«في عام 1979 طالب الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات خبراءه العسكريين بوضع خطة طوارئ عقب إعلان إثيوبيا إقامة سد في حوض النيل الأزرق، وقال وقتها ان أمن مصر يبدأ من منابع النيل،
و فعلها من قبله محمد علي باشا بالتدخل عسكريا ضد أي دولة كانت تشكل أي خطر على تدفق مياه النيل إلى مصر» هكذا الحال كان في دول حوض النيل حتي وصول الرئيس المخلوع حسني مبارك الي الحكم في اكتوبر 1981.
مع الرئيس المخلوع وجد الكيان الصهيوني في إفريقيا ودول حوض النيل مرتعاً لتهديد أمن مصر إلي أن بدأت الدولة المصرية تستيقظ من نومها في السنوات الأخيرة مع تصاعد أزمة السودان وتقسيمها الي دولتين جنوب وشمال بفعل الايادي الصهيونية لحصار مصر مائيا.
مع انهيار نظام «مبارك» وتولي حكومة الإخوان بدأ الاتجاه مرة أخري إلي دول حوض النيل وبدأها الرئيس مرسي بزيارته إلي إثيوبيا لعل وعسي أن تعود المياة إلي مجاريها وتتغير خريطة الاستثمار والبيزنس بما يخدم السيادة الوطنية ومواجهة المد الصهيوني.
الطريق في منطقة حوض النيل وعودة مصر اليها ثانيا بعد سنوات من النسيان لن يكون مفروشا بالورد في مجال «البيزنس» بل متوقع ان تشتعل الصراع مع الكيان الصهيوني الذي يسعي بكل قوة لفرض نفوذه وإحكام قبضته في مواجهة مصر التي تحاول اكتشاف نفسها من جديد، عبر «البيزنس» والاستثمارات للشركات.
في ظل تحليلنا لخريطة استثمارات المنطقة ستعاني حكومة «الاخوان» الأمرين فإحصائيات وبيانات 42 عاما تشير الي أن «البيزنس» المصري مع دول حوض النيل في موقف سيئ للغاية، ووفقا لحركة استثمارات دول حوض النيل الست بحسب بيانات هيئة الاستثمار يتبين ان موقف الاستثمارات في السوق المحلي ضعيف جدا اذ تحتل السودان الصدارة بين الدول وتبلغ استثماراتها 94.18 مليون دولار في 7 أنشطة وتصل عدد الشركات الي 279 شركة بواقع 48 مليون دولار في الصناعة و21.32 مليون في الخدمات التمويلية، و8.98 مليون دولار في في المجالات الخدمية، و6.95 مليون دولاراً في الزراعة.. والإنشائية 3.97 ملايين والسياحية 3.51 مليون دولار والاتصالات بواقع 1.44 مليون دولار، وتتوزع الاستثمارات بين20 محافظة بواقع 82 شركة بالقاهرة و48 بالجيزة و5 شركات بالسويس و3 بالمنوفية، و9 بالاسكندرية ،و3 بمدينة 6 اكتوبر و2 بالبحيرة وواحد بالمنيا و3 بالاسماعيلية، وواحدة بأسوان و5 بالشرقية و4 بالقليوبية و2 بالبحر الأحمر و2 بحلوان وواحدة بكل من قنا وكفر الشيخ والغربية واسيوط وبورسعيد.
وتأتي كينيا في المرتبة الثانية بمساهمات محدودة بواقع 1.27 مليون دولار في الانشطة الصناعية والتمويلية والخدمية في الجيزة بواقع 8 شركات والقاهرة 4 شركات، ثم ارتيريا بنحو 430 الف دولا في 5 أنشطة موزعة بين 4 محافظات بالقاهرة والجيزة والاسماعيلية وعدد محدود من المحافظات الاخري، وتليها اثيوبيا بواقع 380 ألف دولار بواقع 7 شركات في 7 شركات في 5 محافظات في عدد من الانشطة المحدودة ثم تنزانيا بواقع 230 ألف دولار بواقع 5 شركات في عدد محدود من الانشطة واوغندا 110 آلاف دولار بواقع 4 شركات في 3 محافظات.
