كتب محمود حرشاني
تواجدت في فترة السبعينات من القرن الماضي عديد النوادي الأدبية في عديد المدن وحتى القرى التونسية، الّتي كانت تجمع ما كان يعرف بهواة الأدب على غرار نواد أخرى كانت موجودة مثل نوادي هواة السينما ونوادي المسرح ونوادي أخرى كثيرة كانت تجمع المغرومين بكل فن وشكلت هذه النوادي إطارا مهمّا وفضاءات جميلة لاحتضانهم والأخذ بأيديهم ...ومن أشهر النوادي الأدبية الّتي برزت في فترة السبعينات وحتى قبل ذلك بقليل منذ أواسط الستّينات، نذكر نادي القصّة والشعر بصفاقس، والنادي الأدبي بقمّودة (سيدي بوزيد) وكذلك نادي ابن منظور الأدبي بقفصة الّذي كنت أحد أعضائه. كما شاهدت العاصمة ميلاد نواد أدبية كثيرة مثل نادي الخميس بدار الثقافة ابن رشيق، وطبعا نادي القصّة بالوردية الّذي أسّسه المرحوم محمد العروسي المطوي... وقد تكون تواجدت نوادي أدبية أخرى ولكن لم تصلنا أخبارها.
ما يعنيني في هذه الورقة هو الحديث عن نادي ابن منظور الأدبي بقفصة الّذي برز في السبعينات كأحد أبرز النوادي الأدبية في الجمهورية. وكان هذا النادي ينشط كلّ مساء جمعة وأحيانا صباحات الأحد بفضاء مكتبة ابن منظور بقفصة أو بفضاء دار الثقافة وكان يجمع ثلّة من الشباب المغروم بالأدب من كتاب القصّة والشعر، أذكر منهم خاصّة الأصدقاء والزّملاء بلقاسم التليجاني،وفاطمة التليجاني وبلقاسم الخنوسي، والصّافي سعيد، أحمد العوني والعبد لله وكان يؤطّر حلسات النّادي الكاتب والمربّي الفاضل عبد العزيز فاخت الّذي كان يمدّنا بالنصح والتوجيه حتى تستقيم محاولاتنا. كما أنضمّ إلى النادي الشاعر الرّاحل عامر بوترعة عندما كان يعود من باريس حيث كان يشتغلّ ملحقا ثقافيا بسفارة تونس بباريس.
كانت جلساتنا تتمّ مساء كلّ يوم جمعة أو صباحات يوم الأحد. وكنّا نقرأ إنتاجنا في جلسات مفتوحة يحضرها أحيانا بعض الضيوف.
وللتاريخ أقول أنّ النادي وجد دعما كبيرا ومساعدة من الأستاذ المرحوم إبراهيم الزبدي الكاتب العام للّجنة الثقافية الجهوية في ذلك الوقت حتّى انّه كان يخصّص لنا سيّارة يتنقّل فيها أعضاء النادي وكان يعتزم أيضا إصدار مجلّة ينشر فيها الإنتاج المتميّز الّذي يتمّ تقديمه.
أمّا الأستاذ عبد العزيز فاخت، فقد كان لا يبخل بالتوجيه والنّصح على أعضاء النادي، وكنّا جلّنا من تلامذة المعهد الّذي كان يشتغل فيه هو خطّة قيم عام وهو معهد حيّ الشباب.
كان الصديق أبو بكر الدياري يكتب القصّة القصيرة بمهارة كبيرة، أمّا بلقاسم التليجاني وبلقاسم الختومي فكانا يكتبان الشعر أمّا العبد للّه فقد كنت اكتب القصّة والمقال حتى إنّني فزت أو فاز مقالي في مسابقة نظمتها لجنة التنسيق بقفصة سنة 1972 حول ذكرى عيد الثورة وكانت تلك أوّل جائزة أدبية أتحصّل عليها في حياتي، وكانت عبارة عن مجموعة من الكتب من بينها كتاب أعتزّ به كثيرا وهو كتاب العلامة الفاضل بن عاشور بعنوان "الحركة الأدبية والفكرية بتونس " في أواسط القرن الرّابع عشر كما فاز زملائي الآخرون في النادي بجوائز أخرى في القصّة والشعر في نفس المسابقة.
وكان نادينا يرتبط العلاقات صداقة مع نوادي أدبية أخرى في الجمهورية، ومنها نادي القصّة والشعر بصفاقس وأذكر أنّنا نظمنا رحلة في ربيع 1972 إلى مدينة صفاقس ونزلنا ضيوفا على نادي القصّة والشعر الّذي كان من أعضائه المنصف المزغني وأبو بكر العيادي وتوفيق الحبيب وابتسام الغطاسي (الّتي أصبحت فيما بعد ابتسام المكوّر احد أشهر المنشطات الإذاعيات بإذاعة صفاقس) وغيرهم واحتفى بنا الأستاذ محمد الحبيب السلامي حفاوة كبيرة ونظّم لنا زيارة إلى إذاعة صفاقس وكانت أوّل مرّة أتعرّف فيها إلى الأستاذ الحبيب السلاّمي بعد أن كنت أحد المتابعين الأوفياء لبرامجه الإذاعية.
وأمضينا في صفاقس يومين وفي طريق العودة إلى قفصة حدثت لنا مفاجأة في الطريق حيث اعترضنا أعوان الأمن قبل أن نبلغ مدينة قفصة وقاموا بإنزالنا وبعد التثبّت في هوياتنا احتفظوا بالصديقين بلقاسم التليجاني وبلقاسم الخنوسي...
لم يكن نعرف السبب في ذلك الوقت ... ولكن بعد ذلك اتّضحت لنا الصورة ولماذا تمّ إنزال إيقاف الصديقين والاحتفاظ بهما !!.