2024-04-26 06:29 م

قراءة في مجزرة صعيد مصر

2017-05-30
بقلم: الدكتور بهيج سكاكيني 
استهدفت المجموعات الإرهابية العاملة على الأراضي المصرية احدى الحافلات التي كانت تقل عددا من المسيحيين الاقباط الذين كانوا متوجهين الى احدى الاديرة بالقرب من مدينة المنيا في الصعيد المصري. وجل من كان في الحافلة هم من الأطفال وكبار السن. وتعرضت حافلتهم الى وابل من الرصاص من التي أطلقتها المجموعة الإرهابية. ولقد أدى هذا العمل الإرهابي الهمجي لاستشهاد ما يقرب من 25 بحسب الانباء لهذه الساعة. هذا الحدث الإرهابي ضد أقباط مصر ليس الأول من نوعه فكان أن تعرضت العديد من الكنائس الى تفجيرات مروعة ذهب ضحيتها عشرات المصلين منذ عام 2011 الى يومنا هذا وخاصة بعد إزاحة الرئيس مرسي. فقد أحرقت كنائس في محافظة المنيا في صعيد مصر عام 2013 وتبعها العديد من التفجيرات مثل حادثة كنيسة مار جرجس في طنطا وتفجير الكنيسة البطرسية في العباسية في القاهرة والكنيسة المرقسية في الإسكندرية. ويجب أن نؤكد ان استهداف دور العبادة لم يقتصر على الكنائس في المنطقة بل شمل أيضا الجوامع بمعنى ان الاستهداف حاصل للمسيحيين والمسلمين من قبل مجموعات إرهابية تعتنق الفكر الوهابي الذي يكفر الغير حتى لو كان مسلما اذا لم يكن معتنقا الفكر الوهابي الذي تعتمده السعودية وتدرسه في المناهج المدرسية ولذلك لا عجب أن يكون قادة المجموعات الإرهابية وعناصر هذه التنظيمات قد تشربت هذا الفكر الظلامي اما من خلال دراستهم في المدارس الدينية في السعودية أو الذين تتلمذوا في المدارس التي تقيمها السعودية في العديد من الدول وخاصة الدول الإسلامية الفقيرة. ما يهمنا أن نؤكده هنا أولا ان استهداف المكون المسيحي في المجتمعات العربية ما هو الا جزء من مخطط غربي لإفراغ الشرق من هذا المكون المتجذر في هذه الدول ومنذ الالف السنين والذي ساهم الى حد كبير وأساسي في نهضة المشرق العربي. هذا الاستهداف يتضح من خلال بعض البرامج التي ترعاها بعض المنظمات المشبوهة التي تعمل على مساعدة فقط المسيحيين للهجرة الى الدول الغربية. ويكفي ان نشير الى مئات الالاف من مسيحي العراق الذين هاجروا الى الخارج بالإضافة مسيحي فلسطين الذي تناقصت اعدادهم بشكل مريع. لا شك أن احدى أهداف هذه الاعمال الإرهابية هي زعزعة الاستقرار واثارة الفوضى في الداخل المصري وعلى ان الدولة لا تستطيع أن تضمن الامن الداخلي وهذا له مردودات على الوضع الداخلي والخارجي. فمثل هذه الاعمال من شأنها أن تضرب السياحة الخارجية وربما الداخلية أيضا بالإضافة الى عدم تشجيع الاستثمار الخارجي. وربما الأهم من ذلك على الصعيد الخارجي ضمان انشغال الدولة المصرية بوضعها الداخلي وعدم قدرتها على أخذ المكانة الريادية في الإقليم والساحة الدولية. هنالك دول إقليمية لا تريد عودة مصر وتعافيها وتريدها تابعا للعباءة السعودية بالتحديد في هذه الفترة ولا نستطيع ان نرى كيف أن مصر هرولت الى السعودية وهي تعلم انها مصنعة وراعية للإرهاب كما هو الحال لقطر والامارات. والرئيس السيسي يعلم ان الارهاب الذي يضرب في سوريا والعراق وليبيا واليمن هو جزء لا يتجزأ من الارهاب الذي يضرب مصر ولا يمكن تجزئته. فالإرهاب الذي ترعاه قطر وتركيا لا يختلف عن الإرهاب الذي ترعاه السعودية والامارات. وهذا ما يجب ان تفهمه القيادة السياسية في مصر وتتصرف من هذا المنطلق. ومن ثم فإنه خير لمصر وشعب مصر أن تعمل القيادة الى جانب الدولة السورية والعراقية وتتعاون معهما وتنسق على جميع المجالات وبالعلن وهذه دول عربية ذاقت الامرين من الإرهاب وما زالت تقاتله على أرضها وتدحره وها هو يتقهقر على هذه الجبهات ويبدأ بالهجرة الى أماكن أخرى بناء على توجيهات مشغليه وداعميه ومصر هي احدى الدول التي ستزيد معاناتها من هذا الارهاب المهاجر. نعم ان هدف آخر لهذا الحدث الاجرامي هو بالتأكيد العمل على إثارة الفتنة بين مكونات الشعب المصري وخاصة بين المسيحيين والمسلمين وخاصة وأن أجهزة الامن المصرية قد كشفت عن وجود مجموعة إرهابية شكلت خصيصا لاستهداف المكون القبطي في مصر بهدف إشعال الفتنة الطائفية في البلاد. وهذا يستدعي دراسة شاملة ومعمقة للمناهج الدراسية وكتب التربية الدينية التي تدرس في المدارس وداخل الازهر الشريف فقد أظهر البعض عن وجود كتب تشجع على التطرف وتكفير الاخر ويجب عدم انكار ذلك والعمل على تصحيح هذه الأوضاع. كما وأنه من الضروري مراقبة الائمة الذين يدعون في خطاباتهم ويحرضون على الفتنة. ان تجفيف المنابع الفكرية والأيديولوجية والتربوية التي تحرض على الاخر وتكفره. ان التحاق العديد من الشبان بهذا الفكر الظلامي له أسبابه الموضوعية والذاتية والعلاج الأمني فقط لا يجدي ولن يجدي طالما بقيت جذور هذا الفكر التكفيري الإرهابي متواجدة في التربة الاجتماعية والتربوية.