2024-04-26 04:13 م

هل سيشهد العالم ربيعا أفريقيا في 2017؟

2017-01-15
بوليسي ديجست – التقرير

خلال التاريخ، عُرفت أفريقيا وخاصة منطقة جنوب الصحراء الغربية بقارة الأمراض والصراع، وفي العقود الجديدة تم الوصول للاستقلال وانتهاء الحروب الأهلية الطويلة، ولكنها لازالت منطقة صراع.

في 2016، مرت العديد من دول جنوب الصحراء الغربية بمظاهرات سلمية وأخرى عنيفة؛ من تظاهرات اقتصادية مثل مسيرات بسبب مطالب خاصة بالمرتبات في الجابون وغانا، إلى مشاغبات طلابية في جنوب أفريقيا وزامبيا، ثم تظاهرات سياسية في كينيا وزيمبابوي، وكذلك أثيوبيا، وتستمر القائمة.

منذ ست سنوات وتحديدًا في 2011، شهد العالم فترة من التظاهرات السياسية والتي أدت لإسقاط العديد من الأنظمة، وما بدأ في تونس انتقل تدريجيًا إلى عدد من الدول العربية، وخلال ما يسمي بثورات الربيع العربي؛ اتحد المواطنون للتعبير عن عدم رضائهم عن حكوماتهم محاولين التغيير.

العديد من دول الصحراء الغربية الكبرى تحت حكم استبدادي من خلال نفس الرؤساء لأعوام، وبشكل أو آخر شهدت تجاهل وتعطيل العملية الانتخابية للحفاظ على السياسيين في السلطة، وعلى الرغم من أن بعض البلدان لديها أحزاب معارضة، ولكن ليس لديهم قوة كافية للتغيير، حيث يتم إعاقتهم بشكل مستمر أو من خلال عدم تنفيذ نتائج الانتخابات من العائلة الحاكمة.

ونبعت العديد من الاحتجاجات السياسية بسبب عدم الرضا والغضب من السياسة الراهنة، وعندما تم تقييد العملية الانتخابية الديموقراطية كانت المظاهرات هي الطريقة الوحيدة للتعبير عن مظالمهم ومحاولة إحداث فرق، ولكن مع زيادة التظاهرات في قارة أفريقيا في السنوات الحديثة؛ هل سيشهد العالم ربيعا أفريقيا؟

تعبئة اجتماعية

في زمن العولمة، من السهل مقارنة أوضاع وظروف دولة بأخرى وكشف التعديات داخل النظام السياسي، وبالتالي رأت الطبقات الوسطى في أفريقيا قصور حكوماتهم وبدأوا في الاعتراض، ووفقًا لموقع أبحاث أفريقي فإن حوالي 40% من السكان في 36 دولة أفريقية يعتقدون أن الانتخابات الأخيرة في بلادهم كان حرة وعادلة، وتبحث هذه الجماعات عن طرق بديلة لجعل أصواتهم مسموعة؛ إذ يستخدمون مواقع التواصل لحشد مجموعات أكبر وتنظيم تظاهرات مثل ما شاهدوه في الربيع العربي.

ومنذ أواخر 2015، نظمت جنوب أفريقيا تظاهرات من خلال مواقع التواصل؛ لإجبار الرئيس جاكوب زوما على التنحي بعد إنفاق ملايين الدولارات على تجديد منزله، ووجوده في دوائر فضائح فساد، بالإضافة إلى أن انحدار اقتصاد بلده للأسوأ عدل منصب وزير المالية مرتين خلال أسبوع، وتلاه مظاهرات في أنحاء البلاد، وعلى الرغم من تراجع زخم التحرك خلال عام 2016، ولكن لازال هناك عدد من الدعوات لاستقالة الرئيس في عدد من الدول، مثل كينيا والتي انتقدت الحكومة، وفي ديسمبر 2016، تم انتقاد الشرطة على السوشيال ميديا لقمع التظاهرات المنظمة.

