2024-04-26 05:20 ص

قرأة في وثيقة حماس!

2017-04-03
بقلم: حاتم استانبولي
في البداية لا بد من التاكيد على ان صدور وثيقة سياسية لحماس شيء ايجابي من حيث المبدأ . من الواضح ان وثيقة حماس جائت نتيجة لتفاعلات داخلية وخارجية لتضع اطارا تعريفيا للحركة ودورها , وهذا كان مطلبا سياسيا عاما على اثره نستطيع ان نحاكم الحركة وسياساتها اليومية . والملاحظ من البناء السياسي والفكري للوثيقة انها تعاطت مع بعض القضايا الجوهرية برؤية دينية وفي بعض قضايا اخرى بعبارات سياسية عامة . جائت الوثيقة لتعرف الحركة وفهمها ودورها في عملية النضال الوطني الفلسطيني. قراءة الوثيقة من خلال عدة عناوين ! العنوان الديني : فقد حددت الحركة ان رؤيتها وممارستها تقوم على مبادىء الأسلام وقوانينه ومفهومه في العلاقة مع الأديان الاخرى ورأت الوثيقة في النقطة الثامنة ان جميع اتباع الديانات والشرائع الاخرى سيعيشون في ظل الأسلام وان الأسلام صالح لكل زمان ومكان . وهنا حددت حماس ان طابع الدولة التي تسعى لتحقيقها هي الدولة الأسلامية . هذا يلغي الطابع الوطني لصيغة الدولة ويعطي مفهوماوبعدا دينيا للصراع . العنوان الحقوقي : لقد تطرقت الوثيقة للعنوان الحقوقي من الجانب التاريخي وحددت الصراع على انه مع الحركة الصهيونية احيانا ومع الأحتلال احيان اخرى وابتعدت عن ذكر الاطار القانوني والملموس لتعبيرات المستعمر الأستيطاني القائم والذي اتخذت (دولة اسرائيل) تعبيره القانوني لممارسة اضطهادها للشعب الفلسطيني من خلال منظومة قانونية انشاتها عبر مراحل تاريخية عدة لتقويض الهوية الوطنية للشعب الفلسطيني واسقاط حقوقه الوطنية والسياسية والأنسانية والتاريخية . ان الشكل القانوني القائم الذي يواجهة شعبنا هو ان الدولة القائمة (اسرائيل) هي قامت من خلال المستعمر البريطاني الذي جير كل مؤسسات الدولة الفلسطينية التي كانت تحت الأنتداب البريطاني الى (دولة اسرائيل). واستخدم ادوات القانون الدولي لتشريعها بناء على وعد بلفور الغير قانوني . ان المجابهة على الصعيد الحقوقي بالضرورة يجب ان تستخدم فيه الأدوات القانونية الدولية ذاتها التي شرعت تحويل صيغة الأنتداب البريطاني الى المستعمر الأستيطاني (اليهودي) الجديد . العنوان الوطني : ان اعطاء الطابع الديني للصراع يغذي النزعات الدينية ويدخلنا في دوامة الأولوية الدينية واسبقيتها وهذا الفخ الذي تريد ان توصلنا اليه الحركة الصهيونية والتي قامت فكرتها ودعايتها على اساس فكرتهم الدينية التي تقول ان هذه الأرض هي وعد الهي لليهودية وهذا الحق الألهي هو فوق الحقوق الوطنية والأنسانية للبشر ! هذا الاساس الديني الذي تريد ان تحوله لأساس قانوني من خلال اقرار يهودية الدولة التي ستكون مدخلا قانونيا لعملية التصفية النهائية لقضية الشعب الفلسطيني . ان التاكيد على الطابع الوطني التحرري الحقوقي الانساني هو الشعار الذي يحمل المواجهة الحقوقية والقانونية القائم على اساس القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة ويشرع نضالنا ضد المستعمر الاستيطاني وشكله (القانوني القائم اسرائيل). اما في الشان الوطني الداخلي فالموقف من منظمة التحرير الفلسطينية والأعتراف بدورها وتطوير ادائها يعتبر اول موقف رسمي موثق وهذا الموقف من الممكن البناء عليه في اعادة بناء