كانت بدايات القرن التاسع عشر هى بداية حالة من الزخم السياسى المصرى وذلك بكثرة الحركات الوطنية التى اجتاحت مصر من خلال ثورة عرابى ومن بعدها جهاد مصطفى كامل والذى أسس حركة الجمعية الوطنية والتى تحولت إلى الحزب الوطنى ومن ثم هنا توالت الحركات الثورية والشخصيات المصرية التى عملت على إثراء الحياة السياسة المصرية من خلال ثورة 19 بقيادة سعد زغلول وتأسيس حزب الوفد وما وازاه من حركات أخرى مثل جمعية مصر الفتاة ...
وقد عمدت هذه الحركات الثورية بين الأحزاب الصغيرة وبين الحركات السياسية والتى الاجتماعية والنسائية فى مصر وهنا ظهرت جماعة الإخوان المسلمين لتعمل على نشاط اجتماعى داخل مصر للحد من التوغل الغربى فى المجتمع وسرعان ما تحولت هذه الحركة الإصلاحية إلى حركة دموية تزعزع أمن واستقرار المجتمع المصرى .
إلا أن هذه الحركات الثورية قد توهجت من خلال ثورة يوليو 1952 والتى قادت مصر من التخلص من النظام الملكى الفاسد فضلا عن الأحزاب السياسية التى كانت تميل على الملك على حساب الشعب المصرى وهذا ما كان سببا كبيرا فى قرارات مجلس قيادة الثورية المصرية آنذاك بحل الأحزاب المصرية والتى لم يبك عليها المجتمع المصري بسبب الحالة الثورية التى كانت تعيشها مصر ..
وقد استمرت هذه الحالة السياسية والحزبية فى مصر حتى جاء الرئيس أنور السادات وقام بعمل المنابر الثلاثة ليبعث الحياة السياسية والحزبية فى مصر مرة أخرى ..
إلا أن هذه الحياة الحزبية فى مصر فى عهد الرئيس حسنى مبارك تحولت إلى أحزاب كارتونية لم يكن لها تأثير على ارض الواقع باستثناء الحزب الوطنى الديمقراطى وهو الحزب الحاكم والذى عمل على جذب القيادات الفكرية والسياسية فى مصر والذى اعتبره المحللون البوابة الملكية للظهور للمجتمع السياسى والاقتصادي و الاجتماعى فى مصر
بيد أن ظهور حركة كفاية فى الشارع السياسى المصرى عام 2004 ونجاحها فى ضم العديد من الشخصيات السياسية المصرية ذات المصداقية فى الشارع المصرى لتدق ناقوس الخطر لحكم مبارك فضلا عن الخطر الذى شكلته على فكرة التوريث التى كانت تؤسس لها السيدة سوزان مبارك من أجل أن يعتلى جمال مبارك مقاليد الحكم فى مصر بعد والده ..
وقد تزامن مع هذا الظهور القوى لحركة كفاية وتأثيرها على الشارع السياسى المصرى هو بزوغ حركة 6 إبريل في عام 2008 والتى عمدت على نوع جديد من الاحتجاجات التى انتشرت فى الشاعر المصرى من خلال الصدام مع أجهزة الأمن المختلفة والتى ظهرت أمام المجتمع المصرى وكأنها جسد تستطيع أن تنهشه فى أى وقت بسبب الممارسات السيئة التى كانت تقوم بها أجهزة الأمن فى المجتمع المصرى والذى وجد فى ثورة 25 يناير 2011 متنفسا كبيرا فى إخراج الكبت الذى مارسته الدولة البوليسية على جميع أطياف الشعب المصرى ..
ما إن تبلورت ثورة 25 يناير على أرض الواقع حتى تكونت العديد من الحركات الثورية فى مصر فمنها ما كانت قبل ثورة يناير وقد استمرت بعدها مثل تنظيم الإخوان المسلمين كأقدم تنظيم سياسى بجانب حركة كفاية وحركة 6 أبريل إلا هذه الحركات لم تستطع أن تستوعب العديد من القيادات الشبابية الجديدة والتى وجدت طريقها فى الحياة السياسية المصرية من خلال تكوين العديد من التكتلات الشبابية والتى برز منها ائتلاف شباب الثورة و الجمعية الوطنية للتغير وصفحة كلنا خالد سعيد أيقونة ثورة يناير فضلا عن التيار الشعبى والذى تأسس نتيجة فشل السيد حمدين صباحى فى الفوز بمقعد الرئاسة فى أول انتخابات رئاسية مصرية بعد ثورة 25 يناير والتى أفرزت الدكتور محمد مرسى كأول رئيس مدنى منتخب وأخيراً حركة تمرد والتى عملت فى ظروف شديدة الدقة وكانت الشرارة التى قادت ثورة التصحيح فى 30 يونية 2013 والتى أطاحت بحكم تنظيم الإخوان المسلمين لمصر من خلال جمع التوقيعات ولم شمل المصريين بمختلف انتمائهم السياسية والفكرية.
ولكن السؤال الأهم ما هو مستقبل الحركات الثورية والشبابية فى مصر بعد نهاية الخطوة الأولى من استحقاقات خارطة الطريق والمضى قدما من أجل الوصول إلى الانتخابات الرئاسية ومن ثم الانتخابات البرلمانية حتى تعود مؤسسات الدولة إلى طبيعة تواجدها فى الدولة المصرية الحديثة ؟
هناك من يرى أن استمرار الحركات الشبابية الحزبية يرتبط بالدور الذي يمكن أن يلعبه هؤلاء الشباب داخل أحزابهـم التقليدية التي ينتمون إليها بعد الثورة و التي كانت تصنف إما أنها تابعة للنظام أو غير متحمسة للعمل الشبابي و بالتالي فإن هؤلاء الشباب يفكرون في البحث عن أطر حزبية أخرى. إما تحمل ذات الاتجاه الأيدلوجي مثل الخروج من الناصري و الانضمام للكرامة أو الخروج من التجمع و الانضمام للتحالف الاشتراكي أو الخروج من الوفد و الانضمام للجبهة من أجل استيعاب هؤلاء.
