2024-11-25 11:18 ص

"الله غالب" ..شخصية التونسي الدينية من خلال أمثاله

الباحث (تونسي) رفقة والدته التي استقى منها مجمل الأمثال الواردة في الدراسة

2013-10-27
بقلم: عزالدين عناية و عائشة بنت التقّاز 
يُعدّ قطاع التدين الشعبي أحد المحاور الأساسية في إدراك كينونة فضاء اجتماعي مّا، وهذا المجال لا يزال يشكو إهمالا داخل أوساط الدراسات الاجتماعية والإناسية، في مجمل المجتمعات العربية، برغم انتشار الكليات والمعاهد المدرّسة للدين والاجتماعيات، التي لم توفق إلى حد الآن في القطع مع الانعزال النظري والانخراط في الاندماج العملي. وأمام هذا النقص الحاصل يزعم غربيون قيامهم بدراسات إناسية وسوسيولوجية للمجتمعات الأخرى، خوّلت لهم وعي بناها الدينية والأسطورية. أشك في الزعم المضخَّم، وفي اقتدارهم لبلوغ وعي متكامل وصائب. ولكن الأنكى أن كتاباتهم تتحول إلى أناجيل لدى أبناء البلدان المزعوم دراستها، بين عامتهم وعلمائهم.
ومن هذا العوز يبدو ملحّا تكوين إناسيي أبناء البلد، لإدراكهم اللهجات ولإلمامهم باللغات والفاكرات المحلية، التي تتغير وتتلون من موضع إلى آخر. والغريب أننا في الفضاء الإسلامي نرنو لتأسيس تحول حضاري، في غياب الإلمام والفهم لِبُنانا الذهنية، وخصوصا ما تعلق منها بالديني والأسطوري، برغم ما تلعبه من دور مصيري في دفع أو كبح أي تطلع أو أي مسعى للنهوض. من هذا الجانب كان سعينا لمحاولة تجميع الأقوال والأمثال الشعبية، بغرض بناء نص متماسك وتمثلي للفاكرة الدينية التونسية، ولا ندعي أننا استطعنا الإلمام بها في كل مقولاتها، فهي ثرية الأقوال، متداخلة التوظيف، ومتضاربة التأويلات.
ولم أسع في العرض إلى تحليل تلك الأمثال والأقوال، وهي ذات دلالات نفسية وسوسيولوجية وإدراكية عميقة، برغم ما طرأ على بعضها من تجاوز في السلوك الاجتماعي وفي التمثل المعرفي، واقتصر الاهتمام على التسجيل والرصف، برغم رجعية بعض الأقوال ولامعقوليتها، كل ذلك غاية رصد تحولاتنا الذهنية والدينية لمن شاء ذلك. فبعد أن استقيت مجمل هذه الأمثال من الوالدة (عائشة بنت التقاز حفظها الله) منذ مطلع طفولتي، آليت على نفسي تدوينها. ثم حرصت على أن أنسج من تلك الأمثال نصا مقروءا في صيغة متجانسة. وقد لا يكون المثل ذا مقصد أو غرض ديني بالأساس بل وَظّف عبارات ذات مدلول ديني، يُنبئ عن تمازج الديني بالدنيوي في الفاكرة الشعبية. كما لم نعمل على الفصل بين الأمثال والأقوال الشعبية وحشرناهما معا، إذ كما يقول محمد المرزوقي في كتاب "الأمثال الشعبية في تونس": "رغم دوران كثير التعابير على ألسنة الشعب في الأحاديث العامة والخاصة، فإن قلّة من المثقفين من يفرقون بين الأمثال الشعبية والتعابير الشعبية، مثال ذلك: (كان جات تجيبْها سبيبة، وكان مْشات تقطّع السلاسل)، فهذا المثل ناشئ عن تجربة وتفكير شعبي يؤمن بتداخل الحظ في اكتساب الدنيا فمن ساعفه الحظ اكتسب. أما قولهم: (فلان لا يبِل لا يعِل) أو (لا يحُك لا يصُك) فهو مجرد تعبير بسيط لا يتضمن حكمة ولا تجربة، وكل ما فيه أن فلانا لا يضر ولا ينفع. وقد آثرنا بعض التدخلات من جانبنا –لا على الأمثال والأقوال في ألفاظها- غاية ربط كل مقطوعة بأخرى، مع تنبيهنا لأمر هام أن ذلك القول قد تتجاوز دلالته غالبا ما ذهبنا إليه، وقد يتم استحضاره في مواضع متعارضة كليا مع ما اخترنا له. يتم ذلك وفق سياق الكلام أو بحسب بلاغة المتحدث أو بحسب المعتاد الخطابي في جهة مّا، خاصة وأن لغة الأمثال –على حد تعبير الطاهر الخميري- لغة حديث وفيها من أنواع التعبير ما لا يظهر في النص المكتوب فلزم التفطن من القارئ إلى الأمر. وقد حرصنا على ذكر تلك الأمثال والأقوال وفق ما شاعت عليه بحسب نطقها الريفي والمديني. فكما ساهم الحضَري في إنتاجها ساهم القرويّ والريفي أيضا، فهي ثروة شعب بكافة شرائحه: "جبالي" و"فريقي" و"ساحلي" و"جريدي". كما نُلفت انتباه القارئ غير التونسي أن استعمالات بعض الكلمات أو الأفعال قد تُوهم بمدلول عربي فصيح، شائع ومتواضع عليه، في حين تأتي في الاستعمال التونسي على غير ذلك، حيث تحمل دلالة مغايرة، ولذلك نتمنى الاستعانة بقاموس للدارجة التونسية لمن أشكل عليه الأمر. ومن باب الأمانة العلمية، آثرت ذكر اسم صاحبة الرواية الشفوية –عائشة بنت التقاز-. 

الله والعباد
يسكن الديني في عمق الشخصية متجليا في فرحها وترحها، في وعيها بذاتها وفي علاقتها بالآخر، في نشاطها في الوجود وفي تشوّفها لما وراء الوجود، لذلك كان الحثّ "كونْ في الدّين كِيف الذهب يرق وما يتقطّعِش"، فالتونسي يتمنى "إن شا الله اللّي خالق مِ الأرحام داخل في دين لِسْلام"، ويخشى ممن يفتقر قلبه إلى الحس الديني بقوله: "تِقطَع لِيمانْ من قلبه"، فخلص أن "اللِّي ما يخاف من ربي ما يخاف مِ العبد" ولذلك نبّه قائلا: "خاف من ربي وخاف مِلِّي ما يخافِشْ من ربي"، وأحيانا يجمع بين خوفين، أحدهما مستحب والآخر مكروه: "الخوف مِ الله طاعة ومِ النساء مذلّة" لاعتقاده أن "طاعة النساء تدخِّلْ النار". ويمتزج الدين لديه بتونس، حيث "حب الوطن مِ الإيمان" إذ "الدِّين يشد الإنسان كيف الحزام للحصان"، وتعني قلة الإيمان انحدارا باتجاه السلبي إذ "اللّي يَيِّس من رحمة ربي كان الكافر" لأنه "ما أقربش من رحمة ربي" فالارتباط بينهما "الشُّوم وقلّة الدين"، ولذلك كانت خير مواضع الإيمان القلب، ومن افتقده من القلب "تقطّع ليمان من قلبه"، فغدا "قِرْبِلَّة لا دين لا ملّة" أي "لا يُصلِح لا للدنيا لا للدّين".
