طولكرم/ مئة عام مرت على مولد فارس من فرسان الشعر الفلسطيني عبد الرحيم محمود 'أبو الطيب'، من ترجل عن صهوة جواده، ومشى بخطى ثابتة حاملاً قلمه وفكره جنباً إلى جنب مع الرصاصة، نحو هدفه المنشود للشهادة، فلقب بالشاعر الفلسطيني الشهيد.
ورغم استشهاده عام 1948، إلا أنه كان يعي مستقبل فلسطين الأليم، الذي تحقق باحتلال بريطاني، واحتلال إسرائيلي ما زال يلقي بظلاله الثقيلة على شعب أعزل سرق أرضه وبيته وحريته.
ولد محمود، في قرية عنبتا شرق طولكرم عام 1913، ودرس في مدرستها الابتدائية، ومن ثم إلى مدرسة طولكرم الابتدائية، قبل أن ينتقل إلى مدرسة النجاح الوطنية في نابلس والتي هي الآن جامعة النجاح الوطنية.
اشتهر بأبلغ بيتين يرددهما شاعر عربي تواق للشهادة، نظمها قبل 11 عاماً من استشهاده، وهو يؤبن القائد الشهيد الكرمي عبد الرحيم الحاج محمد، الذي استشهد في الثورة الفلسطينية الأولى في26/3/1937، قال فيهما:
سأحمل روحي على راحتي.. وألقي بها في مهاوي الردى.. فإما حياة تسر الصديق.. وإما ممات يغيظ العدى، لتبقى نشيدا يتغنى بها كل مقاوم يعيش ظلم الاحتلال.
حقق عبد الرحيم حلم شهادته عام 1948، عندما أصيب بشظية من قنبلة في غمار معركة الشجرة قرب الناصرة، التي لم تكن قد وقعت بيد اليهود بعد، فدفن جثمانه هناك، واليوم ما زال الشعب الفلسطيني يتذكر أشعار هذا الشاعر الكبير التي عايشت نكبات فلسطين منذ 48 وحتى الآن.
اليوم، شهدت طولكرم حفلين شعريين بمناسبة مئوية محمود، نظمتهما وزارة الثقافة والمجلس الاستشاري الثقافي، وبالتعاون مع مديرية التربية والتعليم، في مدرستي ذكور الفاضلية الثانوية وبنات العدوية الثانوية بمشاركة نخبة من الشعراء الكرميين الذي أشادوا بشعر محمود، وأثنوا على نضاله ومقاومته الاحتلال.
ووصفه الشاعر الكرمي أديب رفيق محمود بأنه كان عموداً من أعمدة الشعر، حيث يقال بأن عدد أبياته وصل إلى 1964 بيتاً، ونافس شعره كبار الشعراء الفلسطينيين كإبراهيم طوقان وعبد الكريم الكرمي ' أبو سلمى '.
وقال عنه الشاعر طارق عبد الكريم، هو شاعر كتب قصائده بدمه وجاد بروحه دفاعاُ عن أنبل قضية، وظل شعلة متوقدة في الشعر الفلسطيني المقاوم والرافض والثوري.
وأضاف بقي الشاعر الشهيد في أرض فلسطين ولم يغادرها حتى آخر قطرة من دمه، فدافع عنها ضد الاحتلال، وسطر فيها أروع ملاحم البطولة وملاحم الشعر.
أما الأديب فائق مزيد، فقد تكلم عن إنسانية الشاعر في الشعر وفي الحياة، وقال: لقد آمن عبد الرحيم بالثورة وكان الصوت الحزين والمتألم، والغاضب والمجلجل والهادر والواثق بالأمل والغد المشرق والسعيد لجميع الكادحين والمظلومين والمستضعفين في الأرض، وكان من أعلام الأدب والنضال والمقاومة وشارك في ترسيخ وتأصيل المفاهيم الجديد للثورة.
وقال الشاعر الأديب د. نصوح بدران لو أردنا الحديث عن الشاعر عبد الرحيم محمود لكتبنا المجلدات، فهو وإبراهيم طوقان وأبو سلمى أسسوا لشعر المقاومة، وقاد المظاهرات ضد قرار التقسيم.
وألقى بدران قصيدة بعنوان 'سيدي عبد الرحيم'، خاطب بها روح الشهيد، وذكر فيها ما حل بقضيتنا الفلسطينية من أحداث، وكأنه حاضر لم يغب.
الأستاذ عمر النجيب تحدث عن العلاقة الجدلية بين حياة الشاعر وحياة شعبه ووطنه، مشيراً أن الشهيد كان مثالاً للمناضل الوطني والقومي والإنساني الفذ، وكان قوله مصداقاً لفعله، وفعله مصداقاً لقوله.
وقال عبد الفتاح الكم مدير الثقافة بطولكرم إن الاحتفال بأدبائنا وكتّابنا واجب وطني وثقافي وإننا حينما نقف اليوم إحياءً لذكرى فارس ترجل، فإنما نحتفل بكل فرسان هذا الشعب، الذين قضوا نحبهم شهداء لفلسطين.
مدير مدرسة الفاضلية محمد عبد اللطيف أكد أن احتفال اليوم بشاعر عظيم يعبر عن مدى وفاء هذا الشعب لأبنائه المخلصين، وقادته وأعلامه ومبدعيه، الذين لن تمحى صورهم من الذاكرة بل ستبقى خالدة في وجدان الشعب والأمة أبد الدهر.
وأثنت مديرة مدرسة العدوية ماجدة القبج على فرسان الشعر والأدب الفلسطيني الذين يكتبون من وحي شعورهم بالمسؤولية تجاه وطنهم وشعبهم، وإدراكهم الكامل لدور الشعر والثقافة في معركة التحرير الوطني والاستقلال.
المصدر/ وفا- هدى حبايب