2024-11-24 02:57 م

روجيه غارودي...يكشف حقائق الصهيونية

2014-06-07
بقلم: إبتسام نصر الصالح *
كتاب لا ترميه عائلتك بعد مضي سنين بل تتوارثه وتحافظ عليه من جيل إلى جيل لابد أنَّه كتاب يعيش مدى الأجيال لأنه يطرح مضامين تخصّ الإنسان في كل زمان ومكان وبالتالي فهو يلبي رغبة الإنسان للاطلاع وشهوته للمعرفة وحاجته لإجابات حول أسئلة تدور حولها تفاصيل كثيرة من حياته كفردٍ في المجتمع أو كجزء من الإنسانية جمعاء أو باعتباره شخصية لها تأثيرها على مجتمعه وبالتالي لابد له من التزود من موارد المعرفة القيِّمة بما يتيح له تطوير ملكاته الإنسانية بشكل مستمر ولائق بإنسانيته وهذا ما يميِّز الإنسان عن الحيوان (بالطبع هناك وسائل معرفية أخرى غير الكتب يمكنها أن تساهم بتطوير الملكات المعرفية الإنسانية ولكل إنسان أن يختار وسائله المعرفية مع خالص الاحترام لكل إنسان في اختياراته المعرفية ). *انطلاقاً من هذا يمكنني القول أن كتاب(الخرافات المؤسسة للسياسة الإسرائيلية) للمفكر الفرنسي (روجيه جارودي) هو واحد من الكتب التي تعيش على مدى أجيال، ذلك أنه يقوم على كشف حقائق ودحض الأكاذيب وبالتالي تغيير وتطوير الكثير من منظومة معرفتنا ومجموعة المفاهيم التي سيطرت على مساحة واسعة من طريقة تفكيرنا(كبشر أينما كنا في هذا الكون). ترجم الكتاب من الفرنسية إلى العربية (م.ع.كيلاني) وقد أوضح أنَّه اختار ترجمة كلمة(mythe) والتي تحتمل ترجمتها كلمة أسطورة وكلمة خرافة وفضَّل اختيار كلمة خرافة لأن الأسطورة بلغتنا العربية تعني الخيال الذي بني على حقائق واقعية تاريخية أما الخرافة فهي ما بني على باطل . والأسطورة تساهم برفد خيال الإنسان وتغني ثقافته ومعارفه وبالتالي تساهم بتطوير الحياة الإنسانية لما فيه خير الإنسان، أما الخرافة فهي معول بيد الجاهل وأعداء الإنسانية يعمل على هدم كل ما هو راقٍ وإنساني ونبيل في الحياة. *روجيه جارودي واتهامه بمعاداة السامية: اتُّهِمَ ( روجيه جارودي الفيلسوف والمفكر الفرنسي) بمعاداة السامية ومعه بذات الاتهام( الأب لولونغ) و(القس ماتيو) فقط لأنهم صرَّحوا لصحيفة (لوموند) الفرنسية في عددها الصادر في 17 حزيران عام 1982 أثناء اجتياح الاحتلال الإسرائيلي للبنان حيث صرَّحوا بقولهم:" أن اجتياح لبنان هو جزء من منهج السياسة الصهيونية" والنتيجة أنه تم تقديم هؤلاء الثلاث للمحاكمة لكن محكمة النقض أنصفتهم بحكمها أن ما صرحوا به ليس إثارة عرقية وإنما نقد مشروع لسياسة دولة وللعقائدية التي توجهها. *هذا الكتاب واحد من ثلاثية تحارب العنف: هذا الكتاب هو واحد من ثلاثة كتب للمؤلف (روجيه جارودي) كان هدفها محاربة العنف الذي تكرِّسه وتحض عليه وتدعمه وتنشره كثقافة تغيِّب الوعي والعقل والروح الإنسانية كل جهة ترتبط عقائدياً أو مالياً أو سياسياً مع الأصولية في العالم (الأصولية الإسلامية والمسيحية والهرطقة الصهيونية الإسرائيلية ). فكانت انطلاقة المؤلف من المنبع الثرّ والمرجع الأقوى والوسيلة الأشد فعالية للوصول للحقائق المعرفية ألا وهو الكتاب وبالتالي القراءة ص9(قمت بقراءة كاملة للنصوص التي حوَّلت الخرافات إلى تاريخ. كان المغزى الكبير لخضوع النبي إبراهيم غير المشروط لإرادة الله مباركته لكل شعوب الأرض الذي حولته الخديعة إلى معنى معاكس له: صارت الأرض المغزوة أرضاً موعودة، كما هي الحال عند شعوب الشرق الأوسط من بلاد ما بين النهرين إلى الحثيين ومصر ....) من هنا نجد كيف وضَّح