2024-03-19 04:32 ص

دواعش الفلبين في خدمة من؟؟؟

2017-07-24
بقلم: الدكتور بهيج سكاكيني 
 يعود منشأ الارهاب والمجموعات الإرهابية في بلدان جنوب شرقي آسيا كما هو الحال مع الارهاب في منطقتنا الى الافواج من "الجهاديين" الذين ذهبوا من تلك البلدان في مطلع الثمانيات من القرن الماضي للقتال في أفغانستان ضد القوات السوفياتية التي استدعيت من قبل حكومة محمد نجيب الشرعية المنتخبة لمساعدتها في التصدي للمؤامرة التي حيكت لها من بعض القوى الداخلية من قبل المخابرات المركزية الامريكية التي كانت تحارب أية دولة ترفع شعار الاشتراكية أو تقف حائلا أمام الهيمنة الامريكية والتصدي لاستراتيجية قهر الشعوب واستغلال مصادرها الطبيعية أو موقعها الجيوسياسي. وكان أن حارب العديد من "مجاهدي" دول شرقي آسيا من الفلبين واندونيسيا وماليزيا المعبئين ضد الأفكار الشيوعية والاشتراكية. وأثناء وجودهم في أفغانستان تبنى العديد منهم الفكر القاعدي المتشدد وعندما عادوا الى بلادهم قاموا بارتكاب العديد من المجازر العرقية والمذابح المنظمة. وعلى سبيل المثال ففي اندونيسيا اندلعت الحرب المذهبية في جزر مالوكا التي يقطنها اعداد متساوية من المسلمين والمسيحيين عام 1999. وهؤلاء رواد الإرهاب الأوائل عملوا على تربية ورعاية جيل جديد من الإرهابيين الذي ذهب البعض منهم للقتال في سوريا وحديثا في الفلبين وما نشهده في جزيرة مينداناو في جنوب البلاد. وحاليا تجري عملية زعزعة الاستقرار في الفلبين وتشن حملة إعلامية واسعة في الصحافة الغربية وخاصة الامريكية منها لتشويه سمعة رئيسها المنتخب رودريغو دوتيرتي والذي يحظى بتأييد واسع في الفلبين حيث تصل شعبيته الى 75% بحسب استطلاعات الرأي. ومما لا شك فيه ان نجاحه في الانتخابات الرئاسية والذي فاجأ الكثيرون في الغرب كان للوعود التي قطعها على نفسه من محاربة تجارة المخدرات دون هوادة بالإضافة الى إعطاء الحكم الذاتي للمناطق ذات الأغلبية المسلمة في جنوب البلاد وعقد اتفاقية سلام مع جبهة تحرير مورو الإسلامية وهذا ما جعله يحظى بتأييد 80% من مسلمي البلاد. بالإضافة الى ذلك وضع قيود على القواعد العسكرية الامريكية في البلاد حيث كانت هذه القواعد تتصرف بشكل خارج عن نطاق التفاهمات مع السلطات الفلبينية وتستخدم الأراضي والمياه الفلبينية في صراعها مع الصين في بحر الصين الجنوبي في محاولاتها المستمرة لتطويقها. الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية معنية بدعم عدم الاستقرار في الفلبين والعمل ضد الحكومة والرئيس الحالي للعديد من الأسباب ربما من أهمها أن الرئيس الجديد يحاول أن ينحى الى سياسة مغايرة للرئيس السابق ماركوس الذي كان ديكتاتورا بكل معنى الكلمة وحليف رئيسي للولايات المتحدة في منطقة استراتيجية تدخل في معترك الصراعات الجيوسياسية الدولية وخاصة بعد القرار الاميركي بالتوجه الى جنوب شرقي آسيا باعتباره ذو أهمية "للأمن القومي" للولايات المتحدة. الرئيس الجديد يحاول نزع فتيل التوتر في تلك المنطقة وأبدى استعداد للانفتاح مع دول الجوار وخاصة فيتنام والصين وبناء علاقات جيدة وأبدى استعداد حتى للتنازل عن بعض الحقوق الفلبينية في المناطق المائية المتنازع عليها لخفض التوتر في تلك المنطقة. وهذا بحد ذاته لا يرضي الولايات المتحدة التي استغلت الصراع بين دول المنطقة لا بل وسببت في تصعيده لتبرير وجود اساطيلها البحرية في تلك المنطقة مدعية أن وجودها ضروري لمنع حدوث اشتباكات بين هذه الدول أو لحمايتهم من "الاطماع" الصينية. لكن بالإضافة الى ذلك فان الرئيس الجديد يعمل على تحجيم وضبط نشاط تكتلات الشركات المتعددة الجنسية العاملة على استخراج المعادن الثمينة من المناجم في الفلبين مثل النحاس