2024-11-05 03:44 م

وثائق الأرشيف الإسرائيلى تكشف: اتفاقية السلام تلزم مصر ببيع البترول لإسرائيل

2013-03-23
فى مراسم احتفالية بالبيت الأبيض فى 17 سبتمبر عام 1978، وقَّع الرئيس الراحل أنور السادات ومناحم بيجن رئيس الوزراء الإسرائيلى آنذاك، اتفاقية «كامب ديفيد»، فى حضور جيمى كارتر الرئيس الأمريكى، إلا أن حالة النشوة التى سادت الجانبين سرعان ما تبدّدت بعد أشهر معدودة من توقيع الاتفاقية، وظهر العديد من الخلافات فى عدد من القضايا التى لم تُحسم بشكل نهائى، وظل الوضع كما هو عليه دون إيجاد أى حلول للمشكلة، وهو ما دفع الجانبين للعودة إلى طاولة المفاوضات مرة أخرى، فأرسل الرئيس السادات رئيس وزرائه مصطفى خليل، للقاء «بيجن»، وفور أن انتهت المحادثات، توجّه «بيجن» على الفور إلى واشنطن للقاء «كارتر» لتقديم اقتراحاته النهائية التى توافق عليها حكومة إسرائيل للسلام.

حاولت إسرائيل، حسبما نشر الأرشيف الحكومى الإسرائيلى من وثائق، التوصل إلى دوافع «كارتر» لتسريع عملية السلام وجهوده الحثيثة لإنهاء الأمر فى أسرع وقت ممكن. وفى يناير عام 1979، وقعت الثورة الإيرانية وسقط الشاه الذى كان يُعد من أهم حلفاء الولايات المتحدة والغرب، وهو ما دفع واشنطن إلى محاولة إيجاد بديل لها لرسم سياساتها الجديدة فى الشرق الأوسط والمنطقة.

وكان إرسال «السادات»، رئيس وزرائه إلى الولايات المتحدة بدلاً من التوجُّه إليها بنفسه، مفاجئاً بالنسبة لـ«كارتر»، وهو ما دفعه لإعلان زيارته إلى مصر وإسرائيل رسمياً فى مارس من العام نفسه، وهو القرار الذى فاجأ وزارة الخارجية الإسرائيلية، حسبما ذكرت الوثائق.
ونشر الأرشيف الإسرائيلى بروتوكولات جلسة وزارة الخارجية الإسرائيلية قُبيل زيارة «كارتر»، التى أوضح خلالها وزير الخارجية موشيه ديان، السبب الأساسى الذى جاء من أجله كارتر بنفسه إلى إسرائيل للتوسّط بين الجانبين المصرى والإسرائيلى. وقال «ديان» إن الأمر يتعلق بالحاجة الملحة والفورية لدى الولايات المتحدة إلى تأسيس الاستقرار فى الشرق الأوسط والمنطقة بأكملها وإنهاء حالة الحرب، فى أعقاب الثورة الإيرانية، فى محاولة منه لجذب الدول العربية إلى الكتلة الغربية والتحالف معها.

وأشارت القناة الثانية الإسرائيلية، فى تقريرها عن الوثائق، إلى أن الرئيس الأمريكى فاجأ وزارة الخارجية بزيارته، حيث لم يتفهم المسئولون الإسرائيليون بالخارجية كيف أن الرئيس نفسه يصل إلى إسرائيل للتوسُّط بين الجانبين قبل توقيع اتفاق السلام النهائى بين مصر وإسرائيل. وأشار «ديان» إلى أن الثورة الإيرانية وضعت الولايات المتحدة تحت حد السيف، بمعنى أنه لم يعد يمكنها أن تسمح بفشل آخر فى الشرق الأوسط بعد فشلها فى إيران. وحسب الوثائق، فإن «بيجن» نظر إلى نظام «الخومينى» الجديد فى إيران، على أنه «معادٍ للولايات المتحدة وإسرائيل ويجهر بكراهيته لنظام (كارتر)»، كما أنه فشل شخصى حاد لـ«كارتر» نفسه، وهو ما دفع الرئيس الأمريكى للنظر إلى مصر على أنها مصدر بديل للنفط بدلاً من إيران، لأن العراق كان تحت حكم صدام حسين حينها.

وأشارت إحدى الوثائق إلى أن إسرائيل ساورها القلق بعد انسحابها من حقول النفط فى سيناء، وهو ما دفعها إلى الطلب من مصر بالالتزام على المدى الطويل، ببيع النفط لها، بحيث تكون جزءاً من بنود اتفاقية السلام، وهو ما رأته مصر حينها على أنه خرق واضح لسيادتها على سيناء. وتلقى «ديان» برقية من وزير الخارجية الأمريكى آنذاك «سايروس فانس»، قدّم فيها ضمانات إلى إسرائيل لتوفير النفط الذى تحتاج إليه إسرائيل.

