2024-11-25 09:36 م

الرواية المغربية تطرق أبواب الحداثة

2013-05-26
الدار البيضاء/ محمد محي الدين

عقد مختبر السرديات بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك بالدار البيضاء بقاعة المحاضرات بالكلية، لقاءً ثقافيا في موضوع: "المجتمع بوصفـه تفكيرا بالتخـييل"، قراءات في روايتين مغربيتين : "ملائكة السراب"لموليم العروسي، و"الحـركـة"، لعبد الإله بلقزيز.

  وسير أشغال هذا اللقاء، شعـيب حليفي، وأكـد أنه يأتي في سياق مقاربات للأعمال الروائية الجديدة التي  أثارت نقاشا ثقافيا بين المهتمين والقراء، وبمناسبة الاحتفال بمرور 20 سنة على تأسيس مختبر السرديات .

وقد توزعت أشغال هذه الندوة على مستويين: المستوى الأول: قدمت فيه محاضرات للباحثين المغاربة:(عبد المجيد قدوري، وحسن إغلان،والميلود عثماني، وإبراهيم أزوغ )والجزائريين:(كواري مبروك،وبوشيبة بركة )،تطرقت إلى الروايتين موضوع اللقاء. والمستوى الثاني: عبارة عن جلسة مفتوحة بين عبد الإله بلقزيز، وموليم لعروسي وجها لوجه.

وقد تطرقت مداخلات المستوى الأول إلى القضايا التالية، وجاءت على الشكل التالي:

ـ البطل الغائب في رواية "ملائكة السراب":(عبد المجيد قدوري).

كان أول متدخل عبد المجيد قدوري الذي ركز في مداخلته على البناء الفني لرواية موليم العروسي، والذي يعطي للكتابة مسارها، مشيرا إلى استغلاله لشخصية الحسن الوزان كمدخل لعصر النهضة، وإلى تغييبه للبطل، حيث تكـشف اللوحات الخمس الأولى عن حضور المخزن كـبطل، ويستمر هذا التواري إلى حدود اللوحة التاسعة عبر تغييب شخصية لعروسي ـ الذي حضر بطلا ـ لشخصية البودالي.واعتبر قدوري "ملائكة السراب"، رواية متشعـبة الموضوع، لأنها تناولت كل المواضيع السياسية والثقافية والاقتصادية،...وكل الآهات والمشاكل التي يعاني منها المجتمع المغربي، كما أنها امتدت في أمكـنة متعددة (المغرب، إفريقيا الشرقية، السودان، جزر الكناري، أوربا، الأندلس،...)، وأزمنة غير موحـدة تمتد من التاريخ القديم إلى مشكل فلسطين.

  وخلص عبد المجيد قدوري أن رواية العروسي، هي رواية تأملات تزعج القارئ، وتستبد به، كما أنها نقد للمجتمعات المبنية على الكرامات البدائية.

ـ "التخييل التاريخي ورهانات  الرواية المغربية ما بعد  حداثية :  ملائكة السراب لموليم  لعروسي نموذجا":(عثماني الميلود).

وتناولت الورقة التي قدمها عثماني الميلود جملة من العلائق الحكائية  والنظرية، انصبت على رصد مواد  العالم التخييلي في الرواية متمثلة في  اتخاذ تاريخ المغرب( خلال القرنين 17 و18 )خلفية للسرد والتأمل من خلال جملة مسارات متوازية عدها  الباحث في سبع مسارات جعلت من هذه الرواية أذرعا أخطبوطية، أو مثالا لما هي عليه خريطة العقل، عقل السارد.كما رصدت الورقة تمظهرات  صياغة العالم التخييلي، وأوجزها في هيمنة الحكي بدل السرد وغياب مركزية حدثية، وغياب للبطولة في تخييل تاريخي يتميز بالتجزيء والتشظي.

