بقلم : دنيز نجم
كانت سورية وطن الإنسان و الإيمان وطن الأديان السماوية و أرض الحضارة و التاريخ و كانت بلد الفقير و أم اليتيم و الوطن الثاني لكل عربي شريف و كل من داس ترابها المقدس تغنى بجمال طبيعتها الخّلاب و وصفها بأنها جنة الله على الأرض و كان شعبها الطيب مضرب المثل بنسيجه الإجتماعي المتماسك و لحمته الوطنية و روح التآخي و التعايش و المحبة التي تربط بين مختلف الشرائح و الطوائف .
و لكن بعد اندلاع الحرب طرأ تغيير جذري شامل و وصل الحال ببعض أبنائها أن أصبحوا كالوحوش الكاسرة ينهش بعضهم لحم بعض فكان واضحاً أن هناك حلقة مفقودة وقف كل ذي عقل راجح و رزين عاجزاً أمام
إشارات الإستفهام الكبيرة المبهمة متسائلاً عن كيفية تفتت نسيجهم الإجتماعي و لحمتهم الوطنية التي دامت قروناً و عصوراً بمدة زمنية قصيرة لا تتعدى السنوات لا شك أن وجود نظام حكم معين في السلطة لمدة أربعين عاماً كان سبباً من الأسباب التي أججت الخلافات بين السوريين و أن تراكم الفساد لسنين طويلة زاد من معاناتهم و ضغوطاتهم النفسية و هي أمولر تفسر انقسامهم بين طرف مؤيد و آخر معارض و لكنها لا تعد بأي شكل من الأشكال تفسيراً لوجود هذا الكم الهائل و الفائق عن الخيال من الكراهية و الحقد الأعمى فيما بينهم الذي انتزع منهم روح المحبة و الإنسانية و وصل بهم إلى حدود القتل و استباحة الدماء و انتهاك الأعراض فما هو السبب الحقيقي إذاً و أين هي الحلقة المفقودة ؟؟؟ !!! .
عندما يقف الإنسان حائراً أمام قضية ما يبدأ باللاشعور البحث عن الحقيقة ملتمساً ما توافر من الأدلة و البراهين المنطقية و يسلسل الأحداث و يحاول ربط المقدمات بنتائجها إلى أن يكتشف الحلقة المفقودة التي كانت وراء هذا التغيير الجذري .
العقل و المنطق يثبت أن هناك أسباب عميقة و قوية أدت إلى هذا التغيير الجذري بين أبناء الشعب السوري و من ضمن أهم الأسباب هو الفترة الزمنية القصيرة التي دخلت فيها التكنولوجيا الحديثة على الوطن العربي بشكل عام و على سورية بشكل خاص و انتقال الشعب من زمن الماضي الجميل إلى زمن التكنولوجيا الحديث بسرعة جنونية الأمر الذي انعكس مباشرة على أفعال و رود أفعال الأفراد و طريقة تفكيرهم و على بنيان و تماسك الأسرة بوصفها خلية أولى و أساسية في تكوين المجتمع و من ثم على المحتمع ككل و حلّت وسائل التواصل غير المباشرة مكان لقاءاتهم و أحاديثهم .
لقد قسم عصر التكنولوجيا الحديث و السرعة الشعب العربي و خاصة السوري إلى نصفين فالجزء الأول من الشعب تقبل هذا التغيير محافظاً على العادات و التقاليد و أدخل التكنولوجيا على حياته الأسرية ليستفيد منها و البعض الآخر بالغ في استخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة بشكل سلبي و مخل بالعادات و التقاليد و الأخلاق و على سبيل المثال هناك من استفاد من جهاز الكومبيوتر في تطوير دراسته أو عمله و البعض من استخدمه بطريقة بعيدة عن الأخلاق ليطبقها على نفسه و يتباهى بأنه متحضر .
أما الجزء الثاني من الشعب منهم من رفض هذه التكنولوجيا لأنه علم بأنها ستحدث تغييراً في حياة أسرته و ابتعد عنها و البعض منهم رفضها لأنهم اعتبروا وجوده سيفتح باب من أبواب جهنم فهو بنظرهم وسيلة من الوسائل الشيطانية كونهم متعصبون و متطرفون دينياً .
و من الأسباب التي أدت لهذا التغيير أداء المحطات الإعلامية السورية لأنها ساهمت في انقسام فكر الشعب إلى قسمين فعلى سبيل المثال كانت تبث المسلسلات القديمة التي تحمل الفكر المتعصب و المتخلف و خاصة عن المرأة السورية بصورتها المشوهة و كأنها جاهلة متخلفة لا دور لها في هذا المجتمع و كأن هذه المحطات تحاول أن تجر الماضي إلى الحاضر ليصبح مستقبل و هذا ما جعل البعض يتمرد على المجتمع ليثبت للعالم بأنه انسان متطور يحمل فكر علماني حديث .
