نشرت جريدة "الحياة الجديدة" في ملحقها "حياة وسوق" مقابلة مع الخبير والمحلل الاقتصادي د.نصر عبد الكريم أستاذ الاقتصاد بجامعة بيرزيت أجراها معه مراسل الصحيفة نائل موسى، وفيما يلي نص المقابلة: تقرير البنك الدولي الأخير الذي شخص مظاهر سلبية للاقتصاد الفلسطيني ومالية السلطة الوطنية بالعقلاني والموضوعي مقارنة مع تقاريره الايجابية السابقة التي انطوت على قراءة سياسية.
ورجح عبد الكريم استمرار الأزمة المالية للسلطة العام الجاري. وقال: «سيكون عام 2013 عام مراوحة في المكان على الصعيدين السياسي والاقتصادي، وسيشهد صدامات عنيفة بين النقابات والحكومة على خلفية عدم قدرة الأخيرة على الوفاء بالتزاماتها».
واتهم نصر الحكومة بالضعف والتردد، والسعي لتحقيق انجازات مالية من خلال سياسات اقتصادية عرجاء، وغير متوازنة تخلو من أي لمسة اجتماعية وانسانية، داعيا الى مغادرة سياسة السوق المفتوحة.
وقال إن النمو الذي تحقق بين2007 و2010 سببه المساعدات الخارجية والانفاق الحكومي، لكنه كان أعمى ولم يوزع بعدالة بين الناس والجغرافيا.
* بخلاف التقارير السابقة بشأن الاقتصاد الفلسطيني وجاهزية البناء المؤسسي، اتى تقرير البنك الدولي الأخير مخيبا، هل ترى ان البنك يقدم قراءة سياسية «مغرضة»؟
- اعتقد ان البنك الدولي في تقاريره السابقة بشأن السلطة الوطنية، والوضع الاقتصادي الفلسطيني كان يسوق قصة نجاح فلسطينية، ويبيع الوهم للناس، وقدم قراءة سياسية ترويج لأداء وانجازات مبالغ فيها.
في التقريرين الأخيرين بدأ البنك يقرأ بطريقة صحيحة وأكثر عقلانية، التقرير الأخير ورغم الصخب حوله لم يأت بجديد، ربما فجر قنبلة صوتية، لأن محتواه سبق أن قيل في أكثر من تقريرين له (البنك الدولي)، ومعظم تقارير منظمة التجارة والتنمية العالمية «أوتكاد».
مراقبون اقتصاديون كثر أدركوا منذ سنوات حقائق الأمور على الأرض، كنا نعاكس طروحات البنك الدولي وحذرنا من الوهم الذي كان يتشكل، وأوضحنا ان النمو الذي كان يتحقق غير مستدام، ومصدره الإنفاق الحكومي وهو مرهون بالمساعدات الدولية والعامل الإسرائيلي، وهذا التقرير لم يأت بجديد بل أعاد تأكيد حقائق ومعطيات موجودة، وهو بذلك يتلاءم وينسجم أكثر مع الصورة والمشهد الحقيقي في فلسطين، أكثر من تقاريره السابقة.
* تقصد ان النمو الاقتصادي الذي صفق له العالم كان مجرد فقاعة ؟
- منذ عام 2000 دخل الاقتصاد الفلسطيني في حالة ركود وجمود، وبقي يراوح في مكانه على صعيد بنيته الأساسية، وبقيت الخدمات والتجارة هي محرك هذا الاقتصاد بصورة أساسية، في الوقت الذي تراجعت فيه قطاعات الصناعة والزراعة والسياحة.
ولاحظنا عدم تجديد معظم استثمارات القطاع الخاص بعد عام 2000، وبقيت في حدود دنيا مقارنة مع أغلب التوسعات الاستثمارية التي حصلت في فترة الازدهار (من 1994 حتى 2000).
* هل فقد الاقتصاد الفلسطيني التنافسية فعلا ؟
- بعد عام 2000 بدأت تظهر سمات أساسية أدت لعدم وجود تجديدات استثمارية، وهيمنة التجارة والخدمات، وإهمال الصناعة والزراعة، المصانع والمزارع التي كانت قائمة بدأت تتقادم بحكم مرور الزمن والتكنولوجيا وغياب التشبيك المتجدد على المستوى العالمي، ولم تفتح أسواق جديدة، حتى العمال بدأوا يفقدون جزءا من مهاراتهم، كل ذلك أدخل الاقتصاد في حالة جمود، بينما الدول المحيطة والمنافسة التي يفترض أنها تشكل سوقنا الطبيعي تتقدم وتنمو، ما أدى الى فقدان الاقتصاد الفلسطيني تنافسيته. ففي الوقت الذي نمت فيه اقتصاديات العالم وتقدمت بقي اقتصادنا على حاله بل تراجع، وهذا الذي قصده البنك الدولي في تقريره الأخير.
