2024-11-24 03:32 م

اقتصاد قطاع غزة : استنزاف المُستنزف وصمت القبور !!

2014-09-01
بقلم: حسن عطا الرضيع
منذ الوهلة الأولى للصراع العربي الإسرائيلي شكل تدمير بنية الاقتصاد الفلسطيني ركيزة أساسية في فكر الأحزاب الإسرائيلية المتطرفة سواءاً بالحصار المستمر وسياسات التهميش والقتل مروراً بالاتفاقيات الاقتصادية التي رهنت الاقتصاد لحفنة من المستثمرين و ضربت أي إمكانية لبناء اقتصاد قادر على إشباع الحاجات والرغبات التي يحتاجها الفلسطينيين بوسائل شتى, وانتهاءاً بشن الحملات العسكرية واستهداف المنشات الاقتصادية والتجارية والمالية وتدمير البنية التحتية شبه المدمرة, هذه السياسة الإحلالية ما زالت مستمرة وبوتيرة مرتفعة مع بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في 7 يوليو / آب للعام 2014 والتي عٌرفت إسرائيلياً بالجرف الصامد وفلسطينياً تعددت الأسماء , هذا العدوان الثالث على القطاع خلال ستة سنوات والتي خلقت ضغط على الاقتصاد وزادت من معدلات التشوه لبنيته وشكلت عاملاً طارداً لنجاع أي خطة اقتصادية مستقبلاً , فعند النظر لما تكبده الاقتصاد الفلسطيني من خسائر خلال خمسين يوم يتضح عقلية الإجرام والعنصرية والإرهاب الإسرائيلي الذي فاق كل التصورات والأوصاف , وخصوصاً ما أدل به موشيه يعلون بأن أحد أهم الأهداف التي تسعى فيها إسرائيل من عدوانها على قطاع غزة هو تدمير البنية التحتية والمنازل والأبراج والمؤسسات الاقتصادية و عندما ينقشع الغبار ، لا يستطيع الفلسطينيون إعادة الأعمار لمدة عشر سنوات, يتضح بأن الاقتصاد كان ولا زال هدفاً رئيسياً لأي عدوان إسرائيلي على الأراضي الفلسطينية لإطفاء وتعزيز التبعية الاقتصادية لإسرائيل وقتل أي فكرة وليدة للنهوض بالاقتصاد في مهدها ,وفلسطينياً وخلال عشرين عام بعد إنشاء السلطة الفلسطينية على جزء من الأراضي الفلسطينية المحتلة بعد توقيع اتفاق أوسلو عام 1993بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل, فإن الخطط الاقتصادية التي طُبقت كانت بلا جدوى من الناحية الاقتصادية ولم تؤسس لمرحلة من البناء والتشييد لاقتصاد منتج وسوي قائم على تعظيم الموارد الاقتصادية المحلية وتنمية قيم التنوير والإنتاجية والقضاء على قيم النهب والسرقة والتسول, حيث ما زال الاقتصاد الغزي غير منتج وقائم على الريعية الطفيلية والمساعدات والمنح الخارجية , وأصبح ما يطلق عليه بالاقتصاد المقاوم والصمود والاكتفاء الذاتي ومشاريع النهوض بالواقع الاقتصادي على غرار دول جنوب شرق أسيا كسنغافورة شعارات قد توفاها الله قبل ميلادها وأخمدت في مهدها, وهذا ما تؤكده المؤشرات الاقتصادية الكلية حيث يسودها الاختلالات المزمنة في الهيكل الاقتصادي حيث وجود فجوة للموارد المحلية (فجوتي الاستهلاك والإنتاج, فجوتي الادخار والاستثمار, فجوة التجارة الخارجية), وعجز مستمر للميزان التجاري, وأزمة متفاقمة للدين العام, وتباطؤ في الإنتاج وركود شديد تعكسه معدلات للبطالة تقترب من 40% و خصوصا في صفوف خريجي الجامعات والتي تصل إلى 70%, ومعدلات للفقر المدقع تزيد عن 20%, وكذلك العجز في الوحدات السكنية والبالغ 60 ألف وحدة والحاجة إلى 15ألف وحدة سكنية سنوياً , وتراجع الإنتاج الزراعي والحيواني , وتدني مستويات الخدمة في قطاعي النقل والمواصلات والصحة والتعليم, وضعف التأثير باستخدام السياسة الاقتصادية بشقيها المالي والنقدي والتجاري بسبب قيود اتفاق بروتوكول باريس الاقتصادي وغيرها من المشكلات التي ما زالت عائقاً للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في قطاع غزة, وتلك المؤشرات قد تفاقمت أكثر ولاحت في الأفق مع وضع العدوان الإسرائيلي أوزاره في قطاع غزة, حيث خلفت حجم كبير وغير مسبوق في الكلفة و الخسائر البشرية والمادية, فحسب التقارير الرسمية الفلسطينية بلغت الخسائر البشرية 2133 شهيد و 10890 جريح منهم 500 في حالة الخطر الشديد ويتلقون العلاج بالخارج, والخسائر المادية بلغت 8 مليار دولار , أما عدد الوحدات السكنية التي دمرت بشكل كامل أو بشكل بالغ غير صالح للسكن20,000 إضافة لقرابة 40,000 وحدة تدمرت بشكل جزئي متوسط وطفيف , ومئات المنشات الاقتصادية ومنها 195 مصنعاً للمواد