لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية والقضاء عليها، أفضت في النهاية إلى تشكيل ماسمي بالتحالف الدولي الذي ضم أكثر من أربعين دولة من ضمنهم ثمانية دول عربية ، هذا التحالف الذي باشر أعماله الحربية بشن ظائراته غارات يومية على مواقع تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة في العراق وسورية .
وأصبح أوباما يطل علينا كل يوم بقامته الفارعة لينظِّر عن الإرهاب الذي يهدد مصالح الولايات المتحدة والعالم الغربي والحلفاء الإقليميين ، هذا الإرهاب الذي لابد من القضاء عليه لكن الولايات المتحدة لن ترسل قوات تقاتل عن أحد ، إذ أن المطلوب قيام مشاركة الجميع في دفع تكاليف فاتورة الصلف والعهر الأمريكي.
قبل بضعة اسابيع فقط ، قام الكيان الصهيوني بارتكاب مجاز يندى لها جبين الإنسانية في قطاع غزة ،وقتل آلاف الفلسطينيين ومن بينهم مئات الأطفال والنساء، وهدم عشرات آلاف المنازل والمنشآت، ولم نسمع إدانة واحدة من هذا المجتمع الدولي الذي يسارع الآن المشاركة بحماس في ضرب تنظيم الدولة .
في الأزمة الحالية، تعود جذورها إلى أن من يبيع روحه للشيطان ياكله الشيظان في النهاية ، وأن من يربي وحشاً ويسمِّنه، سوف يرتد هذا الوحش يوماً ما نحو صاحبه ليأكله بعدما يأكل جميع الخراف ولايعود هناك حملان صغيرة للطعام،هذا ما حصل مع أمثلة كثيرة لعل أبرزها ، تحول جنرال بنما نورييغا الطفل الدلل للمخابرات المركزية الأمريكية إلى مطلوب للعدالة، وهذا ما حصل حين تحول مقاتلو طالبان تنظيم القاعدة وأسامة بن لادن من مقاتلين من أجل الحريةحين كان هذا القتال يخدم المصالح الإستراتيجية الأمريكية ،إلى مجرد إرهابيين وأشخاص مطاردين ومطلوبين للعدالة الدولية بعد أن انتهى زواج المصلحة معهم
بعد أحداث الحادي عشر من أيلول، وسط حاملات الطائرات والبوارج الحربية الأمريكية المتجهة إلى الشرق ، لم يكن أحد يريد أن يتوقف قليلاً من أجل معالجة أكثر حكمة وعدلاً، لقد فقد العالم السيطرة على توازنه لمصلحة الإنصياع الكامل للإرادة الأمريكية.
في المشهد الحالي في العراق وسورية يتكرر الصلف الأمريكي،في قيادة العالم مرة أخرة نحو الهاوية، لأن أمريكا تعتقد أن هذه القيادة في تمثلها بالسلطة تمنحها أمناً داخلياً، لكنها تتحول إلى الإستبداد حين تشعر بتفوقها ، وهذا النوع من الأنظمة نراه ينزع إلى حدود السلطة المطلقة 
لأنه مقتنع أن القوة إلى جانبه وكذلك الحق،ولايكتفي بالنصر في أي حرب ،بل لابد من أن يكون الآخر الذي انتصر عليه مجرماً شريراً، هذا تماماً ما فعلته الولايات المتحدة مع جميع خصومها المفترضين، وهذا ما تفعله الآن في سورية والعراق .
لقد حاولت الإدارة الأمريكية والرئيس أوباما أن يضع العالم أمام خياران، إما أن تكون مع قوى حلف الناس الطيبين المتحضرين الذين يريدون محاربة التخلف والهمجية ، أو أنك ستكون في حلف آخر مع فريق يتبنى التشدد الديني وخطابه متعصب يعتمد على قطع أعناق الآخرين.هذا الأمر يشكل استبداد من قبل الولايات المتحدة ،لايقل عن استبداد القوى التي تعتبرها أمريكا أنها قوى ظلامية وتريد محاربتها،فأي الإستبدادين أخظر ؟
*كاتب فلسطيني مقيم في الدنمارك