كركوك في قبضة "البشمركة" الكردية. والموصل في أسرها ولم تفكها بطبيعة الحال الغارات الجوية المحدودة التي نفذها سلاح الجو العراقي المتهالك. كما لم تخرج مدينة تكريت من قبضة "الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش)"، وبغداد يكاد يطوقها "التتار الجدد"!
لحظة الالتقاء الاميركية - الايرانية بشأن الخطر الداهم الذي يمثله "داعش" لن تبدل في المعادلات الميدانية التي نشأت خلال الايام الثلاثة الماضية. ولم يعرف بعد كيف ستترجم اللهجة الايرانية التي تنمّ عن احساس حقيقي بهذا الخطر، الى أفعال. وفي المقابل، كان الرئيس الاميركي باراك اوباما يتحدث عن عمل عسكري "فوري" يجب القيام به في العراق، من دون إرسال قوات ميدانية، وهو ما فسّر على انه لجوء اميركي محتمل الى الغارات الجوية او الضربات الصاروخية لمنع تقدم "جهاديي داعش" نحو العاصمة العراقية، وادراك اميركي - ولو متأخر - بفداحة المشهد العراقي، وربما الإقليمي، اذ قال اوباما صراحة إن "الرهان هنا هو ضمان أن لا يستقر الجهاديون بشكل دائم في العراق أو في سوريا أيضاً".
واستقر مشهد الأزمة العراقية في شقها الأمني والعسكري على سيطرة "داعش" على مناطق عدة تمتد من محافظة نينوى شمالاً وحتى تخوم بغداد جنوباً. لكن خلال الساعات الأخيرة، فتحت صفحة أخرى تمثلت في بروز تداعيات هذا الانتشار السريع في مجال إعادة رسم خريطة توزع النفوذ السياسي على مختلف المناطق في البلاد، حيث كان أبرز دليل على ذلك أمس، خروج مدينة كركوك عن سيطرة حكومة بغداد ودخول قوات "البشمركة" التابعة لإقليم كردستان إليها، للمرة الأولى، ما يحقق الحلم التاريخي للأكراد بالسيطرة على هذه المدينة الحيوية والغنية بالنفط.
وبانتظار تطورات الساعات المقبلة الميدانية لمعرفة وجهة خيارات كل من الحكومة، التي فشلت أمس في الحصول على تفويض برلماني لإعلان حال الطوارئ في البلاد، ووجهة "داعش" والجماعات الحليفة لها، فقد بدا لافتاً خلال ساعات المساء أنّ وقوع كركوك تحت سيطرة البشمركة نقل المعارك إلى شرق البلاد، حيث تكثر المناطق المتنازع عليها. ومع الانتقال، المفترض، للمعارك إلى شرق البلاد، وفي حال نجاح "داعش" في توسعها، تكون محافظة بغداد ومحيطها الشمالي قد أصبحا في حال حصار غير مباشر، من الغرب حيث محافظة الأنبار، ومن الوسط عبر محافظة صلاح الدين، ومن الشرق عبر ديالى.
وتمكنت مجموعات من المسلحين من السيطرة، مساء أمس، على ناحيتي السعدية وجلولاء الرئيسيتين في محافظة ديالى العراقية، بحسب ما أفادت مصادر أمنية. وهاتان الناحيتان متنازع عليهما بين بغداد وكردستان.
أما على الصعيد الدولي والإقليمي، فقد كانت الأزمة تنتقل إلى مرحلة جديدة أيضاً، مع بداية ظهور وضوح في المواقف لأبرز الفاعلين، ومن بينهم واشنطن التي أبدت عن استعداداتها لتكثيف المساعدات العسكرية إلى العراق.
وفي هذا الصدد، قال الرئيس الأميركي إنّ "ما شهدناه في الأيام الأخيرة يظهر إلى أي حد سيكون العراق بحاجة إلى المزيد من المساعدة من جانب الولايات المتحدة والمجتمع الدولي"، مضيفاً في سياق حديثه أنّ "فريقنا للأمن القومي يدرس جميع الخيارات ونحن نعمل بلا كلل لمعرفة كيف يمكننا تقديم المساعدة الأنجع". وأوضح أنّ الدعم يشمل الدعم العسكري والمعدات والدعم الاستخباراتي.
وقال أوباما "لا أستبعد أي شيء، لأنّ الرهان هنا هو ضمان أن لا يستقر الجهاديون بشكل دائم في العراق أو في سوريا أيضاً".
وأضاف الرئيس الأميركي، متحدثاً في البيت الأبيض أثناء اجتماعه مع رئيس وزراء استراليا توني أبوت، أن على العراقيين بذل مزيد من الجهد لعلاج الانقسامات الطائفية في البلاد، لكنه أشار إلى الحاجة للقيام بعمل عسكري. وقال "خلال مشاوراتنا مع العراقيين يمكن القول إنه ستكون هناك أشياء فورية على المدى القصير يتعين القيام بها عسكرياً وفريقنا للأمن القومي ينظر في كل الخيارات". وتابع قائلاً "لكن يجب أن يكون ذلك أيضاً تنبيهاً للحكومة العراقية. يجب أن يكون هناك مكوّن سياسي".