ويبدو هذا الإيمان أحيانا متحرّرا من سخافة المشعوذين وادعاءات النفّاثين، فكان "اللّي يِمِّنْ عزّام كذّب مِيات نبي" أو بعبارة أخرى "اللّي صدّق تقّازة كذّب أربعين نبي"، وتُفضّل الفاكرة الشعبية الكُفر المبين على التدين الزائف "كُفْر بْليغ ولا دين مدَقْدِق" مفضِّلة "كافر على دينه ولا مسلم مْخَاوِز"، أو بتعبير آخر: "كافر على دينه ولا مسلم منافق"، وقد لا ترضى بالمنزلة بين المنزلتين "لا طاع ربي لا طاع الشيطان". وما يميز التونسي تعريفه العملي والفعلي للإيمان والكفر، فهما مرتبطان لديه بأثرهما، ولذلك نجده يخرج به من التعريفات النظرية إلى التجليات الفعلية، فمن يكفر بربه كمن يُناقض قانون الطبيعة: "اللّي يْعانِد السمَا عْمَى"، "حجر على من كفر". ونعود للتجليات العملية للكفر والإيمان فعدم الوفاء بالدَّينِ إخلال بالدِّينِ "الدَّيْن يهدم الدِّين". وتتجلى أنماط الكفر المادية مع أنماط كفر ذوقية، دالة على رقي ذهني نادر في تحديد مفهوم الكفر، فمثلا من أفرط في إظهار الحزن على الميت كفر "أهل الميّت صبروا والمعزّين كفروا"، وعدّ التمعّن في القبح كفرا: "خَزرانِك للقبيح كفر صحيح".
فالدين أحد مكونات الوعي الأساسية، ثري لدى التونسي مثل "الكبير ربّي"، فكانت "الشكوى لربّي"، بصفة الله نور العالم، ولذلك قيل لكل ضوء اصطناعي "ضوّ الله خِير من ضوّك". ويملأ التونسي الوجود بأمر التوحيد، فيأتي الأمر جمعا ومفردا: "توحّدوا الله" و "توحّد الله" إذ "الرب واحد والخال شاهد". وإذا ترجّاك في شأن هام جعل الله عرضة أمامك: "بجاه ربي" فـ"ربي في الوجود وخيرو ممدود". فحيثما كنا ثمة وجه الله "الله وعباد في كل بلاد"، وهناك إقرار بصنعته "أحْنا خليقة ربي"، وبمشيئته "خلق العباد كيف ما اشتهى وراد"، وبرعايته أيضا "اللّي خلق ما يضيّع" و"عمرو ما يخلق خليقة ويضيّعها" و"اللّي خلقو أدرى بيه"، وهناك ثقة كبيرة في رحمته: "ما يفرّجها كان العالي" إذ "الكبير ربي"، الذي "ما تخفاه خافية"، فكان اليقين "اللّي يشدّ في ربي ما يخيبش"، فـ"ما ثمة كان قدرة ربّي" و"المقدّر كاين"، حتى قيل "لا تهتم اللّي في علم الله يتم"، ولذلك "إذا المولى قدّر ما تنفعش دباره"، فانجر عن ذلك "اللُّوم بعد القضاء بدعة"، بيد أن "اللّي يُسْترو ربي يتحدّث"، لأن "الستّار الله" فـ"الإنسان يمشي الظلّ ظلّ ويا ستّار تُستر". ولذلك يقول التونسي: "ربي يُستر في العقاب" وإذا تمنى لك الحفظ قال: "اسم الله عليك"، لأن لديه يقينا أحيانا "لو تهبط بِير وتطلع بِير وتسَرْفِق كيف جناح الطير اللّي رايِد ربّي لا بدّ يصير".
ولأن "القوة لِربي" ينظر التونسي إلى البحر المتلاطم ويقول: "ربي أقوى منك يا بحر" لأن "ربّي قيّاد في العفَرِّت" أو بتعبير آخر "ربي خسَّاي في العفَرِّت". ويرنو الفرد أحيانا لمشابهة تلك القوة، رافضا الضعف والوهن: "العظم الرهيف الله يكسّره"، وكلّما صعقت المرء قوة قاهرة قال مستعيذا: "بسْم الله وبالله"، وبذلك كانت "الشدّة في ربي ميشْ في العبد"، فترتّب عليها "اُصبر على داكْ حتى يفرّج ربّي"، حتى وإن كان المواجه داءً ميؤوسا من شفائه، فلديه إقرار "ربي خلق الداء والدواء"، فنتج عنها "اللّي معاه ربي ما يِغْلاب".
وغالبا ما ارتبط رضاء الله لدى التونسي برضاء الوالدين: "الله ورضا الوالدين" و"يا رضاية الله والوالدين"، ولذلك كان دعاؤه "الله يفكْنا مِ الدِّين ودْعا الوالدين"، طالباً "الله يرضّيهم علِينا دِنْيَا واخْرة" إذ "العزّ بعد الوالدين حرام"، فله خشية من الدعاء وخصوصا منه "دعوة فجر"، ولكن يؤمن أيضا أن "دْعَا بلا ذنوب في راس مولاه يذوب". والله لدى التونسي خير مطلق "ربي ما يقدّر كان الخير". والهناء والسعادة نتيجة خيط رقيق متمثل في: "إذا سألتم الله فاسألوه البخت" فـ"الإنسان كيف حْجَر المقطع مَرّة يجي في جامع مرَّة يجي في مِيضة"، لأن "اللّي خْطاه بخْتُو ربي سخْطُو" فـ"التسهيل من عند ربّي" و"إذا يريدْلِك ربي الشفا يعرضك الطبيب في الثنِيّة" وإذا "حبّ الله تتسخّر لَرْياح واللّي كان مرَيّض بِعلّتَهْ يرتاح"، فمن "درج لِدْرَج يأتي الله بالفرج" فـ"إذا ربي رايِدْ بصلاحك بلا دواء وطبيب تَبْرَى جراحك"، ولذلك كان "الطبيب يداوي والفرج على الله"، فـ"إذا بعث ربي الشفا يوَالِم الدوا"، ولذلك كان التونسي حتى في حالات خطئه يطلُب: "الله يتوب علينا وعليكم".

الأرزاق والأشداق
وفي الإقرار بقدرته تعالى، كان اعتبار "الرزق على الله" و"القَسِمْ من عند ربي" و"القَسِمْ مِتوَكِّل بِيه ربّي" و"رزق حَدْ ما يفكّه حَدْ". ولذلك كانت حتى الحشرة رزقها على الله، حتى قيل: "عْطاكْ ربي يا نَمُّوسة كولي وبَرِّقي عينيك".
