2024-11-30 03:31 ص

السعودية تربح في لبنان... ماذا عن سوريا؟

2014-08-12
كتب سامي كليب
من مفارقات التاريخ والجغرافيا أن جيشاً يصاب بنكسة عسكرية خطيرة، فيتحول في عيون شعبه الى «بطل». هذه هي حال الجيش اللبناني في عرسال. فوجئ بـ «داعش». اشتبك معها من دون غطاء عسكري أو سياسي فعلي. فقد مجموعة من رجاله بين قتيل وجريح وأسير، فإذا بقائده جان قهوجي يصبح أبرز المرشحين للرئاسة، ويصير الجيش على كل شفة ولسان.

هذا دليل على ثلاثة أمور رئيسة، أولها ان الجيش محبوب فعلاً من قبل الشرائح الكبرى من المجتمع اللبناني. ثانياً ان الناس قلقون جدِّياً من خطر الخلافة الاسلامية. ثالثاً، وهذا هو المقلق، أن الجيش اللبناني صار جزءاً من معركة سياسية اقليمية ودولية قد تحرق أوراق قهوجي، او تصيب هذه المؤسسة المحترمة المحبوبة من شعبها بنصال الحرب الدائرة في المنطقة.
لنستعد قليلاً مشهد الايام القليلة الماضية كي نفهم: «داعش» تحتل عرسال فجأة. تُسقط كل مخططات الدولة اللبنانية التي من المفترض انها تراقب عرسال منذ ثلاث سنوات. يصاب الناس بالهلع. يخرج قائد الجيش، للمرة الاولى، على شعبه بخطاب واضح ومباشر وجريء. يلتهب الاقليم بتهجير مسيحيي العراق وقتل الأزيديين والتقدم باتجاه الاكراد. تسري اخبار فيها كثير من المغالاة حول سقوط اللواء 93 السوري في يد «داعش». تنسحب «داعش» من عرسال بتسوية غريبة. يستقبل السيد حسن نصرالله رئيس جبهة النضال وليد جنبلاط، يتفقان على ان يزور جنبلاط الجنرال ميشال عون. يعود رئيس الحكومة السابق سعد الحريري الى لبنان، وينتخب مفت جديد للجمهورية برعاية سعودية.
هذه كلها خطوط حمراء جرى اختراقها في اسبوع واحد. قابلها تحرك مهم من السعودية وأميركا:
الرياض قدّمت مليار دولار للجيش اللبناني (فيما الهبات الاخرى بقيت حبراً على ورق، تماماً كما اوضح بلطشته الذكية وزير الداخلية نهاد المشنوق).
باراك اوباما قرر البدء بمعركته الجوية ضد «داعش» في العراق حين خرجت عن الحدود المقبولة، اي عن الموصل. (تحرك الفاتيكان لعب دوراً ضاغطاً).
بمعنى آخر، جرى وضع خصوم السعودية والولايات المتحدة الأميركية امام معادلة واضحة: اما «داعش» او معادلة سياسية مغايرة لا تترك ايران ولا حزب الله ولا سوريا ولا حلفاءهم رابحين.
جاء الدخول اذاً على خط الجيش اللبناني واضح المعالم تماماً. يجب ان يصبح هذا الجيش صاحب القوة الابرز في لبنان، والأقدر على مواجهة الارهاب. يجب ان يصبح لاحقاً الأقدر على انهاء كل الوجود المسلح بما في ذلك حزب الله. هذا شرط دولي واقليمي معلن ويجري العمل عليه منذ سنوات، حتى ولو ان القيادات العسكرية جميعاً في هذا الجيش أحسنت دائماً التصرف حيال ذلك، لمعرفتها بحساسية الصدام مع الحزب، ثم لأن للحزب وطائفته في الجيش بقدر ما للآخرين. كلام السفير الاميركي في بيروت واضح. دعوة رئيس كتلة تيار المستقبل فؤاد السنيورة لاغلاق الحدود وتطبيق القرار 1701 أوضح.
الهدف اذاً هو تقريب الجيش اللبناني قدر الامكان من محور السعودية واميركا وحلفائهما وإبعاده من المحور الآخر.
الأمر نفسه حصل في العراق. فبعد هروب الجيش من الموصل امام «داعش» بطريقة مذلّة ومثيرة للريبة والشفقة فعلاً، صار رئيس الحكومة نوري المالكي وحلفاؤه أكثر المطالبين بالحضور العسكري الاميركي. انتهى عصر الجدال حول الاتفاقات الامنية والدور العسكري الاميركي وغيره.

