2024-04-26 05:09 م

موسم الحجّ إلى الشمال.....

2017-09-18
بقلم: حياة الحويك عطية
هي على الخريطة شمال فلسطين وشمال الأردن وشمال وشرق لبنان. كلها جنوبها. كلها سُلِخت عنها في سايكس بيكو . سايكس بيكو تفسر تواطؤهم الرسمي عليها. ولكن اياً منهم لم يكن شعبياً اجماع الدفاع عنها وعن سيادتها كي لا تحدث سايكس بيكو جديدة لاتقوم على أساس جغرافي كالأولى وإنما على أساس عرقي وطائفي ومذهبي.
قلّة هم الذين أرادوا إصلاحاً حقيقياً في سوريا ، وهؤلاء أزيحوا عن ساحة العمل المُعارِض منذ السنة الأولى للحراك. الإصلاح يجعل البلاد اقوى والغرب وإسرائيل والإسلاميون لا يريدونها كذلك. بل يخطّطون لتدمير ما لديها من قوة. قلّة، كذلك، هم الذين وقفوا بوعي أنهم لا يتضامنون ولا يدعمون وإنما يدافعون عن أنفسهم وأمّتهم ومشروعهم. الحكومات لم تكن تملك القرار، ولم ترد أن تملكه. والآخرون من الناس لحقوا بأحقادهم المُضمَرة أو المُعلَنة، بانتماءاتهم المذهبية المريضة، بمصالحهم  ودناءاتهم الصغيرة: منافع لا يراها الأذّلاء إلاّ في مِنن خليجية أو مساعدات تمويل أجنبي غربي، و لا يراها النفعيّون والجُبناء إلا في الوقوف إلى جانب المُنتصر حتى ولو كان انتصاره عليهم وعلى مستقبل أولادهم. الأميركي أوهمهم بأن المسألة لن تستغرق إلا أسابيع، الخليجي شحذ سيفه الذي لم يُشحَذ منذ البسوس، والأوروبي جهّز سفنه وأجهزته الخاصة، التي كانت قد تحرّكت إلى ليبيا في أول آذار 2011 ونقلها إلى سوريا.  في نهاية العام نفسه.
في أول اجتماع جماهيري في باريس تعرّض الذين نادوا باللاءات الثلاث: لا للتدخّل الأجنبي، لا للعسكَرة، لا للطائفية، للضرب من قِبَل المُتحمّسين لكل هذه الخيارات. هؤلاء دعمهم الفرنسي ومَن معه، فكلها مطلوبة لتدمير البلاد، لتقسيمها و لإطالة أمد الحرب ، تحقيقاً لذلك. وإلاّ فلتسهيل عملية احتواء في مرحلة ما بعد الحرب. مرحلة تبدأ بالهيمنة على الثروات وتحويل مجتمع الإنتاج إلى مجتمع استهلاك ومجتمع المساواة والتأمينات الاجتماعية إلى مجتمع رأسمالي وربما نيوليبرالي. في باريس وفي فندق ليتيسيا رتّب ملهم الدروبي، السوري ولادة السعودي جنسية، عام 2012، مؤتمراً مع ثلاثة خبراء من الموساد في مجال الدراسات والتخطيط ( أحدهم أسّس أول مركز دراسات في العراق بعد الاحتلال)، وعقدوا في نهايته، مؤتمراً صحافياً مشتركاً، نشر في حينه ولكنه أزيل في ما بعد من على وسائل التواصل الاجتماعي. منذها لم تتوقّف عمليات الاستعانة بالعدو الإسرائيلي.هل كان أفضل لهذا العدو، وللغرب من ورائه، من التفرّج على  عملية التدمير الذاتي تتحقّق من دون أيّ تدخّل مباشر ومن دون أن يكون للدولة خيار وقفها؟

 

