2024-11-25 01:22 ص

يهود الجزائر بين الإرث التاريخي والعيش المشترك

2013-12-22
الجزائر/ هل يمكن للجزائري أن يكون يهوديا؟ سؤال يحمل في طياته صدمة النفي والإنكار على الأقل إعلاميا.. هذا ما لمسناه ونحن نحاول طرح السؤال عمدا على بعض المارة أين تقع المقبرة اليهودية في بلوغين، حيث كانت نظرات التحفظ والريبة تلاحقنا وتحاول أن تجد مبررا وراء مغزى بحثنا عن مكان المقبرة اليهودية. مايزال التحفظ والحيطة والتوجس يربط بين اليهودي والجزائري رغم أن أقلية يهودية موجودة في الجزائر وتعيش بصفة عادية وطبيعية لكن في أغلب الحالات لا تعلن عن وجودها.
تعود حالة التوجس التي تربط الشارع الجزائري بكلمة ”يهودي” إلى كون اليهود إبان الاحتلال الفرنسي وقفوا إلى جانب المحتل الفرنسي مقابل حصولهم على امتيازات. وماعدا قلة قليلة من اليهود الماركسيين الذين ناصروا القضية الجزائرية، أعلن اليهود وقوفهم إلى جانب المحتل الفرنسي. واستمر هذا التوجس لأن أبناء الجالية اليهودية ماعدا قلة أيضا منهم ربطوا بين يهوديتهم ونصرة الصهيونية، ومن هنا استحكم التوجس بين طرف يهودي يرى من واجبه مناصرة الصهاينة وبين الجزائري الذي يعتبر من واجبه أيضا نصرة القضية الفلسطينية، خاصة أن العديد من يهود إسرائيل يسعون جاهدين لانتزاع اعتراف دولي للحصول على تعويض على أملاكهم في الجزائر. وقد أكد مثلا د. حاييم سعدون في كتابه ”الجالية اليهودية في الجزائر” الصادر العام الماضي عن معهد بن تسافي ووزارة التعليم في تل أبيب:”أن أملاك اليهود في الجزائر تشمل بيوتاً وعقارات ومحلات ومصالح تجارية وحسابات مصرفية، إضافة لمؤسسات عامة مثل الكنائس والمعابد والمقابر اليهودية”. وقد أكد هذا الكتاب الصادر بعد نصف قرن من استقلال الجزائر أن الدائرة الإسرائيلية المكلفة بإحصاء وجرد واستعادة أملاك اليهود في الجزائر، بدأت بتوزيع نماذج للتعبئة يفصل فيها اليهود الأملاك المتروكة، وستعمل على جمع أدلة على تملك اليهود لها قصد الضغط لاحقا على الحكومة الجزائرية لاستعادتها أو دفع تعويضات لهم. نتيجة هذا بقي دائما الحديث عن اليهود في الشارع الجزائري مرتبطا بالمؤامرات التي تحيكها إسرائيل ضد العرب والمسلمين على وجه التحديد، وقد اضطر الرئيس بوتفليقة إلى التراجع عن الدعوة التي وجهها إلى المغني ماسياس لزيارة الجزائر بعدما بدأ تململ في بعض الأوساط السياسية التي أصدرت بيانات الرفض وربطت قبول زيارة ماسياس بتخليه عن دعمه لإسرائيل، وهو المطلب الذي رفضه ماسياس جملة وتفصيلا. كما أحدثت مصافحة بوتفليقة لإيهود بارك رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، على هامش جنازة الحسن الثاني سنة 1999، الكثير من اللغط الإعلامي و السياسي، حيث حاول البعض أن يربط بين المصافحة وبين التطبيع مع إسرائيل، خاصة أن الجزائر وجدت نفسها في قلب مبادرة ”الاتحاد من أجل المتوسط” التي أطلقها ساركوزي الذي لم يخف يوما دعمه لإسرائيل.