اذا كان الحال هكذا في حجم الاستثمارات اذن فالوضع ليس احسن حالا في الصادرات والواردات، اذ ان الميزان التجاري لصالح مصر لصادراتها للسودان بنحو 184 مليون دولار، ووفقا لجهاز التمثيل التجاري بوزارة التجارة والصناعة يتبين ان الصادرات المصرية سجلت خلال عام 2011 ما قيمته 537 مليونا دولار أي بانخفاض قيمته 150 مليون دولار عن عام 2010 أي بنسبة انخفاض قدرها 22%، وتمثلت، الصادرات في، سلع مثل البن والشاي والقمح والدقيق والمواد الغذائية، كما سجلت الواردات المصرية خلال عام 2011 ما قيمته 353 مليون دولار أي سجلت نسبة ارتفاع 821% عن عام 2010، ويرجع ذلك بصفة أساسية إلى ارتفاع كافة البنود السلعية والتي كان أكثرها زيادة هو الحيوانات الحية والذي سجل ارتفاعا بنحو 84 مليون دولار و السمسم والذي سجل زيادة قدرها 74 مليون دولار بالاضافة الي الفول السوداني والقطن، وتبلغ عدد الشركات المصرية في السودان التي تم تأسيسها عام 2010 بغرض الاستثمار 20 شركة منها 12 شركات فى القطاع الخدمى، 4 شركات فى القطاع الصناعى ، 4 شركات في القطاع الزراعي كما بلغ عدد الشركات التي تأسست في عام 2011 نحو من 9 شركات منها 5 شركات في القطاع الخدمي و3 شركات في القطاع الصناعي وشركة في القطاع الزراعي.
وتصل قيمة الصادرات المصرية لأوغندا عام 2010 الي 59 مليون دولار والواردات بنحو 5 ملايين دولار وبذلك يكون حجم الميزاني التجاري لصالح مصر ،وتتمثل الصادرات المصرية في منتجات حديد وصلب - إطارات - أدوية - زجاج ومنتجاته - فوط طبية - أسمدة - بينما تنحصر الواردات في نحاس خام أسماك مجمدة – تبغ – شاي - بن – بعض أنواع أخشاب.
كما يبلغ إجمالي الاستثمارات المصرية في أوغندا 35 مليون دولار أمريكي ، تعمل في قطاعات المصارف «بنك القاهرة الدولي» – البنية التحتية والاستشارات الهندسية «المقاولون العرب» – الاتصالات «أوراسكوم مصر للمحمول» وشركة كاتو اروماتك. إضافة للتوجه نحو الاستثمار في قطاعات الصحة والدواء والاستشارات والمستلزمات الكهربائية.
لن يختلف الوضع كثيرا في تنزانيا اذ بلغت الصادرات المصرية في عام 2011 نحو 36 مليون دولار فيما بلغت الواردات 930 الف دولار، وبالتالي فإن الميزان التجاري لصالح مصر بنحو 35 مليون دولار ،وتتمثل اهم الصادرات المصرية في أحذية - أقمشة تنجيد وستائر - سجاد وموكيت مباني سابقة التجهيز- بينما أهم الواردات - تبغ - عدس- جلود بقر – شاي - زنك خام.
وتبلغ الصادرات المصرية الي ارتيريا في عام 2011 نحو 61 مليون دولار فيما تبلغ الواردات نحو 1.5 مليون دولار وتنحصر الصادرات في جبن مطبوخ – أدوية بشرية - ورق صحي – مواسير، ومواد بلاستيكية إطارات سيارات، سخانات كهربائية، منتجات صحية ورقية ،وأهم الواردات تتمثل في الأخشاب – قرنفل – منتجات خشبية.
