2024-11-24 07:58 م

الديمقراطية الطائفية: سايس بيكو في طبعته العربية !!

2014-06-19
بقلم: محمد حسن مرين*
هل يصبح يوما سايس بيكو حلما عربيا، إذا نجحت الجماعات التكفيرية في فرض نسخته بطبعته العربية، وهل يجد العرب أنفسهم يدافعون عن سايس بيكو وحدوده في وجه جماعات الطوائف، وملوك الطوائف، وأمراء حروب الأزقة، وصانعي الديمقراطية الطائفية التي هي خطة طريق منهجية، يفرضها الغباء العربي، والحمق التكفيري والعصابات الدينية، تجعل الأجيال العربية تنسى خارطة العالم العربي، وتجعل الأجيال الإسلامية تُصدّق أن الخلافة الإسلامية هي محل بقالة يمكن إقامته في أي زقاق أو عشوائية! وأن الخليفة الإسلامي الذي كان يحكم نصف الأرض، يتحول في زمن داعش إلى زعران حارة، يقطع الماء عن مدينته ويخطف فتياتها.
عادت أفغانستان إلى القرون الحجرية، وأدخلها المجاهدون إلى حرب أهلية، وأنجز طالبان خلافتهم التي صدّرت للعالم قيم التدين المغشوش في منع النساء من التعليم، وكل إنجازها زراعة المخدرات وتفجير تمثال بوذا، ووزعت إرهابييها إلى العالم، في حرب مقدسة، قتلت من المسلمين أضعافا مضاعفة من غيرهم، وأغرقت بلدها في حرب الجماعاتالدينية، وخرجت الجزائر منهكة من عنق الزجاجة، بعد عشريةسوداء، أقام خلالها بعضهم خلافته الإسلامية، وحكومتها ووزع حقائبها الوزارية في رأس جبل!، وصدقه بعض الحمقى!، ولازال بعضهم يهدد جنوبها وصحراءها، ثم قُسّم السودان في غفلة، فأصبح سودانين، وحمدنا الله أنه لم يتحوّل إلى أكثر من ذلك، ثم غرق الصومال في حربه الداخلية، وتقاسمت فرق الموت مناطق النفوذ، وأصبح الصومال يقاتل للحفاظ على قصر رئاسته، وابتلي الصومال بفقه اقتل أخاك لامفر.
وعندما حل الربيع العربي ببركاته، استبشرنا خيرا، بتحقيق أحلام الأجيال العربية، في اصلاحات سياسية تُنهي عهود الاستبداد، وتُحقق الأمن والعدالة الاجتماعية والكرامة الانسانية لملايين الحالمين من شباب وفقراء هذا الوطن العربي، وتحقيق التقارب العربي على شكل الاتحاد الأوروبي، ولكن خرجت تلك الجماعات الدينية، خاطفة الأفراح ومحوّلة الأحلام إلى كوابيس، لتقلب معادلات الشباب العربي، الذي وجد نفسه أمام واقع جعله يخاف على سايس بيكو المسكين، الذي كان يصب عليه اللعنات، لأنه قسم العالم العربي إلى دويلات، ولكن من مفارقات الزمن، وعجائب الفتن، وطرائف الغباء السياسي أن جاء من يزايد على سايس بيكو في تفتيت المفتت، وشرذمة المشرذم.
لم يكن جورج بيكو ومارك سايكس يحلمان أن تأتي داعش وأخواتها، ويسقط العالم العربي في فخ الديمقراطية الطائفية، حيث تصبح الأحزاب السياسية مشاريع مذهبية وعصابات دينية تبشر أتباعها بجنة الخلود وحور العين إذا حاربت المرتدين الذين لا يؤمنون برؤيتها ولا يبايعون أميرها الرويبضة، وأحضرت رواياتها الصفراء وأخبار آخر الزمان، لتضع سيناريو النهاية التمثيلي، فرفعت راياتها السوداء، ووزعت سياراتها المفخخة في شوارعنا، في مشاهد عبثية أقحمت فيها المذاهب والعمائم والتكبيرات والتلبيات، وحوّلت السياسة بدل أن تكون ميدانا لتشارك الأفكار وتعاون الأشخاص وتنافس البرامج في ترقية حياة المواطن العربي، إلى مأتم مفتوح على جنائز صناعة الموت بفتاوى الدم، ووجدت قطعانا من أنصاف المتعلمين والمرائين، والجاهلين بأمور السياسة والدنيا ومقاصد الدين، منقطعان كثيرة التدين قليلة الوعي ومُظلمة القلوب، كما جاء وصفهم في الأحاديث الشريفة.
