كتب شاكر فريد حسن
غيب الموت الكاتب والأديب والمفكر والمؤرخ والصحافي الفلسطيني المقدسي الكبير والمخضرم ناصر الدين النشاشيبي ، بعد مشوار حياة ومسيرة عطاء زاخرة وحافلة بالنشاطات الصحفية والرحلات والمنجزات الثقافية والادبية والتاريخية .
يعد النشاشيبي من الأعلام البارزة والرائدة في مجال الصحافة العربية والفلسطينية المعاصرة ، امتاز بالمهنية والموضوعية والدقة والأيمان برسالة الصحافة . تحلى بثقافة متنوعة ، وكان مثقفاً صاحب أفكار ورؤى سياسية واجتماعية وفكرية خاصة ، ومواقف جريئة . انتقد الكثير من رموز السلطة الوطنية الفلسطينية ووجه لها الانتقادات اللاذعة مما اثار حفيظتها فشنت عليه هجوماً عنيفاً وشرساُ ، فلم يتراجع ولم ينهزم ،مصمماً على أقواله وانتقاداته .
أحب النشاشيبي القراءة والكتابة ، ونشر مئات المقالات في الصحف الفلسطينية والعراقية واللبنانية منها "الدفاع" و"فلسطين" ، وقدم للمكتبة العربية والفلسطينية أكثر من خمسين كتاباً واصداراً في مجالات السياسة والفكر والأدب والرواية والفن وأدب الرحلات ، أهمها وأبرزها :" شباب محموم، خطوات في بريطانيا، عندما دخلوا التاريخ، فلسطين والوحدة، ماذا جرى في الشرق الاوسط، حفنة رمال ، عربي في الصين ، سفير متجول، أريد ان أصلي في المسجد الأقصى، حبات برتقال، قصتي مع الصحافة، المرأة تحب الكلام، في مملكة النساء ، من أوراق الشرق الاوسط ، كلام يجر كلاماً " وغيرها .
عمل النشاشيبي بعد تخرجه من الجامعة الامريكية بموضوع العلوم السياسية، في مجال الصحافة ، التي شغفها منذ نعومة اظفاره ،ثم معلقاً أدبياً في اذاعة فلسطين بالقدس، بعدها أشغل منصب سكرتير الوفد الفلسطيني في مجلس جامعة الدول العربية ، فمديراً للاذاعة الاردنية ثم مندوباً متجولاً لدار أخبار اليوم القاهرية . بعد ذلك انتقل للعمل في صحيفة الجمهورية القاهرية ثم انتدبته الجامعة العربية ليكون سفيراً متجولاً لها . وفي الثمانينات من القرن الماضي عاد الى القدس ، زهرة المدائن، التي كان يحب ترابها ويعشق أسوارها وحاراتها وأزقتها وأسواقها عشقاً بلا حدود ، وكان يردد ويقول في مجالسه وكتاباته : "القدس ستبقى تسري في عروقنا ، وستبقى لقمة العيش في غذائنا، ولن نكفر بها ، ولن ننشد مدينة أخرى سواها ، وسنبقي الضغط على جميع العرب للانتساب اليها .. القدس كل ذرة فيها تساوي الدنيا بأسرها ".
كان النشابيبي على صلة وعلاقة ومعرفة بالعديد من الزعماء والقادة السياسيين من العالمين العربي والغربي ، وكان مقرباً من الزعيم المصري الخالد جمال عبد الناصر ، وحين تسلم الراحل أنور السادات الحكم غادر مصر وتركها .
ناصر الدين النشاشيبي صحفي قدير وكاتب كبير ، جمع بين الصحافة والنضال ، وبين الفكر والسياسة ، وتشكل وفاته خسارة فادحة للحياة الصحفية والاعلامية العربية والفلسطينية ، التي عاصر مراحلها، وعاش احداثها ،وكان شاهداً على نكبة شعبنا ، وغادر دنيانا في ذكراها . وسيظل اسمه محفوراً في ذاكرة التاريخ الفلسطيني والعربي والوجدان الشعبي الفلسطيني .