بغداد/نجحت الحكومة العراقية، برفع مستوى حربها المعلنة ضد الإرهاب المهدد للدولة بكافة مكوناتها وللعملية السياسية، وكذلك بتغيير طبيعة دورها الإقليمي في هذا المجال عبر حشد جمع دولي وإقليمي واسع في إطار "مؤتمر بغداد الدولي الأول لمكافحة الإرهاب"، والذي عملت بشكل مكثّف على إنجاح انعقاده في الفترة الأخيرة.
وإلى جانب التحذير الإقليمي والدولي من انتشار الإرهاب في المنطقة في حال لم يتم وضع "إستراتيجية موحّدة" لمواجهته، طغت الأزمة السورية على مجمل الكلمات، حيث حذّر رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، خلال كلمته الافتتاحية، من تداعيات استمرار الصراع في سوريا على العراق وعلى المنطقة، داعياً أيضاً "الدول التي تخرج منها فتاوى التكفير إلى وقفها والعمل معاً للحد منها والقضاء عليها".
وقال المالكي "إذا لم تتوقف الحرب في سوريا سينتقل الإرهاب إلى جميع دول المنطقة"، مضيفاً أنّ "سوريا أصبحت اكبر ساحة لنشاط الإرهاب وتوسَعَ الإرهاب ليدخل في العراق، وأي تأجيل لحل الصراع في سوريا سيدّمر الجميع".
وأشار إلى أنّ "المعركة في العراق ضد الإرهاب الأعمى الذي لا يفرّق بين سني وشيعي وهدفه تدمير العراق والبلدان الأخرى"، لافتاً إلى أنّ "هناك بعض الدول تحاول إيهام الناس أن ما يحدث في العراق هو صراع ما بين الشيعة والسنة، إلا أن المفارقة أن القاعدة تقتل الجميع سواء السنة أو الشيعة أو المسيحيين، والقاعدة تقول إننا نحارب نيابة عن أهل السنة، إلا أن في العراق لم يُقتل شيعي لتشيّعه أو سني لتسنّنه".
وأضاف رئيس الوزراء العراقي أنّ "العراق عانى قبل الآخرين من الإرهاب وأدرك منذ البداية خطورة تنظيم القاعدة"، معرباً عن خشيته "من تحوّل الإرهاب إلى وسيلة لفرض سياسات تؤثر على طبيعة التعاون بين الدول". وتابع أنّ "المنطقة انزلقت بسبب هذه السياسات، وأصبح المشهد العام في غاية التعقيد"، موضحاً أن "الحلول لم تعد ممكنة في حال لم تتخذ إجراءات لتنقية الأجواء وإتباع الوسائل السياسية لاختلاف الآراء في ما بيننا". كما دعا "البلدان إلى التعاون الأمني والاستخباري وتفعيل مذكرات القبض وتجفيف منابع الإرهاب".
وقال المالكي كذلك "إننا نحث الدول التي تخرج منها فتاوى التكفير إلى وقفها والعمل معاً للحد منها والقضاء عليها"، معرباً كذلك في سياق كلمته عن ارتياحه "للتطور الحاصل في مواقف الدول الشقيقة التي اتجهت نحو مواد في دساتيرها تجنّب التكفير وتحظّر الإرهاب وتجرّم أي عمل إرهابي داخل هذه الدول وخارجها". كما دعا رئيس الوزراء العراقي إلى "تأسيس أمانة عامة يكون العراق مقرها الدائم وتضع إستراتيجية لمكافحة الإرهاب".
وفي أبرز الكلمات التي ألقيت خلال أعمال اليوم الأول، قال مستشار وزير الخارجية الأميركي في العراق برايت ماكورك إنّ "مساعدة العراق تشمل الأسلحة والتدريب وتبادل المعلومات التي تندرج ضمن الإطار الإستراتيجي، وهي تنسجم مع كل الذي ناقشناه"، مؤكدا "أننا سنتواصل (العمل) من اجل تفعيل الاتفاقيات". وأضاف ماكورك في سياق كلمته "أننا نقف مع الشعب العراقي في معركته الشرسة ضد المجموعات الإرهابية المتطرفة في محافظة الأنبار"، موضحاً أن "العراق لا يعمل بمعزل عن المنطقة، فكما قال الكثيرون فإنّ الصراع في سوريا له تداعيات كثيرة على الاستقرار في العراق".