فلا خوف من يوم غد: "اُنفُق ما في الجيب ياتيك ما في الغيب"، ولذلك كان التمنّي الدائم "إن شا الله اللّي يُولد يربّي واللّي يُحصد يعبّي"، إذ يقول التونسي: "الباب محلول والرزق على الله"، فهو "ما يخلق لَشْداق إلا لاَمَا يقدّرِلْها لَرْزاق"، ولذلك يقال: "الأولاد رِزْقهم على ربي"، لأن "الطّاعم ربي والحارم الشيطان"، مؤمنا أنه: "كول بالمرْقَة حتى يَاتِي ربي باللّحم" فـ"إذا أذّن العشاء ما يبات حدْ بلا عشا"، وأمام كثرة الخلق هناك إقرار أن "ما يجزِّي المخلوق كان الخالق"، و"إذا حب الله يعطيك من فمّ المدفع يسقيك"، ولكن "ما تاكل إلا ما يكتِبْلك وما تكسب إلا ما يعطيك"، فـ"إذا عطاك العاطي لا تْشاطِي لا تْبَاطي، وإذا ما عطاكِشْ العاطي حتى كلامك يولّي خَاطي"، إذ "الفقر والغنى بِيد ربي"، لأن "كلْ واحد ربي عطاه برْدُو على قدْ كْسَاه"، ولذلك يقول التونسي: "يِغنِيني ربّي". فـ"الإنسان ما يَاخِذْ كان اللّي كاتبلو"، ويتأكد هذا الإصرار على علوية الغنى والفقر في الكلام المنسوب إلى الله عز وجل: "أنا فقَرْته ونْت غْنِيهْ أنا قتَلته ونْت حْيِيه"، وبالإقرار "اللّي كاتِبلو ربي الشقا ما يعيشِشْ مرتاح" لأن "الحنَيْنَيات الله لا يقلِّهم على حبيب" فهي ضرورة وقت الشدة. وبرغم ذلك يقول في رضى أحيانا "إن شا الله بايْنَا في الجنّة" و"اللّي عْطَاه يعطيك واللّي غْناه يغنيك"، وكان الشرط لديه "اسْتَقْنع بالقليل يعطيك الله الكثير"، كون "اللي قلْبو كبير ربي يعطيه"، فـ"ربي موجود على عباده يجود" مع الإلحاح على الشكر والحمد: "اللّي ما يحمد مِ القليل ما يحمد مِ الكثير"، وقد تفطّن الحس الشعبي إلى التلهف في النفسية البشرية من خلال قول: "كِيف جَا ربّي يقسِّم في العقول كُلْ واحد رضا بقسْمُو وكيف جَا يقسّم في الأموال لا من رضا بسَهْمُو". لذلك تجد البعض "لا يشبع لا يحمد ربي"، وهناك حثّ على المحافظة على عطاء الله: "اللي عطا رزقو في حياتو طلب الله وما غاثو"، ولذلك قيل: "ربي اللّي عطاك يعرف بابا دارنا"، لأنه أحيانا "ربي يعْطِي الفُول للِّي بلاشْ زرُوسْ"، فكان "اللّي ما يعطيه ربي ما يعطيه العبد"، لأن "اللّي يعطيه، يعطيه ربي" و"اللّي يعِينُو يعِينُو ربي"، فكان الرجاء "الله يسهّلْها وقت اللّي تحضر". ولكن كما يأتي قول الله على لسان التونسي: "إِنْت عليك الحركة وانا عليَّ البركة"، ينتشر التمني بالمثل عند أداء أي عمل: "إن شاالله بركة مِيشْ حركة" بصفة "الرزق من الله"، فهو "يرزق عبْدو من عبْدو وهو الكل من عنْدو" فـ"الناس بِالناس.. والناس بالله"، وإن استكره التمني الواهن أحيانا: "كلمة لَوْ كَانْ أخت الشيطان". فهناك تكامل بين العلوي والأرضي لحصول الرزق، كون "البركة وِينْ يبارك ربي"، لأن "ربي رحمتو واسعة". وحركة الرزق مشروطة بطهر في وعي التونسي فـ"رزق الحرام ما يثْمَرش"، مؤكدا اعتقاده "رزق الحرام يمشِي في الظلام"، ولذلك وجبت المحافظة على الدِّين في طلب الرزق "كول بعرق جبينك خير مِلّي تبيع دينِك".
ويعد العمل فعلا قدسيا، فـ"الفلاحة عبادة" ولذلك كان الحظ على "اخدم بالصفا يحبّك المصطفى"، فالله يقول: "اخدم نْعِينِك اُرْقد نْهينك" فكان أن "عْطاه ربي وعانه نقّصله من ذراعه وزاده في لسانه". وكانت البطالة مدعاة لكل مفسدة عبر عنها المثل "خدمة الصوف تستر وتنهي ع المنكر"، حتى ربط بين "اعط الفرض وانقب لرْض"، مع الدعوة إلى "بارك الله في من اخدم خدمة وتقنها". فالتاجر صادق ما أعطى الحق وأخذ الحق لأن "فلوس الحرام تمشي في الظلام" إذ "بالحلال ويا باب الله" و"بالحلال ويا ستّار تستر". ففي كل عمل الأساس هو "الله والنيات" و"الأعمال على ربي".
والملاحظ ارتباط كثرة المال في الذهنية الشعبية بالدناسة وقلة التدين فقارون الكافر هو رمز الثراء الفاحش، عبرت عنه الكلمتين الشائعتين "مال قارون"، ويتدعم هذا المدلول من خلال القول التالي: "الصغار يحبلهم مال كافر وصحة حافر وكيسة معمّرة ومرا مشمّرة" ولذلك تم تصور وفرة الرزق مصحوبة بالابتلاء والكفر "اكفر ترزاق" فغير أهل الإسلام "والله لا يرد فاس على هراوة" أغنياء لأنهم "جنّتهم في دنيتهم" هكذا في التمثل الشعبي، لأن "اللي يدق على باب جهنم يدق بحلقه ذهب". وبرغم إيحاء الشبع، علامة الغنى، بالكفر و"إذا شبع بنادم كفر"، فإن الجوع علامة الفقر يحشر في أغلب الحالات في زمرة الكافرين "الجوع كافر بالله".
