بدت صورة التقاطع في المواقف السياسية، خصوصا الإقليمية منها، التي أدت إلى تسمية حيدر العبادي رئيسا جديدا للحكومة في العراق أكثر وضوحاً، من خلال بروز الاطراف المرحبة والداعمة لهذه الخطوة، وتحديداً موقفَي كلّ من السعودية وإيران، اللتين أبدتا مباركة في هذا الاتجاه، ما قد يعيد عجلة العملية السياسية في البلاد إلى مسارها الطبيعي، في وقت تجددت الضربات الجوية المحدودة التي تنفذها الولايات المتحدة لاستهداف تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ «داعش» على اطراف اقليم كردستان.
وبدا أن رئيس الحكومة الأسبق نوري المالكي راح يسلم تدريجيا بالواقع السياسي الجديد، بعدما تبين له أنه لن يستطيع إعادة الأمور إلى الوراء، في ظل هذا الكم من المواقف المؤيدة لتسمية العبادي، بينما أكد الأخير أن سلفه سيبقى شريكا أساسياً في العملية السياسية، في ظل استنفار أمني هيمن على أجواء العاصمة خصوصا في محيط مقر رئاسة الوزراء تحسباً لانعكاس الانقسام السياسي الحاصل على الوضع الأمني.
وكان رئيس الجمهورية فؤاد معصوم قد كلف العبادي رسمياً بتشكيل الحكومة الجديدة، رغم موقف المالكي الذي هدد بمقاضاة معصوم أمام المحكمة الاتحادية العليا بتهمة عدم احترام المهل الدستورية بشأن عملية التكليف، لكن الموقف الذي جاء على لسان الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني، والذي أكد دعم إيران لخطوة التكليف، وكذلك برقية التهنئة التي بعث بها الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز لعبادي قد يقطعان الطريق أمام إعادة الساعة إلى الوراء بهذا الشأن.
كما جدد وزير الخارجية الأميركي جون كيري تأكيد الموقف الأميركي من عملية ترشيح العبادي، أمس، ودعا إلى «تشكيل حكومة وحدة وطنية بأسرع وقت ممكن»، مؤكدا استعداد بلاده «لدعم حكومة عراقية جديدة تجمع كل الأطراف، خصوصا في قتالها مسلحي داعش». وحث كيري خلال مؤتمر صحافي مشترك مع وزير الدفاع الأميركي تشاك هايغل، في العاصمة الأسترالية سيدني، العبادي على الإسراع في تشكيل الحكومة، وعبر عن استعداد بلاده «لدراسة خيارات سياسية واقتصادية وأمنية إضافية فيما يبدأ العراق بتشكيل حكومة جديدة». بدوره، أكد هايغل أن الولايات المتحدة على استعداد للنظر في إمكانية زيادة الدعم العسكري للعراق.
وأتى هذا الموقف في سياق إعلان الولايات المتحدة، عن انها ستنقل أسلحة إلى الحكومة العراقية والأكراد لمساعدة الطرفين في معركتهما ضد تنظيم «داعش»، وبعد موقف الرئيس الأميركي باراك أوباما، أمس الأول، المرحب بخطوة التكليف، وإرساله مئات من المستشارين العسكريين الأميركيين إلى العراق بالتزامن مع العملية العسكرية التي أطلقها في البلاد.
كما أعلن البيت الأبيض أن رئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني أبلغ نائب الرئيس الاميركي جو بايدن أنه مستعد للتعاون مع العبادي.
وعبرت إيران عن دعمها لعبادي على لسان شمخاني، في أول تصريح إيراني يشير بوضوح إلى القبول بهذه المعادلة الجديدة. ونقلت وكالة أنباء «فارس» عن شمخاني، وهو ممثل المرشد الأعلى للثورة آية الله علي خامنئي في مجلس الأمن القومي أيضاً، أن إيران «تدعم العملية القانونية التي جرت لتعيين رئيس الوزراء العراقي الجديد». ودعا شمخاني جميع «المجموعات والتحالفات العراقية للوحدة ورعاية أطر الوحدة الوطنية لصون المصالح الوطنية، والأخذ بالاعتبار سيادة القانون والالتفات إلى الظروف الحساسة للعراق من أجل مواجهة التهديدات الخارجية».
