2024-11-14 06:18 م

كلمة الرئيس عباس في مؤتمر بيت المقدس الاسلامي الدولي

2013-06-05
رام الله/ 'القدس تستغيث، فهل من مجيب'.. بهذه الكلمات خاطب الرئيس محمود عباس المشاركين في مؤتمر بيت المقدس الإسلامي الدولي الرابع في مدينة رام الله بالضفة الغربية، تعبيرا عن الوضع الصعب الذي تعيشه المدينة المقدسة في ظل الاحتلال الإسرائيلي.

وأكد الرئيس في كلمته في افتتاح المؤتمر، أن لا سلام دون القدس، ولا دولة دون القدس، ولا أمن ولا استقرار دون القدس، فهي مقياس السلام ومفتاحه، ولن نقبل بغيرها عاصمة لدولة فلسطين.

واعتبر أن مسؤولية حماية القدس واستعادتها وتطهير مقدساتها لا تقع على كاهل الفلسطينيين وحدهم، بل تشمل الأمة العربية والإسلامية كافة، والواجب يفرض عليهم مؤازرة أهلها الصابرين في مدينة القدس، مادياً ومعنوياً.

وعبّر الرئيس عن الألم من محاولة البعض تحريم زيارة العرب والمسلمين للقدس بحجج واهية تفتقد إلى الدليل الشرعي، والوعي السياسي، وتغفل المعطيات والتغيرات التي تحدث بشكل يومي في مدينتنا المقدسة، ولا تخدم إلا سياسات الاحتلال الذي لا يروق له أن يرى عربيا أو مسلما أو مسيحيا في مدينة القدس.

وأضاف: لا معنى لسلام لا يحقق العدل والأمن والاستقرار، ولا معنى لسلام يقوم على الظلم والاحتلال واغتصاب الحقوق. إن السلام الحقيقي لا يكون من طرف واحد، فهذا استسلام لا نرضاه ولا نريده.

 

وفيما يلي كلمة الرئيس:

بسم الله الرحمن الرحيم

'سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير' صدق الله العظيم

فخامة الرئيس محمد وحيد

رئيس جمهورية المالديف الإسلامية

 أرحب بك مرة أخرى في بلدك، في وطنك في قبلتك الثالثة في فلسطين

الأخوة والأخوات الكرام ضيوف فلسطين

أعضاء المؤتمر الإسلامي الرابع

 في عام 1931 دعا مفتي فلسطين الأكبر الدول الإسلامية ورجالات الدول ليهبوا لنصرة القدس، لأنه استشعر الخوف على مصير القدس فلبوا النداء وكان في ذلك الوقت الانتداب البريطاني، لكنهم لم يتذرعوا بأنهم لا يستطيعون زيارة القدس تحت الاحتلال.

أنتم اليوم جئتم ملبين نداء الأقصى والكنيسة، الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، الأقصى الذي حث الرسول صلى الله عليه وسلم الجميع لزيارته ومن لم يستطع فليأت إليه بزيت، ولكن الزيت لم يأت بعد، وقال تشد الرحال إلى ثلاث، المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا.

أرجو ألا يمنعنا مانع، الاحتلال زائل لا محالة، لا تلتفتوا إليه ولا تستمعوا إلى من يعتبره ذريعة حتى لا يقوم بالواجب، ولا أريد أن أخوض بهذا الموضوع فقد خاض الدكتور (محمود) الهباش كثيرا، وألمح وتحدث كثيرا، وأشار بأصابع الاتهام كثيرا للذين يقدمون الفتاوى وهي غير صحيحة على الإطلاق.

السيدات والسادة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

أحييكم جميعا أطيب تحية، وأرحب بكم أجمل ترحيب، وأنتم تحلون اليوم ضيوفا كراما على مؤتمر بيت المقدس الإسلامي الدولي الرابع، الذي تنظمه وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في دولة فلسطين، وأهنئكم بحلول ذكرى الإسراء والمعراج. الإسراء والمعراج عندما جاء الرسول أسري به من مكة إلى القدس ثم عرج به إلى السماء، لم يستأذن من الرومان، كان الرومان موجودين.