* هل قصد العالم اطعامنا جوزا فارغا بالحديث عن النجاح الفلسطيني؟
- الحديث عن نجاح الاقتصاد الفلسطيني، في وقت كان العالم بأسره يشهد أزمات اقتصادية، كان نموا حقيقيا في الناتج المحلي، والمشكلة ان هذا النمو غير مستدام لأن مصدره ليس استثمارات خاصة، بل انفاق الحكومة الذي زاد على الـ 4 مليارات دولار سنويا بين أعوام 2007 – 2010، وهذا إنفاق كبير حرك الاقتصاد.
* لكم مآخذ جوهرية على طبيعة النمو الاقتصادي، لماذا تسوقونها الآن مع صدور تقرير البنك الدولي؟
- لا أربط بين الأمرين، لكن هذا النمو كان أعمى ولم يوزع بعدالة بين الناس والجغرافيا، ويدلل على ذلك مظاهر التركز في الثروة حيث الأغنياء ازدادوا غنى وقلوا عددا، وانحسرت الطبقة الوسطى والتحق أغلبها بالطبقة الفقيرة، وقلة محظوظة صعدت للطبقة الغنية.
جغرافيا نشهد الفجوة التنموية بين المناطق، فأطراف الضفة يكاد لم يتغير عليها شيء يذكر في مجال فرص العمل والبنى التحتية والخدمات، ما دفع الناس للقدوم لمنطقة الوسط التي حظيت بنمو شهدته منطقة رام الله ومحيطها لأسباب مختلفة.
وتراجع معدل الأجر الحقيقي للعاملين في القطاعين العام والخاص خلال العشر سنوات الماضية، والعامل شريك أساسي في الإنتاج وتراجع أجره يعني ان رب العمل وأصحاب رؤوس الأموال هم من استحوذ على كل النمو وثماره.
هذا نمو أعرج وغير متوازن، ففي اللحظة التي حدثت فيها هزة وتراجعت وتيرة المساعدات والانفاق الحكومي ولم ينتظم صرف الرواتب، تراجع النمو في العامين السابقين الى أقل من 5%، وأغلب نسبة النمو هذه جاءت من غزة، الخشية انه في حال بقي الوضع على ما هو عليه عام 2013 سنعود الى حالة الركود أو ندخل في نمو سلبي.
* هل هناك قصة كان البنك الدولي يحاول بيعها للفلسطينيين؟
- نعم، هناك قصة سياسية كانت تباع للفلسطينيين بالحديث عن النمو، واعتقد ان هذه القصة كانت تتساوق مع مسألتين أساسيتين، أولاهما السلام الاقتصادي الذي تحدث عنه رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو وتبناه ممثل اللجنة الرباعية طوني بلير، وثانيهما الغمز باتجاه التغير في الحكم من حماس إلى حكومة برئاسة د. سلام فياض، وكأن العالم أراد توجيه رسالة للشعب الفلسطيني مفادها انه عندما يحكم أناس عقلانيون يحدث لديكم نمو وازدهار والعكس صحيح وهذه كانت مجرد جزرة.
* ماذا بشأن التصدير؟ هل خدعنا العالم باستيراد منتج فلسطيني لأغراض تضامنية وليس اقتصادية؟
- العالم لم يشتر منا، هو يورد لنا فقط، في السنوات الست الأخيرة نما ميزان التجارة الفلسطيني باتجاه كبير للاستيراد، والعجز التجاري يتسع سنويا وينمو بوتيرة كبيرة، نحن نستورد بقيمة أربعة مليارات دولار، فيما يتراوح التصدير بحدود 500 الى 600 مليون دولار يذهب معظمه (بين 80 و90 %) لإسرائيل من مجمل الصادرات الفلسطينية.
* اذن ما فائدة اتفاقيات التبادل التجاري التي تعقد؟
حتى الدول التي وقعنا معها اتفاقات تجارية والدول العربية المحيطة نصدر لها بضائع بعشرات ملايين الدولارات فقط، الدول لا تستورد منا شيئا يذكر.