من جهة أخرى، أكد اوباما انه ابلغ "مباشرة" رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بقلقه بشأن نقص التعاون السياسي داخل البلاد. وقال "بأمانة في السنوات الماضية لم نر ثقة حقيقية وتعاوناً يتطوران بين القادة المعتدلين من السنة والشيعة في داخل العراق". وأضاف "هذا يفسر جزئياً ضعف الدولة ولهذا تأثير على القدرة العسكرية" للبلاد، معتبراً أنّ عنف الأيام الأخيرة يجب أن يشكل "ناقوس خطر" للحكومة العراقية.
بدوره، قال وزير الخارجية الأميركي جون كيري، أمس، إنّ واشنطن "قلقة" بشأن أعمال العنف في العراق، وإن أوباما مستعدّ لاتخاذ "قرارات مهمة بسرعة" لمساعدة الحكومة العراقية. وأضاف "نحن قلقون للغاية بشأن ما يحدث في العراق"، مضيفاً "نحن لسنا قلقين وننتظر، وإنما نحن نقدم المساعدة وعلى تواصل مباشر مع رئيس الوزراء المالكي" وغيره من القادة. وهذه أول تصريحات علنية لكيري بشأن أحدث أعمال العنف في العراق.
وكانت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية جين ساكي قالت، أمس، إنّ "أحداث الأيام الماضية نذير خطر.. يوجد خلل هيكلي واضح، ونحن محبطون من الخطوات التي اتخذها عدد من قوات الأمن".
أميركياً أيضاً، أجرى نائب الرئيس الأميركي جون بايدن، وهو المسؤول عن الملف العراقي في الإدارة الأميركية، اتصالاً، هو الأول الذي يعلن عنه منذ بداية الأزمة، برئيس الوزراء العراقي لبحث التطورات، معلناً أنّ الولايات المتحدة مستعدة لتكثيف وتسريع الدعم الأمني والتعاون مع العراق.
وكان وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري أعلن أمس أنّ الولايات المتحدة عليها التزامات بمكافحة "الإرهاب" في العراق، نافياً أنّ تكون حكومة بلاده قد طلبت تدخلاً عسكرياً من قبل الولايات المتحدة.
وعلى المقلب الآخر، أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في حديث إلى الصحافيين أمس، إنّ ما يجري في العراق "دليل على فشل مغامرة الولايات المتحدة وبريطانيا"، مشيراً إلى أن "مدبّري هذه المغامرة، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة وبريطانيا، لم يعودوا يسيطرون عليها". وأضاف "نحن نتضامن مع القيادة العراقية والشعب العراقي". وشدّد لافروف على ضرورة أن يعيد العراقيون السلام والأمن لبلادهم. وتعليقاً على الموقف البريطاني، قال لافروف "نعرف أن زملاءنا الانكليز يملكون قدرة فريدة على تشويه كل شيء".
وكان لافروف أجرى اتصالاً هاتفياً بنظيره السوري وليد المعلم، أمس، تناول التطورات الأخيرة في سوريا والمسائل المتعلقة بحل الأزمة في هذا البلد، وعملية إتمام تخليص سوريا من الأسلحة الكيميائية وأيضاً الوضع المتفاقم في العراق، وفق ما نقلت وكالات الأنباء الروسية.
كذلك، جددت موسكو، أمس، تنديدها بـ"مخططات الإرهابيين" الرامية إلى "التحصن" في العراق وسوريا ومناطق أخرى مجاورة، لافتة إلى أن الغرب يتحمل مسؤولية زعزعة الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وما نجم عنها من عواقب وخيمة. وقال المتحدث باسم الخارجية الروسية الكسندر لوكاشيفيتش إنه "ما من شك في أن من غزا العراق قبل عشر سنوات، ويواصل فرض قراراته وإرادته على شعوب المنطقة ساهم بشكل كبير في إطلاق عملية زعزعة الاستقرار، وهي النتيجة الواضحة اليوم عملياً في سائر الشرق الأوسط".
وأوضح لوكاشيفيتش أنّ الأنباء تتحدث عن أنّ مسلحي تنظيم "داعش" بعد سيطرتهم على الموصل وعلى بيجي وتكريت دمّروا العلامات الحدودية بين العراق وسوريا "معززين بطريقة رمزية مطلبهم في إقامة دولة للخلافة في المنطقة". ولفت إلى أنّ "فورة النشاط الإرهابي في العراق وهجمات المتطرفين المتواصلة في سوريا تجعل من الدعوة التي خرجت منذ عام في قمة الثمانية في لوخ إرن بشأن ضرورة تظافر جهود الحكومة السورية والمعارضة لمواجهة الإرهاب بحزم، أكثر إلحاحاً".
بدوره، قال وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس "أنا قلق جداً من الوضع في العراق. فتقدم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) يشكل خطراً كبيراً على وحدة وسيادة الدولة العراقية اللتين تتمسك بهما فرنسا". واعتبر أنّ تقدم المسلحين "يشكل خطراً كبيراً على استقرار المنطقة بمجملها".
وكان الحراك الإيراني لافتاً كذلك، حيث أجر