 هذه الذكرى الخالدة التي تتفيأون ظلالها العطرة معنا هاهنا في فلسطين المباركة، في أرض الإسراء والمعراج، أرض الأنبياء، في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، في مهد سيدنا المسيح عليه السلام، في الأرض المقدسة التي بارك الله فيها للعالمين.

وإنه لمن دواعي الفخر أيها الأخوة والأخوات، أن تنظم مثل هذه المؤتمرات الإسلامية الدولية على أرض دولة فلسطين، لتكون رسالة تواصل وتعاون وتكامل حضاري وإنساني، مع جميع أشقائنا وأصدقائنا في هذا العالم الفسيح، ولكي نثبت للإنسانية كلها أننا مصممون وقادرون، رغم الاحتلال البغيض، أن نحيا على أرضنا كما نريد، وأن نبني حضارة شعبنا الفلسطيني المرابط، التي هي جزء أصيل من الحضارة العربية والإسلامية العظيمة، كما أنها جزء أصيل كذلك من الحضارة العربية الإنسانية العظيمة كما جزء من الحضارة الإنسانية.

فبعد أكثر من خمسة وستين عاماً على نكبة فلسطين، وستة وأربعين عاما بالتمام والكمال على الاحتلال الإسرائيلي الذي بدأ عام 1967، ووقوع القدس تحت نير هذا الاحتلال الغاصب، ها هو الشعب الفلسطيني ينهض من بين ركام النكبة وأنقاض الهزيمة، ليعيد رسم خارطة السياسة والتاريخ، وليسقط وهم قادة الاحتلال، الذين قالوا: 'إن الكبار يموتون والصغار ينسون'، ويثبت للقاصي والداني أن أرضه لم تكن يوماً -ولن تكون- 'أرضا بلا شعب لشعب بلا أرض'. هذه المقولة الكاذبة التي لا أساس لها من الصحة التي قيلت على لسان زعماء الصهاينة، ليثبتوا للعالم أنهم جاؤوا إلى أرض خالية لا يوجد فيها سكان، هذه أكذوبة لا يمكن أن تنطلي على أحد. فيطلق شرارة النضال العادل من أجل الحرية والاستقلال، ويواصل الكفاح تحت راية منظمة التحرير الفلسطينية، ممثله الشرعي والوحيد، وبكل السبل والوسائل المشروعة، حتى تحقيق غاياته الوطنية في التحرر والاستقلال وتقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس، وإيجاد حل عادل لقضية اللاجئين على أساس قرار الأمم المتحدة رقم 194، والمبادرة العربية للسلام، لن تموت القدس ولن تهوّد القدس، ستبقى لنا.

وبعد كل هذه الأعوام الطوال من الكفاح والرباط والصبر والمثابرة والأمل بالانتصار، ها نحن نجني أول الثمار، وها هو العالم بأسره يقف احتراماً وتقديرا وإكبارا لحقوق شعبنا، لنحصل على بعض حقنا الوطني المشروع، عبر اعتراف الأمم المتحدة بدولة فلسطين دولة مراقب في الأمم المتحدة، بأغلبية 138 دولة، وكذلك اعتراف منظمة اليونسكو بدولة فلسطين عضواً كامل العضوية في المنظمة.

وهنا نحيي المالديف التي صوتت لصالحنا وكذلك نحيي كل ممثلي الدول الشقيقة الذين يحضرون الآن وصوتوا مع فلسطين، وهذا أمر طبيعي.

وهذه خطوة سوف تتبعها خطوات أخرى بإذن الله، تمهيدا لحصولنا على حقنا المشروع في العضوية الكاملة، منعونا في المرة الماضية لن يستطيعوا أن يمنعونا في المرة القادمة، في جميع المنظمات الدولية المتخصصة. هناك 63 منظمة ومعاهدة واتفاقية، من حقنا أن ننضم إليها، وإن شاء الله سننضم، وتجسيد قيام دولة فلسطين الحرة المستقلة كاملة السيادة، فوق كامل أرضها المحتلة وعاصمتها القدس، ووضع حد نهائي لذلك الظلم التاريخي الذي تعرض له شعبنا ووطننا، ونحن على يقين بأن ذلك سيكون بإذن الله، فالظلم زائل والاحتلال زائل، وظلام السجن زائل يا أسرانا الأحبة وخيمة اللجوء زائلة، وسيأتي ذلك اليوم الذي ترتفع فيه أعلام دولتنا المستقلة على مآذن القدس وكنائس القدس، إن شاء الله.

