2024-04-26 11:28 م

أزمة هوية المسلمين في القرن الـ21

2015-09-04
بقلم: كاو عابدي
اجمل ذكريات طفولتي لوّنها جمال الاسلام الذي نشات وتربيت عليه.

احدي اوضح ذكريات طفولتي هي جلوسي بانتظام علي حافه سجاده صلاه والدي، المصنوعه من جلد الماعز الذي اصبح طريا بعد سنين من الاستخدام المتواصل في القري البدويه في وسط الصومال.

لازلت استطيع ان اشعر بملمس ورائحه الجلد، حتي بعد وفاه والدي منذ اكثر من 30 عاما. كان والدي واخوانه الثلاثه محفّظي قران في وسط الصومال، يسافرون من قريه لقريه يعلمون الاطفال - الذين كان معظمهم من الفتيان - حفظ القران الكريم. وغالبا ما كانوا يعودون وبرفقتهم الماعز التي دفع اهالي القريه بها اجره التحفيظ. بالاضافه الي التدريس، الذي كان من اكثر المهن احتراما وتقديرا في المجتمع، كان رجال الدين هؤلاء يؤدون مراسم الزواج ويهتمون بالمرضي ويجرون طقوس دفن الموتي.

الاسلام الذي شكل طفولتي شمل ايضا والدتي التي لا تقرا ولا تكتب العربيه، والتي حفظت بعض ايات القران الكريم، وكانت احتياجات عائلتها الماليه والعاطفيه تشغل حياتها اليوميه. كان عمل والدتي في سوق اللحوم في وسط الصومال يتطلب ساعات طويله للغايه، مما جعل تفريغ الوقت لاداء جميع الصلوات رفاهيه لا تقدر عليها العديد من زميلاتها في العمل. ولكن هذا النقص في الالتزام باداء جميع الفروض لم يكن بالامر المخزي، ولم يكن هناك ما يُفرق بين المسلمين علي اساس الالتزام الديني.

كانت الحياه في الصومال، حتي بلغت سن المراهقه في الثمانينيات، تتحدي هذه التفرقه، وتحافظ علي الهويه الاسلاميه كجزء لا يتجزا من الهويه الصوماليه بصرف النظر عن التقيد باي طقوس معينه.

 اشعر انني محظوظه لاستطاعتي التمسك بتلك الذكريات بعد اكثر من عقدين من الزمان، ولكنني حزينه لان اطفالي المولودين في امريكا سيترعرعون في عالم يختلط فيه الاسلام بالارهاب.

حتي الاونه الاخيره، كان يصدمني سماع كلمتي "اسلامي" و "الارهاب" مربوطتان معا بشكل وثيق. في وقت برز فيه التطرف في اعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر والتدخلات الامريكيه الكارثيه في العراق وافغانستان، كان هذا التطرف هو الذي يلقي بظلاله علي الاسلام الذي اعرفه من طفولتي.

انه كابوس يتفاقم، يعيشه العالم عامهً ويواجهه المسلمون علي وجه الخصوص، من تنظيم القاعده في افغانستان وباكستان، لحركه الشباب في الصومال، لبوكو حرام في نيجيريا، الي احدث مجموعه متطرفه الدولة الإسلامية في العراق وسوريا "داعش". هذه المجموعات هي التي تحدد الان كيف ينظر العالم الي المسلمين والاسلام.

المسلمون هم اول ضحايا غضب هذه الجماعات، وكلنا نشهد مخدرين الذبح اليومي لمدنيين ابرياء. خلال الاسابيع الثلاثه الماضيه فقط، شهدنا مجزره بوكو حرام التي قُتل فيها اكثر من 50 شخصا في نيجيريا، وقطع داعش راس خالد الاسعد، الباحث السوري البالغ من العمر 82 عاما، وتفجير حركه الشباب لفنادق في مقديشو، ما ادي الي اصابه عشرات الضحايا، بالاضافه الي تفجير الحافلات والمطار والمواقع العامه الاخري علي يد طالبان في افغانستان.

علي الرغم من ان الجماعات التي تنفذ هذه الاعمال الوحشيه تُمثل توجهات متطرفه للاسلام، فان احد التفاسير الحرفيه الاقل وحشيه ينتشر الان في جميع انحاء العالم. هذا الاتجاه يهدد ديناميه التفاسير السياقيه للاسلام التي استوعبت الاختلافات في الثقافه والتاريخ.

الاسلام كنص عضوي تكيف مع الاحتياجات الاجتماعيه والاقتصاديه والبيئيه لشعوب معينه – ملابس النساء من بدو الصومال تاقلمت لضروره العمل، وبناء الاكواخ وتحميل الماعز والاطفال وكبار السن علي الجمال علي سبيل المثال – ولكن يحل محله الان تفسير اسلامي توجيهي يفرضه الافراد، واحيانا جماعات حربيه.

القراءه غير المتشدده للاسلام، والتي ترعرعت عليها، هي الان في خطر. هذا الاسلام كان وسيله يستخدمها الناس لرسم هويه مشتركه وليس بالضروره للتعبير عن مدي التزامهم الديني. مكمن الخطر يظهر عبر ما يجري اليوم من تدمير الاضرحه الصوفيه والشيعيه بقصد محو قرون من وجهات النظر العالميه من النواحي الاجتماعيه والثقافيه والتاريخيه.