يوما بعد آخر تتعالى الأصوات في الغرب للمطالبة بتغيير سياسة بلدانها العدوانية تجاه سورية والتي دعمت من خلالها المجموعات الإرهابية التكفيرية وساعدت في إيصالها إلى هناك بعد أن وفرت لها الغطاء الكامل لأعمالها الإجرامية قبل أن تجد نفسها اليوم أمام خطر محدق يتمثل بانتقال هذا الإرهاب التكفيري إلى أراضيها في تهديد مباشر لأمنها الداخلي وهو ما باتت تؤكده العديد من التقارير والوقائع.
جديد الأصوات المنتقدة للسياسة الغربية في سورية جاءت في مقال للكاتب الفرنسي بيير بيلو نشره في مجلة اللوبوان الفرنسية أكد فيه أن "الاستراتيجية الغربية التي اتبعت تجاه سورية فشلت" متسائلا عن جدوى السياسية الخارجية التي تكون عادة قبل كل شيء للدفاع عن المصالح في وقت يرى اليوم بوضوح أنها أي المصالح الغربية باتت مهددة بسبب الأحداث في سورية وتواجد الإرهاب الدولي فيها الذي اصبح أيضاً على أبواب أوروبا.
ويشدد الكاتب الفرنسي أنه لمواجهة "الفوضى الخطرة" التي أحدثتها الاستراتيجية الغربية المعادية لسورية فقد حان الوقت بالنسبة للغربيين إلى إعادة النظر في النهج الذي اتبعوه وأدى إلى هذه الكارثة عن طريق تبريد الأزمة وتشجيع الحل السياسي والتوقف عن المطالبة كل يوم برحيل القيادة السورية.
وفي معرض تحليله لفشل الاستراتيجية الغربية في سورية قدم الكاتب الفرنسي نموذج الإرهابي مهدي نموش الذي قاتل في صفوف الجماعات الإرهابية المتطرفة في سورية وهو اليوم متهم بارتكاب مذبحة في المتحف اليهودي في بروكسل ببلجيكا مشيرا إلى أن "نموش ذهب فعلا الى سورية لاستكمال تدريبه لدى الجماعات المتطرفة لمدة عام في وقت تتزايد في فرنسا الدعوات للانضمام إلى المجموعات الإرهابية الدولية".
قتال الإرهابي الفرنسي نموش إلى جانب المجموعات التكفيرية في سورية قبل عودته إلى فرنسا ليس بجديد حسب الكاتب بيلو فمنذ عام تقريبا قدر عدد الفرنسيين الذين انضموا إلى "الجماعات الجهادية" في سورية بـ 270 شخصا واليوم أصبح عددهم 500 وفقا لوزير الخارجية لوران فابيوس مبينا أنه ورغم اتخاذ تدابير منذ بداية عام 2013 ودق ناقوس الخطر من وزير الداخلية السابق ورئيس الوزراء الحالي مانويل فالس في كل اجتماع وزاري مكرس للوضع في سورية إلا أنه من المستحيل رصد جميع المرشحين للذهاب إلى سورية وتوقيفهم في الوقت المناسب.
وهنا يرى الكاتب الفرنسي بأن معالجة هذا الأمر يحتم وقف انتقال الإرهاب في سورية والنظر إلى هذا الموضوع بشكل واقعي والإقرار بأن الاستراتيجية الغربية تجاه هذا البلد فشلت معتبرا أن هذا الفشل يعود إلى محاولة الدول الغربية التقليل من قدرة القيادة السورية والاعتقاد أنها "ستنهار في غضون أشهر إلا أن هذا السيناريو الذي حلم به الغربيون لم يتحقق".
وأكد الكاتب بيلو أنه بمواجهة معارضة منقسمة بقيت الأجهزة الأمنية السورية متماسكة فيما "كانت عمليات الفرار والانضمام إلى المعارضة في بعض الأحيان تتم عن طريق شراء الولاءات من دول الخليج".
حقيقة الدعم الكبير الذي تتلقاه الدولة السورية من شعبها كان ايضاً أحد أسباب فشل الاستراتيجية الغربية المعادية لسورية إذ أكد الكاتب الفرنسي أن "الدولة السورية مازالت تحظى بدعم جزء كبير من السكان" مشيرا في هذا الصدد إلى أن ذلك أدى لاستعادة القوات الحكومية تدريجيا السيطرة على مناطق مهمة في البلاد.
وفيما يتعلق بدعم الغرب للإرهابيين رأى الكاتب بيلو أن الغربيين حاولوا تأسيس مسألة نظرية لما يسمى "الجيش الحر" الذي "من المفترض أن يكون مشبعا بمبادئ الديمقراطية في مقابل الإسلاميين الأشرار" إلا أن الحقيقة كانت في أن "الإسلاميين هم الذين تقدموا قبل أن يتقاتلوا مع "جبهة النصرة" التابعة لتنظيم القاعدة وبالتالي أصبح إيصال الأسلحة إلى داخل سورية إشكالية كبيرة على حد تعبيره إذ "كيف سيكون الغربيون متأكدين بأن ترسانة الأسلحة التي يرسلونها لن تقع بين أيدي القتلة غير المرغوب بهم" بمعنى أنهم لا يتبعون بشكل كامل إلى تلك الدول.
وفيما يتعلق بالموقف الروسي الداعم للدولة السورية رأى الكاتب الفرنسي أن موسكو تنطلق بذلك من سبب استراتيجي يتعلق بالخوف من "الإسلام المتطرف الذي يتغلغل في الجمهوريات الروسية" وهو ذات الأمر الذي تنصب عيون الصين حوله في كزينجانغ حيث تتحرك الجماعات الإسلامية المتطرفة يضاف إلى ذلك أيضا تضامن موسكو "التاريخي مع المسيحيين السوريين الذين هم في اغلبيتهم من الأرثوذكس" مبيناً أن اشتراط الغرب رحيل القيادة السورية قبل أي حل سياسي في سورية عرقل أي خيار.
ولم يخرج دعم قطر ونظام آل سعود للمجموعات الإرهابية في سورية عن حسابات الكاتب الفرنسي الذي وصف ما يقومان به بـ "اللعبة الغامضة" مشيراً إلى أن "سورية باتت بالنسبة لهم أرض مناورة من أجل فرض نفوذهم وكل واحد منهم له زبائنه فقطر تدعم الإسلاميين في "جبهة النصرة والإخوان المسلمين" فيما المملكة الوهابية هي داعمة "الجيش الحروالجبهة الإسلامية" فيما يبدو الشعب السوري وسط كل ذلك بالنسبة لهم في المقام الثاني.
وتعيش دول أوروبا حالة تأهب قصوى لمواجهة خطر الإرهاب وما يشكله من تهديد على أمنها في ظل مخاطر عودة الإرهابيين إلى دولهم ونقل ما مارسوه من إرهاب وإجرام أثناء قتالهم في صفوف المجموعات الإرهابية التكفيرية في سورية التي دعمتها هذه الدول.