2024-04-26 04:26 ص

غارة نتنياهو، وزيارة شويغو... والردّ المنتظر

2017-09-14
بقلم: سمير الفزاع
يقول البعض: لا يمكن للطائرات "الإسرائيلية" الإقتراب، وإطلاق نار على سورية بدون علم روسيا. صحيح بأن سورية وروسيا منعتا سلاح الجو التركي من إستهداف الأراضي السورية، وعندما أسقطت الطائرات الأمريكية طائرة سورية في الطبقة، أوقفت موسكو العمل بإتفاقية التنسيق في الأجواء ومنع التصادم... ولكن لأكون دقيقاً، تركيا مُنعت من إختراق الأجواء السورية، وروسيا أوقفت برتوكول منع التصادم في الأجواء السورية وليس في مكان آخر، وأعلنت بأن أي جسم طائر يحلق غرب الفرات سيعامل كهدف، وهذا ما لا يمكن تطبيقه "الآن" مع كيان العدو الصهيوني، وتكتيكه الجديد في إستهداف الأراضي السورية عقب غارة تدمر قبل أشهر، لأسباب سياسية وعسكرية وتقنية، سأذكّر بأربعة منها فقط: 1- منذ أن أسقطت سورية طائرة وأصابت أخرى في العدوان الصهيوني على تدمر لم تدخل أي طائرة حربية صهيونية الأجواء السورية، وعمدت لانتهاج إستراتيجية الإستهداف من وراء الحدود، وهذا دليل تقني وميداني بأن الحظر يطال سلاح جو العدو في أجواء سورية، وأن غارة تدمر كانت نقطة فصل في تعامل الدفاعات الجوية السورية مع الطائرات المعادية. 2- اليوم، باتت سورية تتعامل مع "مقذوفات" معادية لا طائرات معادية بفعل الإستهداف من وراء الحدود، وهذا أمر معقد يحتاج إلى قدرات رادارية ودفاعية متطورة من جهة، وحالة إنتشار ميداني وحضور جغرافي محدد، وجهوزية عالية ودائمة من جهة ثانية... وكلنا يعرف حجم التخريب الذي لحق بشبكة الرادارات ومنظومات الدفاع الجوي السورية. 3- لمنع طائرات العدو الصهيوني من إستهداف الأراضي السورية "من خارج الحدود" نحتاج إلى عدة أمور حاسمة ويقف على رأسها، منع إستخدام الأجواء اللبنانية في إستهداف الأراضي السورية، بتوسيع شبكة التغطية الرادارية ومنظومات الدفاع الجوي لتغطية وحماية الأجواء هناك، ومنح الدفاعات الجوية السورية حريّة مطاردة واستهداف طائرات العدو في الأجواء اللبنانية... وفرض منطقة حظر للطيران فوق الجولان ومساحات واسعة من شمال وشرق فلسطين، بحيث يتم إستهداف أي طائرة لحظة إنتهاكها منطقة حظر الطيران... وكلا الأمرين متعذر إلى حدّ بعيد لأسباب يعرفها الجميع، وتكفي نظرة واحدة إلى حكومة لبنان وبعض مكوناتها وطريقة تعاملها مع سورية لنقدر إمكانية حدوث هذا الأمر الحاسم، وأما بخصوص فرض منطقة حظر طيران فوق الجولان وشمال شرق فلسطين فيعني إعلان حرب شاملة مع كيان العدو وحلفائه. 4- هل نعتقد حقاً بأن ما يجري في سورية ثورة أم محاولة غزو بأدوات إرهابية تديرها وتمولها عواصم دولية وإقليمية، لتحقيق أهداف على رأسها إستنزاف الجيش العربي السوري وحلفائه؟ لمصلحة من تمّ تدمير جزء كبير من مظلة الدفاع الجوي والرادارات السورية، ومحاصرة المطارات الحربية السورية تمهيداً للسيطرة وتدميرها؟ كم هي المحاولات التي بذلت لاكتشاف المواقع الصاروخية السورية للسيطرة عليها وتدميرها؟ ... ألا نرى بذلك عمليات تخريب ممنهج تقوم بها فرق "كومندوس" متأسلمة تمهد الطريق لإحتلال سورية بأكملها؟... إذا كانت هذه الصورة واضحة في أذهاننا، هل يمكن لنا الذهاب إلى حرب مع الكيان الصهيوني في ظل هذا الصراع الهائل والممتد مع هذه الأدوات؟ ألن يكون ذلك انتحاراً واستنزافاً حتى الرمق الأخير لسورية بكليتها؟ ألن يكون منطقياً ومجدياً أكثر لو سحقنا أدوات هذه الحرب تمهيداً لاستعادة سورية عافيتها ومقدراتها؟ لو رددنا على الغارات الصهيونية منذ اللحظة الأولى، كيف سنواجه حرباً مع الكيان الصهيوني وحلفائه الإقليميين والدوليين وشركائهم في الداخل السوري، وأكثر من 250 ألف إرهابي يتدفقون بلا توقف عبر الحدود السورية المشرعة في آن واحد؟. نظرة من زاوية أخرى: عندما أطلقت كوريا الشمالية صاروخاً بالستياً بداية شهر أيلول الحالي فوق الأجواء اليابانية وليسقط في الطرف الآخر من منها، أتعلمون من كان أكثر الناس قلقاً غير اليابان وكوريا الجنوبية؟ نعم، أمريكا وكيان العدو الصهيوني، ألم يستجدي موشي يعالون وزير الأمن الصهيوني السابق العالم ليتعامل مع استفزازات كوريا الشمالية؟. والسبب؛ أن في اليابان وكوريا الجنوبية أحدث منظومات الدفاع الجوي الأمريكية واليابانية وربما الصهيونية أيضاً، باتريوت،ثاد... وفي سماء كوريا الشمالية أربعة أقمار إصطناعية لأغراض التجسس والإنذار المبكر، وفي برّ اليابان نظام الإنذار المبكر الأمريكي "جي-ألرت" وأما في بحرها دورية دائمة من ثلاث مدمرات من طراز "إيجيس" مسلحة بصواريخ إعتراضية من الجيل الثالث... إلا أن هذه المنظومات المتتالية والمركبة مجتمعة لم تتمكن من إعتراض هذا الصاروخ في أي من مراحل تحليقه "الطويلة"؛ بل ولم تتمكن لا هذه المنظومات ولا شبكات الرصد والرادار من التعرف على طبيعة هذا الصاروخ ونوعه ومداه... الأمر ذاته تقريبا جربته واشنطن وتل أبيب في عرض المتوسط عام 2014، ردّاً على الإطلاق المتزامن للصواريخ البالستية السورية في مناورة العام 2012، عندما حاولت هذه المنظومات ذاتها تقريباً، القيام باعتراض صاروخ بالستي فوق المتوسط ولم تعلن نتائج التجربة بشكل رسمي، لتتكفل موسكو وبعد أيام من التجربة بالإعلان عن الفشل التام للتجربة، أي أن معضلة سلاح الصواريخ ما زالت بلا علاج، واليوم تعود كوريا لتثبت هذه الخلاصة بعد ثلاثة أعوام، ولتؤكد مرة أخرى أن المعضلة ما زالت معضلة... هل كان العجز المزمن أمام "أزمة الصواريخ" هو السبب خلف الغارة، خصوصاً وأن سورية كانت أول من حصل على مصنع متكامل لصناعة الصواريخ البالستية من كوريا منذ ثمانينيات القرن الماضي؟. أهي محاولة لإستعادة الردع الذي سقط في عرض المتوسط عام 2014، ومجددا في بحر اليابان العام 2017؟. هل تحاول واشنطن وتل أبيب باعتداءاتهما المتكررة التعمية على السؤال الملح: ما هي القيمة الميدانية والعسكرية للأنظمة الأمريكية والصهيونية المضادة للصواريخ في حفظ وجود كيان العدو الصهيوني والنفوذ الأمريكي في المنطقة؟ وما هو الثمن السياسي لسقوط الردع العسكري أمام منظومة الصواريخ البالستية؟ كيان العدو الذي كان يحتل أجزاء واسعة من لبنان بـ"فرقة موسيقية" كما أعلن بعض قادته ذات مرة، ما الذي يمنعه اليوم من التقدم لشبر واحد على التراب اللبناني؟ أهي منظومة الدفاع الجوي اللبنانية أم صواريخ حزب الله ومقاتليه الأبطال؟ألم تكن مراكمة عناصر القوة لدى حزب الله هي وسيلة الردع المتنامية؟ هل ما تنجزه سورية وحزب الله وحلفائهما في ميادين الصراع وآخرها في دير الزور هو بداية الردع الشامل لكيان العدو؛ بل وبداية هزيمته الشاملة؟ لكم أن تقدروا ذلك. ختاماً، لندقق في بعض تفاصيل المشهد التالية ومعانيها: في الوقت الذي تجري فيه إسرائيل اكبر مناورة منذ عقدين تحسبا لهجوم على الجبهة الشمالية، يزحف الجيش العربي السوري وحلفائه ساحقاً أدوات المشروع الصهيو-أمريكي-الرجعي في أكبر معاقلهم وأكثرها تحصيناً... وفي الوقت الذي يقلق فيه كيان العدو على وجوده وبقائه في المنطقة، تنزع سورية عن كاهلها القلق الوجودي الذي كان يتهدد ترابها وشعبها وهويتها... وفي الوقت الذي يضيق فيه العمق الاستراتيجي للعدو الصهيوني ليصبح عارياً أمام قدرات حلف المقاومة من صواريخ وطائرات مسيرة... تستعيد سورية عمقها الاستراتيجي بتطهير محافظات حلب وحماه وحمص ودير الزور... إلى جانب عمق جديد يضاف في العراق ولبنان... وبينما تستعيد سورية وحدة ترابها يتلاشى كيان العدو خلف الجدران ومنظومات الدفاع الجوي المضادة للصواريخ وبراميل وحاويات الأمونيا... وبينما يزحف نتنياهو وفريقه الأمني والعسكري ليحصل على إيماءة تطمئنه على مستقبل كيانه الزائل من بوتين، يأتي إلى دمشق وزير دفاع بوتين وخليفته المنتظر، سيرغي شويغو، مرتدياً بزة بالتمويه الصحراوي تتناسب وميادين القتال في الإقليم لا في روسيا وجوارها، ليلتقي بالرئيس بشار حافظ الأسد مهنئاً بفك الحصار الصهيو-أمريكي عن دير الزور، واعداً إياه بالمزيد من الدعم العسكري والتقني...؟!!!. يوماً، قال غروميكو، وزير خارجية الاتحاد السوفيتي: عشر سنوات من التفاوض خير من يوم حرب واحد. وقبل سنوات معدودة قال الرئيس بوتين: علمتني حرب الشوارع عندما أكون مضطراً للدخول في شجار بأن أكون صاحب الضربة الأولى... هذه هي "الخلطة السحرية" للسياسة الروسية الحديثة، صبر طويل، وضربة أولى قاضية... فكيف سيرد الأسد وبوتين على استفزاز نتنياهو الأخير، بالمزيد من الصبر المقرون بتقليم أظافره وحلفائه داخل سورية، أم بضربة خاطفة وقاضية؟. مهما كانت الإجابة، لترافقها مع زيارة "شويغو" ستكون مقلقة جداً لنتنياهو وحلفائه بكل تأكيد.