نيويورك/تكشف وثيقة سرية تعود إلى 12 أغسطس 2012 عن حقيقة علاقة الرئيس الأمريكى باراك أوباما وإدارته بجماعة «الإخوان» التى ظلت محل جدل منذ اندلاع ثورة 25 يناير 2011.. الوثيقة التى أشارت إليها فى حينها بعض المصادر الغربية ولم تحظَ باهتمام فى مصر، توضح أمرين مهمين؛ أولهما أن «أوباما» فى دعمه لجماعة «الإخوان» لم يكن يدعم خيار الشعب المصرى كما يزعم، بل كان ينفذ سياسة خارجية رسمها البيت الأبيض قبل اندلاع ثورات الربيع العربى بعدة أشهر، تقوم على تمكين الإسلاميين من السلطة بعد السقوط «المتوقع» لبعض الأنظمة العربية ومنها نظام «مبارك»، فى مقابل تأمين مصالح أمريكا فى الشرق الأوسط، ثانيهما أن ثورات الربيع العربى لم تفاجئ البيت الأبيض كما يشاع، ولكنها اندلعت بعد أن أعد الأمريكان لها العدة واستقروا على خياراتهم التى تضمنتها هذه الوثيقة التى تحولت لاحقاً إلى توجيه رئاسى سرى عن «الإصلاح السياسى فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا»، وتعرف اختصاراً بـ«PSD 11»كما يبين التقرير الآتى:
مراسل صحيفة نيويورك تايمز فى البيت الأبيض «مارك لاندر» كان أول من كشف عن هذه الوثيقة التى أعدها البيت الأبيض بتوجيهات من الرئيس الأمريكى باراك أوباما شخصياً، وذلك فى تقرير نشرته الصحيفة الأمريكية فى 16 فبراير 2011. الوثيقة التى تحولت إلى توجيه رئاسى لاحقاً تحدد سياسات الولايات المتحدة فى احتواء موجات وقلاقل متوقعة فى منطقة الشرق الأوسط، قبل اندلاع ثورات «الربيع العربى» بعدة أشهر. وبينما كانت وما تزال الوثيقة سرية لكن تسريبات متعددة المصادر كشفت عن فحواها، وهى بإيجاز: احتواء الغضب العربى بتمكين الإسلاميين وعلى رأسهم جماعة الإخوان الذين أقنع مستشارو البيت الأبيض «أوباما» بأنهم حليف يمكن الاعتماد عليه فى الحفاظ على المصالح الأمريكية.
وحسب مصادر لـ«لاندر» فى البيت الأبيض، فإن الرئيس «أوباما» أمر مستشاريه فى 12 أغسطس 2010 بإعداد تقرير سرى عن الاضطرابات فى العالم العربى. وانتهى التقرير -18 صفحة- إلى أنه دون إدخال تغييرات سياسية كاسحة، فإن بلدان كثيرة فى المنطقة مهيأة لثورات شعبية. وكتب السيد «أوباما» -بناء على هذا التقرير- توجيهاً رئاسياً حدد بؤر التوتر المحتملة فى المنطقة وأبرزها مصر، ومقترحات لإحداث تغييرات سياسية فى هذه البلدان التى تجمعها ملامح مشتركة، أهما أنها ترزح تحت سطوة حكام مستبدين لكنهم «حلفاء مخلصون» للولايات المتحدة. وحاول التقرير السرى التعامل مع هذه الإشكالية والمواءمة بين المصالح الاستراتيجية الأمريكية وتجنب الفوضى، وفى نفس الوقت الاستجابة لمطالب المحتجين الطامحين فى الديمقراطية.
وحسب مسئول كبير فى إدارة «أوباما» تحدث مع مراسل «نيويورك تايمز»، فإن دعم الرئيس الأمريكى لاحقاً للحشود الغاضبة فى ميدان التحرير كان يعكس قناعته بأن هناك خطراً أكبر لو انحاز لأصدقاء واشنطن ومنهم «مبارك»، وأن هؤلاء القادة العرب كانوا -لو واتتهم الفرصة- سيلجأون إلى أساليب وحشية لقمع المحتجين.