والذهب والحديد والنيكل. وإذا ما استدركنا العلاقة الوثيقة والعضوية بين هذه الشركات الكبرى والطبقة السياسية الحاكمة في دولها نستطيع أن ندرك أن مثل هذه الإجراءات للحكومة الفلبينية ورئيسها لن ترضي الدول الغربية بشكل عام. إحدى ذنوب الرئيس الجديد أنه يريد أن يضع المخاوف البيئية التي تتسبب عن استخراج هذه المعادن على الأرباح الطائلة التي تجنيها الشركات التعدين الغربية العاملة في الفلبين. وهنالك سبب آخر لدى الولايات المتحدة للسيطرة على الفلبين ومياهها الإقليمية وهو نظام "حزام واحد طريق واحد" ‘One Belt One Road’ (OBOR) systemأو طريق الحرير الذي تعمل الصين على بناء بناه التحتية. وهو الطريق البري والبحري الذي يربط العديد من الدول الاسيوية وأوروبا لتنشيط الحركة التجارية ونقل البضائع بين هذه الدول ومن المفترض أن ينتهي هذا الطريق في الفلبين التي يشكل استخدام موانئها ومياهها الإقليمية نقطة هامة لطريق الحرير. ويجدر هنا أن نذكر أن السبب الرئيس لتوجه الولايات المتحدة الى المناطق الاسيوية يهدف بالدرجة الأولى الى تطويق الصين والسيطرة على خطوط امدادات الطاقة اليها والحد من تعاظم قوتها الاقتصادية والعسكرية في آن واحد. من هنا فإن تغذية أية صراعات عرقية أو مذهبية وتأجيجها في الفلبين يصب في مصلحة الولايات المتحدة وشركات التعدين المتعددة الجنسيات في الفلبين. ومن هذا المنطلق نرى النشاط الإرهابي لجماعة أبو سياف الجهادية التي تهدف الى إنشاء "دولة إسلامية" في جزيرة منيداناو جنوبي البلاد وهي جماعة التي كانت قد أعلنت بيعتها للبغدادي خليفة الدولة الخرافية في الموصل. وهذه المجموعة التي كانت تخطط للسيطرة على مدينة ماراوي أهم مدينة في الجزيرة كانت قد حشدت العديد من مقاتليها ومن ضمنهم أجانب قدموا من سوريا وغيرها من الدول. ولكن الجيش الفلبيني تمكن من طردهم من معظم أجزاء المدينة في الآونة الأخيرة ومحاصرتهم، ولكن الاشتباكات ما زالت قائمة منذ 23 مايو وقد تم قتل مئات من الإرهابيين لغاية الان. وقد دمرت أحياء عديدة نتيجة الاشتباكات وخاصة في المناطق التي تتواجد فيها عناصر داعش. الولايات المتحدة تسعى الى تغيير النظام في الفلبين والعودة الى الوراء وهي بهذا لا تكتفي بتأجيج الصراعات العرقية والمذهبية فقط بل تعمل أيضا على تقديم الدعم للسياسيين لإحداث "ثورة ملونة" على غرار ما حدث في أوكرانيا وجورجيا وغيرها، وكذلك تقديم الدعم لمؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الغير حكومية. الولايات المتحدة تخشى مما يسمى "تأثير الدومينو". فإن أي نجاح لرئيس الفلبين في القضاء على الفساد المستشري بالدولة والقضاء على تجارة المخدرات التي تهلك الشعب الفلبيني الى جانب إيجاد التصالح ونجاحه مع جبهة التحرير مورو الإسلامية ونجاح تحقيق الحكم الذاتي لسكان جزيرة مينداناو بالإضافة الى تحسين العلاقات مع كل من الصين وروسيا، قد يسجل أسبقية لدول جنوب شرقي آسيا التي لن تكون في صالح الولايات المتحدة التي تسعى الى اقناعهم بأنهم بحاجة الى الحماية الامريكية الذي يسهل عليها بناء القواعد العسكرية وارسال القوات والخبراء العسكريين الى هذه الدول. مع تراجع تنظيم داعش والهزائم التي يتعرض اليها في كل من العراق وسوريا واندحار دولة الخرافة التي حاول بناؤها الى جانب الهزائم لتوأمه جبهة النصرة تتجه الأنظار الى جنوب شرقي آسيا والسؤال المطروح حاليا هل جاء زمن رحيل الإرهاب الى تلك المنطقة لزعزعة استقرارها واتخاذه ذريعة للتدخل العسكري الأمريكي للاقتراب من الصين؟ لقد قامت القوات الامريكية العاملة في العراق وسوريا بتهريب العديد من قيادات الصف الاول لداعش والسؤال يبقى الى أين ستنقل هذه القيادات وأي الدول ستكون مستهدفة؟