2024-11-25 07:44 م

عندما التقى شقا السنديانة الثقافية الفلسطينية ..!

2013-06-13
كتب شاكر فريد حسن 
عقب نكسة حزيران 1967 ، التي شكلت صدمة للمبدعين والمثقفين الفلسطينيين ، واكتشاف الشخصية الوطنية الفلسطينية من خلال الأدب الثوري النضالي المقاوم والملتزم ، أدب الشعب والجماهير المسحوقة الكادحة ، الأدب الوطني الطبقي المتدفق من ربى واعماق الجليل والمثلث ، وبعد ان فتحت المعابر والحدود تسنى لهؤلاء الكتاب والمبدعين والمثقفين الفلسطينيين الالتقاء بأخوتهم أدباء وشعراء وكتاب ومثقفي الداخل الفلسطيني، الذين صمدوا ورفضوا التهجير والترحيل والنكبة وبقيوا في وطنهم وتمسكوا بجذورهم التاريخية الضاربة عميقاً في الأرض ، وحافظوا على لغتهم وهويتهم القومية والوطنية ، وكانت لقاءات حارة ودافئة وحميمية بعد سنين طويلة من البعاد والغربة والتشرد والشتات . 
وكانت شاعرتنا الفلسطينية الكبيرة الراحلة فدوى طوقان أول من التقت شعراء وأدباء الوطن والتراب والمقاومة الفلسطينية (اميل حبيبي واميل توما وراشد حسين ومحمود درويش وسميح القاسم وسالم جبران وعصام العباسي وحنا ابراهيم ونايف سليم وصليبا خميس ) وسواهم . وكانت ثمرة هذا اللقاء قصيدتها الرائعة "لن أبكي " التي تقول فيها : 
على أبواب يافا يا احبائي 
وفي فوضى حطام الدور بين الروم والشوك 
وقفت وقلت للعينيين 
قفا نبك 
على اطلال من رحلوا وفاتوها
تنادي من بناها الدار 
وكان القلب منسحقاً 
وقال القلب 
ما فعلت
بك الأيام يا دار 
وأين القاطنون هنا 
وهل جاءت بعد النأي جاءتك اخبار 
احبائي
حصان الشعب جاوز كبوة الامس
وهب الشهم منتفضاً وراء النهر 
وشكل هذا اللقاء الثقافي الانساني الفلسطيني الحميمي فاتحة للتلاقي والتواصل الثقافي وتبادل الافكار والاراء والتجارب بين شقي السنديانة الثقافية الفلسطينية ، وراح القائمون على تحرير الصحف والمجلات والدوريات الثقافية والفكرية التابعة للحزب الشيوعي بنشر نتاجات وابداعات الأقلام الادبية الفلسطينية في المناطق المحتلة ، واحتضان الحركة الثقافية الوطنية في بدايات تبرعمها ونموها ، والمساهمة في خلق وتشكيل وعي ثقافي متنور وتشكيل جركة أدبية تقدمية نشطة واعية ، بالرغم من ان هذه الصحف والمجلات لم تكن تصل الى المناطق المحتلة بسبب حظر توزيعها من قبل المؤسسة الاحتلالية .
وفي حيفا تعرف أدباء ومبدعو المناطق المحتلة على شعرائنا وكتابنا ومناضلينا( توفيق زياد وسميح القاسم ومحمود درويش واميل حبيبي واميل توما وتوفيق طوبي  وصليبا خميس وحنا نقارة وجورج طوبي ومحمد نفاع ومحمد علي طه ونبيه القاسم ونمر ورقس واحمد سعد وسلمان ناطور وانطوان شلحت ويعقوب حجازي) وقائمة طويلة اخرى . وبالطبع فان التعارف تم ليس دفعة واحدة وانما على مراحل ودفعات .