أيها السيدات والسادة

لقد آمنا بالسلام، وقدمنا من أجله الكثير الكثير، فالسلام اسم من أسماء الله الحسنى، وديننا دين سلام ومحبة، ولكن السلام الحقيقي لا يكون من طرف واحد، فهذا استسلام لا نرضاه ولا نريده، كما أن السلام لا يمكن أن يتحقق إلا بإرادة وتعاون الأطراف كافة، وبدعم ومساندة ورعاية المجتمع الدولي كله، باعتبار هذا السلام مصلحة عالمية إنسانية عامة.

الكل يدرك أو بدأ يدرك الآن أن القضية الفلسطينية ليست قضية فلسطينيين وإسرائيليين، ويعرفون تماما أن منبع السلام هو من هنا ومنبع الحرب من هنا، ولذلك عليهم أن يفهموا تماما أنه بدون سلام هنا في أرض السلام لا يمكن أي يحل السلام في أي مكان بالعالم، وهذا ما ترونه وما يرونه في كل مكان.

إن السلام الذي نريده هو ذلك السلام القائم على العدل.. السلام الذي يحمي حقوق الشعوب والأمم.. السلام الذي يحقق الأمن والاستقرار للناس كافة، إذ لا معنى لسلام لا يحقق العدل والأمن والاستقرار، ولا معنى لسلام يقوم على الظلم والاحتلال واغتصاب الحقوق، ولا معنى لسلام يقوم على الاستيطان والاستعمار وجدران الفصل العنصري بين البشر، ولا معنى لسلام يقوم على الحواجز، وهدم بيوت الآمنين، وتدنيس المقدسات، ومنع حرية العبادة، واعتقال دعاة الحرية ومناضلي الاستقلال.

الأخوة والأخوات

في مثل هذا اليوم منذ ستة وأربعين عاماً، وقعت القدس تحت الاحتلال الإسرائيلي، وبدأت إسرائيل بتنفيذ خطة متدحرجة لتغيير الطابع الجغرافي والديموغرافي للمدينة المقدسة، عبر هدم بيوت المقدسيين، وطردهم المبرمج من مسقط رأسهم، ومنعهم من بناء المساكن أو تطوير المصالح الاقتصادية، بالتوازي مع سُعار استيطاني محموم، وتزييف للحقائق والأسماء والتضاريس.

يغيرون الأسماء، يظنون أن اليافطات التي يضعونها لتغيير اسم القدس أو أريحا أو نابلس تغيّر التاريخ، لا أحد يستطيع تغيير التاريخ.

كل هذا بهدف عزل المدينة عن محيطها الفلسطيني، والعمل على إفراغها من أهلها، أو تقليل نسبتهم إلى الحد الأدنى، لكي تصبح الأغلبية في المدينة أغلبية إسرائيلية، في تحد سافر للقانون الدولي، وتنكر للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وهي سياسة إسرائيلية تعكس منهجا لا يؤمن بالسلام، بل بالاستيطان والاحتلال والتوسع.

السلام والاستيطان لن يجتمعا، إن كانوا يفكرون في الاستيطان فلن يكون هناك سلام، هذه الأرض أرضنا، ويجب أن يقتلعوا مستوطناتهم حتى يكون هناك سلام.

لكن كل هذه السنين العجاف من الاحتلال والاستيطان والظلم ومؤامرات التهويد المحمومة وخذلان بعض ذوي القربى، لم تقلل من تمسك الفلسطينيين بعاصمتهم الأبدية، ولم توهن من عزيمتهم النضالية، ولا من صمودهم البطولي في وجه سرطان الاحتلال والاستيطان، تطبيقا لبشارة النبي صلى الله عليه وسلم للمرابطين في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، بأنهم على الحق حتى يأتي أمر الله وهم كذلك.

فلا سلام بدون القدس، ولا دولة بدون القدس، ولا أمن ولا استقرار بدون القدس، فهي أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين الشريفين، وهي مسرى الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، ومهد سيدنا المسيح عليه السلام، وفيها يمتزج الدين والتاريخ والسياسة معا، وهي مقياس السلام ومفتاحه، ولن نقبل بغيرها عاصمة لدولة فلسطين، شاء من شاء.

