2024-04-26 06:55 م

اليمن والسعودية ....متى ستفرغ خزينة العار؟

2017-09-17
بقلم: الدكتور بهيج سكاكيني
ما زالت النقاشات والخلافات دائرة في مجلس حقوق الانسان الأممية في جنيف حول تشكيل لجنة أممية للتحقيق في جرائم الحرب التي يرتكبها التحالف العربي الإسلامي الغير مقدس والتي تقوده السعودية والذي لم يتوقف ومنذ آذار عام 2015 عن قتل اليمنيين المدنيين من أطفال ونساء وشيوخ وذلك بالقصف العشوائي للمناطق السكنية والأسواق العامة والتجمعات المدنية أينما كانت. ولم تسلم من ذلك تجمعات الاعراس وحتى تجمعات العزاء كما حصل في العاصمة اليمنية صنعاء والتي حولت معظم من كانوا في مجلس العزاء الى أشلاء متناثرة يصعب جمعها. هذا الاجرام السعودي الأمريكي الصهيوني فاق كل الحدود والتصور لأي حرب شهدها العالم في العصر الحديث تم فيها تدمير كل البنى التحتية للبلد دون استثناء من مدارس ومستشفيات وشبكات توزيع مياه وكهرباء وشبكات مواصلات من طرق وجسور ومزارع غذاء ومصانع الأغذية والدواء والقائمة تطول. وكل هذا يرافقه حصار مطبق برا وجوا وبحرا يمنع وصول أية إمدادات إغاثة إنسانية أو طبية ونشر الكوليرا التي فتكت بأكثر من نصف مليون يمني أغلبهم من الأطفال وكبار السن وأدت الى وفاة الالاف منهم، وذلك بحسب منظمة الصليب الأحمر الدولي. هذا الحجم من الدمار والقتل المتعمد للسكان المدنيين تم توثيقه من قبل العديد من منظمات حقوق الانسان الدولية بما فيها تلك اللجان التابعة للأمم المتحدة بالصوت والصورة ومن المراكز والمناطق التي قصفت بما فيها عدد من المستشفيات التي تعود لمنظمة أطباء بلا حدود. وتم توثيق استخدام الأسلحة المحرمة دوليا مثل القنابل العنقودية والقنابل الفسفورية الحارقة لا بل وأكثر من هذا الأسلحة التي يدخل في تركيبها اليورانيوم المنضب المشع والتي أدى الى تشوهات خلقية في العديد من الاجنة حتى قيل ان التحالف السعودي لم يكتفي بقتل من هم أحياء بل سعى لشن حرب على الاجنة التي لم تخرج الى الحياة بعد. وبعد أن فشل العدوان في تحقيق أية من أهدافه التي أعلنها منذ بدء هذا العدوان الاجرامي لجأ التحالف الغير مقدس بالرغم من جبروته العسكري والتي جند اليه مرتزقة من السودان ومرتزقة بلاك ووتر سيئة الصيت التي جلبت المرتزقة من كولومبيا وغيرها من دول أمريكا اللاتينية، قام التحالف باستخدام مرض الكوليرا كسلاح ضد السكان المدنيين كعنصر في حرب الإبادة الجماعية التي تشن من قبله على المواطنين اليمنيين. وبحسب منظمة الأغذية الدولية والصليب الأحمر الدولي ان سرعة انتشار هذا المرض الفتاك فاق كل التصورات والتخمينات حيث وصل عدد المصابين بالمرض الى حوالي 600000 حالة في بداية شهر سبتمبر الحالي بينما كانت التوقعات أن تصل حالات الإصابة الى هذا العدد في نهاية العام. وبحسب التقارير التي قدمت الى الأمم المتحدة وأمينها العام من قبل المنظمات الأممية العاملة على الأراضي اليمنية أن سرعة انتشار الوباء تعود الى الدمار الهائل والشبه كامل في البنى التحتية والنظام الصحي الذي أحدثته حملات القصف الجوي المستمرة يوميا من