* من المسؤول عن عدم تفعيل هذه الاتفاقيات ووهن التصدير؟
- هذا عائد لأسباب أولها القيود التي تفرضها إسرائيل على حركة السلع والمعابر وتعمدها إعاقة الاتصال مع العالم والنفاد للأسواق الخارجية، والسبب الآخر يكمن في أن تنافسية المنتج الوطني ليست عالية.
* ألا يحتاج العالم للسلع الفلسطينية، وهل يهتم بها؟
- العالم لم يكن معنيا أو مهتما بسلعنا وبتنافسيتها الا في سلع لها ميزة نسبية عالية جدا لأسباب لا علاقة لنا بها اطلاقا، مثل الحجر وهو ثروة طبيعية وبعض المنتجات الزراعية التي استفادت من الخبرة الإسرائيلية، وبخلاف ذلك نحن لا نصدر، وبصراحة لا سلع لدينا ذات تنافسية عالية.
الوهم الذي بيع للناس، هو ليس ان العالم يستورد سلعنا، وما نحن اشتريناه، بل وهم النمو والجاهزية والانتعاش والازدهار الاقتصادي والرفاهية التي بدأ الناس يعيشونها، ووهم سلوك المستهلك الذي بدأ يتغير وهي أوهام ثبت انها لم تكن صحيحة.
* أين يكمن الحل من وجهة نظرك؟
- كان ينبغي التركيز على استراتيجية إحلال الواردات لتعويض تداعيات صعوبة التصدير، اذا تعذرت المنافسة في التصدير، فالأجدى التوجه لإنتاج سلع للسوق المحلية بدل المستوردة.
وهنا أرى صوابية في قرار الحكومة الأخير بشأن فرض جمارك إضافية على المنتجات الصينية، هذا قرار في محله وان جاء متأخرا وناقصا وفضفاضا، وبحاجة الى «ضبضبة» باتجاه دعم المنتج الوطني ليأخذ حصة أكبر في السوق المحلية.
*تحدث التقرير عن العمالة في القطاع العام بوصفها غير ماهرة ويصعب انتقالها للعمل في القطاع الخاص، أهي كذلك؟
- أنا لا أفهم هذا التشاؤم، لكن معظم موظفي القطاع العام وبحكم البيروقراطية والرتابة، وشعور الموظفين ان الترقية قد لا تكون على أساس الأداء، وعدم وجود تحديات متجددة مطلوب من الموظف ان يواجهها، تحدث نزعة باتجاه الاسترخاء باستثناء بعض القطاعات.
موظفو القطاع العام أميل الى الرتابة وعدم التجديد وقلة الدافعية للتقدم في مواكبة التطورات، وربما هذا ما قصده البنك الدولي في تقريره.
وفي المقابل، أظن ان بوسع الموظفين العموميين الانتقال للعمل في القطاع الخاص، الإنسان وليد بيئة وقادر على التأقلم في مواجهة التحديات ويمكنه التكيف، ربما يحتاج الأمر لبعض الوقت، أغلب الموظفين من خريجي الجامعات ولديهم القدرات الذهنية والشهادات العلمية والشخصية التي تسمح لهم بالتكيف.
قد ينطبق تحليل البنك على موظفين عايشوا السلطة الوطنية منذ قيامها، أو انتقلوا اليها من منظمة التحرير، الجيل الجديد لديه الإمكانيات لمواجهة التحدي.
*هل السلطة قريبة من تقليص أو وقف تقديم الخدمات للمواطنين؟
- لا أميل الى التحليل الدراماتيكي ولا استخدام توصيفات مثل اليوم التالي لإعلان الدولة، أو قصة الرئيس اوباما اليوم، وربما يطلق أحدهم مصطلح اليوم التالي لانهيار السلطة، أرى بعقلانية ان عام 2013 هو عام سيناريو المراوحة في المكان.
لا أعتقد ان يشهد هذا العام تغيرات دراماتيكية على المشهد السياسي أو الاقتصادي، ومن سوء حظ الفلسطينيين ان من يحكم على المشهد الاقتصادي ويحدد ملامحه هو المشهد السياسي وليس العكس.