منظمة التحرير كاطار سياسي قانوني وكفاحي مقاوم للشعب الفلسطيني . والموقف المعلن من اوسلو لا ينسجم مع الموقف من السلطة وهنا فان موضوع ازدواجية السلطة بين فتح وحماس قد غاب عن الوثيقة ولم تطرح اية رؤية لحلها . عنوان المقاومة : في الوثيقة ضاع هذا العنوان في صيغ عامة وتراجع لصالح اشكال النضال والظروف الملموسة القائمة من حيث الزمان والمكان وهنا فان تغيرا حدث في هذا الجانب ولكنه لم يرتبط بالرؤية الشاملة للصراع . وهنا يحضر الموقف من الحل المرحلي المطلب العربي والدولي والذي يقوم على اساس حل الدولتين . بالرغم من كل العبارات الفضفاضة ذات الطابع الديني حول فلسطين والقدس ولكن في الجوهر حسمت حماس موقفها بشان الرؤية للحل القائم على اساس حل الدولتين وحدود الرابع من حزيران وادرجت ان المقاومة المسلحة تدخل في الرؤية الأستراتيجية لها وهي تحدد توقيت ومكان ممارستها. وهنا دخلت هي في النادي الرسمي العربي والدولي واخذت مقعدها الى جانب فتح وسيكون التنافس القادم بينهما على مدى التنازلات التي ستقدم فالسلطة لا يوجد لديها ما تقدمه من تنازلات حيث قدمت كل ما لديها , اما حماس فان الصيغ العامة التي صيغت في الوثيقة ستكون عنوانا للضعط من اجل اسقاطها لتشرع نفسها كقوة من الممكن التعاطي معها سياسيا في اي اطار للحل القادم ولتقدم نفسها كبديل او على الأقل كشريك مقبول في السلطة القائمة وترفع الحظر الدولي عن مشاركتها في الحكومة القادمة . اما الغائب في هذا العنوان هو العلاقة بين المقاومة الفلسطينية والمقاومة العربية وخاصة اللبنانية التي قدمت وتقدم كل الدعم العسكري والسياسي للمقاومة الفلسطينية ان عدم الاشارة لهذا العنوان يعطي رسالة اضافية لمحاولات تشريع الدور وعبارة عدم التدخل في السياسات الداخلية للدول هي عبارة تستخدم فقط من اجل التسويق السياسي كما فعلت سابقتها فتح . اما بالنسبة لعنوان حق العودة فهو عنوان ادرج ضمن السياق النهائي للحل وادراجه بهذه الصيغ فانه يسقط الرؤية ان فلسطين هي من البحر الى النهر. عنوان المشروع الصهيوني : تعبير (المشروع) غير موفق فنحن امام دولة قائمة( اسرائيل) بالمعايير القانونية الدولية وهي تتربع على راس الهرم القانوني الدولي من خلال تراسها اللجنة القانونية في الامم المتحدة وهنا فاننا نتعاطى مع واقع وليس مشروع. ان استعمال تعبيرات التعددية وقبول الآخر والديمقراطية يجب ان تجد مكانها في غزة اذا كانت جدية في ما تقول وتحول غزة من سلطة لحماس تستاثر بها الى شكل جبهوي للسلطة تشارك فيها جميع القوى الوطنية المقاومة , ولذلك فان الحديث اللفظي في الوثيقة يسقط امام الواقع القائم في غزة . في النهاية نحن نتحدث عن وثيقة لحماس ومرة اخرى فان صدورها من حيث المبدأ ايجابي لنستطيع ان نناقشها ونراقب مواقفها بناء على ما ورد بها من رؤية ! هنالك العديد من الجوانب الأيجابية والواضحة ونامل ان تكون هذه الوثيقة اداة لتطوير العمل الوطني الفلسطيني ! المستقبل والسلوك هو الذي سيحكم اما ان تكون رافعة او لا ! وهنالك تجربة حية امامنا فالمراجع لوثائق ومنطلقات فتح فهي لا تختلف من حيث النصوص والجوهر عن ما ورد في وثيقة حماس ولكن السلوك السياسي اين انتهى بها ؟ لقد افرغها من محتواها وصادرها لمصلحة السلطة الجميع يامل ان لا تعيد حماس انتاج ذات التجربة .