2024-04-30 12:37 م

هل نحن بحاجة الى مزيد من "المباحثات"؟

2014-04-24
بقلم: الدكتور بهيج سكاكيني
ما زالت "المفاوضات" الفلسطينية الاسرائيلية تراوح مكانها كما كانت منذ عهود. ولقد اتخذتها إسرائيل ومنذ البداية كوسيلة لإبعاد القضية الفلسطينية عن طائلة الأمم المتحدة ومؤسساتها ومرجعية قراراتها بما يختص بالقضية الفلسطينية، والاستفراد بالطرف الفلسطيني الذي حرق معظم أوراقه ان لم تكن كلها حتى قبل الولوج في هذا المنحى المدمر، بالإضافة الى قضم مزيد من الأراضي والتهويد والاستيطان السرطاني اليهودي على كافة أراضي فلسطين التاريخية وعدم اقتصارها على الأراضي المحتلة عام 1967 . كما استطاعت إسرائيل تحويل الاحتلال من مشروع خاسر اقتصاديا وسياسيا واعلاميا وامنيا، الى مشروع مربح على معظم هذه الأصعدة. فمن الناحية الاقتصادية لم تعد إسرائيل وهي الطرف المحتل مسؤولة عن صرف معاشات الموظفين الحكوميين ولا عن الصحة او التعليم او الخدمات الأخرى، حيث أوكلت هذه المسؤولية للسلطة الفلسطينية، وهذه بدورها اعتمدت على تحصيل الهبات والمساعدات المالية من الاتحاد الأوربي والدول العربية بشكل رئيسي، بالإضافة الى ما بعض ما يجنى من الضرائب التي تجبيها إسرائيل وتستخدمها سوطا مسلطا على رقبة السلطة، فهي تدفعها حينا وتحتفظ بها حينا آخر. ولن نكون مجافين للحقيقة إذا ما قلنا ان الاحتلال الإسرائيلي لأراضي 1967 الفلسطينية قد تحول تحت مظلة أوسلو وما تبعه من اتفاقيات، ليس فقط الى أرخص احتلال من ناحية اقتصادية، بل أصبح مشروعا يدر الأرباح ويدعم الاقتصاد الإسرائيلي. واستطاعت إسرائيل من خلال المفاوضات ابعاد شبح الانتقادات لسياساتها لعقود من الزمن، تحت ذريعة ان أي انتقاد قد يضر بالعملية السياسية. كما استطاعت تعيين الإدارة الامريكية لتكون الراعي لهذه المفاوضات، وأثبتت جميع الإدارات جمهورية كانت أم ديمقراطية أنها تنطق باسم إسرائيل وتتبنى الاطروحات الصهيونية بالكامل، وتمحورت وظيفتها بالتدخل للضغط على الطرف الفلسطيني كلما تململ او أبدى النية للانسحاب من "المفاوضات". واستطاعت إسرائيل ان توسع المستوطنات اليهودية وبناء مستوطنات جديدة والاستيلاء على مزيد من الأراضي كل هذا اثناء المفاوضات. وكل ما كنا نسمعه هو تصريحات إدانة هنا وهناك لم تؤثر على أي من التصرفات الإسرائيلية أو تردعها بشكل او بآخر عن هكذا ممارسات. واستطاعت إسرائيل خلق وقائع جديدة على الأرض والتي أصبحت على ما يبدو تجد تقبلا غربيا بالرغم من الادانات التي تسمع بين الحين والأخر عن المستوطنات وبانها تقف "عائقا" اما تحقيق السلام أو انها مخالفة للقوانين الدولية وبالتالي فهي غير شرعية. وهنالك العديد من المقالات والأبحاث التي تبين ان الاتحاد الأوروبي وهو الأكثر انتقادا لسياسة الاستيطان قد ساهم الى حد كبير في تطوير المستوطنات السرطانية اليهودية في أراضي 1967. والان وقد بقي على انتهاء المدة التي كانت مقررة لان تصل فيها المباحثات الى الحل النهائي على حسب الاجندة الامريكية التي وضعها وزير الخارجية كيري، يطرح السؤال هل ستقبل السلطة الفلسطينية بالتمديد لهذه المفاوضات، بعدما صرحت انها لن تمدد بعد انتهاء الفترة التي قررت للوصول الى نتائج حول الوضع النهائي، والتي ما زلنا نفاوض من اجل الوصول اليه منذ مطلع التسعينات من القرن المضي. وما فائدة التمديد والجميع على ثقة بانها لن تؤتي بنتيجة، وكل ما ستفعله هو إعطاء مزيد من الفرص للتهويد والاستيطان والاستيلاء على الأراضي، وهي السياسة المستمرة والمبرمجة للكيان الصهيوني منذ تأسيسه الى الان لم ولن يتغير. فقد مارس وما يزال سياسة تطهير عرقي ممنهجة ومؤسسة داخل مؤسسات الدولة واحزابها وقياداتها السياسية الحاكمة. ان الخطأ الأكبر الذي ارتكبته الجهة الفلسطينية