2024-11-24 06:41 م

من جنيف إلى دافوس: المسافر الأخير

2014-02-08
بقلم: الدكتور يحيى محمد ركاج
انعقد المنتدى الاقتصادي العالمي في دورته السنوية الرابعة والأربعين بمدينة دافوس السويسرية بمنطقة جبال الألب خلال الأيام 22 إلى 25 كانون الثاني تحت عنوان "إعادة تشكيل ملامح العالم: العواقب بالنسبة للمجتمع والسياسة وقطاع الأعمال" وذلك بحضور أكثر من 2500 مشارك يمثلون نخبة من الاقتصاديين والسياسيين ورجال الأعمال والإعلاميين من قرابة مئة دولة حول العالم من بينهم 40 رئيس دولة وحكومة، وهو المنتدى الذي تم تأسيسه عام 1971 ويرى فيه البعض مجلس السيطرة وإدارة العالم، وقد انعقد بالتوازي مع انعقاد مؤتمر جنيف 2 حول الوضع في بلدي الحبيبة سورية. ولعل الربط بين اللقاءين في توقيت الانعقاد، وفي الهدف والغاية العالمية منه يعتبر في غاية الأهمية، فمنتدى دافوس الذي كان في مقدمة أعماله هذا العام، بالإضافة إلى قضايا الشرق الأوسط وبلدان الربيع الدجال، تعزيز النمو الاقتصادي والإنتاج، وتفادي التأثيرات السلبية للأزمة المالية العالمية وما ينجم عنها، وكيفية التعامل مع المشكلات المستمرة التي تواجه البشرية، والتي تتمثل بتحديات تنامي البطالة بين الشباب وظاهرة هرم المجتمعات الغربية وارتفاع تكاليف الرعاية الاجتماعية في ظل تحسن النمو الاقتصادي المتوقع في عام 2014. أما جنيف 2 الذي يبحث ظاهرياً -كسبب مباشر لانعقاده- التفاوض الناجم عن الهوة بين الحكومة والمعارضة الراغبة بالسيطرة على الحكم في سورية، ويبحث كسبب غير مباشر –وهو السبب الرئيس والأهم- الأحداث التي تشهدها سورية من خلال الصراع على الطاقة والغاز والممرات المائية والمصالح الجيواستراتيجية عبر سماسرة الدم الذين يقومون بدور البطولة بدلاً من دول الاستعمار القديم والجديد، ويأتي التفاوض في جنيف2 من أجل إيجاد مخرج مشترك للقوى المتصارعة عبر آلية اقتسام مقبولة لثروات العالم. من هنا يتضح أوجه الارتباط القوي بين دافوس وجنيف كملتقى وليس كمكان، ومن هنا تأتي قوة التوقيت التي ترافقت مع اشتعال جبهة أوكرانيا في الرئة الروسية، وتعنت المفاوض المستتر خلف الستارة من أجل إطالة الأمد لتغيير محددات الحسم التفاوضي على الأرض السورية، ومن هنا يأتي أيضاً التصريح الأمريكي بضرورة عدم خفض ميزانيات الدفاع من أجل التنمية تحت ذريعة خطورة التفوق الصيني على الولايات المتحدة الأمريكية في مجال التكنولوجيا العسكرية، ومن هنا أيضاً تأتي خطورة التعامل مع ملفات البلدان التي اجتاحتها ثورات الربيع الدجال والتي يرى المجتمعون بدافوس أن حكوماتها لا تستطيع تلبية طموحات ومطالب أبنائها المتزايدة في ظل الانخفاض المتنامي لإيراداتها نتيجة مرحلة التحولات السياسية التي تمر بها البلاد وما يواكبها من حالات فوضى وانفلات أمني. الأمر الذي يتطلب من وجهة نظر الدافوسيين (المجتمعين بدافوس) إتباع سياسات مالية واقتصادية مرنة ومتوازنة تحقق الإصلاحات المنشودة وتعمل في الوقت ذاته على تحقيق العدالة الاجتماعية ورفع المعاناة عن الجماهير، وتحقق الثنائية المبنية على نقصان الأيدي العاملة والتمويل، والعمل على إعادة البناء والإعمار. لقد استطاع منتدى دافوس الذي أكد على أن العالم يمر بمراحل تحول يصعب معها تحديد المراحل الاقتصادية المقبلة بشكل دقيق، واكتفى بالإشارة إلى الحماية الاجتماعية، أن يكمل لنا الصورة التي لم تكتمل في جنيف 2، فمن كان يقف خلف الستار التفاوضي في جنيف، كانت لأياديه القوة الفاعلة المحركة في دافوس، إذ أظهرت استطلاعات الرأي لقياصرة المال والأعمال المجتمعين في دافوس وبنسبة كبيرة أن العام 2014 سيشهد تزايداً في معدلات النمو الاقتصادي العالمي، وأن العالم مقبل على استثمارات جديدة، الأمر الذي يشير إلى خيارين لا ثالث لهما: الأول وهو الأكثر احتمالاً وأقرب إلى منطق الأحداث التي يشهدها العالم في هذه الأيام وهو أن منطقة الشرق الأوسط سوف تكون منطقة استثمارات جديدة تدخل من خلالها شركات.الطاقة والغاز والشركات الكبرى لتأخذ نصيبها من إعادة تنمية العالم، وتساهم بذلك بجزء من سيطرتها على القرارات العالمية. الثاني وهو الاحتمال الأضعف حالياً، لكن احتمال وقوعه مرتبط بالتعنت المبني على فشل جنيف في إخراج تفاهمات تقاسم الثروات العالمية بين اللاعبين الكبار في العالم، والمتمثل في أن شركات الأسلحة سوف تحقق زيادة في مبيعاتها نتيجة تزايد أعمال العنف التي سوف تتصاعد من قبل كل الأطراف للوصول إلى تفاهمات جديدة ترضي جميع اللاعبين الكبار، مما يعيدنا مرة أخرى بالذاكرة إلى سنوات الكساد الكبير التي سبقت الحرب العالمية الثانية، وإلى الأزمة المنشورية بين الصين واليابان، وما تلاها من أحداث أوروبية وتدخلات سوفييتية وأمريكية قبل الوصول إلى إعلان الحرب. من جنيف إلى دافوس يتحرك موكب السيطرة على ثروات العالم، ومن ثَمَّ حُكم العالم، فمن هو الراكب الأخير الذي سوف يحدد مسيرة هذا الموكب؟