لم تكن هذه أول مرة يتم انتقاد الحكومة لسلوكهم خلال التظاهرات؛ فخلال العام شهدت كينيا تظاهرات ضخمة لانتخابات 2017 والتي أدت إلى عنف بين الشرطة والمتظاهرين، وقد اشتعلت التظاهرات في أبريل 2016؛ بسبب خلاف حول توظيف في المفوضية العليا للانتخابات والحدود المستقلة، وكانت تجدد مع تعديل قانون الانتخابات في ديسمبر.

مقارنة بدول أخرى في القارة، فإن دولتي كينيا وجنوب أفريقيا كانتا لديهما ديموقراطيات مؤسسة مع دساتير محترمة، وتم احترام التظاهرات غالبًا من قبل الحكومات، ولكن يبدو أن التحركات فشلت في جمع نقد العامة لإحداث تأثير، على الرغم من الفساد والمشاكل بداخل الحكومة، ولكن معظم الشعب لايزال يعتقد أنه من خلال التظاهرات يمكنه التغيير أكثر من التمرد، ولكن يبدو أن الشعب مقسم إلى جماعات عرقية، والتي غالبًا لن تقف بجانب القضية على الرغم من وجود نفس المظالم.

لازالت التوترات العرقية مرتفعة في جنوب أفريقيا، على الرغم من عدم رضاهم عن الرئيس زوما، إلا أن الأغلبية السوداء من الشعب تدعم المجلس الوطني الأفريقي له، حيث أنه كان مسؤول بدرجة كبيرة عن تحريرهم من التفرقة العنصرية أوائل التسعينات، وفي حين أن هناك أكثر من 50 قبيلة في كينيا، فإن هناك ستة تهيمن على القطاع الحكومي والسياسي، وصراعات بين الجماعات العرقية اشتدت حدتها منذ إدخال نظام التعددية الحزبية في بدايات التسعينات، و بلغت ذورتها خلال التظاهرات العنيفة التي تلت انتخابات 2007، والتي أدت لعدد من القتلى، وبسبب هذه الانقسامات فإن التظاهرات فقدت حيويتها لتغير الدولة مثلما حدث في الربيع العربي.

الرد على القوات الأمنية

في أثيوبيا، كانت التوترات بين القبائل السبب في تظاهرات 2016، ومنذ 2015، تظاهرت أكبر جماعة عرقية وتدعى “اروموس” ضد الحكومة بسبب التهميش والاضطهاد لجماعتهم بسبب التوسعات في بلدتهم، وللمرة الأولى في التاريخ تظاهرت “اروموس” وجماعات أخرى ضد النظام المهيمن عليه الأقلية من “تيجريان” والمطالبة بحقوق أخرى، وفي أكتوبر 2016 قتلت قوات الأمن عدد كبير من المتظاهرين في أحد البلدان وأعلنت حالة طوارئ، والتي أعطت للرئيس حق استخدام القوات الخاصة ضد التظاهرات، وعلى الرغم من النداءات الدولية من منظمات حقوق الإنسان للسماح بالتظاهرات السلمية، فلازالت حالة الطوارئ مستمرة، وبسبب الخوف من البطش الأمني هدأت التظاهرات.

ويعتبر الوضع مشابه في زامبيا، على الرغم من أن بعض المواطنين اتخذوا الشوارع بعد رفض الرئيس قبول هزيمته في انتخابات 2016، ولكنهم سريعًا ما قلت عزيمتهم بعد تصريح الرئيس بأنه لن يتسامح مع المتظاهرين.

بالنظر إلى رصيده من انتهاك حقوق الإنسان خلال الـ22 عامًا في مكتبه ووعد وزير الدفاع بدعمه في مسعاه للبقاء في السلطة، فإن المزيد من المواطنين تراجعوا عن قول رأيهم من خلال التظاهرات، والآن فإنهم يصوتون وينوون الخروج من الدولة.

معظم دول الصحراء الغربية الكبرى عايشوا صراعات مسلحة؛ انقلابات عسكرية أو حروب أهلية في الماضي الحديث، وبسبب ذلك فإن الشعوب مترددة في تحريض أو تحمل العنف، ولكنهم أوقفوا جهودهم أو رحلوا.