يقولون رام الله، بيت لحم، الخليل، كلها مدن عزيزة على قلوبنا، لكن العاصمة هي القدس.

ونؤكد ههنا، وانطلاقاً من وعينا الديني والتاريخي والسياسي، أن مسؤولية حماية القدس واستعادتها وتطهير مقدساتها لا تقع على كاهل الفلسطينيين وحدهم، بل تشمل الأمة العربية والإسلامية والمسيحية كافة، والآن نرى ما يثبت هذا الكلام، وهذا المؤتمر يثبت هذا الكلام بأن المسؤولية لا تقع على عاتق الفلسطينيين وحدهم. الذين جاءوا للمؤتمر من إثيوبيا، والمالديف، وسريلانكا وغيرها ليثبتوا ويؤكدوا أنهم شركاء وأصحاب حق في هذا الحق، والواجب يفرض عليهم مؤازرة أهلنا الصابرين في مدينة القدس، مادياً ومعنوياً، ليكونوا أكثر قدرة على مواجهة الاحتلال والحفاظ على الأرض والصمود والتضحية دفاعا عن أمانة الدين والتاريخ في القدس.

إن القدس تستغيث، فهل من مجيب؟ أقول نعم، حضوركم هو بدابة الإجابة على استغاثة القدس.

لقد دعونا سابقا، ونؤكد الدعوة الآن، وسنظل ندعو مرارا وتكرارا، إلى ضرورة شد الرحال إلى القدس وزيارتها، والصلاة في أماكنها المقدسة، الإسلامية والمسيحية، فتلك فضيلة دينية أثبتتها الأدلة الشرعية الواردة عن سيدنا المصطفى صلى الله عليه وسلم، وذلك أضعف الإيمان الذي لا بد منه لمؤازرة أهلها ورفع معنوياتهم وتأكيد العمق العربي والإسلامي للمدينة المقدسة.

وكم يؤلمنا أن البعض يحاول قطع الطريق، وتحريم زيارة العرب والمسلمين بحجج واهية تفتقد إلى الدليل الشرعي، والوعي السياسي، وتغفل المعطيات والتغيرات التي تحدث بشكل يومي في مدينتنا المقدسة، ولا تخدم إلا سياسات الاحتلال الذي لا يروق له أن يرى عربيا أو مسلما أو مسيحيا في مدينة القدس، وأنا شخصيا أرحب بإخوتنا الأقباط الذين جاءوا الشهر الماضي لزيارة القدس وبيت لحم.

أيها السيدات والسادة

لقد مضت ست سنين عجاف منذ الانقلاب الذي قامت به حركة حماس في قطاع غزة، لكننا لم نفقد الأمل في المصالحة الوطنية وإنهاء الانقسام الأسود، فالمصالحة واجب شرعي وضرورة وطنية، ونحن مصممون بإذن الله على إنجازها، لأنها تعيد لحمة الشعب والأرض والوطن.

وقد سرنا في هذا المسار خطوات مهمة، لكننا نؤكد مرة أخرى أن الأساس في المصالحة الوطنية هو الانتخابات الديمقراطية، العمل الديمقراطي هو أساس الحكم في معظم دول العالم، من يريد أن يحكم فليتفضل إلى الشعب، ليستفتي الشعب، ليسأل الشعب، والاحتكام إلى الشعب وإلى صناديق الاقتراع، لا نريد أكثر من أن نسأل الشعب، بدأنا عام 1996 بالانتخابات الرئاسية والتشريعية، ثم في 2005، ثم في 2006 ثم نضبت الديمقراطية. لماذا؟ لا بد من الديمقراطية أن تأخذ الطريق من خلال الانتخابات. إذا اتفق على الانتخابات فإن القضية كلها ستحل ولن يكون هناك مشاكل ومن يرفض هذا فهو يضع العصي في عجلة المصالحة، ويضع العراقيل والمعيقات أمام تحقيقها.

وأخيراً.. أود أن أوجه كلمة إلى أسرانا البواسل في سجون الاحتلال: أنتم أيها الأبطال مشاعل الحرية لشعبنا، ولن يكون هناك أي سلام بدونكم، ولن يكون هناك أي اتفاق مع الجانب الإسرائيلي لا يتضمن إطلاق سراح جميع الأسرى الفلسطينيين والعرب.