وقال مسئول آخر شارك فى إعداد التقرير السرى، لـ«لاندر» -ورفض الكشف عن هويته-: «لا شك أن مصر كانت تستحوذ (جداً) على عقل (أوباما) واهتمامه.. إذ كانت كل المعطيات الخاصة بخلافة (مبارك) مجهولة ومقلقة، ومصر هى حجر الأساس فى استقرار المنطقة». فى هذه الفترة كانت الولايات المتحدة تراقب الغليان فى القاهرة وتتابع محاولات الرئيس «مبارك» توريث الحكم لابنه «جمال»، وكان الأمريكان واثقين فى أن الانتخابات الرئاسية التى كانت مقررة فى نوفمبر 2011 ستكون صورية، وكانت الشرطة المصرية تلاحق المدونين المعارضين للنظام، وفى هذه الفترة الحرجة عاد محمد البرادعى، المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، إلى بلاده لقيادة حركة المعارضة الوليدة.
لم تكن نذر الثورة -التى رصدتها الأجهزة الأمريكية واستعدت لها منذ الأيام الأولى لولاية «أوباما»- تقتصر على مصر فقط، فقد كانت الأردن والبحرين واليمن وقتها مرشحة لانفجار وشيك، و«فى اليمن تحديداً كان (أوباما) قلقاً من أن إدارته بتركيزها الشديد على عمليات مكافحة الإرهاب ضد تنظيم القاعدة تتجاهل أزمة سياسية فى مهدها، فالشباب ثائرون ضد الرئيس على عبدالله صالح، وهو زعيم استبدادى من نفس عجينة (مبارك)، وهو ما قاله مسئول آخر فى البيت الأبيض موضحاً: «سواء كان اليمن أو دول أخرى فى المنطقة، كانت هناك مجموعة واضحة من الخصائص المخيفة المشتركة فى بعض دول المنطقة؛ التى تضم شريحة كبيرة من سكانها من الشباب، وتعانى من نظم تعليم رثة، واقتصاديات راكدة، مع انتشار تقنيات الشبكات الاجتماعية الجديدة مثل الفيس بوك وتويتر»، وهذه «تركيبة كارثية» على حد قول المسئول الأمريكى.
عقد البيت الأبيض اجتماعات أسبوعية، بداية من أغسطس 2010، مع خبراء من وزارة الخارجية ووكالة المخابرات المركزية وغيرها من الوكالات. وأشرف على هذه الاجتماعات كبير مستشارى الرئيس للشرق الأوسط دينيس روس، وسامانثا باور مساعدة الرئيس ومديرة مكتب حقوق الإنسان فى إدارته، التى رشحت مؤخرا لتكون سفيرة للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة خلفاً لسوزان رايس، ومستشار الرئيس للتنمية العالمية جايل سميث.
أحاطت هذه المجموعة التقرير بالسرية بسبب قلق الرئيس من تعرضه لضغوط من حلفائه العرب لو تسربت كلمة واحدة منه، وحسب «لاندر» فإن مصادره رفضت الكشف عن أسماء البلدان التى تناولها التقرير السرى باستثناء مصر، لكنهم أشاروا إلى أنهم أربع دول تراقبهم واشنطن عن كثب، واكتفى مسئول وقتها بوصفهم على النحو الآتى: «دولة تحاول التحرك نحو التغيير، وأخرى تقاوم أى تغيير، واثنتان تتمتعان بعلاقات استراتيجية عميقة مع الولايات المتحدة، ولكنهما يعانيان من توترات طائفية»، فى إشارة إلى الأردن ومصر والبحرين واليمن بنفس الترتيب.
