2024-04-26 01:05 م

الأسد ووحدة سوريا: ثابتان في الاستراتيجية الروسية

2017-08-29
لؤي توفيق حسن *

 الاهتمام بالسياسة فكرا وعملا يقتضي قراءة التاريخ أولا، لأن الذين لا يعلمون ما حدث قبل أن يولدوا، محكوم عليهم أن يظلوا أطفالا طول عمرهم.
    –محمد حسنين هيكل-

تروج اوساط المعارضة السورية لمزاعم عن "اتفاق روسي امريكي" لحل الأزمة السورية على قاعدتين: "رحيل الأسد" و"كيان فدرالي". وبصرف النظر عما ورد في كلام الرئيس الأسد من تطمينات بل وثقة بالحلفاء؛ فإننا هنا لمقاربة الأمر من زاوية أخرى وبعقل بارد لا مكان فيه للعواطف، ذلك لأن هذه "البروباغندا" عن حلول سياسية على حساب الرئيس الأسد ووحدة الكيان السوري قد لاقت رواجاً ووجدت من يتأثر بها، ولا عجب فقد استفاقت اجيال على الحقيقة المُرّة وهي إن الغدر سمة السياسة، سواء كما عرفناها من الغرب الأستعماري، أو كما مارسها ساسة العرب في علاقاتهم مع بعضهم البعض!. أما الغرب الذي نحصد اشواك غدره فينا منذ "مراسلات الحسين ـ مكماهون" وحتى اللحظة، والتاريخ وهو خير شاهد يدلنا على أن كوارث شرقنا العربي جاءت من الغرب منذ غزوات الفرنجة -(الحروب الصليبية)- إلى الاستعمار الجديد، إلى فلسطين، ومازال المسلسل مستمراً. ولعله من الغباء ان تختلط الأمور. وليس في التاريخ دليل واحد على دولة شرقية استعمرتنا او سرقت مواردنا. العكس كان هو الصحيح مع "الاتحاد السوفيتي" الذي أمدّنا بالتكنولوجيا وساعدنا في مشاريع التنمية، و كان الوحيد مناصراً للحق الفلسطيني . أما الغدر العربي فكان متلازماً مع الغباء السياسي، والخسة احيانا كثيرة، غدر رفاق الدرب بعضهم ببعض، او الغدر بالحلفاء وهنا يبرز انور السادات كأسطع مثال! يوم غدر منقلباً على خط عبد الناصر، ثم تخليه عن صداقة مصر مع "الاتحاد السوفياتي"، في اقذر صفقة من الجحود ومن الجهل بأبسط قواعد السياسة، متذكرين هنا ما قدمته موسكو من اسلحة بدون مقابل تعويضاً لمصر على ما خسرته في نكسة 67، ثم بناء الجيش المصري وتمكينه من خوض معركة العبور، إن كل سنتمتر خطتها القوات المصرية شرق قناة السويس إنما كانت بهذا السلاح وبقوة نيرانه حتى ما كان للسادات نفسه ان يدعي بانه "بطل العبور" من غير السلاح السوفياتي، كان تخليه عن سنده السوفياتي خسةٌ بأسقط صورها، فيما امريكا تقيم جسوراً جوية لدعم "اسرائيل"!، والأفظع ان يجري ذلك بمقولة " 99% من اوراق الحل بأيدي امريكا"!!. ضاربا عرض الحائط بمرتكزاته الأستراتيجية التي تضع 60% على الأقل من اوراق الحل بيده بحسب تقديرات الاستاذ هيكل، عبور القناة، والشريك السوري في الحرب، التضامن العربي، ضرب النفوذ الأسرائيلي في افريقيا وقطع علاقة دولها مع "اسرائيل"!، فضلاً عن الحليف السوفياتي لو لم يستبعده. هل يمكن لأحدٍ أن يفرط بتلك المعطيات ليقول للخصم: الحل عندك.. ما لم يكن غبياً. وبعض الغباء نوع من الخيانة!.
لماذا لا يتخلون عن الأسـد