يميز مؤلف كتاب ”الجالية اليهودية في الجزائر، حاييم سعدون، بين نوعين من الوجود اليهودي في الجزائر.. الأول يضم اليهود الأصليين الذين يمتد وجودهم إلى ما قبل الميلاد، والثاني اليهود الذين رافقوا الهجرات القادمة من الأندلس. وقد اشتهر يهود الجزائر بالاشتغال في التجارة، حيث برزوا في تجارة الذهب والصوف والقمح والجلود والفلين.. واستقروا بعدد من المدن مثل العاصمة، قسنطينة، وهران، تلمسان، معسكر، البليدة، بوسعادة، عين تيموشنت، سيدي بلعباس، خنشلة، جيجل وميلة.
وبرز النفوذ التجاري لليهود في الجزائر إبان الحكم العثماني للبلاد، ولعل الأدوار التي كانت تلعبها شركة بوشناق وبكري في توريد القمح الجزائري إلى فرنسا خير دليل على ذلك، حيث تذكر بعض المصادر التاريخية أن النفوذ التجاري لهذه الشركة كان له الأثر الكبير على القرارات السياسية لبعض دايات الجزائر، مثل قضية الوزناجي وهو باي المدية الذي حكم عليه أحد الدايات بالسجن، فتدخل بوشناق للعفو عنه بل صار فيما بعد بايا على قسنطينة. وخلال فترة الاحتلال الفرنسي استفاد يهود الجزائر من الامتيازات التي منحها لهم مرسوم كريميو سنة 1870 الذي منحهم الجنسية الفرنسية، وقطع بذلك العديد منهم صلتهم بالجزائر متخذين صف فرنسا في حربها ضد بلدهم الأصلي. ورغم ذلك عاد بعضم ليجد الدعم من المسلمين الجزائريين عندما ألغت حكومة فيشي الفرنسية امتيازات مرسوم 1870، وشهد اليهود حملات قمع مستمرة من قبل الحكومة العميلة للنازية في باريس. وبعد نهاية الحرب وانهزام ألمانيا عادت إليهم امتيازاتهم كفرنسيين ووقف أغلبهم ضد استقلال الجزائر. بعد الاستقلال غادر أغلب اليهود الجزائر كفرنسيين مع المستعمر المنهزم، وهذا خوفا من الانتقام الذي قد يطالهم بعد وقوفهم إلى جانب المحتل.. إذ يذكر ”بن جامين سطورا” أن البلاد عرفت مغادرة حوالي 130 ألف يهودي باتجاه فرنسا، تلتها فيما بعد موجة أخرى من الهجرة في الفترة الممتدة بين 1962 و 1965 بعد أن خيرهم الرئيس الراحل بن بلة بين البقاء أوالرحيل، فاختاروا الهجرة خوفا من انتقام الشارع لوقوفهم ضد الثورة التحريرية.
تتضارب الأرقام والإحصائيات التي تقدر حاليا عدد اليهود في الجزائر، حيث أورد كتاب حاييم سعدون أن ربع اليهود الذين هاجروا من الدول العربية إلى إسرائيل جاؤوا من الجزائر والمغرب، كما قدرتهم أرقام صادرة عن منظمة الأمم المتحدة ببضعة عشرات (خمسين)، وهو الرقم الذي سبق أن أكده كتاب صادر عام 1997 في إسرائيل ‘’الانتشار اليهودي في العالم’’، حيث يشير إلى أن عدد اليهود في الجزائر بلغ نهاية التسعينيات 50 يهوديا يرتكزون في العاصمة ووهران والبليدة. فيما ذهبت مراجع أخرى إلى تقدير عددهم بحوالي 10 آلاف يهودي، اندمجوا وذابوا بصفة كلية في المجتمع. أما اليهود الذين مايزالون محافظين على ديانتهم بصفة معلنة ومعروفين من قبل الجيران المقربين فيقدرهم البعض بحوالي 200 عائلة يهودية تقيم في مناطق متفرقة من الجزائر في بعض المدن مثل البليدة، قسنطينة، تلمسان، بوسعادة بولاية المسيلة، وباب الوادي والأبيار بالعاصمة.
عن صحيفة "الفجر" الجزائرية