و لعل البديل الثاني أمام هؤلاء هو البقاء داخل أحزابهـم بعد توافر مجموعة من الشروط لعل من أهـمها تغير نظرة القيادة التقليدية لهؤلاء و دورهـم و إمكانية تصعيد بعضهـم في المناصب القيادية بالحزب و إن كان بعض هذه الأمور قد يستغرق فترة من الوقت لاسيما فيما يتعلق بتغير قناعات قيادات الحزب.
أما بالنسبة للقوى غير الحزبية فإن هناك تحديات مماثلة تواجه هؤلاء الذين إن كانوا قد نجحوا في مرحلة الثورة في إثبات أنهـم يمكن أن يعملوا خارج إطار التنظيمات السياسية لكن مرحلة ما بعد الثورة تتطلب العودة إلى الأصل من جديد و هو ضرورة الانضمام لتنظيم سياسي قائم أو جديد..
فى حين يرى بعض المراقبين أن هناك عدة بدائل أساسية أمام الشباب فيما يتعلق بمشاركتهـم السياسية بعد ثورة 30 يونية2013 هي:
1- العمل من خلال أحزاب جديدة أو قائمة بهدف الوصول إلى السلطة أو البرلمان وهو ما حدث مع بعض الشخصيات التى ظهرت فى وزارت مختلفة فى حكومة الدكتور حازم الببلاوى
2- العمل كجماعة ضغط جماهيرية لا يشترط أن تعبر عن مصالح فئوية معينة "مصالح الشباب"، و إنما تعبر عن نبض الجماهير بصفة عامة..
3- القيام بالمهام الإصلاحية من خلال منظمات المجتمع المدني سوى الأحزاب مثل الجمعيات الأهلية بأنشطتها المتنوعة و الجمعيات الحقوقية .
4- أو ترك العمل السياسي بصفة عامة بعد تحقيق الثورة أهدافها و العودة إلى مرحلة ما قبل الثورة .. و إن كان هذا الاحتمال هو الأقل على اعتبار أن الثورة أكسبت الشباب زخما كبيرا فيما يتعلق باهتماماتهـم السياسية من ناحية فضلا عن تأثرهـم سلبا أو إيجابا بمخرجات العملية السياسية.
و علينا ملاحظة أن البديل الأول هو الأكثر فائدة و كأفضل حالة منطقية للحالة المصرية خاصة فى ظل أن الشباب ليسوا كتلة واحدة فهم ينتمون إلى أفكار مختلفة.
بعد الانتخابات البرلمانية و الرئاسية، بدأت الخريطة الحزبية في مصر تتغير و ظهر العديد من الأحزاب تسعى للإندماج فى تكتلات سياسية او حزبية تعمل على ايجاد قاعدة شعبية لها فى الشارع المصرى خاصة الفئة المثقفة فكرياً والتى سوف تكون بوابة هامة في دول هذه التكتلات الجديدة سباقة الانتخابات البرلمانية كدر فعل قوى من رفض المجتمع المصرى لممارسات الإخوان الإرهابية والتى قد تطيح بهم من عملية التحول الديمقراطى التى تنشدها مصر خلال الفترة الراهنة..
و تشير كثير من المؤشرات إلى أن الاتجاه الغالب يذهب نحو البديلين الأول و الثاني، حيث أن هناك رغبةً و إصرارًا كبيريين من الشباب صانع الحراك في تعظيم المشاركة السياسية الشبابية في المستقبل و إصرار على وجود الشباب داخل المشهد السياسي و آليات صنع و اتخاذ القرار بشكل يتناسب مع دورهـم المؤثر في إنهاء حكم النظام السابق ..
ولكن هناك بعض الحركات التى تعانى بعض المشكلات فى الشارع السياسى المصرى بعد ظهور العديد من التسريبات الهاتفية والتى أظهرت بعد أعضاء هذه التكتلات السياسية كعملاء للعديد من الأجهزة الاستخبارتية الأجنبية والتى تعمل على إشاعة الفوضى فى مصر وهو ما يشكل خطوط حمراء أمام التواجد السياسى الكبير على أرض الواقع وهو ما ظهر جليا فى الانتخابات البرلمانية التى أجريت فى فى عام 2012 والتى أكدت بما لايدع للشك أن هذه التكتلات السياسية لم تصل بشكل واضح للمواطن المصرى ..
ولهذا اعتقد أن الانتخابات الرئاسية القادمة سوف تكون المحك الهام فى استمرار هذه الحركات الشبابية وأعضائها من خلال الشخصية التى سوف تقف ورائها خلال هذه الانتخابات الرئاسية . فى حين أن هذه الوجوه سوف تستفيد من هذه الخطوة من أجل التواجد فى البرلمان القادم وهو ما سوف يكون مزيجا من أعضاء الحزب الوطنى المنحل بسبب وفرة رؤس الأموال والتكتلات العائلية أو خلال التواجد فى أحزاب جديدة غير مشهورة فضلا عن تيار الإسلام السياسى والذى يتمتع بكتلة تصويتية تستطيع أن تحرز نسبة ليست بالقليلة فى البرلمان فى حين أن الشخصيات الشبابية قد لا تمثل بالشكل الأمثل فى هذه الانتخابات ...
*مدير مركز الكنانة للدراسات السياسية