المؤلف أنه في خطة عمله خلال تأليف كتبه لم يعتمد على العاطفة أو التعاطف مع القضية الفلسطينية (التي بالتأكيد هو متعاطف معها) لكنه اتَّخذ منهج البحث العلمي الدقيق للتوصل للحقائق لتكون منطلق عمله الفكري الفلسفي وبالتالي الإبداعي وصولاً لإنجاز كتبه. *أما خطة هذا الكتاب فجاءت بداية بإيضاح المؤلف لماذا جاء هذا الكتاب ثم مقدِّمة توضّح حقيقة الصهيونية التي تختلف عن اليهودية ويفضح كيف تأسست الصهيونية على أساس استعماري بحت على يد مؤسسها تيودور هرتزل الذي يقول ص14( كمرحلة أولى، ننشئ ما يسمى" compagnie à charte" "شركة ذات دستور" تحت حماية بريطانيا، أو أيَّة قوة أخرى بانتظار أن نحولها إلى الدولة اليهودية.) ويتابع المؤلف توضيح الفكرة(ولهذا يتوجه هرتزل نحو رجل يعتبر نفسه معلِّماً في ميدان هذا النوع من العمليات، إلى المهرِّب الاستعماري سيسيل رودوس، الذي حوَّل "شركته الدستورية" لتصبح إفريقية الجنوبية التي دُعيت مكافأةً لهو بـ" روديسيا". كتب هرتزل إلى رودس في 11كانون الأول 1902:" أرجو منك أن ترسل لي نصاً تقول فيه إنك درست برنامجي، وإنك تؤيده. ستسألني لماذا أتوجه إليك، يا سيد رودس...والجواب لأن برنامجي هو برنامج استعماري استيطاني".). ثم يورد المؤلف الخرافات التي يقسمها إلى قسمين: الجزء الأوَّل: الخرافات اللاهوتية وتضم : 1-خرافة الوعد (أرض الميعاد),2- وخرافة الشعب المختار،3- وخرافة يشوع ( التطهير العرقي). الجزء الثاني: خرافات القرن العشرين وتضم: 1-خرافة الصهيونية المعادية للفاشية، 2- خرافة العدالة في نومبرغ،3- خرافة الملايين الستة (الهولوكست)،4-خرافة أرض بلا شعب لشعب بلا أرض. ثم يقدم المؤلف فصلاً عن الاستخدام السياسي للخرافة من خلال: 1- اللوبي في الولايات المتحدة .ص186(" يملك رئيس وزراء إسرائيل من التأثير على السياسة الخارجية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط أكثر مما يمتلكه في بلاده نفسها" بول فيندلي من كتابه "اللذين تجرَّؤوا على الكلام"). 2-اللوبي الفرنسي.ص207(" يوجدفي فرنسا لوبي قوي جداً موالٍ لإسرائيل ويمارس نفوذه بشكلٍ خاص في الأوساط الإعلامية" الجنرال ديغول). 3-خرافة المعجزة الإسرائيلية، التمويل الخارجي لإسرائيل.ص224( " تأتي قوة القبضة اليهودية من القفاز الفولاذي الأمريكي الذي يغطيها، ومن الدولارات التي تبطِّن ذلك القفَّاز." ياشاياهو ليبوفيتنر، من كتاب اليهودية وإسرائيل ص253). *وللمقاربة مع الواقع المؤلم للعرب ألا تبطِّن القفازات الأمريكية الداعمة لإسرائيل ملايين مليارات الدولارات التي يقدِّمها أمراء وملوك النفط العربي جميعهم بلا استثناء وعلى رأسهم السعودية وقطر؟!!! *أما خاتمة الكتاب فتأتي لتوضيح أهمية الأسطورة في أنسنة الإنسان ويقدِّم أمثلة من عدَّة أساطيرص238( تعطينا الرامايا الهندية من خلال سرد المحن والانتصارات التي صادفها بطلاها الأسطوريان راما وزوجته سنيا، أسمى صورة للرجل والمرأة. وحس الشرف لديهما، وإخلاصهما لمقومات حياة لا تشوبها شائبة. وهكذا يسمو راما ليقترب اسمه من اسم الإله رام. وتبلغ قوة الأسطورة حدَّاً تصبح معه الملهم عبر آلاف السنين لشعوب ترتفع في أفقها صورة لعظمة الإنسان.). *أخيراً يقدِّم المؤلف ملحقاً يضم: 1-المؤرخون الجدد في إسرائيل ومن بينهم البروفسور (زيرمان) ص256(إذ صعب على البعض مثلاً تقبل التوازي الذي أقامه بين الماضي والحاضر، عندما قارن الجنود المتطوعين في الأراضي المحتلة، بالجنود الألمان الذين تطوعوا في قوات الصاعقة الهتلرية، أو عندما قال: إن أطفال المستوطنين اليهود في الخليل ينشؤون نشأة هتلرية، أو عندما استنكر استغلال إسرائيل خرافة المحرقة.) 