فدخل العراق بطائفية سياسييه وقصر نظرهم، وخُبث الأمركيين ومصالحم، في لعبة الديمقراطية الطائفية فأصبح العراق كيانات مذهبية وعرقية، فترسّخت المحاصصة وسرى في العراق وباء تحزيب المذهب الديني والانتماء العرقي، فذهبت ريح العراق، وخرج الإرهابيون من هذا الأتون ليصنعوا بطولات في حروب الأزقة العراقية، مثلما خرجوا في ليبيا، عندما اهتزت صورة الدولة وانهارت المؤسسات الأمنية، فأصبح الحديث عن فدرالية أقاليم في ليبيا، ومعهما سوريا التي عمل فيها مشروع الديمقراطية الطائفية على كسر حلم السوريين بالعبور إلى إصلاح مدني. ومع ترشح توسع الثقب الأسود للديمقراطية الطائفية في كل المنطقة مثل البحرين، وفي موجات أخرى كما أتوقع نحو الخليج.
أمام هذا الوضع انحصرت الأحلام العربية إلى الحفاظ على أوطانها بحدود سايس بيكو، وأن تتجاوز هذا التسونامي المتدين، الذي لن تنطفئ ناره ولن تستكين فتنه إلا بأمور أهمها:
أولا: وعي الأمة ونخبها المتزايد بخطورة مشروع الديمقراطية الطائفية وأدواته الإرهابية على وحدة المجتمعات وأمنها، وعلى الأمن القومي كله، لأنه بفضل هذا المشروع سيتحوّل العالم العربي إلى محرقة مقدسة، تبتلع قرابينها وتُشرّد مستضعفيها، وهذا الوعي هو الذي سيعزل السياسيين الطائفيين والأحزاب المذهبية ويهمش التغلغل الإرهابي في النسيج الإجتماعي.
ثانيا: دور المؤسسات العسكرية والأمنية في صد صولات الإرهاب وتحجيم جماعاته وتجفيف منابعه، واستباق توسعه، ومد جسور الاحتواء لأولئك الشباب الذي يرى في مشروع الإرهاب حلما ورديا نحو بناء الدولة الفاضلة، دون تقدير مآلاته، وذلك لعزل الجماعات الدينية المؤدلجة عما قد يشكل بيئة حاضنة.
ثالثا: إعادة الاعتبار لثقافة الدولة والممارسة السياسية المدنية، بما يفتح آفاقا للإصلاح السياسي السلمي، بعيدا عن التورط في ديمقراطية طائفية تهدد كايانات الأوطان ووحدة المجتمعات، بإعادة المصداقية للممارسة الحزبية، بتجاوز الإيديولوجيات، وتحزيب الدين والمذاهب، وتجريم التكفير والعنف السياسي.
رابعا: نشر الثقافة الإسلامية الواعية، لأن غياب الثقافة الإسلامية فتح المجال لأدعياء أنصار الشريعة، فعندما يهمش فكر مثل فكر مالك بن نبي، وغيره ممن يفكرون في الدين تفكيرا بنائيا وحضاريا ومستقبليا، يصبح المجال مفتوحا لأبي خُليطة كما يلقبه أحد الدعاة الجزائريين، كناية عن الداعية الذي يقرأ الدين قراءة تخريبيةماضوية، لا يعنيه العقل ولا الحاضر ولا المستقبل، ولا تعنيه مقاصد الشريعة ومصالح الناس، وطبعا لا تعنيه فلسطين!
خامسا: إعادة الأجيال العربية إلى محورية فلسطين في التفكير والوجدان العربي، وفي المقاربة السياسية والدينية العربية، لأن فلسطين هي بوصلة الطريق، فبها تنكشق المغالطات وتنفضح الملابسات، ففيها تتجسد معاني حقوق الإنسان، وفيها تجتمع ضرورات الجهاد الحقيقي وليس الجهاد البديل، وعنها تكلم القرآن والحديث وأخبار آخر الزمان، وعنها وعن المرابطين حولها تتنزل البركات وليس المرابطين حول المجتمعات العربية يقتلون برها وفاجرها.
وأمام هذا الواقع، واقع الهرج والمرج، لا نملك إلا كلمات نساهم بها في بناء الوعي بخطورة ديمقراطية مزيفة، بعنوان الطائفية، تجعل المجتمعات العربية تنزوي إلى جماعاتها الدينية والعرقية، وتنخرط في دعاية حروب الأزقة المقدسة، حيث يصبح السياسي الإنتهازي ورجل الدين الكهنوتي، وفرق التطرف، أصحاب الأصوات العالية، لذلك فإن التعويل على وعي الشباب العربي الذي يعرف أن أولويات الأمة في بناء أنظمة سياسية مدنية تحترم المواطن وتعمل لأجله، وتحقق العيش والحرية والعدالة الإجتماعية، كما كان يحلم شباب الميادين، وليس دول التمييز العنصري التي تهدف إليه الجماعات والأحزاب الطائفية، التي قلصت أحلام هذا الشباب للحفاظ على كايانات سايس بيكو.
*كاتب جزائري