فى هذه الاجتماعات قال أحد المسئولين: «التركيز على المصالح الاستراتيجية كان كبيراً جداً، إلى حد استحال معه مناقشة مطالب الإصلاح فى هذه الدول»، وتابع هذا المسئول: «ناقشنا تفاصيل كثيرة.. منها هل سيتضرر الجيش المصرى من مطالب الإصلاح؟ وهل الجيش له مصلحة فى الإصلاح؟»، وأشار هذا المسئول إلى أن «أوباما» ضغط على مستشاريه لدراسة الانتفاضات الشعبية فى أمريكا اللاتينية وأوروبا الشرقية وجنوب شرق آسيا لتحديد أى منها نجح وأى منها فشل، وكان منجذباً إلى إندونيسيا على وجه خاص، لأنه أمضى عدة سنوات فيها عندما كان طفلاً، وتابع إطاحة شعبها بزعيمها سوهارتو فى عام 1998. التقرير الذى كان هدفه الرئيسى توجيه ردود أفعال الإدارة على الأحداث فى العالم العربى لم يقدم رسمياً حتى 16 فبراير 2011، وبالنظر إلى وتيرة الأحداث فى المنطقة -كما قال مسئول- فإن التقرير ما زال قيد العمل والبحث.
ومع اندلاع ثورات الربيع العربى فى تونس ومصر التى لم تكن مفاجأة لواشنطن كما يروج البعض.. أكدت مواقف البيت الأبيض مضمون ما جاء فى التقرير السرى المعروف بـ(PSD 11). الذى يحاول البحث عن التوجيهات الرئاسية لـ«أوباما» سيجد إشارة لهذا التوجيه لكنه -على خلاف باقى التوجيهات- محجوب بلا أى تفاصيل سوى العنوان «الإصلاح السياسى فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا». كبير مراسلى «واشنطن بوست» فى البيت الأبيض سكوت ويلسون أشار إلى مضمون التقرير -دون الإشارة إلى اسمه- بعد اندلاع ثورات الربيع العربى، فتحت عنوان «إدارة (أوباما) تعد لفرص صعود أنظمة جديدة بعد ثورات الربيع العربى». كتب «ويلسون» فى 4 مارس 2011 أن «إدارة (أوباما) تهيئ نفسها لاحتمال سيطرة حكومات إسلامية على مقاليد السلطة فى دول شمال أفريقيا والشرق الأوسط.. والمسئولون فى البيت الأبيض يناقشون احتمال تتابع الثورات فى المنطقة على طريقة (الدومينو) بعد الإطاحة بالرئيس التونسى زين العابدين، على الرغم من أن أجهزة الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية قدرت أن المخاطر التى يتعرض لها الرئيس مبارك كانت منخفضة، وقدرها بعض المسئولين بأقل من 20%..». ووفقاً لكبار المسئولين الذين شاركوا فى هذه المناقشات، كان لـ«أوباما» وجهة نظر مختلفة، عبر عنها فى وقت مبكر، وفحواها -طبقا لمسئول كبير-: «ما يحدث موجة يمكن أن تنتشر وتطال كل الحكومات الاستبدادية الأخرى فى المنطقة، بما فى ذلك إيران». بحلول نهاية الانتفاضة المصرية التى استمرت 18 يوماً، كان هناك 38 اجتماعاً عن مصر، رأسها «أوباما» الذى رأى فى ثورات الربيع العربى «فرصة لخلق بديل لمنطق تنظيم القاعدة، الذى يقوم على منع التدخل الغربى ورفضه».
وشرح أحد مستشارى «أوباما» لمراسل «واشنطن بوست» أن الفكرة التى كانت مسيطرة على كل مستشارى «أوباما» أن «التيارات الإسلامية مجموعة متنوعة من الأيديولوجيات والطموحات تمتد من الوحشية البدائية لحركة طالبان فى أفغانستان إلى حزب العدالة والتنمية التركى الذى يحكم نظاماً سياسياً علمانياً فى أنقرة»، وأن «أوباما» منذ أيامه الأولى فى منصبه وهو يسعى لفكرة التصالح و«بداية جديدة» مع الإسلام، وأن العقيدة الإسلامية لا تتعارض مع الديمقراطية ولا تتعارض. وفى خطابه الشهير فى يونيو 2009 بجامعة القاهرة أوضح هذا حينما قال إن «الولايات المتحدة سوف ترحب بجميع الحكومات السلمية المنتخبة، شريطة أن تحكم باحترام جميع طوائف شعوبها»، فى إشارة فهمها المراقبون على أنها رفع للحظر -غير المكتوب- عن التيارات الإسلامية إذا التزمت بقواعد اللعبة.