صورة رجل الدين
يأخذ رجل الدين في التصور الشعبي عدة أشكال فهو قاض قاهر، وأخطر أدواره إذا كنت في خصومة معه "إذا كان خصيمك القاضي لشكون تشكي" وخصوصا "إذا كان القاضي عظومي والمفتي عظومي لشكون تشكي يا شومي" مما جعله يخلص أن "قاضي في الجنة وقاضين في النار". ونجد كذلك الولي يحوز في المخيال الشعبي موضعا هاما حتى لتضاهي الولاية النبوة التي تعيين إلهي، فكان القوم الذين يُحرَمون النبوة يحرَمون الولاية "لا يتنبى فيهم نبي لا يتولى منهم ولي" فهو الدليل عند تشعب الطرق "يجعل في كل ثنية ولي وفي كل دوار فارس"، ولهم قدرة إشفائية ترجى مثل بعض أولياء القيروان "يا رجال صبرة داوو المريّض يبرا"، فهم في أقدس الأماكن، مدينة عقبة بن نافع، التي يجلها الضمير الإسلامي "القروان مدينة عز لسلام". وبرغم المقدرة الهامة التي يتمتع بها الولي فهو يعجز عن تغيير المكتوب "اللي مكتوب ع الجبين لا تمحيه لا أولياء لا صالحين"، وقد ترتد الذات ارتدادا كليا ضد معاجز الولي ومناقبه مقدرة ان فعله لا يتجاوز شخصه "كل ولي ينفع روحه".
ونجد كذلك صورة المؤدب، فرغم الثقة التربوية العالية فيه "عصاة المدب م الجنة" فإنه لا يؤتمن شرّه "المدب والعقرب لا تقرب"، إلى جانب ما تلحق به من نعوت الجشع التي يعبر عنها بسقوط المؤدب يوما في حفرة ورفضه أي وسيلة لإنقاذه، ولم يتم إنقاذه سوى بإيهامه إعطائه شيئا قالوا له: "يا مدب مد يدك، ما باش، قالولو هاك: مد يدّو"، ويتطور تأكيد هذا المكر لدى المؤدب في التصورات الشعبية إلى حدود استشارته يوما، كيف السبيل لحصن فرج فتاة فاتنة في الحي؟ فأشار إليهم بإيداعها عنده دون غيره "خلوها عند المدب حتى تلقاولها راجل"، حتى ليأخذ أحيانا صورة "إبليس ينهي ع المنكر".
وهذا الخطاب الموجه للمؤدب الذي يحضهم على التزكية يبين ارتباك العلاقة بين رجال الدين والمؤمن البسيط "وقت اللي آنا في النافي والنفنافي، إنت وسط الجوامع دافي، والله لا يصحلك منها لا الكرفة لا الصافي" لأن القاعدة تقول: "ما تخرج الصدقة كان ما تشبع مالي المحل"، فهناك يقين لدى التونسي "أن ما ثماش قطوس يصطاد لربي"، أو بصياغة أخرى للمثل "لو كان القطاطس تصطاد لربي راهم الفيران كلاوونا".
ولكن بين هذه التنوعات تبقى صورة الشيخ أنقاها وأعلاها "اللي ما عندوش شيخ شيخو الشيطان"، وربما هذه الميزة عائدة للشرف الكبير الذي يتمتع به الشيخ المدرس في جامع الزيتونة، الذي كان حلم كل فتاة "إن شا الله تعرس وتاخذ مدرس" (بجامع الزيتونة). فعديد الشيوخ صاروا مضرب أمثال "الشيخ الكنزالي اللي خطوة لقدام وخطوة لتالي".
الصلاة والعبادة
من أروع الأمثال التي صاغتها العقلية التونسية والمعبرة عن إيمان فاعل لا إيمان قدري، مستلهم من مزج بين الغيبي والمادي، فسورة يس المكية التي يحملها الوعي الشعبي قيمة وقائية من أي مكروه تتطلب تأهبا ماديا من أي "اقرأ يس والحجر في يدك" فالاتكال والقدرية ليس لهما مبرر "ارم روحك في البير وقول الملايكة دزتني". فهو يقر بأن ما يجر للإنسان له دور فيه "شي من الله وشي من عبد الله" فـ"كربة من الله وكربة من عبد الله وكربة برعطاش ريال"، ولذلك نفى الإيمان الشعبي ادعاء الصواب لمن سعى للهلاك بساقيه مدعيا الشهادة "اللي يعرف دار الوبا ويموت فيها ما يموت شهيد" في حين أقر أن "اللي يموت غريب يموت شهيد". ومهما تعلل الفرد بقدر الله فإن له دورا في تحمل مسؤولية مصيره "حط كوزك عل الحدرة وقول كبو ربي" فـ"شوية من الله وشوية من عبد الله"، ولكن إذا نزل الحدث فـ"المقدر كاين". وأحيانا هناك رضاء بالقدر عن مضض "وعد ربي علينا قعدنا كيف الكورة بين الذكورة".
وفي حديثه عن التقرب إلى الله يحبذ التونسي العبادة الفردية "بينو بين ربي" ويتحاشى أحيانا الحشود فيها، لذلك كانت "الفرادة عبادة" حتى ليصاغ قول شعبي على غرار الحديث القدسي يقول: "حبيتك يا عبدي حطيتك وحدك". وقد يصاغ القرب من الله بشكل ساخر "راس الفرطاس قريب لربي". كما قد يتحول التمعن في الجمال إلى شكل من أشكال العبادة "خزرانك للمليح تسبيح" وبالعكس "خزرانك للقبيح كفر صحيح". وهذا الفعل الطقسي قد تصحبه أحيانا دعوة لليقين والتسليم الساذج كما جاء في الأقوال التالية: "استعقد في الحجر يداويك(ينفعك)" و"الشي لله يا ولاي الله". ولكن هذه السذاجة الاعتقادية تصير مرفوضة أحيانا ومعبرة عن براغماتية "إذا تلقى الناس يعبدو في بهيم ارميلهم الحشيش".
وتحوز شعيرة الصلاة مهابة فهي رمز النقاوة والطهر "الصلاة والعبادة" ولكن قد ينظر إليها بكونها "الصلاة للعجائز"، ولذلك حفّت بها وبشروط وجوبها وأدائها عديد الأقوال الشعبية منها ما تعلق بالآذان ومنها ما تعلق بالوضوء والطهارة وغيرها، ففي غياب العمران يفتقد الآذان "لقاو مدينة خالية قاموا فيها الآذان"، ويأتي الآذان تعبيرا رمزيا عن رفض حالة السكون، "ما كفاهش قبره طلع فوقو يذّن" أو بصياغة أخرى "اللي ما وسعاش قبره يطلع فوقه يذن"، أو عن رفض حالة السكينة "يذّن كيف السردوك". وهذا النداء المميز لديانة الإسلام لأداء أقدس شعيرة لدى المسلم قد يفتقد المنادي فيه لأي مصداقية، حتى قيل "كيف السردوك رجليه في الخراء ويذّن".
