2024-04-27 12:36 ص

امريكا حاضنة الصهيونية وهادرة الحق الفلسطيني وراعية الإرهاب (4)

2017-03-03
بقلم : عبدالحميد الهمشري* 
دور أمريكا في وجود الكيان الصهيوني وتوسعه ازداد اهتمام الولايات المتحدة الأمريكية في منظقة الشرق الأوسط بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ، متبنية استراتيجية "ملء الفراغ" الناجم عن تراجع دور كل من بريطانيا وفرنسا في أغلبية مناطق نفوذهما في العالم وسعت لإقامة أحلاف آنذاك لكنها لم تحاول صنع أي شيء لحالة الكساد الاقتصادي التي كانت تنهش دول المنطقة العربية كما فعلت لأوروبا عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية بوضع مشروع مارشال كخطة تنموية أنعشت اقتصاد دول أوروبا بل تركت شعوب المنطقة العربية فريسة الجوع وفرض إرادة المستعمر عليها واتباع سياسة فرق تسد عليها. وهناك عوامل عديدة دفعت بالولايات المتحدة للتمسك في هذه المنطقة لتحول دون تمكن أي قوة أخرى وضع موطئ قدم لها فيها ، أهم هذه العوامل السيطرة على منابع النفط والحد من النفوذ السوفييتي آنذاك والأهم من هذا كله ضمان أمن الكيان الصهيوني. لكن وأمام المد القومي والرغبة الشعبية في مقاومة الهيمنة الاستعمارية الغربية فقد فشل حلف بغداد " السينتو" في خمسينيات القرن الماضي وفشلت كل الجهود الأمريكية المبذولة للهيمنة المطلقة على المنطقة آنذاك بمشاريع مشبوهة كمشروع ايزنهاور وسبب ذلك يعود إلى عدم تمكنها من كسب ود الشعب العربي لعلاقاتها المتميزة ودعمها اللامتناهي والمطلق للكيان العبري حيث أنها أقدمت أولاً في 14 أيار / مايو 1948على الاعتراف بالكيان العبري كدولة بعد الإعلان عن قيامها بدقائق معدودة ، خارقة بذلك العرف الدولي بخصوص الاعتراف بالدول الجديدة، فانكشف بذلك حجم التواطؤ الامبريالي الأمريكي الذي كان قائماً بينها وبين المنظمات اليهودية. ناهيك عن استخدامها لنفوذها السياسي والاقتصادي لحماية (هذه الدولة المعلن عن تشكيلها) بتبنيها إصدار قرار في مجلس الأمن بوقف القتال في فلسطين في 29 أيار / مايو 1948 ، وقرار آخر بذات المعنى في 15 تموز/يوليو 1948 ومعارضتها في 19 آذار / مارس 1948 صدور قرار عن هذا المجلس يتضمن اتخاذ اجراءات تنفيذية لضمان حقوق الشعب العربي في فلسطين ضد سياسة التوسع الصهيونية التي بدأت تمارسها دولة الكيان العبري والتي خرجت من رحم مجلس الأمن الدولي بضغط أمريكي على الدول الأعضاء غير الدائمة العضوية فيه ، وارتأت في العدوان الثلاثي عام 1956م والذي شنته كل من فرنسا وبريطانيا والدولة العبرية على مصر إثر إقدام الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر على تأميم قناة السويس الفرصة الذهبية السانحة لإخراج كل من فرنسا وبريطانيا من المنطقة فعدم وقوفها إلى جانب دول العدوان لم يكن دفاعاً عن مصر بل لفرض هيمنتها على المنطقة فتدخلت لإيقافه واستثمرته لتحقيق مكاسب استراتيجية لها وامتصاص النقمة الشعبية التي تفجرت ضد دول العدوان على مصر العربية فأخرجت بريطانيا وفرنسا من المنطقة ورعت الكيان العبري بفرض قيود جديدة على مصر تحول بينها وبين منع الكيان العبري من أن يسرح ويمرح في مياه البحر الأحمر والانطلاق منه عبر مضيق بابا المندب إلى دول شرق آسيا. وقبيل حرب 5 حزيران / يونيو 1967 أعلنت الولايات المتحدة بأنها لن تسمح أو تتساهل مع أي طرف يبدأ بالعدوان لكنها ساندت العدوان الصهيوني وشجعت الدولة العبرية