الوضع الاقتصادي

لم يكن الموضوع كذلك في الكونغو، حيث اندلعت التظاهرات والعنف في يناير 2015، بعد تمرير البرلمان قانون يسمح للرئيس أن يمدد ولايته بعد ديسمبر 2016، وعلى الرغم من انتهاء حرب الكونغو الثانية في 2003، والتي كانت أكثر دموية على مستوى العالم حينها منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، إلا أن المتظاهرين في 2015 استمروا حتى نهاية 2016، ولكن هذا الصدام السياسي نشأ من قبل السياسيين في الدولة التي يحكمها النخب، ولكن الثقة في هؤلاء السياسيين كانت ضعيفة، وبالتالي فإن الدعم للسياسيين يعتبر منخفض بين العامة، وكدولة تفتقد الطبقة الوسطى وتعتبر الغالبية من الشعب ليس في وضع اقتصادي للحفاظ على الاحتجاجات لفترة طويلة، يناقش النخبة ما يحدث في البلاد بدلاً من الاعتراضات في الشوارع.
بعد تأجج الاحتجاجات في البلاد في 2016 وفشل الوساطة الدولية، تم توقيع اتفاق سياسي دولي لانتخابات 2017 من الحكومة والمعارضة في 31 ديسمبر، ولكن يعتقد أن تستمر التظاهرات حتى الانتخابات.303

وسط أسوأ أوضاع اقتصادية واجتماعية في زيمبابوي منذ 2009، نزل المتظاهرون في الشوارع في 2016 وتمكنوا من غلق أعمال الدولة ليومين في يوليو، وقالت حركات اجتماعية أنهم عهدوا لتنظيم تظاهرات ضخمة وقطع أعمال الدولة في 2017 لإجبار الرئيس على الرحيل، ويعتبر الرئيس هو أكثر رئيس من حيث طول المدة في بقائه في المنصب في القارة وبسبب سنه؛ يرى الكثيرون أنه لا يستطيع القيادة أكثر من ذلك.

وعلى الرغم من وجود الجماعات وكونها تحظى بدعم كبير من الشعب، لا يعتبر الكثير أيضًا في وضع للبقاء في تظاهرات أكثر من أيام، ويعتبر نسبة كبيرة من الموظفين يعملون في القطاع الحكومي ويمروا بوضع لا يأخذوا فيه رواتبهم ويخشون من نتائج تظاهراتهم، بسبب نقص الأموال في الدولة، ينفق الشعب أيامهم في طوابير في البنوك للأموال القليلة المتاحة منذ أن قل السحب إلى 50 دولار يوميًا، وبسبب التضخم الحالي، فإن هذه الأموال لا تستمر كثيرًا، ولذلك فإن الوقوف في هذه الطوابير تعتبر مهمة يومية، وهو ما لا يترك مساحة لفعل أي شيء آخر.

تعتبر تظاهرات دول الربيع العربي مفاجئة، وهو ما كان في صالح المتظاهرين، فمنذ ذلك الحين؛ والأنظمة – خاصةً في الدول الاستبدادية – قامت بتحضير نفسها لقمع الانتفاضات غير المرحب بها من الشعوب لتأمين مناصبهم، وفي حين أننا نرى تصاعد التظاهرات في دول الصحراء الغربية الكبرى في السنوات القليلة الماضية، ولكنها لم تصل لمرحلة الغليان، ولكن بعض الدول مثل زيمبابوي تبدو أنها على حافة تغير الأوضاع في 2017، وإذا زاد الوضع الاقتصادي سوءًا؛ فإن الشعب لن يرى أية طريقة أخرى والقوى الداخلية تتصارع بداخل الحزب الحاكم، ويمكن أن يضعف ذلك سيطرتها على الوضع.

دول الصحراء الغربية يختبرون تدريجيًا تغيرًا، وهو ما يجعلهم يحاولون تحرير أنفسهم واتخاذ السلطة التي يريدونها، وسوف يبحثون عن بدائل وهو ما قد يؤدي لتظاهرات واحتجاجات أكبر.

ولكن، في معظم الدول فإن الوضع الراهن يجعل من غير المحتمل أن معظم التظاهرات ستطيح بالأنظمة، والوضع السياسي سيتغير في دول فردية، ولكن من المستحيل أن يكون لها تأثير ممتد للدول المجاورة أو للمنطقة كلها.