نور أبو فراج
بعد أخذٍ ورد، اختارت سكارليت جوهانسون إذاً، الاستقالة من منصبها كسفيرة لمنظمة "أوكسفام" الخيرّية، إثر "خلافٍ جوهري في الرأي"، بحسب وصف المتحدث باسم الممثلة الشابة. وكانت القضية اشتعلت منذ عدة أيام، بعد ظهور جوهانسون في إعلانٍ تجاري يروّج لآلة لصنع مشروباتٍ غازيةٍ في المنزل، من إنتاج الشركة الإسرائيلية "سودا ستريم" التي تمتلك عدة مصانعٍ في الضفة الغربية المحتلة في فلسطين. عارضت "أوكسفام" تحت ضغط النشطاء والمؤيدين للقضية الفلسطينية، تعامل سفيرتها مع الشركة الإسرائيلية، بوصفها "غير شرعية" بحسب القانون الدولي. إلا انّ جوهانسون حسمت أمرها، واختارت البقاء في صف العلامة التجارية، كممثلة لها، حتى آخر العام الحالي.
في إعلانٍ مدّته 30 ثانية، تظهر جوهانسون مرتديةً ردءاً منزلياً أبيض. تقول: "مثل معظم الممثلين، مهمتي إنقاذ العالم". تتجه بعدها نحو الآلة لتصنع لنفسها كوباً من المياه المعدنية المنكّهة بالمذاق الذي تحب. تكمل وهي ترتشف الشراب بتلذّذ. "صودا أفضل، لي ولكم، مع سكر أقل، وعبوات فارغة أقل". ثم تتساءل كيف لها أن تجعل تلك الرسالة تتفشّى، ثمّ تنطلق لتنفيذ ذلك مباشرةً. تخلع بدلالٍ رداءها الأبيض، لتظهر بثوب سهرة أسود مثير، وسط مسرح وخلفها فرقة موسيقيّة، وهي لا تزال تشرب الصودا المنزلية. تركز الكاميرا على شفتيها المكتنزتين، وشعرها الأشقر المتطاير بفعل الانتعاش، في "كليشيه" يحاكي معظم إعلانات المشروبات الغازية.
ذلك الإعلان منع من العرض عبر شبكة «فوكس»، ليس رفضاً لسياسة التطبيع والترويج لإسرائيل من قبل وجه سينمائي معروف في "عالم البساط الأحمر"... بل ببساطة لأن شركتي "بيبسي"، و"كوكاكولا"، مارستا سلطتيهما على شبكة "فوكس"، لإيقاف الإعلان الذي يضر بمصالحهما ويتحدّاهما صراحة. فجوهانسون تختم الإعلان قائلةً: "العفو من "بيبسي" و"كوكا"، في إشارة مباشرة إلى إمكان استبدال منتجاتهما بمنتجات "سودا ستريم".
لم يكن الإعلان سيثير كلّ ذلك الجدل، لو لم تظهر فيه ممثلة حسناء ومعروفة. حتّى أنّ بعض الخبراء في مجال الإعلان وصفوه «بالسيئ والممل»، بينما علق أحدهم: "هذه المرأة الجميلة قبيحة جداً!"، في إشارة إلى تخلّي جوهانسون عن دورها الخيري، لمصلحة عملها مع الشركة الإسرائيليّة. ونُشرت على مواقع التواصل الاجتماعي صورة مركّبة، تتوجه فيها جوهانسون بالكلام لأحد السكان الأصليين من الهنود الحمر قائلةً: «لقد كنت مع أوكسفام في ما مضى، لكن القضايا الإنسانية لم تعد تثيرني الآن". في المحصلة استطاعت جوهانسون أن تحوّل الإعلان الرديء، إلى "ضربة الموسم".
هل كان الإعلان سيثير تلك الموجة من الجدل في الإعلام الغربي، لو لم يبادر عمالقة المشروبات الغازيّة، إلى الضغط لمنعه؟ ربما لا، على الأقلّ بالنسبة للصحف العالميّة التي تغضّ الطرف عن قضايا المقاطعة. من جهتها، لم تختر جوهانسون "النأي بالنفس"، متظاهرة بأنّها تعمل على تكريس مقولة "الفن للفنّ"، بل اختارت الوقوف جهاراً إلى جانب "سودا ستريم"، ضاربةً عرض الحائط بمهمة "محاربة الفقر والظلم"، شعار "أوكسفام". ربما نجحت الممثلة من دون أن تدري، في إعادة طرح السؤال حول دور الممثل والمثقف في "إنقاذ العالم".
ربما سيختار العديد من المشاهدين العرب تناسي انتهازية جوهانسون، واستمرار التمتع بابتسامة "الفتاة ذات القرط اللؤلئي"، تماشياً مع مقولة الفصل بين الفن والسياسة. لكن الممثلة الشابة لم تقم بفصلٍ مماثل. لم "تَضِع في الترجمة"، كما في فيلمها الشهير، ولم تحيّد موهبتها، بل وظفتها لخدمة إسرائيل، ودافعت عن قرارها حتى اللحظة الأخيرة.
المصدر: "السفير" اللبنانية