وتابع المسؤول الأميركي أنّ "الهجمات الانتحارية الإرهابية في العراق اشتدت خلال الأشهر الماضية من خلال استهدافها المواطنين"، معتبراً أنّ تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" يستخدم في هجماته تجنيد مقاتلين أجانب "جاؤوا من سوريا وهذه تعد أزمة دولية وتتطلب تعاونا منسقا على المستوى الإقليمي والدولي والمحلي".
من جهته، أكد رئيس دائرة الشرق الأوسط في وزارة الخارجية البريطانية ادوارد أوكدن، خلال كلمته، أن "بريطانيا تدعم الحكومة العراقية في حربها ضد الإرهاب وهي مستعدة إلى زيادة التعاون ضمن إطار الإستراتيجية الشاملة التي تنسجم مع حقوق الإنسان والقوانين الإنسانية الدولية"، لافتاً إلى أنّ "الأزمة في سوريا تزيد من تردي الوضع الأمني في العراق لكنها ليست السبب الأساسي".
وفي هذا السياق، أكد الاتحاد الأوروبي على دعمه الكامل لمكافحة الإرهاب في العراق. وقالت ممثلة الاتحاد الأوروبي هايتي كوبا إن "28 دولة أوروبية تدعم العراق في مكافحة الإرهاب".
من جانبه، حثّ رئيس بعثة الأمم المتحدة إلى العراق نيكولاي ميلادينوف القادة السياسيين العراقيين إلى "ترك خلافاتهم... والعمل على محاربة الإرهاب"، موضحاً أنّ "الحكومة العراقية تواجه تهديداً خطيراً من العمليات الإرهابية التي تتعرض لها".
وفي سياق الكلمات كذلك، قال وكيل وزارة الخارجية الإماراتية عبد الله بن محمد آل حامد إنّ "المجتمع الدولي شهد الإرهاب والإجرام المنظم الذي يهدد منطقتنا العربية، والذي يهدد بأعمال طائفية وتطرف غير مسبوقة استُغل فيها الدين مما ساعد على تعزيز عمليات الإرهاب"، داعيا "المجتمع الدولي إلى استخدام المزيد من الجهود لنبذ والقضاء على التطرف الهادفة إلى القضاء على أعمال الإرهاب"، معربا عن "أمله بخروج المؤتمر بنتائج ملموسة".
جدير بالذكر، أنّ كلمة ممثل الإمارات ترافقت مع حدث لافت تمثل في استدعاء الدولة الخليجية، أمس، لسفير العراق لديها مهدي عبودي مسلّمة إياه مذكرة استنكرت فيها تصريحات رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي التي اتهم فيها، في حديث متلفز نهاية الأسبوع الماضي، السعودية بدعم الإرهاب، من دون التطرق إلى قطر التي شملتها اتهامات المالكي. واعتبر وزير الدولة للشؤون الخارجية انور قرقاش أن تصريحات المالكي "عارية عن الصحة ولا تستند الى تقييم صحيح للوضع في المنطقة في ما يتعلق بالإرهاب وخاصة أن المملكة العربية السعودية تقوم بدور بارز لمكافحة الإرهاب بكافة أشكاله ومظاهره".
وكان المؤتمر الدولي، الذي سيستمر حتى اليوم، قد بدأ فعالياته في القصر الحكومي في المنطقة الخضراء في وسط بغداد، أمس، "بمشاركة أكثر من 25 دولة (بينها لبنان ممثلاً بالوزير الأسبق علي قانصو) و40 خبيرا ومختصا في مجال الإرهاب وسبل مكافحته، كما حضر المؤتمر عدد من الشخصيات الدولية وممثلي الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والشرطة الدولية (الانتربول)، وكبار المسؤولين في الحكومة العراقية ووزير الخارجية" العراقي هوشيار زيباري، وفق بيان صادر عن الخارجية العراقية.
المصدر: "السفير" اللبنانية