وفي أثيوبيا الأمر يبدو كما هو في الدول الأخري ويبلغ إجمالي الصادرات المصرية 84 مليون دولار مقابل 46 مليون واردات ، وتتركز أهم بنود الصادرات المصرية إلى أثيوبيا في وقود معدني وزيوت بترولية - نحاس ومنتجات نحاسية لحوم عجول مجمدة - فول، ويبلغ عدد المشروعات الاستثمارية المصرية في إثيوبيا 116 مشروعا سواء برأس مال مصري بالكامل أو مشروعات مصرية إثيوبية مشتركة أو بشراكة في المشروعات مع دولة ثالثة وتبلغ التكلفة الاستثمارية التقديرية نحو مليار دولار أمريكي، هكذا يبدو الحال بالنسبة للاستثمارات والتعامل التجاري بين مصر ودول حوض النيل ،ورغم ذلك يبدو افضل نسبيا عن الاستثمارات غير المباشرة المتمثلة في التعامل بالبورصة اذ يبلغ عدد المقيدين بجدول المتعاملين 450 مستثمرا سودانيا و4 مستثمرين من ارتيريا و3 من اثيوبيا و4 من تنزانيا و مستثمر واحد لدولة كينيا.
مسار العلاقات التجارية المصرية بدول حوض النيل لم تصل الي المستوي المطلوب رغم تحرك اتحاد الغرف التجارية في عام 2003 وتبنيه فكرة اقامة كيان يضم دول حوض النيل تحت مظلة تجمع رجال الاعمال الافارقة وتم تأسيسه في محافظة الاسكندرية إلا أن هذا التجمع رغم تحريكه المياه الراكدة لم يؤدي الدور المتوقع بزيادة التعاون التجاري بالصورة الكبيرة، الوضع يتطلب تكثيف التواجد المصري والعمل علي مساعدة استثمارات دول حوض النيل في السوق المحلي بحسب قول خالد ابوإسماعيل رئيس اتحاد الغرف التجارية الأسبق، إذ إن طوال 30 عاما الماضي سقطت دول افريقيا من الحسبان بسبب عدم اهتمام الحكومات السابقة في تقديم الدعم الكافي لهذه الدول، وبالتالي ساهم في تواجد المد الصهيوني في دول حوض النيل وحصارها مائيا لمصر.
لكن يبدو أن حزب الحرية والعدالة باعتباره الحزب الحاكم يحاول العودة مرة اخري الي قلب دول حوض النيل فكانت الجولات المتتالية للدكتور محمد مرسي رئيس الجمهورية لأثيوبيا وحضور الدكتور هشام قنديل رئيس لجنازة احد كبار الحكومة الاثيوبية منذ اسابيع، كل ذلك بهدف تحريك العلاقات وتحقيق امن مصر المائي.
طرحت السؤال علي الدكتور محمد جودة عضو اللجنة الاقتصادية بالحزب عن دور اللجنة في تقديم رؤية واضحة تعزيز الاستثمارات والتبادل التجاري اجابني قائلا أن «هناك تحرك حكومي لتعزيز دور الاستثمارات والتبادل التجاري واللجنة لديها مخطط لتعزيز هذا الدور إلا أنه لم يطلب بعد باعتبار أن التحرك حكومي وليس حزبيا».. لكن الحكومة تضع في اعتبارها انها ستواجه كيانا صهيونيا يحاول التواجد والتحكم في دول حوض النيل خاصة ان هذه الدول تعاني فقرا شديدا وتحاول اسرائيل استغلال نقاط الضعف.
اذن الكيان الصهيوني هو مسمار جحا في دول حوض النيل وهو الخطر الذي سيواجه التوسع في الاستثمارات المصرية علي حد تعبير الدكتور مدحت نافع المتخصص في مجال الاستثمار والتمويل، فالمصالح الإسرائيلية تبدو حيوية خاصة أن نسب توزيع المياه بين دول نهر النيل لها تأثير مباشر على إسرائيل.
اذن هل سينجح الاخوان في تحقيق المعادلة الصعبة وتعزيز الاستثمارات المتبادلة مع دول حوض النيل واعادتها الي البيت المصري من جديد ام سيكون للكيان الصهيوني اتجاه آخر.. هو ما تكشف عنه الأيام القادمة؟
"الوفد" الالكترونية