نابلس/ نظّم المنتدى التنويري الثقافي الفلسطيني " تنوير " جلسة حوارية بعنوان " رؤية مقترحة لدور الاتحاد الأوروبي في تحقيق الحرية والعدالة في فلسطين " وهي رؤية مستقبلية لكنها طوباوية، وأقل ما يمكن تسميتها كما وصفها صاحبها البروفيسور توم ستوري " Tom Storrie " " برؤية الممكن المستحيل ".
أدار الجلسة الاستاذ سائد أبو حجلة منسق العلاقات الخارجية في المنتدى التنويري الذي عرّف المتحدث توم ستوري ( أبو كاثروب ) بناشط أكاديمي، ومثقف بريطاني، رئس كليات التعليم العالي في بريطانيا، وله عدد من البحوث حول البطالة الجماعية، والتعلم المشترك بين الثقافات، والأزمات البيئية. ومنذ العام 2004 يعتبر ستوري زميلاً زائراً منتظماً لجامعة النجاح الوطنية. ونشيطاً في تطوير مفاهيم المواطنة والمجتمع المدني.
المتحدث توم ستوري استهل حديثه عن فقر ثقافته بالوضع الفلسطيني عند زيارته الاولى لفلسطيني عام 2004 لكنه وشى للحضور بأربع أفكار أساسية كان يلمسها ؛ وهي أن الدولة الواحدة هي الخيار الوحيد في المستقبل، ولا يمكن لاسرائيل الاستمرار مستقبلا بالشكل المبني على العرقية، وهناك طريق مسدود وعميق سببه استمرار إسرائيل في بناء المستوطنات وعدم منح الفلسطينيين حق العودة، وأن التدخل الدولي أساسي لتعبيد الطريق المسدود لحل المشكلة الفلسطينية.
وأشار أن التناقض موجود، بالرغم أن العالم يؤيد الدولة الفلسطينية إلا أن الولايات المتحدة تعطل قرارات الحل.. وهذه جل أفكاري التي بدأت تتغير بعد زيارتي العاشرة لفلسطين حتى العام 2013 وخاصة بعد أن استمعت لعدة محاضرات لزملاء لي في فلسطين حيث لمست من الأفكار التي ركزوا عليها في محاضراتهم كانت على قهر وبؤس الاحتلال للفلسطيني، وكانت نفس الافكار تطرح على حضور يتضامن مع الشعب الفلسطيني ويعرف هذه الأفكار التي ينقصها الجرأة في الرؤية المستقبلية للحل؟ ومن خلال التحدث عن المستقبل نستطيع التطرق من خلاله عن الوضع المزري الذي يخلفه الاحتلال وعن الوضع القائم.
وأردف المحاضر ستوري ما جئت به هو تجربة تفكيرية: نصيحتي لكم، وأنصح نفسي أولا، لرؤيتي لواقع ممكن وواقع مستحيل، ومقترحي هو " الممكن المستحيل " في إقناع الاتحاد الأوروبي في إعطاء دولة متزامنة لكل من فلسطين وإسرائيل والسماح لهما الدخول في الاتحاد الأوروبي كأعضاء على قدم المساواة. وأضاف : كان الرد الأوروبي المباشر هو استحالة الفكرة كون فلسطين وإسرائيل ليسا جزء من الاتحاد الأوروبي. وقال أعتقد أن هذا التفكير سطحي كوننا لا نبحث عن الجغرافيا والاقتصاد المشترك وانما عن السياسة والثقافة، وأرى أن السؤال الحقيقي: هل هذا في صالح الاتحاد الاوروبي أم لا ؟
وضرب المتحدث مثلاً عن تركيا التي طالما سعت لتكون عضوا في الاتحاد الأوروبي والذي ترفضه كلا من فرنسا وبريطانيا، لكني أتمنى أن تكون تركيا عضوا في الاتحاد لتنمو كدولة إسلامية في إطار علماني، وأعتقد أنه سيخلق أجواء مختلفة لأوروبا المسيحية بدخول تركيا ذات الثقافة الإسلامية لأنها ستعمل في الإطار العلماني للاتحاد الأوروبي، وأرى أنه فيما اذا تم رفض تركيا في الإطار الأوروبي سيتشكل رفض وعداء لأوروبا في المحيط الإسلامي.
وأفصح المحاضر عن استحالة فكرة تكوين اتحاد أوروبي في البدايات كونها طرحت بعيد الحرب الكونية الثانية، لكنها بدأت ترى النور عندما دعا إليها مجددا الفرنسي جون مونيه عام 1980، حيث بدأت بخطوة مجلس التعاون الاقتصادي الأوروبي والتي تم تحويلها تدريجيا إلى الاتحاد الذي يسعى لخلق واقع سياسي جديد عبر حدود الامم الموجودة في اوروبا. وأرى أن فكرة الاتحاد الأوروبي ولدت من رحم الحرب العالمية الثانية بعد أن كانت شاهدا على الدمار والمجازر وموجات التطهير العرقي. وقد خرجت الفكرة من الرغبة الجامحة لكل من فرنسا وألمانيا لوقف رحى الحرب التي دارت بينهما 3 مرات متتالية في حياة إنسان واحد. وأردف نتيجة هذه الحروب فان والدتي ليست مستعدة للقاء أي ألماني للكراهية التي ولدتها الحروب التي شهدتها أوروبا. ولا أخفيكم القول أن فرنسا وألمانيا هما الدينمو الذي دفع فكرة الاتحاد الأوروبي، بأن أسسا مكتبا للشباب ثنائي القومية، هدفه تثقيف الشباب رفض العنف وإراقة الدماء لأجيال ، ويمكن للفلسطيني والإسرائيلي أن يستفيدا من التجربة لتأسيس مكتب شبابي ثنائي القومية ليبتعدوا عن الحرب.