وحاول «فانس» إقناع الجانب المصرى بالالتزام على المدى الطويل ببيع النفط المصرى إلى إسرائيل، وزعم وزير العدل الإسرائيلى أن مصر ترغب فى استمرار الحظر العربى، قائلاً: «بعد التضحيات العظيمة التى قدّمتها إسرائيل للوصول إلى السلام، ترفض مصر أن تقدم ضمانات رمزية لحسن نيتها».

وجاء فى إحدى الوثائق، التى صُنّفت على أنها سرية، أن الغرض من اتفاقية السلام هو تأسيس علاقات اقتصادية مع الطرفين، كما أنها ستتضمن علاقات تجارية مع مصر على الأخص، لشراء النفط المصرى لإسرائيل والولايات المتحدة، وأن إسرائيل يجب أن تكون على استعداد لاستيراد النفط الزائد عن الاستخدام المحلى المطلوب.

ورغم تمسُّك إسرائيل بمطلب النفط المصرى، فإن عدداً من الوزراء الإسرائيليين، وعلى رأسهم وزير الصحة إليعازر شوستك، أعربوا عن غضبهم من تمسُّك الحكومة الإسرائيلية بأزمة النفط. وقال الوزير الإسرائيلى: «مزاعم إسرائيل بشأن النفط وحججها غير مقنعة. أما فيما يتعلق بمشكلة غزة والحكم الذاتى ومخاوف (كارتر) من عدم تنفيذنا لوعودنا، فلهم الحق فى ذلك، فالمسألة حساسة جداً».

وعشية الزيارة، اجتمع «ديان» بمسئولى وزارته وأوضح لهم الوضع كاملاً، واصفاً إياه بأنه «شاذ وغريب». وقال «ديان»: «أنا أعتقد أنه من وجهة نظر (كارتر)، فإن هناك حاجة سياسية ملحة من الدرجة الأولى إلى إنهاء حالة الحرب والوصول بالشرق الأوسط إلى حالة الاستقرار التام والهدوء فى أعقاب ما وقع فى إيران».
وأضاف: «قبل شهرين فقط، وقعت الثورة الإيرانية وخسرت الولايات المتحدة وإسرائيل حليفاً مهماً جداً فى المنطقة، وهو الشاه الإيرانى، لصالح النظام الإسلامى المتطرف الذى يعادى الولايات المتحدة والغرب وإسرائيل. الأمر لا يعتمد على المراهنات، وسواء استطاع (كارتر) تحقيق اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل أو لم يستطع، فإن خطواته فى الاتجاه الصحيح».

وأوضح ديان أن هناك ميزة مهمة لتحقيق السلام، حيث سيكون بمثابة قاعدة تؤسس لسياسات الولايات المتحدة فى المنطقة، أما فى حال عدم إقرار الاتفاقية، فإن «كارتر» سيجد نفسه مجبراً على رسم سياسات الولايات المتحدة وتحديد العلاقات فى المنطقة على أساس علاقاته مع مصر والسودان، حتى لا يحدث هناك ما حدث بالفعل فى إيران، كما أنه فى حال عدم توقيع الاتفاقية، فإنه لن يدير كتفه بالتأكيد لمصر، فكلاهما يحتاج إلى الآخر.

وقال: «ليس هناك الكثير من الدول مثل مصر، ليس على الولايات المتحدة أن تقلق بشأن ما يجرى فيها، فالاتفاقية ستُسهل على الكونجرس الاستجابة إلى مطالب مصر»، ووفقاً لوزير الخارجية الإسرائيلى، فإن عدم توقيع الاتفاقية سيكون بمثابة قاعدة لإعلان تحالف الولايات المتحدة مع مصر، حيث إن زيارة «السادات» إلى إسرائيل فى 1977، حسب قول «ديان»، كانت تحت تأثير السوفيت، وتعتبر مصر ضمن كتلة «دول عدم الانحياز»، وهو ما يعنى أنها ليست جزءاً من كتلة الغرب التى تقودها الولايات المتحدة، وهو ما لا يرغب فيه «كارتر».