للقيام به بإعطائها الضوء الاخضر لها لشن الحرب ، بدليل زيارة أبا إيبان وزير الخارجية الصهيوني آنذاك ومائير (عميت) للولايات المتحدة للنظر في ترتيبات العدوان من حيث مخرجاته وتفاصيله إلى جانب وقوفها مع الكيان الصهيوني في مجلس الأمن للحيلولة دون إدانة العدوان وإصرارها على إصدار وقف القتال من هذا المجلس دون الإشارة إلى انسحاب "الكيان العبري" إلى خط الحدود لما قبل بدء العدوان في حزيران 1967 بعد فترة 6 أشهر تقريباً من حصوله ، فكانت الولادة العسيرة لقرار في 22 تشرين الثاني / نوفمبر 1967 بوقف القتال دون إدانة أو طلب انسحاب القوات المعتدية من الأراضي العربية المحتلة متعللة أي الولايات المتحدة بتعذر تحديد الطرف المعتدي في الحرب ، وكانت تلك سابقة خطيرة في العرف الدولي، وقد تجسدت هذه النتيجة غير المسبوقة في مساندة المعتدي بالتهديد من جانب الولايات المتحدة باستعمال الفيتو " حق النقض " الذي لطالما تستخدمه لحماية مصالح الكيان الصهيوني ورعايته ولإسقاط أيه اقتراحات يتم التقدم بها من قبل أعضاء مجلس الأمن لمنع أية إدانة لـ (الدولة العبرية) أو إرغامها على الانسحاب الفوري من أية أراض عربية يجري احتلالها بالعدوان أو وقف أية تجاوزات في حق سكان الأراضي المحتلة أو دول الجوار العربي المحيط بفلسطين تحت مبررات تدعم توجهات الحركة الصهيونية وثمرتها الكيان الصهيوني. فمنحت (الدولة العبرية ) بذلك الفرصة الكافية لتثبيت أقدامها في الأراضي العربية التي جرى احتلالها بعد الخامس من حزيران . وعملت على إدخال مجلس الأمن في متاهات الصياغة المبهمة المتعمدة وهو الأسلوب الذي تفشى في أوصال قرار مجلس الأمن رقم 242، وبدأت الخطة الأمريكية المحكمة المحبوكة حلقاتها بدقة متناهية بمشروع قرار أمريكي مبهم يدعو إلى تحقيق سلام عادل ودائم ولكن عن طريق انسحاب قوات مسلحة من أقاليم محتلة، دون الكشف صراحة عن القوات الصهيونية التي كان يتوجب عليها الانسحاب من سائر الأراضي العربية التي جرى احتلالها خلال الحرب وعلى وجه الخصوص من القدس الشرقية حيث أسهمت بريطانيا وبالتنسيق مع الولايات المتحدة بصياغة مشروع قرار جرى اعتماده تماماً مثلما تم بصياغة وعد بلفور حيث كان يوفق بين المشروعات المتعارضة المقدمة للمجلس فكانت هذه الولادة القيصرية للقرار الذي شغل أمين العام للأمم المتحدة أنذاك يوثانت ووسيطه الدولي غونار يارينغ الذي اضطر لتقديم استقالته من المهمة المسندة إليه حين أدرك أنه يدور في حلقة مفرغة لعجزه عن تحقيق أي تقدم أمام تعنت الكيان الصهيوني بعدم الانسحاب من الاراضي العربية المحتلة ووقوف أمريكا إلى جانبه. وقد ألقت أمريكا بكل ثقلها دعماً للكيان الصهيوني في سبيل الحفاظ على أمنه وتفوقه العسكري حيث ارتكزت السياسة الأمريكية في أعقاب حرب 1967 على تمكين الدولة العبرية من الاحتفاظ بالأراضي المحتلة لتكون بمثابة ورقة تفاوضية مقابل استسلام العرب والرضوخ للإرادة الصهيونية ، يتفق وروح قرار مجلس الأمن رقم 242 الذي منح العدو الصهيوني القدرة على المماطلة ومنحه القدرة الكافية والقوة اللازمة للحؤول دون نشوب أي حرب و للدفاع عن نفسها في حال نشوب أية حرب محتملة بالفعل من خلال ما تقدمه له من قدرة تسليحية هائلة بمنح وبقروض طويلة الأجل لا تستطيع الدول العربية مجتمعة من الحصول عليها ليبقى ميزان القوى العسكري إلى جانب الكيان الصهيوني في حال نشوب أي قتال. و ارتكزت الرؤية الأمريكية لإقرار