و من أهم الأسباب أيضاً هو ألعاب الأطفال التي أدخلت إلى الأسواق السورية مؤخراً و التي ألغت عقل الطفل و عملت على تحريك غرائزه نحو العنف و تحرضه على استخدام يديه أكثر من عقله فشوهت طفولتهم و سرقت براءتهم .
و من هنا نستنتج أن عصر التكنولوجيا كان له تأثير كبير على نفور الشعب السوري من بعضهم البعض و خاصة بعد أنعدام الإحتكاك و التواصل المباشر لأن الفترة الزمنية القصيرة التي حدث بها التغيير الجذري لم تعطهم الفرصة لكي يتأقلموا معها و هذا ما جعل الكبت النفسي يتفاقم حتى شكل بركان في داخل كل منهم و تحولوا إلى قنابل موقوتة انفجرت مع أول نسمة هبت عليهم من نسائم الحرية لأن الغالبية منهم بتفكيرهم العربي الجاهلي قيدوا حرية الفكر و أعطوا الحرية لغرائزهم و السبب يعود لإنخفاض نسبة المثقفين من الشعب و التي لا تتجاوز 60 % و حتى المثقفين منهم أغلبهم يكره القراءة التي تصقل من معرفتهم .
كل هذه العوامل أدت لتغيير جذري بين أبناء الشعب السوري من نفور بين الفكر الجاهل و الفكر المتحضر بين الماضي و الحاضر بين العادات و التقاليد و المبادئ و الأخلاق في عصر التكنولوجيا الذي سرق منهم راحة البال بالتعايش بروح المحبة و التآخي و التعاون و هذه هي الحرب التي سبقت الحرب الحقيقية التي يعاني الوطن العربي و تعاني منها سورية .
لقد شنّ الغرب على الوطن العربي حربهم بالفكر الماسوني و التي سبقت هذه الحرب و هذا الفكر يعتمد اعتماداً كلياً على تجميد الفكر لإلغاء العقل و إعطاء الحرية المطلقة للغرائز التي تتحكم بالإنسان و تنعكس على ردود أفعاله و التي بدورها تنعكس بصورة أو بأخرى على من حوله لتشمل المجتمع فيما بعد و هذا ما يثبت أن الحالة التي وصل إليها الشعب السوري ليست من الفساد المتراكم و لا علاقة لها نهائياً لا من بعيد و لا من قريب بحكم الأسد لأن نظامه الحاكم استمر أكثر من أربعين سنة و لم ينفجر كما هو الحال الآن و يبقى المسؤول الأول عن التغيير الجذري بنسيج الشعب السوري هو الغرب و حرب احتلال العقول و التي سبقت احتلال الأراضي .
و مما زاد الطين بلة أيضاً وجود أصحاب العقول المحشوة بالبترودولار الذين تاجروا بالمخدرات و نشروها بين أبناء الشعب ليسخروهم في خدمتهم و تاجروا بالأسلحة لأنها تجارة مربحة و أخيراً تاجروا بالإنسان لأنه أصبح أداة تخدم المصالح و تحقق الأهداف على حساب البشرية و الإنسانية و هذا ما رأيناه من جهلة واقعين تحت تأثير المخدرات يفجرون أنفسهم لأجل الحصول على حورية و الحوريات تملئ الكرة الأرضية و هم يبحثون عنها في عالم المجهول لأنهم لا يرون أبعد من أنوفهم و لا يوجد حل يعيد ترابط الشعب السوري بنسيج اللحمة الإجتماعية سوى التركيز على عودة العلاقات و الروابط الأسرية التي تؤثر على محيطها لتشمل المجتمع بالعمل على التفاهم بالمحبة للتخفيف من الضغوط النفسية فالتفكك الأسري له ردود سلبية تنعكس على الوطن و كل بلد نتعرف على نمط الحياة فيها و عاداتها و تقاليدها من خلال الأسرة .
و يعتقد الكثيرون أن الكنائس و المساجد المبنية من الحجارة هي مكان العبادة الوحيد و لكن الكنيسة و المسجد الحقيقيين هم المبنيين داخل كل إنسان لأنه مكان عبادته و اتصاله المباشر مع الخالق و من أراد أن يبني وطنه بطريقة علمانية حديثة فلينسى المباني الحجرية و ليبني المكان المقدس الذي ينتمي إليه داخل قلبه و ليعمل على زرع بذور المحبة بين أفراد أسرته لأن هذه البذور ستكون حصاد المستقبل لأبنائهم و للأجيال القادمة فالوطن لا يحتاج إلا إلى قلوب محبة و عقول نظيفة خالية من الشوائب يحتاج لأشخاص تضعه فوق ذاتها حين تتخلى عن الأنانية و تذّوب الأنا في الكل فاليد الواحدة لا تصفق و إعادة إعمار سورية تحتاج لسواعد و عقول من الداخل و الخارج معاً تتشابك بالمحبة على التعاون ..... سورية تحتاج لثورة محبة من أبناء شعبها بجميع طوائفهم لأنها بهم تكبر و معهم تنتصر .