الطريق إلى القاعة، مختلف عن المرات السابقة، فالصور المعلقة لرسوم كاريكاتير الفنان الفلسطيني ناجي العلي، وضعت لتعكس جزءا من مسيرته الفنية التي جعلته يدفع عمره ثمنا لها في العام 1987 عندما أوقفت رصاصة استمراريته، لكنها لم تقتل إبداعاته، كصوت للاجئ الفلسطيني المحاصر وزهور حياة ترفض الموت خلف الأسلاك الشائكة، فالمبدع يتجاوز مرحلة الموت بإنتاجه الذي يحاكي كل الأجيال القادمة، ولهذا عادت رسوم ناجي العلي لتنعش الذاكرة، في معرض وندوة نظمها اتحاد كتاب وأدباء الإمارات فرع أبوظبي، بالتعاون مع مجلس العمل الفلسطيني بمناسبة مرور خمسة وعشرين عاماً على استشهاده، وخمسة وستين عاماً على نكبة فلسطينفي مقر الاتحاد في المسرح الوطني، بمشاركة الشاعر الفلسطيني محمد الأسعد، والشاعرة الدكتورة فيحاء عبدالهادي والكاتب السياسي محمد خالد. وأدار الندوة الفنان والشاعر محمد المزروعي.
تحرير المخيلة
استهل الأمسية الشاعر حبيب الصايغ رئيس اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، الذي استعرض رؤية الأدباء في الإمارات، لأهمية ناجي العلي كونه ضمير شعب وأمة، وتساءل: هل يشكل ناجي العلي نقطة قوتنا أم هو نقطة ضعفنا، حيث اغتالت القوة الضعف. وأشار: ما يحدث الآن بالعكس، إذ يعطينا ناجي العلي القوة في ضعفنا الحاضر، إذ كان قوياً بحنظله والكيانات اللزجة التي أبدعها فهو حاضر بيننا دائما وذلك ما يشكل قوته التي تمتد إلى المستقبل برسوخ.
منجز ناجي
وأشار الشاعر محمد الأسعد بأن ما يهمنا أن نقرأ منجز ناجي العلي وليس ما يطرح كل عام عن اغتياله، إذ أصبحت ممارسات واشتغالات ناجي العلي في الصحافة وواقعة اغتياله من المسلمات التي تتكرر باستمرار. وقال: سأتناوله بمسألتين النظر إليه كناقد أخلاقي رفيع، والنظر إليه كمحرر لاستعمال المخيلة.
وأوضح: لم يتطرق لهذا في القراءات العربية، كون ناجي العلي مبدعاً يثير حس المفارقة. وأضاف: نحن نعرف بارتباط العلي باللاجئ الفلسطيني، هذه القضية التي تكاد تختفي هذه الأيام، وأنه كان يبحث في هذه النقطة عن المعنى وما بعده اللاجئ، وما وراء الأسلاك الشائكة، أما الندائي فهو الذي يخترقها، وأن النكبة والأسلاك عنصران مهيمنان على رسوماته، وهو ما يرسخ مفهوم المقاومة في الذهن الفلسطيني.
وعن تحرير المخيلة قال الأسعد: حاول ناجي كسر العلاقة بين الدال والمدلول والاسم والمسمى باستبدال الوهمي بالحقيقي، وخلق عالما وهميا يحل محل الصورة النمطية، كون الرسم الكاريكاتيري يظهر السخرية من الواقع، فكان مقاوما وليس فرداً، لهذا السبب تم اغتياله، ورأى الأسعد إن الشيطان في كاريكاتيراته هو من قتله.
الإنذارات الثلاثة
عبر 3 محاور تحدث محمد خالد عن صداقته بناجي العلي وهي كما قال الملح في قهوة الحكام، ودخول غرفة نوم الزعيم والانحياز للفقراء. وشبه رسوماته بكمية الملح التي يسكبها كل صباح في فنجان القهوة الصباحي للحكام فيعكر مزاجهم طوال اليوم، مستعرضا رسوماته التي تصب في هذا المجال.
كما تحدث عن دخول غرفة نوم الزعيم وأشار إنه دخول صعب استطاع ناجي اختراقه. ووصف خالد الانحياز للفقراء والمضطهدين بأنها هم صفاته، وأشار إلى أن فنه شكل الأجراس الثلاثة «الإنذارات» التي وجهت إلى العالم كونها أسبابا للنكبة.
وتحت عنوان "فاطمة ناجي العلي لا تساوم أرسم وقاوم" قدمت الدكتورة فيحاء عبدالهادي ورقتها، مستعرضة العديد من رسوماته للجمهور على شاشة وتناولت "شخصية فاطمة" وتحولاتها الفكرية والاجتماعية والسلاسية في رسومات ناجي العلي.
أيقونة حنظلة
وقالت: إذا كان حنظلة الذي أنجبه ناجي في الخامس من حزيران عام 1967 قد شكل الأيقونة التي حفظت روح الفنان الملتزم من الانزلاقة، فإن فاطمة قد شكلت بوصلته وضميره الحي عبر امتداد حياته الفنية. وأوضحت: تصدرت فاطمة معظم رسومات ناجي لأنه رأى من خلالها قيم الحق والخير والجمال الإنساني، فكانت رمزاً للأرض والصمود والمقاومة حيث مثلت الوجدان الجمعي للشعب الفلسطيني، وتتعدد صفات فاطمة التي تحدثت عنها فيحاء عبدالهادي من خلال رسومات العلي.
معرض
يستمر المعرض حتى 20 مايو الجاري ويضم حوالي 100 عمل كاريكاتيري، للفنان ناجي العلي، منها ما يعرض لأول مرة، ومنها ما نشر في صحيفة سابقا "القبس"، وتشكل الصور تجربة ناجي الذي عبر عن مرحلة النضال الفلسطيني، وقدم خلال مسيرته الإبداعية حوالي الأربعين ألف رسم كاريكاتيري.
المصدر: صحيفة "البيان" الاماراتية