قبل التحالف التي تقوده السعودية والمدعوم من قبل الولايات المتحدة وحكومات غربية أخرى وذلك منذ آذار 2015 ولغاية الان دون توقف. والسبب الاخر هو سوء التغذية الحاد الذي يعاني منه أكثر من نصف سكان اليمن بسبب طوق الحصار البري والبحري والجوي الذي تفرضه قوات التحالف والذي يمنع وصول معونات الغذاء والدواء والذي أدى الى وجود حالة المجاعة في البلاد وهذا بدوره جعل الملايين من اليمنيين عرضة للأمراض التي تؤدي الى الوفيات في أغلب الأحيان. ويعد وباء الكوليرا الذي انتشر في اليمن منذ ابريل الماضي الاسواء عالميا من حيث اعداد المصابين وسرعة الانتشار. والطواقم الطبية ومنظمات الإغاثة التي تعمل لمحاربة هذا الوباء تعمل ضمن إمكانيات ضئيلة للغاية وضمن شحة في التمويل الى جانب عدم وجود إدراك دولي لهذه الكارثة الإنسانية وما يدور في اليمن نتيجة إهمال وغياب متعمد لهذه القضية من قبل الاعلام الدولي والغربي على وجه التحديد وذلك للتغطية على ضلوع عدد من الدول الغربية بما فيها الولايات المتحدة في الحرب على اليمن بشكل أو بآخر. ويجب الا ننسى التنكيل بالأسرى من المقاتلين للعدوان الغاشم والمدافعين عن الوطن والذين تم احتجازهم على عدد من القطع البحرية الإماراتية في أوضاع لا تليق حتى بالحيوانات حيث يتم تعذيبهم حتى الموت على أيدي عناصر من الموساد الصهيوني والمخابرات المركزية الامريكية المتخصصين في أبشع أساليب التعذيب في محاولة لانتزاع المعلومات من السجناء على غرار ما كان يجري في معتقل غونتانامو. المجازر التي إرتكبت في اليمن بحق الإنسانية من قبل هذا التحالف المجرم لا تعد ولا تحصى وهذا لم يكن من الممكن استمراره لولا الدعم المتواصل من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا على وجه التحديد، السياسي والعسكري وللوجيستي والدبلوماسي في أروقة الأمم المتحدة ومجلس أمنها ومنظمات حقوق الانسان التابعة لها التي جنبت السعودية من المحاسبة على ما ارتكبته من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في اليمن. ولا ننسى أن السعودية استطاعت أن تشتري بالأوراق الخضراء العديد من الدول في المنظمة الدولية حتى وصل الامر الى شراء الأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون الذي قام بسحب السعودية من قائمة العار للدول التي تعتدي على الأطفال وقتلهم كما هو حادث في اليمن وذلك في العام الماضي. استطاعت السعودية استخدام الرشوات السياسية والتهديد بعدم دفع الأموال لبعض المنظمات التابعة للأمم المتحدة وبدعم مطلق من أمريكا وبريطانيا في هذه المنظمات. الولايات المتحدة وبريطانيا باعت وسهلت وصول الأسلحة والذخائر باستمرار وما زالت تفعل هذا للان وحققت شركاتها المرتبطة بالصناعات الحربية والعسكرية مرابح بمليارات الدولارات. وبالرغم من النداءات المتكررة من قبل العديد من المنظمات الحقوقية والإنسانية الدولية لهاتين الدولتين لوقف بيع الأسلحة للسعودية لم تعير هاتين الدوليتين أية أهمية لهذه الدعوات والنداءات. هذه الدول التي تتشدق ليلا ونهارا باحترام حقوق الانسان وتشن حروبا تحت