وهنأ شمخاني العبادي «على تعيينه رئيسا للوزراء وكذلك المرجعية العراقية»، وأكد «دعم ايران للعراق الموحد والآمن من أجل تقديم خدماته للشعب والرقي بمكانته الاقليمية». وأضاف شمخاني ان «الأطر القانونية التي يتضمنها الدستور العراقي كميثاق وطني هي الأساس لانتخاب رئيس الوزراء من قبل أكبر كتلة في البرلمان العراقي».
إلى ذلك، أعلنت وزارة الخارجية الايرانية في بيان أن «ايران تهنئ الشعب والحكومة والمرجعية في العراق بسبب النجاحات المنجزة في انتخاب الرؤساء الثلاثة وإكمال مراحل تشكيل الحكومة الجديدة وفقا للجدول الزمني المقرر في الدستور» ،وأكد البيان دعم إيران «للخطوات المتخذة في مسيرة تكميل العملية السياسية وإقامة الدورة الثالثة للانتخابات البرلمانية بشكل ناجح في العراق.
ولفت البيان إلى أن «المبادئ التي تؤكدها ايران في مجال تعيين رئيس الوزراء وتشكيل الحكومة العراقية الجديدة ارتكزت منذ البداية على الدستور وقانون الانتخابات وارشادات وتوجيهات المرجعية العليا والتوافق على التحالف والوفاق الوطني». وهي «بناء على ذلك تدعم انتخاب اعضاء الوزارة من قبل رئيس الوزراء واجتياز مراحل نيل الثقة في البرلمان العراقي على وجه السرعة».
كما نقلت وسائل إعلام إيرانية عن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف تأكيده في اتصال هاتفي مع نظيرته الايطالية فدريكا موغريني على «ضرورة مواجهة الجماعات المسلحة وتشكيل حكومة وحدة وطنية في العراق».
كذلك رحبت السعودية وجامعة الدول العربية بتسمية العبادي، وذكرت وكالة الأنباء السعودية أن الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز هنأ العبادي على تكليفه بتشكيل الحكومة، عبر برقية تهنئة، أكد فيها على ضرورة «المحافظة على وحدة العراق، وتحقيق أمنه واستقراره ونمائه وعودته إلى مكانته في عالمه العربي والإسلامي»، فيما عبر الأمين العام للجامعة العربية عن أمله «بتشكيل حكومة وطنية شاملة تمثل جميع مكونات وأطياف الشعب العراقي».
وفي رد فعل على مجرى الأحداث، أمر المالكي القوات الأمنية بعدم التدخل في «الأزمة السياسية التي تمر بالبلاد اثر تكليف العبادي». لكن العاصمة بغداد التي تعيش وضعاً أمنياً متوتراً، شهدت انتشاراً واسعاً لقوات الجيش والشرطة والطوارئ، خصوصا حول المنطقة الخضراء حيث مقر الحكومة وسط بغداد.
وبالاضافة الى ذلك، صدر بيان عن حركة «عصائب أهل الحق» أكد دعمها لقرار «التحالف الوطني» بترشيح العبادي. كما ذكرت تقارير صحافية أن رئيس منظمة «بدر» هادي العامري، سيصدر بيانا يؤيد فيه ترشيح العبادي أيضاً. وقد تؤشر هذه البيانات إلى رسالة إيرانية للمالكي بعدم محاولة القيام بأي عملية انقلابية.
وأكد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أن «على قوات الأمن العراقية ألا تتدخل في العملية السياسية في البلاد»، كما دعا ممثل بان في بغداد نيكولاي ملادينوف هذه القوات إلى عدم التدخل في عملية الانتقال السياسي أيضاً، حيث يحظى المالكي بدعم عدد كبير من القادة الأمنيين، بصفته القائد العام للقوات المسلحة.