ويعد أداؤها فاصلا بين التقى والفجور "لا يصلي لا يصوم ويعبد في الراي المشوم". ولذلك كان فوات صلاة الجمعة يفوق فقدان أحد الوالدين "ما تبكيش على أمك إذا ماتت وابك ع الجمعة إذا فاتاتك"، وكان المتهاون في أدائها، أو بالأحرى غير المواضب عليها، فاشل المسعى برغم ما تخيل له نفسه من سواء السبيل "اللي صلى وخلى وصل للجنة وولّى". فكانت الصلاة عهدا بين الله والفرد غير قابل للانفصام "لا يخلصك م الصيام يوم و م الصلاة ركعة". وهناك سخرية من التعامل التجاري مع الله عند أداء الصلاة "بعد ما هردوه قام يصلي" فهي تؤدى خالصة لوجهه. وهي علامة عن صلاح الفرد وسمة رب العائلة الحازم "باسها داخ راسها صلى العشا وجا لقاها نافسه"، ولكن تتحول إلى طقس مظهري يغلب عليه النفاق والمخاتلة مثل "صلاة زعنون" الذي برغم مواضبته عليها إلا أنه ما كان يتمثل فيها النهي عن الفحشاء والمنكر، ومثل ذلك من "يخادع في ربي بالسبحة"، وكذلك مثل الذي أغري بالمال لأدائها واتقان وضوئها، فلما ظن أنه تعود عليها ورفع عنه التشجيع المادي، صرح أن كل صلاته كانت بوضوء واحد، لما يكابد فيه من مشقة، إذ "العادة غلبت العبادة" فصرح لمعلمه "على وضوك يا بي خليفة". وقد تتحول إلى شيء مظهري ذي مقصد ولائي مثل "صلاة القياد جمعة وعياد" أو تصيرا فعلا رتيبا يخلو من أي خشوع وطمأنينة حتى شبهت سرعة آدائها بـ"صلاة القوبع"، القبرة، السريعة النقر أثناء أكلها. وهناك تلميح أن المتهاون في أدائها أيضا به شغف لتأديتها يوما، ولذلك بمجرد أن "كلّمته ع الصلاة سبقني للجامع"، ولكن غالبا ما يتم التعلل بـ"الله يهدينا" و بـ"الله يتوب علينا". وقد تتحول الصلاة إلى سلاح تهديد مثل القصة المروية عن الرجل الذي كلما صلى إلا وهلكت غنمه، فانقطع عن أدائها فكفّ موتها، فأصبح يهدد بأدائها كل شاة قاصية قائلا: "إس لنصلّيلك" فذهب القول مثلا.
ويوظف التونسي الجامع في دلولات اجتماعية فريدة مثل ما نجده من حث على تأسيس منطقية للأولويات كما في قوله: "حضّر الحصير قبل الجامع". وأعلى أماكن الطهر لديه تتلاقى في تعبير متمحور حول مثلث النجاسة والكلب والجامع، لتعبر عن حدث اجتماعي  "طريحة كلب خرى في جامع" بصفة الانتهاء ناتج عن "طريحة التوبة"، والجامع قدس الأقداس قد يختلف فيه السلوك عن خارج "ما ناش في جامع".
كما يحتل الحج والحاج مكانة هامة "يا سعد من حج وتاب وحط ولد في الكتّاب" لأن تقبيل الكعبة غاية المنى لدى التونسي "تبوس الكعبة"، وهو يتطلب تقشف خاصا "اللي يحب النبي ويزورو ياكل الفول بقشورو". وبرغم الصرامة العالية التي تلزم مؤدي هذه الشعيرة بالانتهاء عن عديد المباحات، مع أدائها في وقتها المضبوط وشكلها المعلوم، المتلخص في القول الشعبي "اللي حج حج واللي عوق عوق" فإن أداء هذه الشعيرة قد يرفقه غرض دنيوي "حج وحاجة"، وهو مما لم يرد نهي بشأنه. ولكن المؤدي لهذا المنسك قد لا يدخل عليه أي أثر في سلوكه وعوائده "حج وزمزم ورجع للبلا متحزم"، لذلك كان الترجي "الله يفكنا م الحاج والعجاج والبحر إذا هاج". وتنبه الحس الشعبي لخلو بعض ممارسي هذه الشعيرة من أي إصلاح خصوصا من "حج باش يجيب لسم"، ولذلك نشأ حذر وتحذير من "حاج مرة فكني من شره"، حتى قيل "عم الحاج حج وأمارة الحج عليه، أما الغمزة والهمزة باقية فيه". ونظرا لمشقة الحج سابقا، يتمثله التونسي أوج التقى والتقرب من الله، ولذلك يعدّ لديه "الحج يغسل الذنوب"، وتؤكد عبارة تهنئة الحاج هذا الاعتقاد "حج مبرور وذنب مغفور"، وما يفوق الحج إلا "الخدمة ع الولاد خير م الحج والجهاد".
وأما الصوم فله تقديس ملحوظ بين مسلمي شمال إفريقيا وقد يتجاوز هذا الفعل شهر رمضان إلى الشهور الأخرى "يا فريسة العجب صمتيش نهار في رجب". ويمثل رمضان للمسلم محورا طقسيا زمنيا غني الدلالة "الدنيا فانية لا حال يدوم رمضان البارح والعيد اليوم"، وهو زمن محدود حتى صار مثلا في التحدث وعدم التداخل "آش دخّل شعبان في رمضان". وبرغم الاهتمام الكبير بشهر الصيام هناك تلميح لمشقة العناء فيه حتى صار مضربا للأمثال عند من لا تقدر نفسه على الصبر "صار نهار في رمضان قال العيد آش مزّالو" أو في القول "على ملاحة رمضان نزيد نهار"، ولكن هذه المشقة بثوابها فـ"اللي صام وعيّد غنم واللي فطر فرط وندم". وقد يتحول أداء العبادة أحيانا إلى غرض مرائي أمام أعين الناس لمخاتلتهم وإيهامهم بالتقى، شاع البيت الشعري المعبر عن هذا السلوك على الألسن:
صلى وصام لأمر كان يقضيه فلما قضى أمره لا صلى ولا صام
وقد يتحول الصوم والصلاة إلى عادة وتقليد اجتماعيين يخلوان من صدق اليقين "الصوم عادة والصلاة عبادة واللي تحب تجربو في هذا" (أي الفلوس). و"الصلاة عادة والصيام جلادة والدين في المفروش والمنقوش". ولشدة تغلغل شعيرة الصوم لدى التونسي نجده يصعد به إلى مدلول ترميزي واسع قائلا: "ما خفناش من رمضان الذكر حتى ماش نخافو من عاشورا".
كما تنبه الوعي الشعبي أن هناك من "ما يعرف ربي كان ليلة الرعد" تفطن أيضا إلى الانقلاب النفسي الديني الذي يحدث داخل بعض العائلات التي تعاني من اهتزاز ديني وخلقي، فيتحول بعض أفرادها فجئيا إلى الطرف النقيض مما كانت مشهورة به العائلة فقيل: "أولاد السراق يطلعو مؤذنين" وأحيانا يدمج الأمر في تفسير "سنة الله في خلقه" و"خلق العباد كيف ما اشتهى وراد" و"الهداية هداية ربي" و"المتربي من عند ربي".
