بيروت/تنذر أجواء عرسال بمعركة لا تقل شراسة عن تلك التي وقعت مطلع آب الماضي. النازحون السوريون غاضبون، وكذلك الإسلاميون اللبنانيون. يرتفع صوت إرهابيي «جبهة النصرة»، ليهددوا «بكل ثقة» بالعودة إلى احتلال بلدات القلمون السورية، قاطعين التفاوض مع الحكومة اللبنانية بشأن المخطوفين. أما السلطة اللبنانية، فتحتفل بزفاف بهاء الدين الحريري.
فيما أركان الدولة يتقاطرون إلى فرنسا للمشاركة في حفل الزفاف الثالث لبهاء الدين رفيق الحريري، عادت عرسال لتقف على حافة معركة جديدة. الجيش ينفذ عمليات دهم لمخيمات لاجئين سوريين «بحثاً عن مشاركين في قتاله»، فيتخذ الإرهابيون هذا الأمر ذريعة ليوقفوا التفاوض غير المباشر مع الحكومة اللبنانية، ويهددوا بقتل العسكريين المخطوفين.
وبين الدهم والتهديد، يتجمع سوريون قبالة مبنى بلدية عرسال، رافعين رايات «داعش»، وهاتفين دعماً للخلافة. وخلف كل ذلك، تعبير عن «ثقة زائدة» بالنفس لدى مقاتلي «جبهة النصرة» في جرود عرسال المحتلة، تجلى بتهديدهم بشن هجوم على بلدات القلمون ومدنه «لاستعادة يبرود».
بعد عمليات الدهم أكد قيادي في «جبهة النصرة» لـصحيفة «الأخبار» اللبنانية أن «قرار إعدام العسكريين الأسرى لم يُتّخذ بعد»، لكنه يقول: «أُلبسناهم ثياب الموت، فدولتهم قتلتهم». ويضيف: «لا تفاوض بعد الذي حصل في عرسال»، قائلاً: «سيصدر موقف قبل غروب الغد (اليوم) يضع الأمور في نصابها». في موازاة ذلك، تنقل مصادر «جبهة النصرة» لـ«الأخبار» أن «اليومين الماضيين شهدا معارك طاحنة في جرود القلمون».
وتؤكد أن مقاتلي «النصرة» تمكنوا من إحراز تقدم كبير على أكثر من جبهة. وتتحدث المصادر المذكورة عن «تحرير كل النقاط المحيطة بعسال الورد»، مشيرةً إلى «تمكننا من السيطرة على منطقتين على تخوم يبرود». وتضيف المصادر: «قبل قدوم فصل الشتاء سيضع الإخوة كل ثقلهم لاستعادة يبرود». ووفق المنوال ذاته، تعيد قيادات مسلحي المعارضة الكلام عن حشد يتهيّأ لمعركة الحسم، متحدثة عن قرابة 4000 مسلّح سيشاركون في «معركة تحرير القلمون». وردّاً على سؤال عمّا إذا كان هؤلاء المسلّحون هم أنفسهم الذين انهزموا من يبرود منذ عدة أشهر، تجيب المصادر بأن «الوضع تغيّر وهذه المعركة تختلف عن سابقاتها، لأنه لم يعد هناك من مكان للانسحاب إليه»، متحدثة عن وصول تعزيزات من الغوطة والرقة. وتكشف المصادر عن «دخول الصراع مرحلة جديدة بين «الجبهة» وحزب الله والجيش اللبناني في ما يتعلق باستراتيجية المواجهة في ما خص لبنان»، ملمحة إلى احتمال «التحوّل عن العمليات الاستشهادية مرحلياً إلى اعتماد العبوات الناسفة والكمائن وعمليات الخطف». في المقابل، تنفي مصادر الجيش السوري والقوى الحليفة له ما يتحدّث عنه قادة «النصرة»، مؤكدة أن «قوة كبيرة من الإرهابيين حاولت أمس شن هجوم واسع على بلدتي الجبة وعسال الورد في القلمون، لكنها وقعت في شرك من العبوات الناسفة زرعها الجيش السوري الذي قصفت مدفعيته القوة المهاجمة وأحبطت الهجوم». كذلك وقعت قوة من «جبهة النصرة»، بحسب المصادر ذاتها، «في كمين محكم أثناء محاولتها الهجوم من جرود عسال الورد إلى جرود الجبة، ما أدى إلى مقتل قائد القوة».