التسوية في الشرق الأوسط على مبادئ كان قد أعلنها الرئيس الأمريكي جونسون أهمها منح حرية المرور للكيان الصهيوني في الممرات الدولية ووقف سباق التسلح في المنطقة والمقصود بذلك الدول العربية فقط والاعتراف بحق الكيان العبري للعيش الآمن. وبعد تولي نيكسون رئاسة الولايات المتحدة أجرى عدة لقاءات مع مسؤولين سوفييت انتهت تلك اللقاءات بالإعلان عن عدم قدرة القوتين الأعظم في العالم آنذاك على فرض تسوية تجبر (الكيان الصهيوني) على الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة، فتلاقت وجهات النظر الأمريكية السوفييتية بذلك على تجميد الوضع في الشرق الأوسط ، وهو ما عرف " بحالة اللاسلم واللاحرب " خدمة لمصالحهما في تجنب المواجهة ، وقد كان المستفيد من ذلك الكيان العنصري العبري. وبعد البدء بنشوب العمليات العسكرية في حرب تشرين الأول / أكتوبر 1973 ، بادرت الولايات المتحدة بوضع كل ثقلها في المعركة بعد أن تكشف لها أن سير المعارك في الأيام الأولى من القتال لم تكن تسير في صالح الكيان الصهيوني الذي انهار تماماً في جبهة قناة السويس حيث تعرض خلالها الجيش الصهيوني لخطر الشلل والانهيار التام فتوجهت الولايات المتحدة على جناح السرعة من فورها على إسناد الجيش المنهار بجسر جوي نقلت خلاله قوات أمريكية محمولة جواً إلى أرض المعركة في سيناء دعماً للجانب الصهيوني من قواعدها المنتشرة في أوروبا وأمريكا وقد تم خلال ذلك نقل كميات ضخمة من الأسلحة المتطورة التي لم يستخدم بعضها من قبل ، حيث نقلت أسلحة بأطقمها إلى ميادين القتال ، وعقد مجلس الأمن جلسة على عجل وأصدر القرار الفوري رقم 338 بوقف اطلاق النار. ولما كان لنجاح العمليات العسكرية العربية في هذه الحرب أولاً إضعاف المركز السياسي لـ (الدولة العبرية) ؛ أدركت هذه الدولة المارقة وحليفتها أمريكا أن التوصل إلى حل مع العرب في نهاية المطاف أصبح يمثل الاختيار الحتمي الوحيد الموجود أمامها خشية تعرض الكيان العبري للانهيار. وثانياً الاعتراف الدولي بالشعب الفلسطيني كحقيقة واقعة وبمنظمة التحرير كممثل شرعي له ، وفرض القضية الفلسطينية لنفسها على الرأي العام العالمي، حيث تمت مناقشتها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة والتي أصدرت قرارات حاسمة كرست الحقوق الفلسطينية (حق تقرير المصير ، حق العودة، التعويض.. الخ) وعُزل (الكيان العبري) دولياً حيث تمت المساواة بين الصهيونية والعنصرية عام 1975 ولكن أمام هذه النجاحات التي تحققت فلسطينياً برزت معوقات لوضع المكابح في الدواليب بفعل جهود أمريكية أخذت تحث الخطا بهدف تفسيخ الموقف العربي وزعزعة ثقته بنفسه حيث ظهر في مصر تيار بتوجيه أمريكي يتبنى وجهة نظر مخالفة للتوجه الناصري آنذاك يدعو لنبذ الخلاف مع الكيان الصهيوني لإنهاء حالة الصراع فانقلب الميزان من جديد لصالح الكيان الصهيوني الذي تنفس الصعداء من هذا التوجه حيث ارتأى فيه الفرصة الذهبية السانحة التي إن أحسن استغلالها تعوضه عن حالة الضعف النسبي الذي اعتراه بعد هزيمة 1973 فلجأ للمراوغة والتقليل من التطرف في عملية المساومة مع مصر خاصة بعد فقدانه لقدرات قوته التفاوضية في لعبة الصراع وهذا منحه إعادة ترتيب أوراقه من جديد والعودة بعد تمزيق الموقف العربي جراء خروج مصر من حلبة الصراع حيث رعت الولايات المتحدة الأمريكية سياسياً وعسكرياً بعد حرب 1973 الأهداف والرغبات الصهيونية وتبنتها وبما يتوافق