الزمن
ينحشر الديني في الزمني حتى ليصير "اللي عند ربي موش بعيد" خارج الزمن العادي والمعتاد، وكذلك في تصور التونسي "اللي ما تخفاه خافية" فكما "أنا نراه وربي يراه"، وقد ينقلب القول أحيانا إلى "أنا وراك وربي يراك" لأنه تعالى "يمهل ولا يهمل" فـ"ميمونة تعرف ميمون وميمونة تعرف ربي". وفي الدلالة على الثبات الزمني تحضر مقولة "بقات دار لقمان على حالها"، أو على التحديد المضبوط "اللي كلا الحلوف يبقى أربعين يوم حلوف"، وأما للحث على ضرورة الإسراع فنجد "المغرب فارس" والتي تقابلها الدعوة للتريث وذمّ العجلة في قول "يقص يد السارق قبل ما يسرق" ولذلك وجب إعطاء كل أمر أجله المناسب فـ"ميت الجمعة يجيه السبت ويتحاسب" حتى لا يكون مثل "اللي قالو بكّر تاكل بالسفنج صلى العشا وجا"، وأحيانا يفضل التريث وإطالة الأشياء، عبر عنها في القول "احكيلي على سيدنا يوسف.. طاح في البير وطلعوه". أو إذا كان مزدوج التوقيت "موعود للموسم وإلا لعاشورا". ونجد في التصور الشعبي زمنا إيمانيا صاغته الفاكرة الشعبية حول المرأة دون الرجل "بنت العشرين لا عقل لا دين، بنت الثلاثين تفاحة للناظرين، بنت لربعين كسكسي ولحم سمين، بنت الخمسين تولي أم المومنين، بنت الستين أعوذ بالله م الشيطان الرجيم".
تنساب "الله غالب" على لسان التونسي بشكل دائم، وهي لا تعني استستلاما للقدر بل فعلا يعقبه تسليم أساسه "خليها على الله" لأن "اللي يعمل على الله ما يخيب". فأساس ذلك "اعمل ربي في بالك وازهى للدنيا تزهالك" و"تفكر مولاك" ولا تكن كالذي "ياكل الدنيا ويتسحر بالآخرة"، لأن "العجلة م الشيطان"، ومستحبة فقط "الرغبة في الدين" فـ"أمر الله يقضيه الله" لأن "اللي يشد يشد في ربي"، فكان الحث "توكل على الحي القيوم ما ثمة شي يدوم".
ولطالما التحم الزمن عند التونسي بذكر الموت الذي هو حق، فـ"عظّم الله مصيبة الموت". ولذلك كلما ورد ذكرها قال: "سبحان اللي لا يموت" "لأن الدنيا فانية"  فـ"الخير ما يدوم والشر ما يدوم كان الحي القيوم". وعبارة إخباره بها "صار الدوام لله". وهو لا يريدها فتنة ولذلك قال "ادفنو موتاكم وارجعو لمولاكم" كون الإنسان "اللي حبو ربي زارو" لأن "الأعمار بيد الله" لديه، ولذلك يطلب التونسي طول العمر بـ"الله يكبرنا في طاعته" لأن "اليوم واسعة وغدوة ضيقة" فـ"الدنيا بالوجوه والآخرة بالفعايل" ولذلك قيل "كيف يوم الآخرة نفسي نفسي" إذ "اللي تعملو تلقاه وتفرشو وتتغطاه"، حتى قيل "الغسال يغسل وما يضمنش الجنة"، وقد يخرج البشري من التقييم الجلي أحيانا مثل "لا تعرفها عند اللي يصلي ويصوم ولا عند اللي يسكر كل يوم". راضيا بأن يكون "قد الصحة قد القدر حتى باب القبر"، فهو يطلب الله "الله لا يثقلنا عظام"، فـ"بين اللقمة واللقمة حاكم يحكم"، لأن "ما يدوم فيها كان وجه ربي" فـ"إذا ضاقت عليك الأمور عليك بزيارة القبور"، وإذا مات إنسان "الله يرحمو" متمنين له "من دنيته لجنته" ومنتهين عن أي انتقاد له لأن "الدق في الجيفة حرام".
دعاء الخير
يترجى التونسي الله بأشكال متنوعة وفي مواقف مختلفة وأحيانا متضاربة، بيد أنها تأتي متسقة مع تركب نفسيته، وليست هذه الترجيات باتجاه النفس فحسب، بل باتجاه الغير أيضا في شكل دعاء. فله إيمان قوي بـ"ادعوني أستجب لكم" فهو يرجو ربه "اللهم ارزقنا العافية واللرزاق الكافية والللطاف الخافية"، ولذلك يدعو "اللي فيه الرضا والخير ربي يسهل فيه"، طالبا الستر والعفو من ربه "الله يبعد علينا أولاد لحرام وبنات لحرام اللي لا ينامو لا يخلو مين ينام"، ملحّا "الله لا يعطينا ما يغلبنا".
وتتنوع أغراض هذه الأدعية فمنها الموجهة باتجاه الذات، يحاول من خلالها أن يؤسس حصنا منيعا أخرويا ودنيويا "الله يحفظمنا دنيا وآخرة" راجيا أثناء تلك المسيرة العفو "ارقد وقوم واطلب العفو من ربي" والعافية "الله لا يثقلنا عظام" لخشيته من وهن العظم وثقل الجسم "الله لا يعظمنا فرايس" و"الله يجعل مرض البيّ صحتي" في تهكم عمن يتمارض. وطالبا كذلك الستر "الله لا يفضحنا" ليقينه "ماذا من متهوم في الباطل شنقوه وماذا من قتال ستر الله غطّاه". ولعل أهم تمظهرات هذه الصحة السلامة العقلية والرشاد الديني "الله يحبّس علينا العقل والدين". والملاحظ أن هذه السلامة الجسدية التي يترجاها التونسي تكتمل لديه برجاء في ثبات العوائد "الله لا يبطلنا عوايد" و"الله لا يقطعنا عادة" و"الله لا يخيبنا طباع". وبالابتعاد عن الشر "الله لا يحضرنا محاضر سوء" وأخباره "الله يسمعنا علم الخير"، ولذلك يطلب متبرئا "الله لا ترحم مين كان سبب" طالبا "الله لا يخلصله وحله".
وفي علاقته بالمرأة تحضر لديه عديد الترجيات والأدعية، التي قد تأتي ممتزجة بطلبات دنيوية، قد تنزع بها بعيدا عن وحدة المقولة أو المثل "الله يفكنا من فلس الحمارة وصابة الجرارة والنساب الفقارة"، والتي تتقارب مع "الله يفكنا من جوع الشتا وعطش الليالي" من حيث بنية التركيب والطلب الدنيوي. وقد يتنكر أحيانا للتقييم المالي للمرأة كما في "تزوجوا فقراء يغنيكم الله" ويصبح الترجي من نوع آخر "الله يفكنا م المرا المشعارة والراجل لملط"، أو قد يقال المثل بشكل معكوس "بارك الله في الراجل المشعار والمرا اللمطا" و"الله يفكنا م المرا المهبولة والواطي إذا نال دولة". وقد يكون اختياره للمرأة ممزوجا فيه شرط الدين بالشرف "لقى لسلام ويلوّج ع الشرف" أو بصيغة الجمع "لقينا الجنة حتى نلوجو ع الشرف" أو بعبارة أخرى "لقيت الجنة وتدعي بالشرف".