وأكد وزير الخارجية الإسرائيلى، فى اجتماع بمسئولى وزارته، أن وصول الرئيس «كارتر» إلى إسرائيل، جاء انطلاقاً من اعتقاده أن وضع البنود النهائية للاتفاقية الشاملة لن يكون إلا بحضور الثلاثة المعنيين بالأمر، وهم «بيجن» و«السادات» و«كارتر»، ولأن «السادات» لم يسافر بنفسه إلى الولايات المتحدة وإنما أرسل رئيس وزرائه، فقد جاءت الحاجة لأن يصل «كارتر» نفسه إلى المنطقة للتفاوض مع الطرفين.
ومن خلال الوثائق الإسرائيلية، يتضح أن وزارة الخارجية الإسرائيلية، وعلى رأسها «ديان» نفسه، نظروا إلى احتمالات توقيع الاتفاقية، على أنها أضعف كثيراً من احتمالات الوصل بين «السادات» و«بيجن»، وأن الوصول إلى صيغة نهائية متفق عليها من الجانبين سيكون أمراً صعباً.

واعتقد «ديان»، حسب ما ذكرته الوثائق، أن عدم إتمام الاتفاقية النهائية للسلام لن يُخرج «كارتر» من دائرة الشرق الأوسط، وإنما سيُزيد تورُّطه فى شئونه بشكل أكبر، وسيُجبره على التعامل مع مصر وإسرائيل كل على حدة. وقال «ديان»: «بالنسبة لمصر، الأمر فرصة أيضاً، فتوقيع اتفاقية سلام مع إسرائيل، سيُسهل على (كارتر) كثيراً تمرير مشروع المساعدات الأمريكية لمصر وإسرائيل فى الكونجرس، أما فى حال استمرار مصر فى حالة الحرب مع إسرائيل، فإن الكونجرس سيستمر فى القول بأنه «يكفيهم ما حدث فى إيران، ليس فى مقدورنا إعطاؤهم أسلحة ما دام هناك احتمال ضئيل جداً بأن توجّه تلك الأسلحة إلى إسرائيل. أمريكا لن تُعد مصر لتدمير إسرائيل كما فعل الاتحاد السوفيتى».

وأضاف: «بالنسبة لأمريكا، النتيجة تكون تأمين موقفها، ومحاولة جذب مصر إلى كتلة دول الغرب، إضافة إلى الأردن والسودان، وربما حتى السعودية»، وأعاد «ديان» تذكير مسئوليه بالوضع فى سنوات السبعينات، بالنسبة للقوتين العظميين والدول المؤيدة لكل منهما، فى حين أن الواقع الراهن آنذاك كان بقاء قوة واحدة على عكس السابق. وتابع: «علاقات إسرائيل مع الولايات المتحدة لم تبدأ إلا فى الستينات مع ولاية الرئيس (جونسون)، ولكنها ظلت لعقود غير مستقرّة وغير محدّدة كما أصبحت اليوم، ولهذا فإن خطوات (كارتر) فى الاتجاه الصحيح».

وأشارت الوثائق إلى أنه فى يوم 2 مارس 1979، خلال زيارة الرئيس الأمريكى إلى إسرائيل، اجتمعت الحكومة الإسرائيلية بشكل طارئ برئاسة مناحم بيجن، رئيس الوزراء آنذاك، لمناقشة الخلافات التى كادت تعصف بزيارة الرئيس الأمريكى بأكملها، وهدّدت التوقيع على اتفاقية السلام مع مصر، والتى كانت أساساً لزيارة «كارتر».

وأضافت الوثائق: «فى بداية حديثه بالقدس خلال الزيارة، مرر (كارتر) رسالته إلى (بيجن)»، قائلاً: «إما الآن وإما أبداً»، حيث كان يشير إلى عناد رئيس الوزراء الإسرائيلى فى تلبية مطالب مصر لإتمام عملية السلام»، مشيرة إلى أنه فى ذروة المحادثات بين «كارتر» و«بيجن»، أجابه «بيجن» قائلاً: «سيدى الرئيس، سنوقع على البنود التى نوافق عليها فقط، أما ما لا نوافق عليه، فلن نوقعه من الأساس»، إلا أن محادثة هاتفية فى اللحظة الأخيرة من «بيجن» إلى «كارتر»، كانت سبباً فى إتمام الاتفاقية، حيث تراجع «بيجن» وقرر الموافقة على كل البنود، وهو ما دفع «كارتر» إلى الرد: «هذه هى أفضل الأخبار التى سمعتها فى حياتى».