وطلب المتحدث من الحضور: أتمنى عليكم التخيل، وقبول هذا التخيل، بأن تكون اسرائيل وفلسطين جزء من الاتحاد الأوروبي، ورفع الجدار العنصري، والخط الأخضر هو الحدود بين فلسطين وإسرائيل، لكن هذا الخط مثل حدود الدول الأوروبية يسهل الحركة والتنقل، كما انني استطيع أن أتنقل، وأعيش، وأزور 22 دولىة اوروبية، لذا يستطيع الفلسطيني أن يتحرك ويزور ويسكن المستوطنات التي ستبقى، لكنها ليست للإسرائيلي فقط، وانما للفلسطيني أيضا لحل مسألة حق العودة الذي اذا تم التأكيد عليه فان الكثير من الفلسطينيين سيفضلوا عدم العودة ليقيموا في فضاء الاتحاد الأوروبي.
وخلص المتحدث الى استنتاجاته الخاصة كما يراها؛ بأن الولايات المتحدة لا تريد أن تحل الصراع ويرى السلبية في عظمة قوتها، وأن إسرائيل لا تريد حلاُ كونها بخبث لم تثبت حدودها وهي سياسة متبعة منذ بن غوريون مؤسس الدولة، وعقب: لأنها اذا حددت الحدود فانها تقول أرضنا الى هنا، وأما عدم تحديد الحدود فيعني المزيد من التوسع، كما أنها تأمل أن تحافظ على العرقية اليهودية كما أوصى زعيمها ثيدور هرتسل " نريد إسرائيل يهودية كما بريطانيا بريطانية" معتبرا المتحدث ستوري أن الفكرة الاثنية والعرقية هي فكرة خطره كون فحوها أنك أفضل من الآخرين. وهذا عكس الانجليز الذي يعتبر شعبا مهجنا ومتنوعا، ونحن نفخر بذلك، لأن الدولة القومية لا تستمر لاعتمادها على اثنية واحدة مما سيسبب الاحتراب الداخلي والحرب الأهلية بين سكانها.
واعتبر المحاضر توم ستوري الاتحاد الأوروبي يكون اللاعب المميز في تنفيذ أفكاره بأن تبادر في طرح اطار للسلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، لتعامله غير المتوازن في إعلان بلفور، ولتنهي سنوات طوال في عدائها للسامية.
ويتوقع المحاضر أن الاتحاد الأوروبي اذا اقتنع بتبني مقترحه فان الولايات المتحدة ستقتنع تباعا وتقوم بالضغط على اسرائيل بتبنيه، وبذا نحدث تغيير دولي لقواعد اللعبة . ولا يستبعد المتحدث من الولايات المتحدة من قبول أفكاره لانها لا تملك حلا للمشكل، بذا تستطيع أن تلين الرؤوس المتصارعة، وستخفف عنها العبئ الكبير في دعم إسرائيل .
وأبان المحاضر أنه حاور بعض أعضاء مجلس الاتحاد الأوروبي وأن الافكار التي يطرحها نتيجة لهذه الحوارات، معتبرا أن الأفكار المتمخضة عنها ليست سخيفة أو مستحيلة لكنها تعتمد على الارادة السياسية وأنها ستحظى بالشرعية وسيكون لها صدى كونها خارج الصندوق الرسمي الاوروبي.
الحوار مع الحضور لم يكن بالسهل مع نواة المثقفين التنويريين المخضرمين في تجاربهم السياسية والنضالية:
جل الحضور أثنى على صدقية المحاضر الإنسانية التي تنبع من صديق مخلص للشعب الفلسطيني، لكن جل الحضور لا يختزل حل أهم قضية في العالم في الحل الإنساني أو الاقتصادي وإنما في الحل السياسي الوجودي للشعب الفلسطيني فوق ارض اجداده الغير قابلة للتصرف. وأن مقومات الوحدة الأوروبية أدنى بكثير من مقومات القومية العربية.
الرد الأولي وشبه الاجماع للحضور كان أنه لا يتم أي اتحاد بين شعبين الا بعد أن يكونا أحرارا ومستقلين، ومثله الاتحاد الأوروبي الذي لم يتكون في خطوته الاقتصادية الأولى الا بعد أن أخذ كل شعب حريته واستقلاله، وفي حالة الشعب الفلسطيني الذي ينوء تحت الاحتلال فله متطلب سابق في الحرية وعودة اللاجئين الى ديارهم ، بعدئذ تخضع المسألة لرغبة الشعب الفلسطيني وفق ارادته الحرة في الوحدة والاتحاد ، ثم لماذا كل هذه المشاريع التي عجت بها القضية الفلسطينية بعيدا عن قرارات الأمم المتحدة التي ترفضها دولة الاحتلال، لماذا لا يتم الضغط الأوروبي على الكيان الصهيوني لتنفيذ قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، إن أي علاج يقفز عن إرادة الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة في العودة وتقرير المصير والدولة المستقلة وعاصمتها القدس يجعله علاجا مؤقتا وليس جذريا .