وختم المتدخل ورقته بالقول ، إن وراء  رواية موليم العروسي همًّا وطنيا يتمثل في  الإجابة عن سؤال : ما العمل وقد أصيبت كل أعمالنا بالفشل والإحباط؟وأن التخييل التاريخي في رواية "ملائكة السراب"  ينفتح على  أكثر العوالم الإنسانية الدفينة في العلاقة بين الأشخاص والديانات والثقافات.

 ـ تمزقات الوهم في رواية "الحـركة":(حسن إغلان).

   وفضل حسن إغلان أن يستهل مداخلته بالحديث عن عبد الإله بلقزيز الكاتب والمفكر الذي أسر نفسه في المكتبة، كمدخل لفهم الرواية التي تكشف عن كينونتها في خريطة الربيع العربي المتجسد في حركة 20 فبراير، وعن الزيف والمفارقات...في زمن تتمزق فيه الذوات بالوهم، عبر رسم شبكة من العلاقات الاجتماعية والسياسية المختلة، تبدو معها الشخصيات الممزقة وكأنها مرسومة في جذاذات، لكن في الآن نفسه تختفي وراء مرايا مختلفة في الرواية، حيث يوهمنا الناشر ومن الصفحة ماقبل الأولى بعدم صدقيتها، كما أن الرواية تستعير مسميات تخفي وراءها العديد من المدلولات(حزب الخواص، الحزب التقدمي، حزب الطريق،...). وانتهى الناقد إلى أن الرواية بتناولها لحظة السبعينيات من القرن الماضي، ولحظة " الشعب يريد إسقاط الفساد"، تكون قد كـشفت لحظة مُدَوِّخة للذات المنكسرة بين الحلم والوهم، لحظة تمزق الأنا الجمعية كمسكوت نحجبه أو نعريه.

ـ "الحـركـة" رواية التغيير الذي لم يكـتمل:(إبراهيم أزوغ).

  وأكد إبراهيم أزوغ في ورقته أنه لا يمكن قراءة الرواية بمنأى عن مقالات بلقزيز الصحفية، ورواياته الأولى، وأطروحته السياسية، انطلاقا من واقع الالتزام الذي بلورته الواقعية الاشتراكية، ولعل هذا ما جنح بالرواية ـ حسب رأيه ـ بعيدا عن التجريب، والدنو من البناء التقليدي، والسرد اليومي، حيث الهاجس المسيطر هو الموضوع أكثر من الشكل الفني، والذي اتسم بتعدد السراد والرواة واللغات، وحضور الباروديا والسخرية.

وانتهى ذات الباحث إلى أن الرواية تتضمن أطروحة سياسية تبلورت في عدة تصورات ومسارات، وقدمت نقدا للمؤسسة الحزبية الديموقراطية التقدمية، ولحركة 20 فبراير...

ـ باحثان من الجزائر: "ملائكة السراب"، كشف للخنوع، والاستبداد والتسلط

ـ "ملائـكـة السراب"، وتـيمة "الخـنوع".(كـواري مبروك):

 وانطلق كواري مبروك من التساؤل عن مميزات النص الروائي ؟ ليكشف أن رواية موليم لعروسي مغامرة تاريخية ومسح كاليغرافي منذ سقوط الأندلس، ودخول الأوربيين، إلى يومنا هذا، وأنها نص فاتن، بلغة مضمرة، وهاربة، مشبعة بالتكـتل الدلالي، عبراعتماد البعد الأسطوري العجائبي، والرؤية الفلسفية الصوفية للواقع، مما يسهم في انكشاف تيمة "الخنوع" كتيمة مركزية، حيث ترسل الرواية عدة رسائل للمتلقي، منها: تبيان علاقة الحكام بالمحكومين، وتبرير علاقة الفشل الذي سيطر على عقول الحكام الفلاسفة، وتقديس الحكام. كما كشف الباحث نفسه العديد من التقاطعات بين رواية موليم العروسي، ورواية "ليون الإفريقي" لأمين معلوف، و رواية "الأمير" لواسيني الأعرج، من حيث اللغة الشذرية ، والكثافة الدلالية، والبراعة في الوصف وأسر المتلقي.

