2024-04-27 07:20 ص

فشل أمريكا وادواتها وأذنابها في المنطقة في سوريا

2016-12-28
بقلم: الدكتور بهيج سكاكيني
الفشل الأمريكي في سوريا مقابل تحالف القوى السورية والروسية والإيرانية وحزب الله يشكل تحديا واضحا لنظرية التفوق العسكري الأمريكي في العالم وقدرتها على الايفاء بتحالفاتها والتزاماتها أو تعهداتها الأمنية لحلفائها من الدول الخليجية على وجه التحديد. والسؤال الذي يطرح نفسه ربما الان بعد الانتصار في حلب هل هذا الانتصار يعني خروج الولايات المتحدة من المشهد أو ساحة الشرق الأوسط الكبير؟ وبينما يبدو أنه من المستبعد أن يتحقق ذلك في المرحلة الحالية، الا انه من الضروري التنبه ان هنالك بعض المؤشرات والتطورات التي تدلل على أن القرن الأمريكي والتفوق الامبريالي الغربي في المنطقة الغنية بمصادر الطاقة وأهميتها الجيوسياسية قد انتهى. أن الهزيمة في سوريا لا تكمن أهميتها في طبيعتها العسكرية بقدر ما تحمله من رمزية والإشارة الواضحة من أن هنالك قوى صاعدة ذات فعل على الارض رافضة للهيمنة والعربدة الامريكية وعلى انها ليست من الضعف أو الوهن لكي ترضخ لمصالح الدول الغربية وادواتها من الدول العربية. وهذا لا ينطبق فقط على سوريا بل أيضا ينسحب على الوضع في اليمن بشكل بارز ولهذا فإننا رأينا هذا التكالب للقوى المعادية لمحور المقاومة التي جندت كل امكانياتها الاقتصادية والمالية والعسكرية والاعلامية والسياسية والدبلوماسية وخاصة في الفترة الأخيرة في معركة حلب لمنع تقدم الجيش العربي السوري وحلفاؤه لتحقيق النصر العسكري الكامل ورجوع حلب العاصمة الاقتصادية لأحضان الدولة السورية. لم تخفي الإدارة الامريكية على نيتها من خلق مستنقع لروسيا في سوريا وهو ما صرح به الرئيس أوباما لنظيره الرئيس بوتين. كانت حسابات إدارة أوباما أن المستنقع السوري سيعني نكسة وضربة مؤلمة وموجعة للرئيس بوتين وعلى ان هذا سيؤدي الى ضعف قبضة بوتين على السلطة في روسيا الذي بدوره سيؤدي الى انهيار النظام السياسي الروسي. ولمحاولة تحقيق ذلك اتبعت الإدارة الامريكية سياسة متعددة المسارات، تمحورت في اشغال روسيا في المسار الدبلوماسي والسياسي على أمل كسب الوقت وإتاحة الفرصة للإرهابيين في حلب لإعادة التجمع والتموضع ورفدهم بمزيد من المسلحين والأسلحة النوعية والثقيلة لتمكينهم من كسر الحصار والطوق المفروض عليهم من قبل الجيش العربي السوري وحلفاؤه، الى جانب المماطلة وإطلاق الوعود الكاذبة وطلب مزيد من الوقت ليتسنى لها فصل ما أسمتهم بقوى "المعارضة المعتدلة" عن المنظمات الإرهابية مثل داعش ورفض زج جبهة النصرة في البداية الى المنظمات الإرهابية. كما عملت الإدارة الامريكية على الإعلان عن بدء مرحلة تحرير الرقة ودفعت بقوى سورية الديمقراطية ذات الأغلبية الكردية الى السير نحو الرقة تحت غطاء جوي من قبل التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة على الرغم من قناعتها بأن هذه القوات غير مؤهلة لهذه المهمة. أما المسار الاخر فهو إطلاق حملة إعلامية واسعة وغير مسبوقة من ناحية كثافتها وحجم الأكاذيب والفبركات الإعلامية حول الأوضاع الإنسانية الكارثية في حلب الشرقية وتقديم مشاريع قرار في مجلس الامن التي تطالب بالوقف الفوري لإطلاق النار في حلب واتهام روسيا بارتكاب مجازر حرب والقتل المتعمد للأطفال والنساء. وكانت احدى اهداف الولايات المتحدة الرئيسية ليس فقط تغيير النظام في سوريا والسيطرة على المنطقة ومقدراتها بالكامل وخاصة مصادر الطاقة وطرق امدادها، وضمان "الامن" والتفوق العسكري للكيان الصهيوني في المنطقة ولكن أيضا كانت تسعى ومعها العديد من الدول الأوروبية وعلى رأسها