وقواعد اللعبة كما أوضحها محلل شئون الشرق الأوسط فى مؤسسة «راند»، جيفرى مارتينى، فى تصريحات خاصة لـ«الوطن»، أن يُؤمن الإخوان مصالح الولايات المتحدة الاستراتيجية فى المنطقة، وعلى رأس هذه المصالح استقرار المنطقة، والحفاظ على حق الأمريكان فى المرور العسكرى عبر الأراضى المصرية (سواء جواً أم عبر قناة السويس)، وحماية مصالحها وحلفائها الغربيين فى مصادر الطاقة بالمنطقة. وقد رأت واشنطن فى «الإخوان» حليفاً محتملا يمكنه تأمين هذه المصالح، فى مقابل مساعدات (نحو 1.5 مليار دولار سنوياً)، ودعم «الإخوان» بنفوذها بين المنظمات الدولية، مثل صندوق النقد الدولى ودول مجلس التعاون الخليجى، التى تحتاج القاهرة إلى دعمها للتعافى اقتصادياً.
وقال مسئول آخر لمراسل «واشنطن بوست» إن «البيت الأبيض يدرس الآن (مارس 2011) الحركات الإسلامية المختلفة، وتحديد الاختلافات الأيديولوجية بينها لمعرفة كيف يمكن أن يحكموا على المديين القصير والطويل»، وأشار إلى أن البيت الأبيض أجرى تقييماً داخلياً فى فى 16 فبراير 2011 ركّز فيه على الفروق بين جماعة الإخوان وتنظيم القاعدة من حيث موقف كل منهما من الجهاد العالمى، والصراع الإسرائيلى الفلسطينى، والولايات المتحدة، والديمقراطية والقومية، وعلاقة الإسلام بالسياسة من بين قضايا أخرى. وانتهى التقرير إلى أن «الفرق كبير بين الإخوان والقاعدة، فخليط الإسلام والقومية عند «الجماعة» يجعلها تنظيماً مختلفاً بكثير عن تنظيم القاعدة، التى ترى الحدود الوطنية عقبات أمام استعادة الخلافة الإسلامية». وانتهت الدراسة إلى أن «الإخوان ينتقدون الولايات المتحدة لما يعتقدون أنه نفاق مثل الدعوة للديمقراطية ومساندة حاكم مثل مبارك». وصرح مسئول كبير ممن شاركوا أوباما فى وضع سياسته فى الشرق الأوسط: «علينا ألا نخاف من الإسلام السياسى فى هذه الدول.. فالمحك هو سياسات وتصرفات هذه الأحزاب والتى سنحكم بها عليها، وليس علاقتها مع الإسلام». ورداً هل تجربة حماس السيئة، بعد فوزها فى الانتخابات التشريعية فى 2006 والتى جعلت «بوش» يتراجع عن نشر الديمقراطية فى المنطقة، قال مسئول إدارة أوباما إن «أمريكا لا تقاطع حماس لأنها حركة إسلامية ولكن فقط لرفضها شروطاً محددة مثل الاعتراف بإسرائيل». ونقلت الصحيفة عن مسئول كبير آخر شارك فى تقرير أوباما السرى قوله: «إذا عجزنا عن رؤية فروق بين القاعدة والإخوان فلن نكون قادرين على التأقلم مع الواقع الجديد.. وعلينا ألا نجعل الخوف والهواجس دافعنا الرئيسى فى التعامل مع الإخوان».
موقف «أوباما» من جماعة الإخوان وغيرها من جماعات الإسلام السياسى لم يكن محل ترحيب خارج الدائرة المقربة من مستشاريه. فالبعض -كما كشف تقرير واشنطن بوست- داخل دوائر الاستخبارات الأمريكية، والدوائر الدبلوماسية الأجنبية والحزب الجمهورى عبّروا عن قناعتهم أن استعداد الرئيس الأمريكى للتعامل مع الحركات الإسلامية، حتى تلك التى تستوفى شروطاً معينة، أملاً فى أن السلطة ستغير مواقفهم المتشددة، يغفل أن بعض هذه القوى صعد بالفعل للسلطة فى انتخابات ديمقراطية مثل حزب الله فى لبنان وحماس فى الأراضى الفلسطينية ولكنهما «ظلا معاديين للولايات المتحدة ورافضين للاعتراف بحق إسرائيل فى الوجود، ولم ينبذا العنف كأداة سياسية»، وأشاروا إلى أن نجاح تجربة تركيا يعود إلى وجود جيش ومؤسسة قضائية علمانيين قويين يكبحان أى جموح أو شطط محتمل لحزب «العدالة والتنمية»، وهو الأمر الذى لا يتوافر فى دول مثل مصر وتونس.