دون تغير سياسي لن يطرأ تغير يذكر على الاقتصاد، أظن ان الوضع الاقتصادي والمالي للسلطة سيبقى يراوح مكانه، وسيبقى الموظف ينتظر راتب آخر الشهر حتى نهاية العام.
سنبقى نشهد لعبة شد الحبال بين أطراف المعادلة: الحكومة من جهة والنقابات والمجتمع من جهة أخرى، وما سيميز عام 2013 هو عجز الحكومة عن الوفاء بالالتزامات المالية المترتبة عن الاتفاقات مع معظم الاتحادات المهنية ونقابات الموظفين، وعندما تتكشف الحقائق (عدم قدرة الحكومة على الوفاء بهذه الالتزامات ما لم تحدث مفاجأة مثل تبرع سخي من دولة عربية أو أجنبية للسلطة) ستبقى الأمور مرشحة للتصاعد على صعيد المواجهة بين الاتحادات والحكومة.
* كيف تقرأ التقرير وهل للتوقيت مغزى سياسي؟
- لا أعتقد أن يختلف أحد مع جوهر تقرير البنك الدولي الذي يقول ان الفلسطينيين والمجتمع الدولي ركز في السنوات الثلاث أو الأربع الماضية على معالجة الأزمات الطارئة والاحتياجات الآنية، ولم نعر اهتماما كافيا لتطوير وتحسين البنى التحتية، وأهملت التنافسية ونسينا ملف الإصلاح.
وفي حالتنا من الصعب على أي معالج ان ينسى حقيقة ان المريض الذي أمامه ينزف دما يوميا ويذهب الى معالجة مرض جانبي.
* هل تمتلك الحكومة رؤيا اقتصادية استراتيجية قادرة على مواجهة التحدي الوارد في التقرير؟
- مهما قيل في التقرير ومهما تمنينا وتحدثنا عن قضايا استراتيجية سيبقى الهم اليومي هو «المعشش» في ذهن صانع القرار الفلسطيني ومن يدير الشأن الاقتصادي، لا يمكن ان تكون مشغولا بتوفير الراتب آخر الشهر وتفكر في التخطيط الاستراتيجي لخمس سنوات مقبلة على سبيل المثال.
أظن ان الحديث عن الاستراتيجية سيراوح في الإطار النظري لأننا لا نملك الرفاهية ولا الوقت، ونحن نواجه يوميا أزمات متجددة تشغلنا، أظن هذا هو الخطأ القاتل الذي عايشته الحكومة منذ 2007.
*هل نجحت إسرائيل والإدارة الأميركية في إبقاء السلطة على حافة الهاوية ماليا واقتصاديا؟
- عدوك يريد إبقاءك على حافة الهاوية، الحكومة استسلمت لهذه الحالة وتساوقت معها وتعايشت مع الاحتلال ورضيت العمل بكل سياستها واقتصادها في اطار هذا المربع ولم تحاول الخروج من الصندوق.
* والحكومة ألا تعمل؟
- كل ما قامت به الحكومة انحصر في اطار خطوات تكتيكية يومية لتسجيل انجاز ولو على حساب العدالة الاجتماعية، السياسات المالية للحكومة تقوم على الانفتاح ثم الانفتاح، وفتحت الأسواق على غاربها وأصبحت مستباحة للصين والهند وتركيا وروسيا ضمن سعي السلطة لحل أزمتها المالية بالحصول على جمارك على المستوردات وقيمة مضافة أكثر.
أكثر من 80 % من ايرادات السلطة تأتي من ضريبة غير مباشرة وليس من الجباية المحلية والإنتاج والدخل بل من الاستيراد.
* هل التذمر من سياسة الحكومة المالية مبرر؟
- سياسة الحكومة المالية تسعى لتحقيق ثلاثة أهداف جميعها دون مضمون إنساني، أو اجتماعي أو اقتصادي، رئيس الوزراء حدد 3 أهداف وقال: سندفع الرواتب بانتظام، ونقلل العجز في موازنة السلطة، ونقلل الاعتماد على المساعدات الدولية، والحكومة لم تنجح في أي منها بل تلاعبت بالأرقام.
* ما مشكلة هذه الأهداف؟
- نحن سعينا الى أهداف غير واقعية وسراب كبير، وأغفلنا حقيقة وجود الاحتلال الذي يسيطر على 62 % من الأراضي والطرق وسلة الغذاء في الأغوار، ويعزل الضفة عن قطاع غزة، والأراضي الفلسطينية عن العالم والفضاء العربي، ويسيطر على البحر والجو والحدود، والسياسات المالية، وهذا يجعل من عملنا مجرد قفزات في الهواء.