المانيا وفرنسا وبريطانيا الى وضع حد للنفوذ الروسي وتمدده ومنع المشاركة الروسية في إيجاد حلول للصراعات في العديد من المناطق في العالم، لان هذا يعني ضمنا الاعتراف بروسيا الاتحادية كقوة عالمية يجب أن تؤخذ مصالحها بعين الاعتبار وليس "كقوة كبرى إقليمية" كما كان أوباما يصرح منذ البداية. وهذا يعني كسر أحادية السيطرة والهيمنة الامريكية على الساحة العالمية التي تمتعت بها منذ أوائل تسعينات القرن الماضي بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وتفكك جمهورياته التي أصبحت في معظمها ملحقة بحلف الناتو أو على الطريق للالتحاق تحت مظلته العدوانية. من الواضح ان الانتصار في حلب قد قوض هذه الاحلام والاهداف الامريكية أو على الأقل وجه ضربة قوية لهذا المخطط الامبريالي كما انه قوض أحلام الاذناب والأدوات التي كانت تسعى على الأقل حجز مقعد على طاولة المفاوضات لإيجاد حلول سياسية للازمة السورية وخاصة بعد خسارة أكبر ورقة كانت تراهن عليها هذه الحثالة الا وهي ورقة حلب. وقد سارع الائتلاف المعارض السعودي الهوى على استعداده لحضور مؤتمر جنيف القادم كما سارع السيد دي ميستورا مبعوث "الأمم المتحدة" الى سوريا عن دعوته الى عقد مؤتمر جنيف لاستئناف المفاوضات التي تعطلت ما يقرب من ثمانية أشهر الان. ولتذكير القارىء الكريم فان توقف المباحثات جاء بسبب انسحاب وفد الائتلاف او ما سمي "بالهيئة العليا للمفاوضات" التي تأتمر بأوامر آل سعود وذلك قبل بدء المجموعات الإرهابية بالهجوم على مواقع الجيش العربي السوري في حلب بغية السيطرة الكاملة على حلب كما كانوا يعتقدون ويراهنون. وللتذكير أيضا فان السيد دي ميستورا وقبل أسابيع قليلة فقط كان يحذر من حدوث كارثة إنسانية في حلب الشرقية ويدعو الى وقف إطلاق النار الذي خرقته المجموعات الإرهابية عدة مرات لا بل وتعدت وقصفت القوافل المحملة بالمساعدات الإنسانية المتوجه الى حلب الشرقية وقتلت عددا من رجال الامم المتحدة نتيجة قصف القوافل الانسانية بالصواريخ. ولقد وصلت الوقاحة بالسيد دي ميستورا ان يعرض على الإرهابيين ضمان سلامتهم وكرامتهم الشخصية ومصاحبتهم الى أي مكان يختارونه منصبا نفسه حاكما للدولة السورية. وذهب الى سوريا وهو "الممثل والمبعوث الاممي" أو هكذا يدعي ليقترح على الدولة السورية اعطاء حلب الشرقية نوعا من الحكم الذاتي. كان يريد للمجموعات الإرهابية أن تنعم بحماية ورعاية الأمم المتحدة. كان لا بد من الحسم العسكري في حلب الشرقية لان كل محاولات الدولة السورية وحلفاؤها من تجنب الاقتتال باءت بالفشل لان المجموعات الإرهابية ومشغليهم الإقليميين والدوليين لم يكن لديهم النية لاتباع المسار السياسي لحل الازمة. الضربة العسكرية التي تلقتها الولايات المتحدة والمجموعات الإرهابية ومشغليهم جميعا في حلب الشرقية اتبع بضربة سياسية أكبر وأهم من الفشل العسكري وتمثل هذا بالاجتماع الثلاثي الذي عقد في موسكو بين وزراء الخارجية الروسي والإيراني والتركي لبحث الحل السياسي في سوريا وامكانية تطبيق وقف الاعمال العدائية على كافة الأراضي السورية وإعطاء الأولوية لمحاربة داعش والنصرة وغيرها من المجموعات، وضمان وحدة الأراضي والسيادة السورية على كامل التراب السوري. ان إبقاء الولايات المتحدة أو اية دولة غربية أخرى أو أدواتها لهو توجيه رسالة واضحة الى هذه الأطراف من أن قوانين اللعبة قد تغيرت وأن هنالك تموضع استراتيجي جديد في المنطقة، وان ما بعد حلب ليس كما قبله. وهذه الأطراف ستدعو الى اجتماع بين المعارضة السورية ووفد الدولة السورية في استانا عاصمة كازاخستان والتي من غير المرجح حضور الهيئة العليا للمفاوضات لها. لقد