ويشرح مدير مركز الدراسات الدولية «جلوريا» الإسرائيلى «بارى روبين» ما يقصده أوباما قائلاً: إذا كانت القاعدة تدعى أننا نتدخل لفرض مستبدين موالين للغرب فى السلطة لأنهم فقط يخدمون مصالحنا.. فدعونا الآن نظهر لهم أننا يمكننا أن نضع مستبدين إسلاميين فى السلطة (ويحمون مصالحنا أيضاً)، وتابع «روبين» فى مقال بعنوان «وثيقة أوباما السرية التى أسست لسياساته فى الشرق الأوسط» بتاريخ 13 مارس 2013، أن وزارة الخارجية فى عهد هيلارى كلينتون لم تتحمس لسياسة أوباما فى عام 2011، وعبّرت عن رغبتها فى دعم «عملائها» التقليديين فى الحكومات العربية المهددة، واتخذت وزارة الدفاع موقفاً مماثلاً رغبة منها فى إنقاذ العسكريين الذين تعاونوا معهم لسنوات، بمن فيهم الجنرالات الأتراك الذين كان جرى تفكيك نفوذهم من قبَل النظام الإسلامى فى أنقرة. وفى حين رضخت وزارة الخارجية لأوباما فى مصر فإنها رفضت مواصلة هذه السياسة فى البحرين. نعم، هناك نظام غير عادل جداً، وهناك أقلية سنية صغيرة تهيمن على الأغلبية الشيعية الكبيرة. ونعم، أيضاً، بعض من المعارضة الشيعية معتدل، ولكن كان التقييم أن أى ثورة فى البحرين ستأتى بحكومة تابعة لإيران.
ويبدد مستشار الرئيس جورج بوش للشئون العربية الإسرائيلية «روبرت مالى» علامات التعجب على الصفقة التى عقدها أوباما مع التيارات الإسلامية وتحديداً الإخوان بأن «الإسلاميين جاهزون بصفقة يرونها مرضية للغرب: المساعدات الاقتصادية والدعم السياسى من الغرب وفى مقابل ذلك فإنهم لن يهددوا ما يعتقدون أنها مصالح غربية أساسية أى الاستقرار الإقليمى، والحفاظ على السلام مع إسرائيل، ومكافحة الإرهاب، وتدفق الطاقة، وعدم شن أى حروب تجارية، والمواجهة مع الدولة اليهودية يمكن أن تنتظر، ففى مخططات الإسلاميين، لا وجود لدولة يهودية لكن مشكلة إسرائيل ستظل دائماً آخر قرار يتخذه الإسلاميون، وقد لا يتخذه أحد أبداً». ويتابع «مالى»، فى دراسة قيّمة أجراها حسين أغا، الأستاذ بجامعة أوكسفورد، بعنوان «ليست ثورة»: «حتى السعى لإقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة لم يكن أبداً فى قلب المشروع الإسلامى، فالقضية الفلسطينية كانت حكراً على الحركة الوطنية الفلسطينية، واعتباراً من أواخر الثمانينات، أصبح هدف «منظمة التحرير» المعلن دولة ذات سيادة فى الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية. أما خطط الإسلاميين فكانت أكثر طموحاً. بالنسبة لهم، دولة ضئيلة ومبتورة تطوقها إسرائيل من كل جانب لا تستحق القتال من أجلها. لكنهم مستعدون لقبول كثير من الترتيبات المؤقتة.. اتفاق مؤقت؛ هدنة طويلة الأمد،؛ كونفيدرالية تجمع الضفة الغربية مع الأردن، أو ضم قطاع غزة لمصر. كل هذا مقبول لأنه يسمح لحماس بالتركيز على أجندتها الثقافية والاجتماعية والدينية وشئون الدعوة الحقيقية، ويتيح للحركة الحفاظ على صراعها مع إسرائيل مفتوحاً حتى يحين الوقت المناسب. واقع الأمر أن حماس -مثل كل التيارات الإسلامية الأخرى- تفكر فى مشروع أعظم، فحواه أن الدولة اليهودية غير شرعية وجميع أرض فلسطين التاريخية هى بطبيعتها إسلامية، إذا كان ميزان القوى الحالى ليس فى صالحك، فانتظر واصبر وناور حتى تأتى اللحظة المناسبة».