التي فاوضت سرا في اوسلوا وما تمخض عنه هو التوقيع على والقبول بإعتبارا أن الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1967، هي أراضي متنازع عليها. بمعنى ان إسرائيل لا تعتبرها أراضي محتلة، بل تعتبرها أراضي إسرائيلية يقطنها أغلبية عربية، ومن هنا فهي تعتبر الاستيطان على اية بقعة في هذه الأرض هو حقها لا يحق لأي انسان الاعتراض عليه. إسرائيل لا تعترف مطلقا بان هذه أراضي محتلة، وللأسف هذه تركة اوسلوا التي يرزح تحتها الشعب الفلسطيني وما زال يتحمل تبعات هذه الاتفاقيات المشؤومة. الجانب الأمريكي طلب من السلطة الفلسطينية تمديد المفاوضات تسعة أشهر أخرى وذكرت وكالة معن الإخبارية ( 22 ابريل 2014) المقربة من السلطة أن الرئيس أبو مازن قال " نحن وافقنا على ذلك بشرط رسم الحدود النهائية للدولة الفلسطينية". وأضاف قائلا " اذا كانت إسرائيل تؤمن فعلا بحل الدولتين تعالوا نجلس حول الطاولة ونرى اين تقع حدود دولة إسرائيل تعالوا نحدد اين تقع حدود إسرائيل وأين تقع حدود فلسطين". هذه ليست بأول مرة توافق السلطة على الاستمرار بالمفاوضات (بالرغم من معارضة كافة الفصائل الفلسطينية) ووضع شروط. ولكن للأسف كانت دائما تتراجع عن الشروط التي تضعها تحت الضغوط وخاصة الابتزاز المالي سواء من الدول الأوروبية أو العربية الخليجية بالتحديد. اما عن قضية الحدود فقد كانت السلطة تردد أن حدود الدولة الفلسطينية هي حدود عام 1967 . ونتساءل هنا لماذا تركت هذه المرة انها مفتوحة للمفاوضات؟ وفي خلال لقاء جمع الرئيس أبو مازن بعدد من المراسلين الصحفيين الإسرائيليين المتخصصين بالشأن الفلسطيني في مقر المقاطعة بمدينة رام لله، صرح أبو مازن " اذا حصل اتفاق سلام فان إسرائيل ستحصل على جائزة عبارة عن اعتراف فوري من قبل الدول العربية والإسلامية" وان هذه الدول " ستقيم علاقات معها من موريتانيا الى أندونيسيا". ولا بد لنا من الاستفسار هنا هل خولت الدول العربية أو الدول الإسلامية الرئيس أبو مازن للتحدث باسمها في قضية الاعتراف بالكيان الصهيوني وإقامة العلاقات مع هذا الكيان الغاصب، وهل يملك السيد الرئيس أبو مازن قرار هذه الدول والضغط على الزر حتى يتم الاعتراف الفوري؟ ونحن نتساءل هنا هل خولت الدول العربية أو الدول الإسلامية الرئيس أبو مازن للتحدث باسمها في قضية الاعتراف بالكيان الصهيوني وإقامة العلاقات مع هذا الكيان الغاصب، وهل يملك السيد الرئيس أبو مازن قرار هذه الدول والضغط على الزر حتى يتم الاعتراف الفوري؟....نعم هنالك بعض الدول العربية التي إقامة العلاقات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية مع هذا الكيان الغاصب وما زال الشعب الفلسطيني يرزح تحت الاحتلال بكل اشكاله، وعروسة عروبتهم تستباح يوميا وتهويد الأقصى يجري على قدم وساق يوميا اسوة بالحرم الابراهيمي في الخليل، وما زالت هنالك أراضي عربية محتلة ربما لم تدخل في الحسابات كشرط للاعتراف الموعود. هذه الدول التي تسابقت مع بعضها لم تنتظر حصول الاتفاق لتقيم العلاقات مع الكيان الصهيوني. ليس هذا فحسب بل ذهب بعضها الى ابعد من ذلك بإقامة علاقات استراتيجية، والتنسيق مع الكيان الغاصب من خلال الزيارات السرية المتبادلة بشأن الملف النووي الإيراني والاعتداءات على سوريا. تلك الدول التي تريد ان تقحم المنطقة في حروب طائفية ومذهبية مدمرة. وعلى العموم فانه حتى لو اعترفت القيادة السياسية في هذا البلد أو تلك في الكيان الصهيوني، فان ذلك لا يعني على الاطلاق الاعتراف او التطبيع على المستوى الشعبي، ولنا في مصر أكبر مثال على ذلك. فعلى الرغم من توقيع اتفاقيات كامب ديفيد في عهد الرئيس السادات عام 1978، ما زالت الجماهير المصرية بمجملها ترفض التطبيع ولا تتقبله. أما فيما يتخص بموضوع حل السلطة الفلسطينية فقد صرح الرئيس أبو مازن للصحفيين في نفس الاجتماع، بانه فيما إذا فشلت المفاوضات فان السلطة ستقوم بتسليم مسؤوليات وصلاحيات السلطة لإسرائيل لتتحمل كل المسؤوليات المدنية والأمنية والأوضاع الاقتصادية لأنها أي إسرائيل أفرغت السلطة من محتواها. والسؤال هنا هل كان للسلطة محتوى في يوم من الأيام متواجد على أرض الواقع؟ يكفينا دجلا على أنفسنا وعلى الغير بأن هذا ليس صحيحا أو ان هنالك هوامش من الحرية. وما هي هذه الهوامش عندما نرى انه باستطاعة جندي صهيوني بأصغر رتبة عسكرية أن يغلقها لينهي حلم الحالمين والذين يحلقون في الأوهام ليعيدهم الى الواقع الحقيقي المأساوي والمر، كما يتضح على أرض الممارسة اليومية. والا فبماذا تفسرون إيقاف رئيس الوزراء الفلسطيني من قبل جنود إسرائيليون عن حاجز وهو متوجه الى احدى المدن الفلسطينية قبل فترة مثلا، ومنع بعض "الوزراء" من السفر أو التنقل من مدينة الى أخرى والطلب من الأوروبيون او الإدارة الامريكية بالتدخل للسماح لهم بالسفر. أو بماذا تفسرون دخول وخروج وحدات من الجيش الإسرائيلي ومخابراته الى المناطق التي من المفترض أن تكون تحت إدارة السلطة الفلسطينية، وذلك لاعتقال بعض العناصر الفلسطينية أو اغتيال النشطاء الفلسطينيين، دون ان تحرك "القوى الأمنية الفلسطينية" ساكنا والذين عادة ما يلتجئون الى مراكزهم ولا يخرجون منها الا بعد أن تنفذ القوات الصهيونية الغرض التي أتت من أجله. أو بماذا نستطيع ان نفسر عدم إعطاء ترخيص واحد لحفر بئر ارتوازي في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 منذ احتلالها، والتي يتم سرقة مياهها ومن ثم بيعها لنا نحن أصحاب الأرض، بينما تنعم المستوطنات السرطانية اليهودية التي أقيمت على ما تبقى من أرض فلسطين التاريخية بهذه الثروة المائية. وبماذا نفسر الرفض الإسرائيلي على إقامة مطار على الأراضي الفلسطينية المحتلة والإصرار على السيطرة على المعابر الحدودية والتحكم بالدخول والخروج من الأراضي، وهذا دواليك وتكثر أسئلة بماذا. قبل مدة قامت مجموعة من الأمريكيين البارزين في المجالات السياسية والدبلوماسية وهم زبينغنيو بريجينسكي وفرانك كارلوتسي وتيم هاميلتون وكارلا أ. هيلز وتوماس بيكيرينغ وهنري سيغمان بنشر مقال في 8 ابريل 2014 على موقع "بوليتيكو" الاليكتروني الاخباري، منددين بالمواقف الإسرائيلية وخاصة فيما يتعلق بالأنشطة الاستيطانية ويحثون الإدارة الامريكية على تعليق العملية الدبلوماسية الى ان تمتثل إسرائيل بالقانون الدولي. ويتحدث المقال عن ان الولايات المتحدة تعارض المستوطنات وتعتبر توسيعها "غير شرعي" و "غير مساعد" ويعتبر كاتبو المقال ان هذا الموقف " لا يحدد باي شكل من الاشكال طبيعة هذا النشاط التدميرية، ولا يبدد الانطباع باننا وافقنا عليه في نهاية المطاف على الرغم من اعتراضنا الشفهي عليه". ويستعرض المقال العديد من النقاط التي تجعل المفاوضات المزعومة عقيمة، وان احتمال التوصل الى نتيجة موثوقة معدوما. ويشير المقال بموقف إسرائيل واعتبارها بان الضفة الغربية هي "ارض متنازع عليها" بدلا من أرض محتلة. وكتب مؤخرا كلوفيس مقصود مقالا في جريدة المونيتر الاليكترونية (14 ابريل، 2014) يؤكد ان الامتثال للقانون الدولي يعرف بان إسرائيل تحتل الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة وان على إسرائيل الاعتراف بان هذه اراضي محتلة. ويشير الكاتب بان الإدارات الامريكية المتعاقبة لم تحصل حتى اليوم على هذا الاعتراف من إسرائيل، وان هذا سببا رئيسيا في فشل كل المباحثات التي جرت للان. وهو يحث الرئيس الفلسطيني محمود عباس لإيقاف محادثات السلام الى ان تمتثل إسرائيل للقانون الدولي. فهل يا ترى يستجيب الرئيس الى هذه الدعوات من الأمريكيين وكلوفيس مقصود؟