قبل حوالى نصف عام من زيارة الرئيس الأمريكى إلى مصر وإسرائيل، وقّع «بيجن» والرئيس الراحل أنور السادات اتفاقية «كامب ديفيد»، إلا أن التفاؤل السائد آنذاك سرعان ما تحول إلى أزمة هدّدت بعرقلة اتفاقية السلام الشاملة. وحسب الوثائق التى تضمّنت بروتوكولات جلسة الحكومة الإسرائيلية، فإنه كانت هناك حالة من الصدام غير المعلن بين إسرائيل والولايات المتحدة على خلفية الزيارة والمفاوضات مع مصر، كانت ذروتها بقرار الحكومة الإسرائيلية إغلاق المجال الجوى والطرق الإسرائيلية فى الوقت ذاته الذى نوى فيه «كارتر» مغادرة إسرائيل.

وفى نهاية الجلسة، قال «بيجن»: «أنا لا أعتقد أننا قادرون على أن نقول إن الرئيس الأمريكى أُضر من الأمر. وفى المقابل، هو أضر بى، أنا أتمنى له كل خير، وأنا أحبه ولكن حينما يقول لى بالإنجليزية: (عليك أن توقعها)، فإننى لم يكن لدىّ رد آخر إلا: (سنوقع ما نوافق عليه فقط)، وهو ما دفعه لتخفيض نغمة الحديث».


وبشأن طلب الرئيس الأمريكى من «بيجن» إعداد وإصدار بيان زمنى كامل لمراحل الانسحاب من سيناء، قال «بيجن» إن هذا الطلب يُعد «وقاحة لا تضاهيها وقاحة»، مضيفاً: «كيف يطلبون منى إعلان جدول زمنى للانسحاب ونحن لم نبدأ أصلاً فى الانسحاب بعد». وأشارت صحيفة «هاآرتس» الإسرائيلية، إلى أن «بيجن» لم يكن يخشى تدمير المفاوضات مع مصر نهائياً إن شعر بحالة من الضغط عليه، حيث قال: «إن كان الرئيس الأمريكى يقول هكذا، فإن لزم الأمر لن نوقّع الاتفاقية، ولست أخشى إنهاء المفاوضات دون توقيعها، أنا أرغب فى السلام من كل قلبى، ولكننى لن أوقع إلا على اتفاق يتضمن البنود المتفق عليها فقط». وتابع «بيجن»، حسب محاضر الجلسة: «مطلب (كارتر) بإعداد جدول زمنى للانسحاب فوراً يجعل دمى يغلى فى عروقى، هل يجب علىّ أن أُلبى كل نزوة لـ(السادات) أو الأمريكان؟ لا ولا.. لن أُلبى نزوات أحد بهذا الشكل».

ومن خلال الوثائق، اتضح أن «كارتر» نفسه غضب على «بيجن»، ففى لقاء بين الاثنين، قال له «بيجن» إنه لن يستطيع التوقيع على الاتفاقية فى وقت زيارة الرئيس الأمريكى، حيث إنه يحتاج إلى مناقشة تفاصيلها مع حكومته وعرضها على الكنيست، وهو ما أغضب «كارتر»، قائلاً: «لا أستطيع أن أُصدق ما سمعته أذناى، ما الهدف إذن من وجودى هنا». وأعرب وزير المواصلات الإسرائيلى آنذاك حاييم لانداو، عن استيائه من الطريقة التى تدير بها الولايات المتحدة المفاوضات مع إسرائيل نيابة عن مصر. وأضاف «لانداو»، حسب محاضر الجلسة، أن «الأمريكان يحاولون إرهابنا وإخافتنا لتحقيق الأمر كما يرغبون. وليس هناك حد لإملاءاتهم علينا، وقد حان الوقت لنوقفهم الآن دون خوف».

كانت مطالب «كارتر» سبباً فى غضب عارم اجتاح اجتماع الحكومة الإسرائيلية بعد لقاء الرئيس الأمريكى بأعضاء الكنيست الإسرائيلى، وقال «بيجن»: «يبدو أن الرئيس الأمريكى لا يفهم جيداً الثمن الذى ندفعه ويدفعه مقابل هذا السلام المحتمل مع مصر».

وفى إحدى جلسات الحكومة الإسرائيلية، طالب الرئيس الأمريكى وزراء إسرائيل بتقديم المزيد من التنازلات، إلا أن بيجن رفض ذلك، معللاً بأن «هذه التنازلات غير مكتوبة فى اتفاقية كامب ديفيد»، إلا أن «كارتر» ألح على «بيجن»، وهو ما دفعه إلى الرد: «سيدى الرئيس، تنازلنا عن سيناء لأن (الحاخام جورن) قال لنا إنها ليست من ضمن أرض إسرائيل الموعودة، وقد ضحينا بمستوطنات عديدة هنا أتألم عليها كل يوم، ولكننا لن نسمح بدخول أى قوة أجنبية داخل نطاق أرض إسرائيل، لم نوافق على دخول المصريين إلى غزة، ماذا سيفعلون هناك».

