2024-05-15 09:26 م

خواتيم التآمر والحروب مكانها غزة.. والوعي الهاشمي مطلوب

بقلم: فؤاد البطاينة
ما زال تاريخ الحركة الصهيونية الخزرية في فلسطين قائما على الحروب منذ بدايات القرن العشرين مروراً بقيام كيانها في عام 48 وإلى هذا اليوم على صعيد الجبهتين العربية والفلسطينية دون أن يتمكن أيٌ من الطرفين من حسم الصراع من خلال معركة أو حرب فاصلة تُثبت استقرار الكيان في احتلاله لفلسطين أو تكنسه منها. وبقيت حالة اللاحسم قائمة رغم انسحاب الطرف العربي من معادلة الصراع لصالح الصهيوني وبقاء الفلسطينيين وحدهم الطرف المواجه للصهيونية المحتلة وحلفائها. وما أريد قوله هنا أن حالة اللا نصر الحاسم ستبقى سيدة الموقف لكلا الطرفين ما دامت المعادلة التي يخوضان في إطارها الحروب فاسدة عند كليهما. على أن اصلاحها لدى الكيان مستحيلاً
وبهذا نجد في المعادلة الفلسطينية استعصاء توفر القيادة الموحدة والواعية على مآلات القضية في المنظور والمخطط الصهيو- انجلو- امريكي التصفوي، وعلى مراحل وعوائق تصفية ملفاتها في الأردن والشتات العربي والدولي، والتي تتخذ (وأقصد القيادة الواعية) من المقاومة استراتيجية للمواجهة والتحرير. ونجد أيضاً سلطة أوسلو المتعاونة مع الإحتلال باستراتيجية المصالح الضيقة والغباء والإستجداء هي من تملك شرعية تمثيل الشعب الفلسطيني على المستوى الرسمي عربياً ودولياً وتزور إرادته، وتطعن باستراتيجية المقاومة وفي شرعيتها دولياً. كما نجد دعم انظمة الخيانة العربية المرتمية بحضن كيان الاحتلال ومعسكره بكل مفردات الدعم السياسي والمادي اللا محدود. فالنظام العربي الرسمي عندما انسحب من معادلة المواجهة لم يقف على الحياد بين الكيان والفلسطينيين وقضيتهم بل انضم للمعسكر المعادي. وهو ما يؤكد أن هذا الإنسحاب لم يكن على خلفية ضعف أو هدف بريء، بل على خلفية خيانة مبرمجة مدفوعة الثمن سترتد على أصحابها.
بينما في عناصر معادلة كيان الإحتلال السلبية، فرغم ما في المعادلة الفلسطينية من عناصر غير مواتية وتلك التي تصب في مصلحته كالخيانة العربية، فنجد وببساطة أن هذا الكيان لا يمتلك أية قوة ذاتية. فهو كيان طفيلي كالقملة على رأس امريكا، كما لا يمتلك الإيمان بدعواه في فلسطين وطناً، فجميع من فيه مستوطنين لا انتماء لهم لفلسطين، وقد فرّ أكثر من ثلاثة ملايين في فترة وجيزة إثر طوفان الأقصى. كما نجد صراعهم مع شعب متجذر وقدري ومؤدلج لن يذوب بالتهجير ولا بالتجنس ولا يشبعه سوى تراب بلده. ونجد الأنظمة العربية والإسلامية الخائنة لن تُخلد، ولا غفوة شعوب الاقطار العربية ستدوم ولا الصمت الفلسطيني على سلطة العار ستطول مهما اتخذت من أسماء وفرخت من أشكال، والأهم من كل هذا أن كبار حلفائه من الأمريكي إلى الأوروبي أخذوا يستسلمون لوعي الضعوطات الشعبية والرأي العام في بلادهم.
ومن هنا يكون مدخلنا لتلمس ما يقف وراء عدم توقف المذابح الهمجية التي يرتكبها جيش الاحتلال الصهيوني في غزة المحاصرة في امتهان واضح لأدمية الإنسان وقيمه وسقوط سحيق للشرف العسكري الصهيو أمريكي، وأقول أن هذا الإجرام ليس على نية العبثية أو الإنتقام أو لتسجيل نقاط، بل من واقع إدراك الكيان لضرورة سرعة استغلاله لغزوة طوفان الأقصى في محاولة يائسة للتغلب على عناصر ضعفه القاتلة وحسم الصراع مع الفلسطينيين بالإرهاب في محاكاة لمذابحهم في أربعينيات القرن الماضي التي نجحت في غرض التهجير القسري وقيام الكيان، ولكن هذه المرة جاء بالإرهاب مضخماً وعلى أمل استسلام حماس في محاكاة لبيروت 1982، لعله ينهي المقاومة الفلسطينية تمكيناً لتصفية القضية، وهم لذلك يهربون من مواجهة حماس نحو ارتكاب الفظائع بحق الضعفاء والعاجزين. فهم حقاً لا يقاتلون بل يَقتلون.
إلا أن العناصر السلبية المشار اليها لدى الكيان لا يمكن التغلب عليها ولا القفز عنها لأنها أصلية وأصيلة وليست مفتعلة بمعنى أنه مهما اختل ميزان القوة لصالح الكيان ومهما اعتمد على الارهاب ورفع منسوبه مقتدياً بنصوص كتابه المقدس فلن ينجح في حسم صراعه مع الفلسطينيين لصالحه وأن رحيله من فلسطين والمنطقة أمر كان مفعولا.
وبالمقابل فإن العناصر السلبية في المعادلة الفلسطينية كلها مُفبركة ومُصنعة ومزيفة وغير طبيعية والتغلب عليها ممكناً وحتمياً. ولعل العنصر السلبي الأكثر شذوذاً وخطراً وإضرارا هو دور الأنظمة المطبعة كونها صوتاً عربياً مزيفاً وكالمنشار يُحيي الكيان ويمده بأسباب الحماية والقوة في ذهابه، وفي رجوعه يفتك بالفلسطيني وقضيته. والقيادة الهاشمية في الأردن ربما وحدها المطالبة في الارتقاء بوعيها على ما يحاك لها وعلى ظهرها من خواتيم التآمر على فلسطين والأردن وشعبيهما وأن تتذكر بأنها شريكة للكيان بما تقدمه له في حربه التي يراها فاصلة في غزة، وأنه لا استمرارية ولا وجود لهذه القيادة ولا رحمة في القاموس الصهيو أمريكي مع استكمال دورها.
وفي الختام بئست الملايين من شعوب الأنظمة العربية المرتمية بحضن الكيان بذريعة التطبيع وما هو بتطبيع، بئست على نفاقها بصمتها على أنظمتها تلك، والتفافها على دورها ومسؤوليتها في المواجهة المباشرة مع هذه الأنظمة الخائنة للوطن وللدين والقضية والقيم. فوالله من الجبن والعار والتقصير الذي يرقى للخيانة عندما نرى هذه الشعوب متفرجة أو منهمكة في التظاهر بخطابات مغمغمة وبيانات الإدانة للعدو الصهيوني ومذابحه، متحاشية الاشتباك مع أنظمتها مكمن الجرح والحل، ومواجهتها بجرم الخيانة المتعددة الجوانب والأعظم من عظمى.
كاتب عربي اردني