تفاهمات ام اشتباك

السؤال الاول المتعلق بالعراق: هل يجوب الطيران الاميركي سماء العراق بالتفاهم الضمني مع ايران او من دونه؟ هذه مسألة مفصلية.
السؤال الثاني المتعلق بلبنان: هل تمت عودة الحريري بتنسيق غير مباشر مع حزب الله، وهل لعب رئيس جبهة النضال وليد جنبلاط ورئيس مجلس النواب نبيه بري الدور الابرز ام لا؟ هذه مسألة مف صلية أيضاً.
السؤال الثالث المتعلق بغزة خصوصاً بعد التسريبات الاسرائيلية الكثيرة حول تقارب مع السعودية: بعد التدمير الممنهج للقطاع، هل سينجح الطرف المناهض لحماس والمقاومة وايران بفرض المعادلة الخطيرة التي تقول «إما أن تقبلوا بحل تكون فيه السعودية ومصر الأساس، او نترك القطاع مدمراً لتتحمل حماس والجهاد وغيرهما المسؤولية؟».
اذا كان كل ما تقدم حصل بناء على تفاهمات او نتيجة احتدام الصراع، فهذا يعني ان السعودية لا تزال أقوى مما يعتقد خصومها. يعني ايضاً الا احد في المنطقة قادراً على فرض تسويات عسكرية وسياسية من دون التفاهم مع الطرف الآخر.

ماذا عن سوريا؟

هي تبقى الأساس. السعودية لم تغيّر موقفها حيال الرئيس بشار الاسد. ثمة اعتقاد بأن ضرب «داعش» في العراق، ومساعدة الجيش اللبناني سيعيدان الكرة الى ملعبها الاساس، اي ترك الجيش السوري يقاتل «داعش» والارهاب الى ما شاء الله.
سرَّب الاوربيون قبل فترة اقتراحاً بصيغة مغايرة لجنيف تكون ايران جزءاً منها. يعتقدون بأن الصراع الاطلسي مع روسيا لا يترك مجالاً للطلب منها الضغط على النظام السوري. يعتقدون أيضاً بأن طهران يمكن ان تلعب دوراً في اقناع الرئيس بشار الاسد بالجلوس الى طاولة تفاوض دولي مع المعارضة بحيث يصار الى وضع دستور جديد وحكومة جامعة. في المقابل يبدو ان الاسد حدّد خطوطه الحمراء. لا شيء للمستقبل اكثر من اشراك بعض معارضي الداخل في حكومة تنطلق فقط من الدستور الحالي. ولا شيء اكثر من تعزيز المصالحات الداخلية. معارضة الخارج بالنسبة اليه قد انتهت (خطابه الاخير واضح).
من الصعب اذاً تصور وجود تفاهمات كبرى في المنطقة. الارجح أن هناك بعض الانفراجات التي ادت الى عودة الحريري الى لبنان. الصراع مستمر. الضغط سيزيد أكثر على سوريا وحزب الله من السعودية والغرب وتركيا بعد فوز رجب طيب اردوغان. كيف سيكون الضغط المقابل؟
لا شك في ان المنطقة العربية والشرق أوسطية تمر في مرحلة التدمير المزدوج والاحتواء المزدوج. من مصلحة الدول الكبرى ان تشلّ قدرات الجميع. التدمير الكبير الذي شهدته المنطقة مفيد لها. ظهور «داعش» مفيد رغم خطر الارهاب. القلق السعودي مهم. احراج ايران مهم. التعاون الاقليمي والدولي يمكنه القضاء على «داعش» حين يشاء. الأهم هو اشعار الجميع بأن اي تعاون وأي حل سياسي، من دون غطاء اميركي وغربي اطلسي، مستحيل.
غير ذلك في هذه الاوقات الحرجة هو من باب الوهم السياسي وليس الواقعية

المصدر: صحيفة "الاخبار" اللبنانية