الأخطر اليوم، وقد بدا واضحاً أن الجانب العسكري من المعركة يتّجه إلى الحسم لصالح الدولة ولصالح المحور الذي اندرجت فيه منذ عقود، وبالتالي لصالح وحدة الأراضي السورية.  أن يتّجه هؤلاء إلى محاولة اختراق واحتواء عن طريق الاقتصاد والثقافة. في هذين المجالين لن تختلف الحرب: الأجنبي والإسرائيلي يخطّطان وعملاء الداخل ينفّذون بعقود باطن صغيرة لن يضير أصحابها التحوّل من خطاب إلى خطاب. الشركات المتعدّدة الجنسيات والكبرى تفاوض على تقاسم الكعكة وأحصنة طروادة الكثيرة تحاول أن تستغلّ مرحلة إعادة الإعمار، المرتبطة حتما بمرحلة استغلال الثروة النفطية والغازية. استغلال يتّجه نحو شطب دولة الإنتاج المُحقّقة للأمن الغذائي وللنهضة الصناعية والزراعية وبالتالي لتوازن الميزان التجاري، ودولة العدالة الاجتماعية المُترجمة بالتأمينات التي تُثبت حقوق المواطن وولاءه.

 

هذا ما لا يمكن تحقيقه من دون اختراق الثقافة،  وقد أثبتت التجارب العربية أن هذا الميدان هو ساحة معركة لا تقلّ شراسة. فغالبية المُثقّفين هي عبارة عن نُخَب مشوّهة، ليس أسهل من تحوّلاتها وبأرخص الأثمان، وهي تملك قدرة أكبر على تبرير هذه التحوّلات. خاصة وإن ادّعاءاتها الفكرية كثيراً ما تسقط عند الاختبار، لتبرز كل أمراض المجتمع المحيط مُضافة إلى نرجسية قاتِلة. هلامية طالما راهنت الأنظمة العربية عليها لشراء الأقلام والأصوات لكنها لم تنتبه يوماً أن المراهنة على سوق النخاسة خاسِرة، لأن هناك دائماً، في ظرف ما، مَن يدفع أكثر. ولعل ذاكرة العراق وليبيا أكبر دليل. أما أولئك الذين يقاتلون مع بلادهم كي تنتصر لا عندما تنتصر، ويبنون ولاءهم على المواطِنة والمشروع  الذي يعملون عقلهم النقدي الواضح الرؤية لتدعيمه وتطويره، فسيصبح عليهم أن يستمروا في المعركة ولكن في ظروف أصعب لأنها أكثر غموضاً ونفاقاً.

 

قبل شهر قال السيّد نصرالله إن الأميركيين يفاوضون الروس على مصالحهم في سوريا. بعدها بدا واضحاً جلاء الميزان العسكري. خرج الرئيس الأسد ليقول: "قرّرنا أن نتّجه شرقاً". بالأمس خرج مهندس " الثورة"  ومشغّل "الثوار" روبرت فورد بعبارة حاسِمة : "لقد أخطأنا". ولولت فرنسا واستضافت سعد الحريري لتصعّد معه خطابها والضمير المستتر فيه: ونحن؟ أسرع جان إيف لودريان إلى موسكو . لو دريان وزير الدفاع الذي أشرف على التدخّل الفرنسي من مالي إلى أفريقيا الوسطى، ومن ليبيا إلى سوريا. يقول إن رحيل الأسد لم يعد شرطاً. ملهم الدروبي بطل لقاء لوتيسا وحامل الجنسية السعودية يخرج على الميادين ليعلّق بأن المعارضة لا تتلقّى أوامرها من أحد، وإن مطالب الشعب بدأت منذ الستينات.ما يعني مطلب إشراك الإخوان في الحكم. ويعني نجاح النظام في رفض هذا المطلب. كما يعني رسالة سعودية إسرائيلية.

 

قلّة إذن مُستبعَدة ستصيح في مرحلة عضّ الأصابع. أما الآخرون ... فقد أطلق العرّاب فورد لهم صفّارة الانطلاق، وسنشهد موسماً مكتظاً من الحجّ إلى سوريا.