الغذائية بلغت خسائرها 150 مليون دولار , هذه الأرقام سيترتب عليها مشكلات عديدة ومنها ما يجب أن تتضمنه الموازنة الحكومية القادمة من مصروفات جديدة كتعويضات ورواتب للجرحى والأسرى والشهداء و زيادة مخصصات ميزانية وزارة الحكم المحلي للاستمرار في تقديم خدماتها في توفير مقومات البنية التحتية , ووزارة الشؤون الاجتماعية ودفع إعانات للعاطلين عن العمل بسبب إغلاق المصانع وتجريف الأراضي الزراعية ,, ونظراً لحالة الركود الاقتصادي التي تعانيه غزة منذ سنوات وخصوصا الشهور العشرة الأخيرة وهي الأكثر رمادة وعجاف فإن دور السياسة المالية والنقدية غير فعالة في تحفيز النمو الاقتصادي خلافاً للاقتصاد الإسرائيلي حيث تتسم السياسة النقدية والمالية الإسرائيلية بفعالية كبيرة أنقدت الاقتصاد وأخرجته من أزمات متعددة وأهما الأزمة المالية العالمية 2008 وعدم الاستقرار الأمني كما جري في هذا العدوان , فعلى الرغم من أن الخسائر بلغت 5.7 مليار دولار إضافة لتكلفة الحرب والبالغة 3.5 مليار دولار وحالة الركود الاقتصادي وخصوصا في مجال السياحة والتي انخفض دخلها بنسبة 21% وتراجع دخل المطار بنسبة 26%, وكذلك فإن القطاع الصناعي تأثر بشكل ملحوظ وبلغت خسائره 1.2 مليار شيقل . إلا أن هذه المخاوف قد تلاشت بقيام البنك المركزي بتخفيض لسعر الفائدة بربع بالمائة ليحفز الاقتصاد عبر تشجيع الإستدانة واستخدام القروض الرخيصة في الاستثمار في المصالح الاقتصادية, وبهذا التخفيض في سعر الفائدة فإن هناك عودة للتعافي الاقتصادي وخفض معدلات البطالة وبقاءها عند مستوى 6% والثبات النسبي لأسعار صرف الشيقل مقابل الدولار, تكلفة عدوان الجرف الصامد ستزيد ضغطاً على موازنة الحكومة للعام . القادم من خلال زيادة ميزانية الأمن بمبلغ 9 مليار شيقل , وتبقى المشكلة الرئيسية للاقتصاد الإسرائيلي في انخفاض قيمة الشيقل والتي تنجم من خلال استمرار تدهور الأوضاع الأمنية واستمرار المقاطعة الاقتصادية للمنتجات الإسرائيلية , حيث تعتبر الصادرات عنصراً هاماً في النمو الاقتصادي إضافة للمساعدات الخارجية التي تتلقاها إسرائيل من الخارج وخصوصا الأمريكية والتي بلغت لوحدها في الأعوام العشرة المنصرمة 100 مليار دولار , وعليه فإن الكارثة الاقتصادية والاجتماعية المترتبة على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة تستوجب الإسراع بتوفير بعض الحلول العاجلة وإن كانت جزئية ومنها إعادة ترميم البنية التحتية من إصلاح الطرق وشبكات المياه والكهرباء والصرف الصحي , كذلك ترميم الوحدات السكنية وإصلاح الأضرار وتوفير البيوت الجاهزة للمنازل التي دمرت بشكل كامل وهذا يتطلب استيراد عشرات الآلاف من البيوت الجاهزة (شقق صغيرة كرفانات ) من دول الجوار وخلال شهور قليلة حتى لا تتفاقم الأزمة أكثر من ذلك وليس كما يعتقد البعض بضرورة إنشاءها بقطاع غزة لأنها تحتاج لوقت طويل ولطواقم فنية تعاني عجزاً في قطاع غزة, وأيضاً ارتفاع تكلفتها بسبب حالة الحصار وعدم توفر الإمكانيات من مواد خام وكهرباء وأخشاب وحالة الاحتكار الذي من الممكن سيادته في ظل تلك الأوقات وتدني مستوىات الجودة, وكذلك حجم الخسائر وضخامتها لا تنتظر وقت أكثر من ذلك , ونظراً للوقت التي يحتاجه تركيب كل كرفانة فإنه واقتصاديا لا بد من الضرورة إنشاء عدد من المدن كمربعات سكنية من الكرفانات بكافة الخدمات المرافقة لها في أماكن قريبة من الأحياء التي دمرت في شمال غزة, غزة, الوسطى , خانيونس, رفح, وهذه الكرفانات تبقى كحلول جزئية لحين الانتهاء من موضوع إعادة أعمار غزة , كما ستوفر هذه المربعات السكنية فرص عمل للمئات من خلال مد شبكات للمياه والصرف الصحي والنقل وستحد من مشكلة عجز الوحدات السكنية. وفي الختام فإن  التغاضي عن تبيان حجم الخسائر الاقتصادية وتداعياتها الاجتماعية, والمستقبل المُبهم لإعادة أعمار غزة وما سيتضمنه مؤتمر الإعمار, وحال التجاذب السياسي ورمادية المواقف وكيفية علاج المشكلات المتفاقمة في قطاع غزة, سيكون هذا التغاضي بمثابة صمت القبور واتساع دائرة الصمت وعدم الإفصاح عن الحلول المستعجلة سيزيد من ناقوس الخطر على تماسك البنية المجتمعية ومزيداً من التدهور في الواقع الاقتصادي والاجتماعي .