مظلة "حماية المدنيين" ها هي شريكة فعلية في قتل المدنيين في اليمن ويجب أن تتحمل أخلاقيا وسياسيا وقانونيا المسؤولية عن المجازر وجرائم الحرب التي ترتكب في اليمن من قبل التحالف الهمجي الذي تقوده السعودية. ومع اشتداد المناشدات الدولية ووصول المجازر الى حدود لا يمكن "للمجتمع الدولي" ان يبقى متآمرا وبشكل مفضوح أو التغاضي عما ترتكبه السعودية وتحالفها من عمليات إبادة جماعية للشعب اليمني بدأت بعض الصحف الامريكية التي عادة ما تهلل للحروب وتشكل الابواق الرسمية لقرع طبولها مثل نيو يورك تايمز وواشنطن بوست وغيرها، بدأت بتحميل السعودية بعض مما يجري في اليمن في محاولة لرفع أية مسؤولية عن الإدارات الامريكية المتعاقبة عن توريد الأسلحة للسعودية وتقديم كل الدعم لها في حربها وتكوين غرفة عمليات أمريكية بريطانية سعودية وربما إسرائيلية في الرياض لإدارة الحرب منذ البداية، مما يجعلها رسميا شريكة في هذا العدوان الغاشم وما تمخض عنه. وها نحن نرى الأمين العام الجديد للأمم المتحدة والذي وصف ما يدور في اليمن بأنه كارثة إنسانية وأنه سيعمل على فتح مطار صنعاء وميناء الحديدية للتمكن من ارسال المعونات الإنسانية من مواد تموينية وطبية الى اليمن، وهو ما رفضته السعودية وبشدة للان. بالإضافة الى ذلك هنالك محاولات حثيثة لتشكيل لجنة دولية للتحقيق في انتهاكات حقوق الانسان في اليمن وخاصة بالمجازر التي يرتكبها التحالف التي تقوده السعودية. وما زالت النقاشات تدور في هذا الإطار في مجلس حقوق الانسان المنعقد في جنيف والذي تسعى فيه السعودية ومن خلال الأوراق الخضراء أن تعطل خروج هذه اللجنة الى حيز الوجود لأنها تدرك جيدا ما اقترفته بحق الشعب اليمني من مجازر وجرائم حرب على غرار ما اقترفه تنظيم داعش في سوريا والعراق إن لم نقل أنها تجاوزت ذلك بكثير وهي التي تدعي زروا وبهتانا أنها تحارب الارهاب. السعودية تصر على الإبقاء على ما سمي "اللجنة الوطنية" التي شكلتها للتحقيق في بعض ما نتج عن القصف الجوي مثل قصف مستشفيات التي تدار من قبل أطباء بلا حدود وكذلك قصف مركز العزاء في صنعاء وغيرها. وهذه التحقيقات التي لم تسفر عن شيء ملموس لأنها ببساطة كمن يعطي الفرصة للمجرم في التحقيق بجرائمه النكراء ما هو المتوقع من ذلك؟ لجنة على شاكلة اللجان التي شكلها البنتاغون للتحقيق في الجرائم والمجازر التي ارتكبتها القوات الامريكية في أفغانستان أو العراق او سوريا. ويبقى أن نطرح السؤال هل ستقف مفوضية حقوق الانسان الأممية أمام مسؤولياتها الأخلاقية وتترفع عن الاستجابة للضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة وبريطانيا في هذه المؤسسات وتأبى أيضا ان تستجيب لإغراءات الأوراق الخضراء التي ستقدمها السعودية لشراء الأصوات والذمم في سبيل التملص مرة أخرى من قائمة العار. أم أنها ستنتظر الى حين أن تفرغ خزينة العار وعندها لن تستطيع السعودية ممارسة ما تتقنه أكثر من أية دولة أخرى على وجه الارض الا وهو استخدام أهم ركيزة في سياساتها الخارجية وهي الأوراق الخضراء. ومتى يا هل ترى ستفرغ خزينة العار هذه؟