ما حصل ان العالم سمح للحكومة بدفع الرواتب بانتظام، حيث تلقت السلطة مساعدات في الأربع سنوات تلك (2007- 2010) أكثر مما تلقت منذ قيامها على مدار 12 عاما سبقتها، بعد ذلك بدأ التقتير، وفي عام 2013 الذي من المفترض التخلي فيه عن المساعدات الخارجية نحن نطلب مساعدات أكثر مما كان عليه الحال عام 2009، ما يعني اننا عندما صغنا الهدف اصبحنا بحاجة الى 1,4 مليار دولار لتغطية العجز في الموازنة الجارية فقط، إضافة الى الموازنة التطويرية وهي مفتوحة في ظل ضخامة الاحتياجات الفلسطينية المتراكمة للتطوير والبناء.
وهذا العجز لا يأخذ بالاعتبار الاتفاقات التي وقعتها الحكومة مع النقابات والاتحادات. وهذا يعني ان السياسات التي اعتمدت كان منظورها ماليا بحتا دون أخذ البعد السياسي أو الاجتماعي والوقائع على الأرض بعين الاعتبار.
* هل أخفقت الحكومة فيما ذهبت اليه اقتصاديا؟
- من يسعى لتحقيق هدف مالي فهو سيحققه غالبا على حساب الصناعة والزراعة والمواطن وتمكين الصانع والمزارع والطالب.
وجردة حساب للسنوات الخمس الأخيرة تبين ان الخدمات الحكومية تراجعت، وكذلك البنى التحتية، ونسبة الفقر لم تتغير، فيما ازدادت البطالة، ما يعني اننا لم نحقق أهدافا تذكر، وسعينا فقط لسياسة مالية باتجاه واحد لتسجيل قصة نجاح يشهد بها العالم والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي. هذه بحاجة الى مراجعة، هذا ما ارادته إسرائيل وأميركا، لكن سياستنا لم تساعد على مواجهتها.
*هل بداية القصة كانت مقولة فلسطين سنغافورة الشرق الأوسط؟
- نعم، هذه بداية الحكاية، لكن الرئيس محمود عباس كان الحكيم الأكبر فيها عندما قال: إما سنغافورة وإما الصومال، في إشارة الى التعويل على حسن الأداء، واليوم نحن انتهينا في الصومال، وهذا يدلل على أدائنا، نحن مسؤولون أيضا عما نحن فيه الآن.
* هل الحكومة قادرة على تنفيذ قراراتها؟
- منذ سنة أصدرت الحكومة 5 قرارات أبرزها تعديل الشرائح الضريبية على الدخل، ورفعها الى 30 % على الشريحة العليا، وبعد ذلك رضخت الحكومة لضغوط رأس المال واعادتها طوعا الى 20 % شريطة منح الحكومة طوعا تأجيل الاعفاء، ما يدل على ان القرار غير مدروس، والأمر كذلك بقرار رفع ضريبة القيمة المضافة واعفاء المتخلفين عن تسديد فواتير الكهرباء.
أنا متأكد انهم سيتراجعون عن رفع الضريبة على المنتجات الصينية، وهذا يدل على عدم وجود منهجية فكرية، ايديولوجيا السياسات الاقتصادية تعبر دائما عن ايديولوجيا سياسية ولا تعبر عن موقف شخصي، العالم يختلف على فلسفة الاقتصاد وخدمة من، فيما نحن نختلف على شعارات سياسية ليس لها مضمون، نحن نختلف مع الدكتور سلام فياض ايديولوجيا لأن سياساته غير مدروسة، هو لديه عقيدة ويؤمن باقتصاد السوق الحر ويحاول اتباع المدرسة الليبرالية.
* هل من مخرج يمكن للحكومة سلوكه للنجاة؟
- تم اهمال القطاع الزراعي، وسياستنا لم تؤد الى تطور صناعي أو حتى استصلاح واستثمار الأراضي الزراعية، بل أدت الى إغراق السوق الفلسطينية، وحاربت حتى المنتج الوطني التاريخي الموروث مثل زيت الزيتون.
الحل يكمن في الرجوع عن السياسات التي أدت الى ما نحن فيه.