لا يوجد في العالم رجال دولة يبادلون الحقائق الملموسة بأوراق وهمية، ولا شك أن بوتين من ابرز هؤلاء، وعليه فإن موسكو حريصة على الأسد للاعتبارات التالية:
1- ان حرص بشار الأسد ومن قبله والده على إبقاء قاعدة طرطوس بالرغم من تفكك الاتحاد السوفياتي، وبالرغم من سيادة أحادية القطب الأمريكي، لدليل على أن بناء جسور بالمعنى الأستراتيجي بين سوريا والغرب امر مستبعد وتحت اي ظرف، وأن الخيار نحو الشرق مسألة فكر وثقافة عند الرئيس الراحل وعند الرئيس الحالي . تُبرز ذلك واقعة قد يجهلها البعض، يوم كانت القاعدة المذكورة خاوية إلا من مجموعة حراسة تتألف من ضابط روسي برتبة صغيرة مع بضعة عسكريين لا يتجاوز عددهم اصابع اليد!، سنوات طويلة وهؤلاء كانوا شبه منسيين!، فيما القوات السورية تقدم لهم الرعاية والتموين مع بعض اعمال الصيانة للقاعدة، ولا شك بان الرهان على نهضة روسيا من جديد كان من بعد النظر ويؤكد أن لا بديل عنها سورياً كمعادل استراتيجي في وجه امريكا التي ليس لها محبوب في منطقتنا إلا "اسرائيل" !! .وجاءت ثماره لروسيا بأن باتت قاعدة طرطوس الأن منصتها العسكرية الوحيدة في "المياه الدافئة"، هذه المياه التي كانت تاريخيا –وما زالت – من الاهداف الأستراتيجية لروسيا.
2- إن عراقة العلاقة بين روسيا وسوريا والممتدة لأكثر من 60 سنة متصلة قد راكمت ورسخت في مؤسسات السلطة في موسكو طبقة من المؤيدين لسوريا وبنوع خاص من قادة عسكريين وأمنيين وأكاديميين، وهؤلاء باتوا من فريق بوتين ويشكلون رصيدا لها عندما ترسم روسيا سياستها. وهذا لا ينفي بالطبع وجود مؤيدين لـ"اسرائيل" وخاصةً في بعض المواقع الاعلامية، ولكن يبقى تأثيرهم محدوداً بالقياس للمناخ العام.
3- لقد دلت الانشقاقات وبرؤوس كبيرة في مؤسسات السلطة السورية بان هذه الأخيرة منخورة بالفساد مما سهل اختراقها، وعليه فإنه لا يجوز استبعاد وجود اكثر من (انور سادات سوري) مزروعين قد يظهر احدهم متى توافرت المناخات، هذا جُحرٌ لُدغت منه روسيا في مصر!، وهي تحرص كي لا تلدغ منه في سوريا، وعليه فهي لن تفرط بقيادة الرئيس الأسد بوصفه الرجل الثقة والضمانة، يتقاطع هذا حتماً مع إرادة القيادة الإيرانية.
.. ولا لتقسيم سوريا أيضاً

بعض المشككين يروجون لفرضية "بقاء الأسد" لقاء تقسيم سوريا، ربما ليس من الانشاء الكلامي القول إن القرار السياسي هو في يد الرئيس الأسد .إذ وبقدر ما يدرك الحليف الروسي بأن شرعية وجوده معقودةً على شرعية الرئيس الأسد، يدرك بالقدر ذاته بأن تقسيم سوريا يفقد الرئيس الأسد شرعيته أمام شعبه . كذلك يجب ان لا تختلط الأمور على البعض فالحال الروسي في سوريا ليس كحاله في دول اوروبا الشرقية خلال الحرب العالمية الثانية وما تلاها، جاء ذلك بناء على صفقة دولية مع امريكا في "يالطا" أي بين المنتصرين في الحرب العالمية الثانية. الفرق كبير، ثم اين المنتصرون هنا سوى روسيا والنظام السوري وحلفائه الأقليمين. أما بيع النصر او التفريط به فهي صفة لازمت تاريخنا المعاصر، اليس هذا ما حدث في الجولة الأولى من حرب 1948 يوم كان سحق "اسرائيل" في متناول يد "الجيوش العربية"!، فقبل العرب الهدنة وهم منتصرون لتلتقط "اسرائيل" وحلفاؤها انفاسهم، وترتد لتهزم تلك الجيوش!؛ اليس هذا ما حدث يوم هُدِرت "انجازات الانتفاضة" التي أذلت العدو بصفقة اوسلو الضبابية، فكانت النتيجة ما هو كائن الأن!، أوليس هذا ما حدث في مصر السادات اعقاب حرب 1973 يوم خذلت السياسة السلاح المنتصر، والباقي نعرفه كلنا. في ظل هذه الذاكرة المتهالكة تلقى فكرة تقسيم سوريا بعض الرواج وتتلقفها "برباغندا" الغرب لتروج لها. لماذا تقدم روسيا - إن جاز لها - (سورية المقسمة) هدية مجانية لأمريكا فيما كل أحصنة الأخيرة التي راهنت عليها قد خيبت أمالها، وحصانها للكردي الباقي خاسر سلفاً لعدة اعتبارات أقلها حق سوريا الشرعي في شن حرب استنزاف على هذا الاقليم المحاصر أصلاً بدول رافضة له، وذلك عبر العشائر العربية السورية التي تدين بالولاء لوطنها السوري وقيادته لتستعيده.. استطراداً، حبذا لو تدرك بعض الرؤس الحامية من الكرد بانهم مجرد مطية في لعبة الأمم تبادل عليها امريكا في الساعة المناسبة !
عن "العهد" الالكتروني