ولكن بعد تجربته الزوجية قد يعبر عن مرارة خيبته فيقول: "جيت نعرس ونتهنى نلقى العازب في جنة" أو قد يقرر خطأ بشأن المرأة "المرا ناقصة عقل ودين وميراث".
وبقدر ما هناك أدعية موجهة للأنا هنا أخرى موجهة للغير، ولعل أعلاها "الله يفكرك بالشهادة" يوم النسيان الأكبر، فمن حسن خواتم المؤمن ذكر الشهادة "حديث بلا زيادة كيف الموت بلا شهادة". وقد تتحول الأدعية إلى تمنيات دنيوية مباشرة وأحيان مغلفة بخطاب رمزي مثل "الله يربح شيرتك ويملا غديرتك ويفيض خميرتك" أو "الله يجعلك إنت تخلط والرسول يبارك" أو "الله يجعلك وين تحرث تصيب ووين تمشي تجيب" أو كذلك "الله يجعلك وين تقبل تربح". وقد يختلط المعنوي بالمادي "الله يعطيك الهيبة والمال بالويبة"، ويكاد يكون الطلب المادي دائم الحضور "الله يفكك م الفقر إذا ضاق وم المبارة إذا كتبت صداق"، فالتونس إذا ضاقت يقول: "الله يفتح علينا وعلى أمة محمد" و"الله يسهل في ما هو صعيب" وإذا خشي المستقبل قال: "الله يقدر الخير". وإذا ما تمنى لك خيرا قال: "الله يعطيك ما تتمنى" و"الله يعطيك بالوقت الطيب" و"يفتح البيبان المغلوقة قدامك" وكذلك "ربي ياتيك بريح النصر" و"الله يعليك على من يعاديك" و"الله يهديك ويبعد البلا عليك".
ولما في المخيال الجمعي من ريبة وخشية ممن بيده السلطة صيغت أمثال فريدة "الله لا يحضرنا قدام حكام لا بالحق ولا بالباطل"، وقد يلعن السياسي سرا مثل "الله ينعل البيّ في غيبته" ومؤمنا أن "كل فرعون وراه موسى"، أو يتمنى التحوير والتحول السياسي المتلخص في قول: "الله ينصر مين صبح" وقد ينقضه في التو بتمني الثبات "الله يرحمك يا راجل أمي لوّل".
كما يدعو التونسي ربه ويستعيذ به من ثلاث "الله يفكنا ويفككم م الوقت الكاسد والجار الحاسد والغني الفاسد" فكل مصيبة لديه "قدّر ربي" لإيمانه أنه "ما يسلط قضاه إلا على خيار خلقه" ولذلك يقول: "دفع الله ما كان أعظم" فالمصيبة "تخفيف م الذنوب" و"إن شا الله في المال ولا في الأبدان" أو بشكل مجازي "إن شا الله في الورق ولا في العتق".
ويستعيذ بالله أيضا من الكبر والتفاخر "أعوذ بالله من كلمة أنا" ويهزأ ممن يدعي الرفعة وهو وضيع "الله لا يوسخ مكة بالحرايمية" و"لا يشوه مكة" و"اسم الله على المبّر لا يتغبّر"، وينفر أحيانا من أن يكون محل سخرية "الله لا يجعلنا فرجة" أو أن يشذ عن الجمع في قوله: "الله لا يقلبنا سلايخ".
في علم الغيب
تحضر عديد الكائنات الغيبية في تمثل التونسي للوجود وقد يتفسر كائن غيبي بكائن آخر مثل "اللي يموت م الجنون يخفف ع الملايكة". وقد ينبع الجنس البشري بشكل رمزي لديه من عالم الغيب "البنات زريعة بليس فيسع يكبروا والولاد زريعة ربي"، وقد يلاحظ تميزا مصدريا بين الجنسين ولكنه غير ثابت فقد يتساويان "ولد باب الله – بنت باب الله". والجنة في ذهن التونسي هي غاية المنى لأنه "بشره بالجنة بصّ في النعش" ويرتبط مقام الجنة في ذهن التونسي باليسر عبر عنه الأمر بـ"حل في الجنة ذراع"، ولكن عبر عن صعوبة دخولها "جنة وطرافها نار". فـ"خير بلا شر هي الجنة وشر بلا خير هي جهنم"، فكانت الجنة لديه خيرا مطلقا وحلاوة مطلقة عبر عنها القول "جنة وفيها البقلاوة"، بيد أن "الحماة ما تحبش الكنة ولو تكون حورية م الجنة" أو كما صيغ هذا المثل في قالب آخر "مكتوب في السما الحما ما تحبش الكنة والكنة ما تحب الحما". في حين في جهنم على النقيض فهي "جهنم الحمرا"، ولذلك استحال في تصور التونسي "اخدم جهنم وموت بالبرد"، ويعد "الشكاك من أهل جهنم"، وكل من قلّ خيره وكثر شره كان "محماش جهنم"، وكان وحده "ما يحرق بالنار إلا العزيز الجبار". وقد تكون -بشكل ساخر- "وجوه جهنم" معروفة لديه و"العلم عند ربي"، كما يقول "إذا كان النعش مكسر والحمّال أعور يكون الميت من أهل جهنم". والملاحظ أن كل هذه الغيبيات تنقض أحيانا بـ"أشكون مشى للقبر وجاب الخبر".
العلم نور
الإنسان دون معرفة هو "نية رب العالمين"، أو بهيمة أنعام، كما عبر القول "بقر الله في زرع الله". بليغ هذا التعبير وجامع وشامل، فيه إقرار أن "العلم شتى والمعبود واحد" وفيه إدراك صائب لمعنى الدين "اللي شاورك شاركك في دينك" لقناعته أن "ما يقنع برايو كان الشيطان". وما نجده في تقاليد دينية مختلفة من تقديس لاسم الله الأعظم كونه مكمن الأسرار و"الكمال لله" يمثل لدى التونسي رجاء واستلهاما لديه "بجاه اسمه وعلمه"، فمن وعاه بلغ سدرة المنتهى حتى قيل: "حافظ العلم اللادُنّي" ولذلك كان "قلب المؤمن خبيرو" لصفائه. وكان الوالد في حقله العائلي الأصغر شبيها بالرب في حقله الكوني الأكبر "البو يعرف ولاده والرب يعرف عباده". كما كان الإقرار بتفوق الآخر العلمي والمعرفي مدعاة للدعاء له "الله يرحم مين قرّى وورّى" وقد يتبعها أحيانا بـ"الله يرحم مين ولد ومين ربّى" كما نجد هناك إكبارا لدور السلف في ما خلفوه من حكمة "الله يرحم الناس لولانين ما خلاو ما قالو". ويتجلى موضوع المعرفة في عديد الأمثال على لسان التونسي حتى انه في طلبها هناك إلحاح مفرط يصوره قول: "اسأل على دينك حتى يقولو مهبول" وغالبا ما يكون إلحاحا في السؤال وطلبا للشرح متعللا بـ"لا حيا في الدين"، وهذه المعرفة قد تتلخص لديه في حفظ القرآن الكريم ولذلك نعت المتفقه دينيا بكونه "حافظ الستين" و"حافظ ستين حزب"، ويرى أن هذا الحفظ الذاكري للقرآن في متناول الجميع لولا صعوبات بعض السور التي تكثر فيها المتشابهات، وبخبرته لخصها في الصور المبتدئة بـ"حم" ولذلك "كان موش م الحواميم يحفظه حتى البهيم". وبرغم التقديس للمعرفة لدى التونسي والإشارة لأهلها وأصحابها "خوذ العلم من تازركة وراس الشرع بني خلاد" هناك تهكم من الادعاء الزائف للمعرفة "عرف من الله على عبد الله" وسخرية من التفريط في طلب العلم في سن الصغر "بعد ما شاب هزوه للكتّاب وزغرطو عليه كناينه" وتهكم من الخيلاء لما يتناقض مع التواضع المعرفي "تفقهتم يا أهل باجة قلتم للحمار إرين". وهناك أيضا تنبيه لتوظيف المعرفة في غير موضعها "يعرف ربي ويحايل"، حتى أنها تفتقد طابعها الخلقي الذي عبر عنه القول "يعرف ربي ويخرى في القمح". وهناك أحيانا سخرية من بعض الاعتقادات الزائفة "بعد ما شاب علقولو حجاب".