2-رسالة الأب بيير.ص261( لمجرَّد أن تجرَّأ الأب بيير على رفع صوته عالياً، وساند مقولتي حول التشكيك بالرواية الصهيونية، عن إبادة ستة ملايين يهودي خلال الحكم النازي في ألمانيا، ضغطوا عليه واضطروه إلى مغادرة فرنسا إلى إيطاليا، حيث أعلن من هناك، أن الكنيسة الفرنسية تدخَّلت وتحت ضغط الصحافة, التي تخضع للوبي الصهيوني الدولي، لإسكاتي. روجيه جارودي) ويتوضح موقف الأب بيير واحترامه ووقوفه بجانب روجيه جارودي من خلال رسالته . *وللمقاربة :ألا يبدو واضحاً دور اللوبي الصهيوني الدولي وسيطرته على وسائل الإعلام العالمية والعربية التي تُظْهِرُ وبوضوح انحيازها لإسرائيل وللمتآمرين على سورية بل انغماسها ودورها الوقح في هذه الحرب الكونية على سورية ؟!!! *ومن رسالة الأب بيير الرائعة اخترت لكم قرَّائي الأعزاءص262(عندما وصلني كتابك الأخير"الخرافات المؤسسة للسياسة الإسرائيلية" كنت منهمكاً في أمور لا تتحمل التأجيل ونظراً لكبر سني الذي ناهز الثالثة والثمانين فإنني لا أقوى على قراءة كل ما يصلني من كتب لأنني دأبت على تكريس ساعتين للمطالعة صباحاً وساعتين مساءً...إن الشتائم التي صُوِّبَت إليك من أطراف عدَّة بما في ذلك تلك المنشورة في الصحيفة التي اعتدنا موضوعيتها، هذه الشتائم التي تناهى علمها إليَّ والتي أرهقتك ولا شك، ستعود على أصحابها بالخزي والعار...). 3-رسالة الأب ميشيل لولونغ: والتي يوضِّح فيها موقفه الشخصي من القضية الفلسطينية وليس فقط وقوفه بجانب روجيه جارودي ص266(وكيف يمكن ألا أرى أن مساندتك للشعب الفلسطيني مستوحاة لا من المعاداة للسامية التي ترفضها وتدينها، ولكن من اهتمامك بالعدالة والتضامن مع هؤلاء الذين يناضلون من أجل الحرية..). 4-رسالة البروفسور زيغلر: حيث يفضح في رسالته زيف الديمقراطية في أوربا وأمريكا ويؤكد على أهمية الحوار لإقامة علاقات حضارية بين الناس، ص268(لقد صدمتني الاتهامات التي توجه إليك. إن حرية التعبير هي الرئة التي تتنفس بها المجتمعات الديمقراطية. فبدونها لا يتم أي حوار سياسي عقلاني أو أي حوار علمي.- فأنا نفسي أتعرض لهجمات قضائية مصدرها مزاودون منهم رجال مال وديكتاتور إفريقي سابق وغيرهم بسبب بعض كتبي ومقالاتي التي أمارس فيها حق النقد.- لذلك أنا أعرف الجانب الخبيث لهذه الهجمات.) *لا يمكن أن ننسى أن روجيه جارودي يقدِّم لكل نقطة في الكتاب توضيحاً يكشف الزيف والخرافة الباطلة ويؤكد الحق والحقيقة المواجهة لها متحدياً كل ما واجهه من ضغوطات وهجمات ليغيِّر توجهه وآراءه لكنه بقي صامداً لأنه ممتلئ بالمعرفة الإنسانية المغلَّفة بالحقائق العلمية الواضحة النابعة من عمله المواظب في البحث والدراسة المعمَّقة. *بالمقاربة : ألا يجدر بكل عربي أن يحذو حذو هذا الفرنسي الذي يبذل كل حياته للدفاع عن قضية فلسطين لإيمانه بحق الفلسطينيين بالحياة الطبيعية في فلسطين ؟!!ولكن يبدو أنَّه يتوجب دائماً توجيه النداء لكل الأجيال لتكن بوصلة تفكيرنا باتجاه فلسطين المحتلة وليكن الجهاد هناك في فلسطين في مقاومة العدو الإسرائيلي المحتل لأرضنا العربية.
 *الكتاب:الخرافات المؤسسة للسياسة الإسرائيلية.
المؤلف: روجيه جارودي ترجمة: م.ع.كيلاني.
الناشر: دار الكاتب بدمشق صفحات الكتاب: 271من القطع الكبير