والى جانب حيفا كانت القدس ورام اللـه ، التي ضمت هؤلاء المبدعين والمثقفين وكانتا ملتقاهم الادبي والثقافي ، وفيهما تعرف أدباء الداخل على اعلام الحركة الادبية تحت الاحتلال ،امثال اسعد الأسعد وعلي الخليلي وخليل توما وجمال بنورة ومحمد ابو خالد البطراوي وصبحي الشحروري وابراهيم العلم واحمد حرب وبشير البرغوثي ومروان العسلي واكرم هنية وسحر خليفة وعبد اللطيف عقل وريموندا الطويل وسميرة الخطيب وليلى علوش وللي كرنيك وجاك خزمو واحمد حرب وعبد الناصر صالح ومحمد الريشة وعادل الاسطة وعبد اللطيف البرغوثي وزكي العيلة وعبد اللـه تايه وغريب عسقلاني ومحمد أيوب واحمد رفيق عوض ويوسف حامد وسواهم الكثير .
يقول الكاتب والناقد نبيه القاسم في مقالة له بعنوان "انها رام اللـه " : " رام اللـه كانت النافذة التي منها تعرفت على مأساة شعبنا العربي من الماء الى الماء . ورام اللـه كانت النافذة التي رأيت من خلالها المستقبل والنصر وتحقيق الامل الذي راودنا عشرات السنين . ورام اللـه كالقدس ، ككل مدننا وقرانا.. كفلسطين المعشوقة الأبدية مهما احزنتنا وابكتنا وعذبتنا تظل التي نحب. وتظل التي تمسح الدمع وتمحو الحزن وتسكت العذاب وتشد بنا لننطلق من بداية الطريق لنصل القمة حاملين صخرة على صدورنا مهللين ان النصر الاكيد لنا. رام اللـه المعشوقة التي قابلناها بقلب كسير في احد ايام حزيران الاخيرة من بعد نكسة عام 1967 خذيني اليك فانا العاشق لك وانت التي اعدت لي الحياة والامل والثقة بالمستقبل ".
ولكن الاحتلال الذي لم يفهم معنى واهمية هذه اللقاءات الجميلة بعد التمزق والغياب الطويل ، فبدأ بقمع الارادة الوطنية الصلبة ، ومنع صحف ومجلات الحزب الشيوعي (الاتحاد ، الجديد، الغد، الدرب) من التوزيع في الوطن المحتل ، وكذلك منع أدباء الداخل من زيارة قرى ومدن ومحافظات الضفة الغربية وقطاع غزة وفرض الاقامات الجبرية عليهم ، وفعل الأمر نفسه مع كتاب وأدباء وشعراء ومثقفي الضفة والقطاع ، وكل ذلك  بهدف منع التواصل الثقافي وضرب الكلمة الثورية المقاتلة وخنق الصوت الادبي المقاوم الملتزم وتزييف الوعي الوطني وتكميم الأفواه .
ورغم هذه الممارسات والاجراءات الاحتلالية القمعية فقد تواصلت وتعمقت وتوثقت عرى الصداقات واللقاءات بين شقي السنديانة الثقافية الفلسطينية بصورة علنية وسرية ، فالتقوا في القدس ورام اللـه وغزة ونابلس وطولكرم وبيت لحم وجنين وفوق تراب الجليل والمثلث ، في حيفا والناصرة وعكا والطيبة ويافا والرامة وام الفحم وكابول وسخنين والمغار وغيرها من اماكن ومواقع فلسطينية ، وشاركوا في الندوات الادبية والامسيات الوطنية في الجامعات الفلسطينية وفي اعراس الكدح والعمل التطوعي في الناصرة ، وفي المهرجانات الوطنية للأدب الفسطيني في الناصرة بمناسبة مرور عشرين عاماً على اقامة منظمة التحرير وفي القدس . هذه المهرجانات التي شكلت خيطاً من الراية الشامخة الباقية وشرارة في الشعلة الفلسطينية المتوهجة في النفق المعتم نحو درب وأفق الحرية والانعتاق والاستقلال .