أصبحت الولايات المتحدة خارج اللعبة على الأقل في المرحلة القادمة فكما قال وزير الخارجية الروسي لافروف من أن الحديث مع الولايات المتحدة عقيما ولن يؤدي الى نتيجة. الكثيرون يشككون في نوايا أردوغان باعتباره شخص مشهور بالتقلبات في مواقفه السياسية وهو من الأشخاص الذي لا يمكن الاعتماد عليه نظرا لذلك ولقد اثبتت الوقائع على الأرض هذا التأرجح والتنقل من خانة الى أخرى تبعا لمصالحه الشخصية بالدرجة الأولى. ولا شك ان الكثيرون محقين في هذا التحليل ولذلك من الضروري التعامل معه بحذر شديد. ولكن لا بد لنا من الإشارة هنا أن أردوغان لم يعد يمتلك هامشا كبيرا من المناورات السياسية. فهو يعيش حالة من العزلة الداخلية والخارجية نظرا لسياساته الحمقاء المغامرة. فهو من جانب كسب عداء دول الاتحاد الأوروبي في موضوع السماح بهجرة اعداد كبيرة من السوريين وغير السوريين من الأراضي التركية الى العواصم الأوروبية. كما انه على عداء مع الولايات المتحدة نظرا لضلوع أجهزة مخابراتها في محاولة الانقلاب الفاشلة في شهر يوليو الماضي. الى جانب ان الولايات المتحدة تقدم الدعم لقوات حماية الشعب الكردية التي يعتبرها أردوغان منظمة إرهابية وهو يرفض قيام أي كيان كردي في الأراضي السورية بمحاذاة الحدود التركية، بينما تؤيده الولايات المتحدة لكونه اذا تحقق فانه سيكون مدخلا لتقسيم الوطن السوري. كما أن لديه العديد من المشاكل الداخلية وخاصة مع الاكراد في الجنوب الشرقي من البلاد حيث تدور المعارك بين حزب العمال الكردي والجيش التركي، الى جانب المشاكل الاقتصادية لتركيا والتي يعول على التقارب مع روسيا على حل الجزء الأكبر منها وخاصة في قطاع السياحة والزراعة والطاقة. هذا بالإضافة الى العمليات الإرهابية في الداخل التركي وفتح جبهة مع تنظيم داعش والتدخل والتوغل العسكري في الاراضي السورية الذي تبين أنه ليست نزهة كما اعتقد بالقياس على السيطرة على جرابلس. ولقد ازداد الغليان في الشارع التركي بعد حرق جنديين تركيين بعد اسرهم من قبل داعش حيث أحرقا وهم أحياء وتم عملية تصوير عملة الحرق بالكامل وعرضه على شبكات التواصل الاجتماعي. هذا بالإضافة الى مقتل أكثر من مئة جندي تركي في المعارك التي ما زالت مستمرة مع تنظيم داعش في منطقة الباب الحدودية. هذه الاحداث بالإضافة الى السياسة الخارجية لأردوغان والتي في تقدير الكثيرين في الداخل التركي قد جرت العديد من المصائب التي كان من الممكن تلافيها، بالإضافة الى سياسة الاقصاء داخل حزبه الحاكم وتسلطه على مفاصل القرارات الرئيسية قد تؤدي الى قرب نهاية حياته السياسية بشكل أو بآخر. كما أن عملية اغتيال السفير الروسي مؤخرا جاءت لتدلل على الخروقات في أجهزة الامن التركي وتطرح العديد من التساؤلات حول الامن الشخصي لأردوغان. ومن هنا فإننا نرى أن انضمام تركيا الى روسيا وإيران هي محاولة من أردوغان لتقليل الخسائر التي سترتد عليه نتيجة تغير الأوضاع الميدانية في سوريا لصالح الجيش العربي السوري وحلفاؤه والسياسة الخرقاء التي اتبعها منذ بداية الاحداث في سوريا وعلى مدى ما يقرب من ستة سنوات. ومن كل هذا يمكننا استخلاص ان هامش المناورة لاردوغان أصبح ضيقا جدا وان انضمامه يأتي من موقع الضعيف وليس القوي. ومع هذا فانه يجب الاخذ بعين الاعتبار تأريخه المتقلب وعدم الثقة به والواضح بأن روسيا وإيران تدركان ذلك جيدا. وستبقى التصريحات التركية ذات السقف العالي وخاصة في قضية اسقاط النظام وتنحي الرئيس الدكتور بشار الأسد تسمع بين الحين والأخر ولكن كل هذه التصريحات ما هي الا للاستهلاك المحلي لان ذلك أصبح حل ابليس في الجنة لكل من يقرأ الوقائع على الأرض.