وحول أجواء عملية الترشيح وما تبعها من نقاشات، قال قيادي في «التحالف الوطني» لـ«السفير»، إن «ترشيح العبادي في بادئ الأمر طُرِح من قادة في حزب الدعوة ومن دولة القانون بعد الوصول إلى قناعة بضرورة تغيير المالكي». وأضاف إن «القياديَّين وليد العلي وعلي العلاق من حزب الدعوة وبتأييد من حسين الشهرستاني وهادي العامري من ائتلاف دولة القانون قاموا بطرح ترشيح العبادي الذي نال موافقة 127 عضوا داخل التحالف الوطني من أصل 173».
وحول التسمية ذكر القيادي «أن تكتل التحالف الوطني قد عرض اسم العبادي على قادة الكتل السياسية الأخرى قبيل طرحه وذلك لضمان تشكيل حكومة واسعة ضمن المدة الدستورية، وحصل ذلك على دعم من الأكراد والسنة، إضافة إلى وصول رسائل اميركية - إيرانية بهذا الصدد».
وبحسب المصدر نفسه «سيقوم العبادي بزيارة قريبة لكردستان للحديث مع القادة الأكراد بشأن تشكيل الحكومة إضافة إلى عقد اجتماعات مكثفة مع باقي الكتل الأخرى».
وحول مدى قانونية هذا الترشيح والجدل الذي دار حوله، أكد الخبير القانوني طارق حرب لـ«السفير» أن «ترشيح العبادي دستوري واعتمد مبدأ الديموقراطية»، مشيراً إلى أن التكليف يعني «الالتزام بأحكام المادة 76 من الدستور الخاصة بتكليف مرشح الكتلة النيابية الأكثر عددا لتشكيل الحكومة، إضافة إلى أن الديموقراطية في الترشيح تحققت أيضا عندما أيد أكثر من نصف عدد نواب دولة القانون هذا الأمر».
ولفت حرب إلى أن هذه «الصفة الديموقراطية والتأييد العددي أكسبا العبادي الصفة الشرعية التي تفوق الترشيح الشكلي من الكتلة لهذا المنصب».
من جهته، قال العبادي إن المالكي سيبقى شريكا أساسياً في العملية السياسية، وأشاد في بيان له، بدور «التحالف الوطني» و«حزب الدعوة» في «ظل هذا الظرف الحساس»، مؤكداً أنه «سيكون عونا للشعب في تجاوز هذه الأزمات والعيش بأمن وسلام ورفاهية».
وأكد العبادي على أن «الحفاظ على وحدة العراق وأمن العراق هو أهم التحديات الآن»، ودعا «الشعب العراقي للتكاتف مع القوات الأمنية البطلة في حربها ضد الإرهاب ونبذ كل أشكال التطرف والطائفية». كما توجه للقوى السياسية «للجلوس معا لا لتشكيل حكومة فقط، بل لإيجاد رؤية مشتركة».
ميدانيا، تستمر الضربات الجوية التي يشنها سلاح الجو الأميركي والعراقي على معاقل تنظيم «داعش»، وتمكن سلاح الجو العراقي بحسب ما أكد ضابط عراقي لـ«السفير» من توجيه ضربة لـ«وكر داعش في مقر الحزب الديموقراطي الكردستاني في سنجار مما أدى إلى مقتل عشرة بينهم ما يسمى الوالي الجديد أحمد الورشان الحديدي الملقب أبو أسماء».
وقال الضابط إن «ثلاث ضربات جوية أميركية استهدفت تجمعات داعش أيضا في سنجار ومخمور أدت إلى مقتل أكثر من 30 مسلحاً تابعا للتنظيم».
وأعلنت «القيادة العسكرية الأميركية للشرق الأوسط وآسيا الوسطى» (سنتكوم) أن «طائرة أميركية بدون طيار قامت بإصابة وتدمير مدفع هاون تابع لتنظيم الدولة الإسلامية كان موجها ضد القوات الكردية التي تحمي مدنيين نازحين من الايزيديين».
ودعا وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس مجددا وزراء الخارجية الأوروبيين إلى عقد اجتماع طارئ للبحث في تزويد الأكراد العراقيين بالأسلحة لمواجهة «داعش». كما أعلنت وزيرة الدفاع الألمانية اورسولا فون دير ليين أن برلين قد تقدم معدات عسكرية «غير قاتلة» إلى الحكومة العراقية لمساعدتها على مواجهة تقدم مقاتلي التنظيم.