ما يجري على الجهة السورية من الحدود ستكون له انعكاساته على الضفة اللبنانية. فإذا تمكن المسلحون الذين يحتلون جرود عرسال من إحداث خرق في دفاعات الجيش السوري وحزب الله، فإن قدرتهم على المناورة ستزداد، وسترتفع ثقتهم بقدرتهم على تنفيذ ما يريدونه في لبنان. وفي حال فشلوا، فإنهم سيزدادون تمسكاً بما يحتلونه من أراضِ في الجرود اللبنانية. وفي المقابل، تتمسك السلطة اللبنانية بموقفها الرافض لأي تعاون بين الجيشين اللبناني والسوري، فيما بدأت بعض قوى الحكم تسوّق لضرورة طلب التدخل العسكري الأميركي ضد محتلي عرسال وجرودها. يوم أمس «الملتهب» في البقاع الشمالي (رامح حمية) تحدّثت عنه مصادر عسكرية لـ«الأخبار»، فأشارت إلى أن قوة كبيرة ومؤللة من فوج المجوقل نفذت عمليات دهم لمخيمات للنازحين في عرسال، وغالبيتها في محيط وادي حميد، وعلى مقربة من مكان انفجار العبوة بآلية الجيش على طريق «الجمالة»، «إثر توافر معلومات عن مشتبه فيهم في المخيم اعتدوا على ثكنة الجيش ـ الكتيبة 83 في رأس السرج، إبان غزوة عرسال في الثاني من آب الفائت»، بحسب مصادر عسكرية.
أثناء مداهمات الجيش لمخيمين للنازحين السوريين «وراء الجسر»، وعدد من المنازل التي يقطن فيها نازحون، والتي استمرت ما يقارب خمس ساعات، أقدم ثلاثة سوريين يستقلون دراجة نارية على «محاولة إحراق خيم للنازحين، إلا أن عناصر من الجيش أطلقوا النار باتجاههم بغية ردعهم»، ما أدى بحسب مسؤول أمني إلى مقتل محمد عبد المولى زهرا (41 عاماً)، وجرح كل من عمار الكجك، وكرم عبد الكريم زين، لينقلا إلى أحد المستشفيات وسط حراسة أمنية مشددة.
الجيش، وبحسب المسؤول الأمني، أوقف خلال مداهماته 58 شخصياً، بينهم 36 من دون أوراق ثبوتية (سيجري تسليمهم إلى الامن العام اللبناني)، و22 يشتبه في مشاركتهم في القتال ضد الجيش اللبناني أو إطلاق النار على مراكزه. وعلى إثر انتهاء العملية الأمنية عند الحادية عشرة من قبل الظهر، تجمهر عدد من النسوة في ساحة الجمارك وقرب بلدية عرسال، وتبعهن عشرات الشبان الذين قدموا على دراجات نارية، رافعين علم «داعش»، وسط تصفيق وزغاريد النسوة، وصيحات التكبير وهتافات «ما إلنا غيرك يا الله».
سريعاً، انتشرت صور احتراق المخيم، ووجهت هيئات إسلامية لبنانية الاتهام للجيش بالوقوف خلف حرقه، داعية إلى تحركات احتجاجية اليوم. «هيئة العلماء المسلمين» انتقدت «العقاب الجماعي الذي طال اللاجئين السوريين في عرسال»، وطالبت الجيش بـ«إجراء تحقيق شفاف وحيادي بشأن ما جرى من انتهكات طاولت الأبرياء من النازحين السوريين». و«أهابت» الهيئة بقيادة الجيش «وضع حد للتجاوزات ومعالجة الموضوع بالحكمة قطعاً لدابر الفتنة». ودعت إلى التظاهر اليوم تحت عنوان «لا لذبح عرسال».
وفي طرابلس، دعا مشايخ «للتضامن مع أهل عرسال والنازحين السوريين ورفضاً للانتهاكات التي تطال كرامتهم»، واستنكاراً لـ«خميس الذل» و«الخميس الأسود»». وفي الإطار عينه، وجّهت جبهة «النصرة» تهديداً للبنانيين بدفع ثمن «ثقتهم بجيشهم»!
وليلاً، أطلق المسلحون الذين يحتلون الجرود صاروخاً باتجاه البقاع الشمالي، فسقط في منطقة غير مأهولة قريبة من بلدة اللبوة. وواصل الجيش استهداف تحركات الإرهابيين في جرود عرسال، باستخدام الأسلحة المتوسطة ومرابض المدفعية. وبحسب مصادر عسكرية، بدا واضحاً أن إجراءات الجيش أزعجت المجموعات المسلحة في الجرود. وأبرز دليل على ذلك، بحسب المصادر، الطلب الذي حمّله مسلحو «جبهة النصرة» لرنا الفليطي، زوجة العريف في قوى الأمن الداخلي المخطوف علي البزال، والذي أكد ضرورة تأمين «ممر إنساني من جرود عرسال للجرحى».
المصدر: صحيفة "الاخبـــار" اللبنانية