ـ " ملائكة السراب"، وكشف الاستبداد والتسلط.(بوشيبة بركة):

واعتبر بوشيبة بركة أن "ملائكة السراب" أثارت الكثير من النقاشات مكـنت من استحضار الواقع من خلال ماضي الغرب الإسلامي، وكشف المظاهر الآنية للتسلط والاستبداد التي يشكـو منها العالم العربي، وذلك بواسطة الكـتابة المتناسلة التي تحيلنا على طريقة الحكي في ألف ليلة وليلة.

 المستوى الثاني عبد الإله بلقزيزوموليم العروسي وجها لوجه:

وبعد انتهاء مداخلات الباحثين من المغرب والجزائر، فتح باب النقاش أمام الحضور، لمساءلة الروائيين، حيث قدمت العديد من الأسئلة مدارها، علاقة الرواية بالواقع؟ وهل الرواية توثق التاريخ؟.. وتناول الكـلمة تباعا:

ـ عبد الإله بلقزيز: انفراط عقد الحركة، بعدما ادلهم ولم يعد يشعر بالجديد

واعتبر أن العمل الأدبي نتاج لواقعه، وأن روايته تتناول حدثا كبيرا هو 20 فبراير، لحظة خروج جيل من العالم الافتراضي حاملا قدرا خرافيا من الآمال قد ينوء بحملها، فجاءت الرواية لترصد كيف عاش هذا المجتمع الشبابي، وتفاعلاته مع المتغيرات في الواقع العربي، والشروخ والاحباطات ومقاربتها. وانطلاقا من ذلك أكد على ضرورة قراءة نص "الحركة" في بناه الداخلية وإقامة الحدود بين التوثيقي والواقعي كما يعيد إنتاجه الأديب، ومعرفة المائز الضروري بين الإبداع والواقع الذي عبر عنه الكاتب جهرة في كتاب" ثورات وخيبات"، ومن هنا لاتستقيم المطابقة التي يقيمها البعض بين الكاتب وشخصية "أمجد" إحدى شخصيات الرواية.

 كما أكد أنه لم يعط اهتماما كبيرا لجماليات التعبير داخل الرواية، حيث افترض أن الحدث/ الموضوع الذي يكتب فيه له جماليته الخاصة، وبلاغته المتمثلة في التدافع والصراع واجتراح المستحيل.

  وختم بلقزيز كلمته بالحديث عن موقفه السياسي الوضح من حركة 20 فبراير، حين رفعِها شعار "الملكية البرلمانية " كشعار جميل واعد وثوري ، لكن يحتاج إلى ثقافة سياسية سائدة قد تستهلك أجيالا، وإلى الحامل الاجتماعي والثقافي والسياسي. وهو شعار حمل نزعة اختزالية، أدت إلى انفراط عقد الحركة، بعدما ادلهم ولم يعد يشعر بالجديد.

ـ موليم العروسي: طرحت السؤال سنة2010، وأجابني بلقزيزسنة2012، بأن الواقع هو نفسه:

     واستهل كلمته بالتأريخ لكتابة نصه، والذي شرع في كتابته سنة2000 ، أثناء مرحلة سياسية انتقالية، وأنهاه صيف 2010، قبل 20 من فبراير، وبذلك يكون قد طرح السؤال سنة2010، وأجابه بلقزيزسنة 2012 ـ على حد تعبيره ـ، بأن الواقع هو نفسه. كما تحدث عن علاقته بالتفكير السياسي المبكر خلال السبعينيات وتفكيره الجمالي ؛ ثم دوافع الكتابة عنده والتي تنطلق من التفكير في المصير، والخفي في الإنسان، وأكـد على مجموعة من السمات المميزة للرواية، كالتفتت وغياب مركز(بطل) داخل الرواية، وتداخل الشخصيات في شخصية واحدة والذي يحدث بلبلة للمؤرخ، لكن يعتبره الأديب تخييل.