لماذا يفرض قانون ضريبة الدخل الجديد كمثال ضريبة دخل على الأرباح التي تتحقق من الأنشطة الزراعية اذا كانت مملوكة لشركات وقبلها لأفراد وشركات وتم التراجع عن الأفراد؟ هل يعتقد واضع القانون والسياسات ان بوسع مزارع بسيط أو فرد تطوير الأغوار أم الأمر يستلزم وجود شركات كبيرة؟ أين تأمين الحماية للمزارع وصندوق تعويض المزارعين ضد الكوارث الطبيعية؟ أين التمويل الموسمي والدعم الفني وإعفاء مدخلات المنتج الزراعي المستوردة على قلتها من الجمارك؟ والأمر ينسحب على الصناعة التي ستنافس المنتج الصيني وتساعد المنتج الوطني.
الآن وبعد 15 عاما من الاغراق تذكرنا، لكن الصانع الفلسطيني يحتاج الى سنتين أو ثلاث سنوات على الأقل حتى يتمكن من تكييف أوضاعه ليعود للانتاج مجددا، والسؤال من يغطي الفراغ غير المنتج الاسرائيلي؟
* أين يكمن الحل؟
- الحل من وجهة نظري على المدى الاستراتيجي هو إعادة النظر في اقتصاد السوق الحرة كمنهج، والرجوع الى اقتصاد تنافسي يزاوج بين حاجة المستثمر والحاجات الاجتماعية «اقتصاد السوق الاجتماعي»، اذا تمكنا من تغيير المنهج والرؤى والفلسفة والفكر، سيقود هذا حتما الى تغيير السياسات.
على سبيل المثال هل يعقل ان تجمع ضريبة الدخل المفروضة على الثروة بين 6 الى 8 % (120 - 140 مليون دولار سنويا فقط)، فيما المستهلك الضعيف يدفع ضريبة قيمة مضافة وجمارك تبلغ نحو ملياري دولار، أين العدالة؟ مطلوب إعادة تعديل قانون ضريبة الدخل باتجاه تصاعدي لإعفاء الفقراء، وفرض ضريبة على الشريحة الغنية قد تصل الى 50 %.
دون تغيير العقلية التي تحكم الاقتصاد، والفلسفة، والمرجعية تبقى السياسات على حالها، والمؤسف ان شركاء رئيس الوزراء في الحكم هم يساريون أصبحوا متساوقين مع الليبرالية الجديدة والسوق الحر أكثر من اليمين.
* كيف ترى الوضع خلال بقية العام الجاري؟
- أرى ان 2013 لن يختلف عن 2012 ان لم يكن أسوأ. يجب التركيز على الزراعة حتى وإن لم تحقق التنافسية لأن فيها الأمن الغذائي وصون الأرض، والتوجه للصناعة التي فيها قيمة مضافة عالية وأجر وفكر وإبداع، وليس التقاط صناعات ألقى بها الإسرائيليون جانبا.
ويجب إعادة هيكلة الاقتصاد الفلسطيني بالتركيز على المشاريع الصغيرة والمتوسطة ودعم المبادرات الريادية وصندوق الابداع لدعم المشاريع الريادية وتبني الشباب والخريجين.. واذا لم تكن الجامعات أولوية فكيف نستثمر بالبشر؟.
مطلوب اعادة صياغة الأولويات الوطنية المقلوبة حاليا بطريقة صحيحة بدل الجري وراء سراب وهم انجازات مالية ننسى ان وراءها ضحايا كثيرين في الصناعة والزراعة والسياحة والعمالة والمرضى.
*ماذا بشأن النظام السياسي ؟
- المفتاح هو اننا نريد حكما رشيدا، لا يوجد لدينا ديمقراطية سياسية ولا اقتصادية، أين المساءلة والشفافية؟ هناك موازنة بأربعة مليارات دولار سنويا تنفق دون رقيب رغم وجود انحرافات شديدة في بنود الصرف بين ما هو مبين في قانون الموازنة وما يصرف فعلا، وقد يصل الانحراف الى 100% علما ان الأمر يتعلق بقانون أساسي، وهذا يحدث دون وجود من يسأل.
لماذا تعود حقيبة المالية لرئيس الوزراء الذي هو في هذا الجانب ضابط ايقاع، فعندما يختلف وزراء حول الموازنة يتدخل لضمان السياسة الحكومية والأولويات، من يعطيه سلطة سياسية ومالية؟.