فقهيات
يلخص التونسي عديد القواعد الفقهية في أقوال مانعة جامعة، مستلهما مقاله فيها من آية أو حديث أو قاعدة شرعية، ومحبذا الوجه الجلي للشرع عن الوجه الباطني "الشرع يحكم بالظاهر"، ويدرك التونسي أن الفهم الحرفي والاتباع اللفظي للمقول الديني مدعاة أحيانا للمتاهة وهو ما صاغه في المثل البليغ "اللي يتبّع الشرع ضاع" والذي قد يبدو لأول وهلة متناقضا مع القول "اللي خلى كلمة م الشرع ولالها"، ولكنه متكامل من حيث التمسك بالكليات والاقتدار على تحويل الجزئيات، لأن هناك تكامل بين "شوية لربي وشوية لقلبي"، مثل القاعدة المصوغة "العادة أبجل م العبادة" في تقديم الأكل وتأخير الصلاة، أو في إعادة صياغة قاعدة الضرورات تبيح المحظورات بـ"الغاصص يعدّي بالخمر" وقيل في مقابلها "من تداوى بمحرم لا شفاه الله". ورفض كذلك انتهازية الافتاء في قوله: "هاذي فتوى للجيعان" أو في "إذا حضر الماء بطل التيمم"، أو في إلباس الحرام بالحلال "الجدي جيفة ومصيرناته حلال". فجلي استلهام أبغض الحلال عند الله الطلاق وصياغته في شكل أقرب للتأثير الشعبي وكأنه له وعي بالتأثير النفسي للخطاب "الطلاق يشق باب العرش" فأساس الفراق في "تعشر وفارق وقول الله يخلف الخالق" (للمطلق). وبرغم إقراره الجامع "لا حرم الله وارث" فإنه أعاد صياغة عديد قواعد الميراث في مقوله الشعبي "اللي مات بوه قبل جده لا ليه ولا لولده" "اللي مات بوه قبل جدو ربي قردو".
اليهود والنصارى
يحضر اليهودي والنصراني وغير المسلم بشكل جلي على لسان التونسي، فهو يمثل الآخر الديني لديه. وقد يكون أحيانا قريبا ولا فرق بينه وبين المسلم مثل ما نجده في أقوال "اخدم مع النصارى واليهود وخل جيرانك شهود" "اخدم اليهود والنصارى ولا قعدانك خسارة" "عينتك في النصارى ولا قعدانك خسارة"، أو "اعمل الخير حتى في اليهود يحفظك ربي م العدو والحسود" لأنه "خيار المومن قلبه صافي". وكما كشف هذا الاندماج عن تنبه لعاداتهم "كيف دفينة اليهود الجري والسكات" لزم الحذر فيه فـ"إذا ريت يهودي ضحك لمسلم راهو باش يغشه". ففي المخيال الشعبي هناك ريبة دائمة من اليهود وإقرار بشطارته فمن المتعذر أن يكون "يهودي ودرويش" "إذا ريت يهودي يذم في سلعة راهو باش يشريها"، ومعروفة صرامة اليهودي التجارية، وهو عبر عنها القول الشائع "تكلف عليهم لحم (شحم) يهود". ولما عرف عن شطارة أهالي أكودة بمنطقة الساحل التونسي ضرب بهم المثل مقارنة باليهود "ألف يهودي ولا أكودي".
وحاول الرصد الشعبي تحديد السمات السلوكية والاجتماعية لهذه التكتلات الدينية غير الإسلامية. فمثلا في المعاملات التجارية لا يتعامل اليهودي بشفقة، ولا يهمل شيئا فهو "إذا فلس اليهودي يدور على عقوده القديمة". و"إذا كان اليهودي خرج من عيدو يا ويح اللي يطيح فيدو". وقد فاز اليهودي بنصيب أوفر من الأمثال والأقوال في الذاكرة الجماعية من النصراني، وجاءت الأقوال تجاه النصراني خالية من الحدة والصرامة بمثل ما عليه مع اليهودي. فالفعل الذي يرجى منه نفع هو شبيه بـ"حجرة في كنيسية" حتى قيل "الطول والخسارة كيف سلوم النصارى". وربما لكثرة النصارى وعمق تأثيرهم كانت الدعوة للمسلم لتجنب الإقامة بين ظهرانيهم خشية تطبّعه بطباعهم وعوائدهم بما قد يؤثّر على دينه فقيل: "اللي شاف بر النصارى مشات حياته خسارة". ونجد تمييزا في التصور الشعبي بين اليهود والنصارى، على غرار ما نصادفه في القول الشائع المتعلق بالأكل، "كول مع اليهود وما تنامش معاهم وارقد مع النصارى وما تاكلش معاهم" أو بصياغة أخرى "كول ماكلت اليهود وارقد في فراش النصارى" لاعتقاده بحلّية أكل اليهود وتذكيتهم وعفونة بدنهم ومسكنهم، التي لازمتهم منذ أن نامت زوجاتهم مع جثامين أزواجهم على حسب ما ترويه الخرافة الشعبية عنهم، لما توسلت نساؤهم باكيات إلى الإمام علي (ك) فدلهن إلى ذلك الأمر حتى يحملن مجددا ولا ينقرض نسلهن. وقد تصبح قاعدة الأكل مرتبطة بشكل آخر وهو حد النظافة "كول مع الكافر وما تاكلش مع بوظوافر" لأن "النظافة م الإيمان والوسخ م الشيطان". وأحيانا يجمع اليهود والنصارى في سلة واحدة باعتبار "الكفر ملة واحدة" بصفة الثنائي "عدونا وعدو نبينا" لأنه "كل عدو ترجى مودته