كما ناقش اجتماع الحكومة الإسرائيلية مشكلة قطاع غزة، وحسب الوثائق، فإن وزراء إسرائيل أجمعوا على أن محاولات مصر لوضع قدمها فى غزة للسيطرة عليها من جديد، أو إقامة دولة فلسطينية تنطلق من غزة، لا يجب السماح به على الإطلاق، وهو ما دفع «بيجن» إلى القول: «ممنوع تماماً السماح لأى مصرى بالدخول إلى غزة للعناية بسكانها، لأنه فى حال دخول مصرى واحد، فإننا بهذا نعترف بأن لمصر الحق فى غزة، ولهذا، فإنه لا مكان لأى بعثة مصرية أن تعمل هناك، وويل لأى بعثة تدخل القطاع».
وأضاف «بيجن»: «وماذا سيفعل المصريون فى غزة؟ ماذا لديهم هنا ليفعلوه؟ أىُّ حق لهم هنا؟ هم سيُحوّلون قطاع غزة إلى بركان ينفجر فى وجوهنا، هذه هى الخطوة الأولى لاستقلال الفلسطينيين، اليوم بعثة من 6 أفراد وغداً تأتى بعثتان أو ثلاث أخرى تستولى على القطاع». كما أعرب وزير الزراعة الإسرائيلى آنذاك، آريئيل شارون، عن استيائه من توجُّه السلطات المصرية إلى إرسال بعثات من ضباط اتصال إلى القطاع. وقال: «كثيرون هنا يعرفون غزة جيداً، ويعرفون أيضا ما معنى أن يوجد ضباط اتصال مصريون هناك، لا يمكن السماح بهذا أبداً».

وأشارت الوثائق إلى أن اجتماع الحكومة الإسرائيلية فى اليوم الأخير لزيارة «كارتر» كان «عاصفاً»، أعرب فيه «بيجن» عن غضبه التام من توجّهات «كارتر» ومحاولاته للضغط على الولايات المتحدة للتوصل إلى السلام بشكل عاجل، وهو ما دفعه إلى إعلان إغلاق المجال الجوى لإسرائيل فى اليوم نفسه الذى قرّر فيه «كارتر» مغادرة البلاد، وأعرب الوزراء الإسرائيليون عن غضبهم لما سموه بـ«تضامن كارتر مع مصر»، زاعمين أنه يحاول تمثيل مصالح «السادات» وأن الرئيس المصرى يحاول السيطرة على غزة، وإقامة دولة فلسطينية فى النهاية.

وقبل أن يُغادر الرئيس الأمريكى مطار «بن جوريون» الإسرائيلى، طلب «ديان» من «كارتر» أن يطالب الرئيس المصرى بوقف هجوم الصحف المصرية الشخصى على رئيس الوزراء «بيجن»، وهو ما دفع «كارتر» للموافقة حينها، وطلب منه عدم ذكر مشكلة وجود ضباط الاتصال المصريين فى غزة، وسرعان ما وافق «ديان» على الأمر.

واتصل «كارتر» هاتفياً بـ«بيجن» من القاهرة، ليبلغه بموافقة «السادات» على البنود الإضافية فى الاتفاقية، خصوصاً مسألة النفط، واقترح إنشاء خط للنفط من سيناء إلى إيلات مباشرةً، وطلب «السادات» تقديم جدول زمنى محدّد للانسحاب من سيناء، للموافقة على تبادل السفراء بين الجانبين.

وفى برقية سرية أرسلتها واشنطن إلى إسرائيل، جاء أن «كارتر» التقى بأعضاء الكونجرس لإطلاعهم على تطوّرات الوضع وما جرى خلال زيارته إلى إسرائيل. وقال «كارتر» فيها: «يمكن إنهاء الأمور كلها مع (السادات)، فهو يتعامل مع الأمور بجدية وحسم، يتعامل مع المشكلات الاقتصادية، ولهذا فإنه يتناول الأمور المهمة والخطوط العريضة ويترك التفاصيل لوزير الخارجية. وفى المقابل، يرغب (بيجن) فى إتمام كل التفاصيل بنفسه».

وفى 22 مارس من العام نفسه، صدّق الكنيست الإسرائيلى على اتفاقية السلام مع مصر، وأُتمت مراسم توقيع الاتفاقية فى واشنطن، حيث غادر «بيجن» إليها لقضاء 4 أيام فى البيت الأبيض لإنهاء جميع التوقيعات اللازمة.
المصدر: "الوطن" المصرية