مع المصالح الأمريكية دون النظر للمطالب العربية. وعملت الولايات المتحدة على شق وحدة الصف العربي لأنها أدركت أن استمرار الصراع في الشرق الأوسط يهدد أمن (هذا الكيان الغاصب) ووقوع حروب جديدة بينه وبين العرب ليس في صالحه. كما أدركت أن السلام الذي تدعو له في مصلحة الدولة العبرية كون تكرار الحروب بينها وبين العرب من شأنه أن يؤدي إلى تورط أمريكا في الصراع أو خسارة الكيان العبري في الحرب ، وكلاهما في غير صالح أمريكا ولا صالح (الدولة العبرية) ، لذا سعت وتجنباً لمخاطر غير محسوبة العواقب على الكيان العبري إلى ما أطلقت عليه السلام الذي يجب أن ينطلق أولاً من المحافظة على وجود (الدولة العبرية) وتخدير العرب بمفاوضات مطولة تعمل على تجزئة قضايا الصراع وتعمل على تشعبها للدخول في متاهات بمفاوضات ابتزاز أضاعت "لحانا ما بين حانا ومانا" وأضاعت الكثير من الحقوق العربية فيها أضعفت من سلطة الدولة المركزية في الأقطار العربية قاطبة فانشغل العرب بأنفسهم ليفتوا من عضدهم مما زاد من قوة العدو الصهيوني الذي أصبح يفتت في عضد كل دولة عربية بمساعدة أمريكية مطلقة . ودفعت أمريكا بعض العرب لخوض معركة التفاوض مع الكيان العبري تحت بند ما أطلق عليه "السلام" تمهيداً لدفع أطراف أخرى للدخول في هذا المعترك وبهذا الأسلوب تمكنت من تعميق الخلافات وتفسيخ عرى التواصل بين مختلف الأقطار العربية وكان هذا بفعل سياسة زعيم دهاقنة اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الأمريكية هنري كيسنجر رجل الآيباك الأول في اللوبي الصهيوني في أمريكا الذي نجح في بث الخلاف بين الدول العربية ومصر حين تمكن من إقناع الرئيس المصري أنورالسادات في 9 تشرين الثاني/ نوفمبر1977 من الإعلان عن مبادرته تحت قبة مجلس الشعب المصري التي جاء فيها أنه مستعد للذهاب إلى أي مكان سعياً وراء السلام وحقناً لدماء أي جندي ولو كان هذا المكان هو الكنيست الصهيوني. وقد جاء إعلان السادات بينما كانت هناك استعدادات على قدم وساق تجري لعقد مؤتمر دولي للسلام في جنيف ، حيث رحبت الولايات المتحدة من فورها بهذه الخطوة التي دفع فيها هنري كيسنجر السادات للقيام بها وكان يهدف من وراء ذلك عزل الحوت المصري عن البحر العربي؛ مما يوفر لـ (الكيان الصهيوني) العيش بسلام خاصة وأن الاعتقاد الأمريكي الصهيوني عدم قدرة العرب على مجابهة الدولة العبرية دون مصر. وبفعل الجولات المكوكية لهنري كيسنجر وغيره من المسؤولين في الإدارة الأمريكية نجحت الجهود في جسر الهوة بين مواقف مصر في السابق حيث تم قبول بيغن رئيس الوزراء الصهيوني وبإيحاء من أمريكا لمبادرة السادات التي هي في الأساس مبادرة أمريكية وتم جمع الطرفين السادات وبيغن في كامب ديفيد برعاية الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر الذي رعا الاتفاق وتم إبرام معاهدة السلام المصرية ـ الإسرائيلية عام 1979 ، وقدم لـ (اكيان العبري) ما يريد الحصول عليه وهو توقيع اتفاق سلام مع مصر وإخراجها من حلبة الصراع العربي ـ الصهيوني ، حيث تبادلت مصر مع الكيان الصهيوني العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية ومكن كامب ديفيد الدولة العبرية من الحصول على أقصى ما يمكنها احنياجه من الانفتاح الاقتصادي والثقافي والفكري في المنطقة العربية مع منحها كل ضمان لسلامتها في المستقبل من الجبهة المصرية.
*كاتب وباحث في الشأن الفلسطيني
Abuzaher_2006@yahoo.com