2024-11-25 02:43 م

مخاطر "أسرلة" التعليم جدية وخطيرة

2014-02-28
بقلم: راسم عبيدات

قبل ثلاثة أيام كان هناك محاضرة في الكنيست الإسرائيلي لأبرز قادة اليمين المتطرف من البيت اليهودي "يوني تشيتيبون" حرض فيها على المناهج التعليمية التي تدرسها وكالة الغوث واللاجئين"الأنروا،والتي تدرس في مدارسها منهاج الدول المضيفة، فعلى سبيل المثال المنهاج المطبق في لبنان يدرس للاجئي لبنان،والمنهاج المطبق في الشام يدرس للاجئي الشام،وكذلك هي الأردن والأراضي الفلسطينية المحتلة،وهو يريد من وكالة الغوث واللاجئين ان تشطب من المنهاج التدريس عن حق العودة وعن حق الشعب الفلسطيني في استخدام كافة اشكال النضال من أجل استرجاع ارضه وحقوقه المشروعة،التي كفلتها له الشرعية الدولية،والمحاضرة تاتي في إطار الضغط على الوكالة لتصفية قضية اللاجئين متزامنا مع ما يطرحه كيري الآن حول يهودية الدولة وشطب حق العودة،هي محاولة جدية لإحتلال وعي طلبتنا والسيطرة على ذاكرتهم الجمعية،وتبرئة لإسرائيل من تحمل المسؤولية السياسية والأخلاقية عن نكبة شعبنا الفلسطيني،وهي تحمل في طياتها أبعد من ذلك،فهي تضع علامة إستفهام كبيرة على مشروعية النضال الوطني الفلسطيني وحقنا التاريخي في هذه البلاد،وكذلك فهي تحول الحركة الصهيونية من حركة عنصرية قائمة على الإحتلال والطرد والتهجير إلى "حركة تحرر وطني"،وفي هذا السياق كذلك صادقت اللجنة الوزارية للتشريع في إسرائيل على مشروع قانون للتربية لفرض هويتها بوصفها دولة 'قومية يهودية' في المدارس كافة بما في ذلك مدارس فلسطينيي الداخل،الذين يرفضونه ويعتبرونه محاولة أسرلة وتشويه للهوية العربية.

القانون الذي قدمه النائب شيمعون أوحايون (ليكود- يسرائيل بيتنا) مر بالقراءة الأولى يوم الأربعاء الماضي بتعديل قانون التعليم الرسمي في إسرائيل لعام 1953 يقضي بإضافة بند جديد على المواد الخاصة بأهداف التربية والتعليم.
وينص التعديل على إلزام المدارس والمؤسسات التعليمية كافة بتعزيز وتكريس هوية إسرائيل بوصفها دولة قومية للشعب اليهودي.
وهذا يعني بالأساس تذويب الهوية القومية والثقافية لشعبنا الفلسطيني في الداخل،ومنعه من إستخدام لغته وثقافته الخاصة في التعليم،وهذا يتماشى مع ما يجري هناك مع إجراءات وممارسات بحق شعبنا،حيث يجري العمل على تفتيت وتذويب هويته الوطنية والقومية،والتعامل معه على أساس طائفي ومذهبي،يخدم عملية التذويب والتفتيت،حيث كان آخر ما تفتقت عنه العقلية الصهيونية،هو الفصل بين العرب المسلمين والمسيحيين في العمل،وإسقاط صفة العروبة عن أبناء شعبنا الفلسطيني المسيحيين،وكأنهم قبارصة او أتراك لا سمح الله وليس عرب أقحاح.
واضح أن هناك إستهداف لقضية اللاجئين،والتي هي المرتكز الأساسي للبرنامج الوطني الفلسطيني،حيث عمدت وكالة الغوث الى إقرار كتاب"حقوق الإنسان" للصفوف السابعة والثامنة والتاسعة، دون التنسيق مع وزارة التربية والتعليم هناك،كما جرت عليه العادة،مما حدى بوزارة التربية والتعليم هناك لمنع تدريسه،وهذا الكتاب يحتوي على الكثير من المغالطات المجحفة بحق شعبنا الفلسطيني،وخصوصاً قضية اللاجئين وحق العودة،فهو على سبيل المثال لا الحصر،يتحدث عن أن أبناء شعبنا في الداخل،قد فروا من مدنهم وقراهم طواعية،وليس بفعل ما إرتكب بحقهم من جرائم وطرد وتهجير قسري من قبل العصابات الصهيونية،وهو كذلك يدعي بأن عدد اللاجئين الذي شردوا نتيجة الحروب والأحداث لا يزيد عن (200000) لاجىء،ونحن لدينا ستة ملايين لاجىء في مخيمات اللجوء والشتات،وليس هذا فقط،بل هذا المقرر يريد ان يحتل وعي طلبتنا ويضعف انتماءهم وإرتباطهم بهويتهم وقوميتهم،فعلى سبيل المثال لا الحصر في الوحدة الثالثة الدرس العاشر من الفصل الثاني من المادة 14 ص 63"يقول بأنه من حق أي إنسان الهجرة الى بلد آخر او محاولة الهجرة إليه اذا ما شعر بالإضطهاد" وهذه دعوة صريحة الى تهجير أبناء شعبنا الى خارج وطنهم،وهو كذلك يعمل على إيجاد حالة من الإغتراب السياسي والثقافي والتربوي بين الطلبة وواقعهم وقضيتهم ورموزهم وقياداتهم،فهو يتحدث عن شخصيات عالمية مثل مارتن لوثر وغيرهم وليس عن قيادات فلسطينية امثال الشهداء والراحلون أبا عمار وحبش والشيخ ياسين،ولا عن أطفالنا الشهداء ايمان حجو وفارس عودة..الخ.
وهناك الكثير من المغالطات الأخرى في هذا الكتاب،وطبعا تصفية قضية اللاجئين هي المهمة في هذا الجانب.

وليس هذا فقط،فنحن نرى بأن التعليم في القدس،هو الآخر في دائرة الإستهداف،حيث يجري العمل على أسرلة التعليم في المدينة،ومنذ بداية العام الدراسي 2013- 2014،شرع الإحتلال في تطبيق المنهاج الإسرائيلي الكامل على خمس من المدارس الفلسطينية في القدس الخاضعة لبلدية الإحتلال الإسرائيلي،في عملية تستهدف إحتلال وعي طلبتنا المقدسيين،والسيطرة على ذاكرتهم الجمعية،وكذلك تزوير التاريخ،وفرض الرواية الصهيونية،ليس على العملية التعليمية،بل على كامل مسار التاريخ،في خطوة تنكر حقنا التاريخي في الوجود،وكأننا جماعات عابرة،وليس متجذرين ومتأصلين في هذه البلد.

نحن أمام مخاطر جدية تتعرض لها العملية التعليمية،عملية إحتلال وتشويه الوعي،وزعزة الثقة والقناعة عند طلبتنا وشبابنا بعدالة قضيتهم وحقوقهم الوطنية،وحتى ثوابتهم ومشروعهم الوطني.


نحن أمام مخاطر جدية تتعرض لها العملية التعليمية،ليس في الداخل-48- والقدس،بل تتمدد الأمور نحو المنهاج المدرس في مدارس الوكالة(مناهج الدول المضيفة)،وحتى المدارس الخاصة والأهلية،وهذا يستدعي البحث عن استراتيجية شاملة لكيفية المواجهة والتصدي لهذا الخطر الداهم،والذي لا يقل خطورة عن نهب الأرض ومصادرتها.