وتوضح الدراسة التى نُشرت بمجلة «نيويورك ريفيو أوف بوكس»: «فى زمن الإسلاميين، قد تجد إسرائيل تعنت حماس المزعوم أكثر ليونة من الاعتدال المزعوم لحركة فتح. وتخشى إسرائيل من الصحوة الإسلامية، لكن المتضرر الحقيقى هو الحركة الوطنية الفلسطينية ومشروع الاستقلال الذى لن يجد طاقة تكفى من الأطراف المتنازعة للخروج للوجود. ومشروع الاستقلال على كل حال مرتبط بقادة «فتح»، وفتح ومنظمة التحرير الفلسطينية لا مكان لهما فى العالم الجديد. الحل القائم على دولتين لم يعد أولوية لأى طرف وقد يموت هذا الخيار ليس بسبب العنف، والمستوطنات، أو ضغوط أمريكا، بل بسبب انصراف أصحاب الشأن»
وفى تصريحات خاصة لـ«الوطن» يقول الخبير الأمريكى البارز فى الشأن المصرى ناثان براون إن «العلاقة بين واشنطن والإخوان مرت بعد الثورة بمرحلتين، المرحلة الأولى من صيف 2011 وحتى نهاية 2012. فى هذه الفترة طوّر الأمريكان والتنظيم علاقة عمل إيجابية وتفاهماً مشتركاً جيداً، من خلال قنوات اتصال مفتوحة، واستقرا على أن واشنطن تقبل بوجودهم فى السلطة، وفى المقابل تعهد الإخوان بأن يتصرّفوا بشكل «مسئول» وعاقل فى سياساتهم الخارجية من وجهة نظر الأمريكان، لكن فى الأشهر الأخيرة اتسمت العلاقة بالتوتر، بعدما أدركت واشنطن أن التنظيم متعثر فى إدارة مصر وأن «مرسى» ليس رئيساً فعالاً، وبدأت واشنطن تشعر بالإحباط؛ لأن المصريين يعتبرونها حليفاً وثيقاً للإخوان، بينما هى لا تعتبر نفسها كذلك، لكنها فقط بلد يقبل برئاسة مرسى».
لكن الإحباط من تعثر «مرسى» واتهامات المصريين لم يكن كافياً لتغيير أوباما سياسته الخارجية فى الشرق الأوسط بخصوص «وجود الإسلاميين فى السلطة»، فظل متمسكاً بالإخوان وليس مرسى حتى قبيل الإطاحة بمرسى فى 3 يوليو الحالى. وفى فى 24 يونيو الماضى كشف تقرير لموقع «ديبكا» التابع لجهاز الموساد الإسرائيلى أن أوباما متمسك بوجود الإخوان فى السلطة بصورة أو أخرى، وقال التقرير: «طبقاً لمصادرنا الاستخباراتية فإن واشنطن قد نفضت يدها من الرئيس مرسى، لكنها ما زالت حريصة على علاقاتها بجماعة الإخوان»، وظهر ذلك جلياً فى ترشيح إدارة «أوباما» للسفيرة الأمريكية الحالية بالقاهرة «آن وودز باترسون» لمنصب مساعد وزير الخارجية لشئون الشرق الأوسط، وهو اختيار له دلالته، لأن «باترسون» كانت دائماً تتمتع بعلاقة جيدة مع جماعة الإخوان، التى يعتبرها «أوباما» قوة أساسية فى مصر لا يمكن تجاهلها.