أكد خبراء اقتصاد أردنيون أن تعليق المساعدات الأميركية الذي يشمل الأردن لمدة 90 يوما سيزيد الضغوط على الاقتصاد الأردني. كما بدا واضحا تأثر العديد من القطاعات الأردنية بشكل مباشر من خلال توقّف صرف رواتب العاملين في المشاريع الحكومية الممولة من الوكالة الأميركية للإنماء الدولي (USAID)، ما يعني احتمالات توقّف المشاريع، ولو لبعض الوقت.
والمشاريع الممولة من الوكالة الأميركية للإنماء الدولي تأتي ضمن المساعدات الأميركية للأردن، حيث يتم تحديد المشروع من قبل الحكومة، ثم تقوم الوكالة بتحديد الكادر الوظيفي وهي من تتعاقد معهم وتدفع رواتبهم من إجمالي المساعدات.
وحسب مصدر مطلع لـ"العربي الجديد"، فإن الحكومة ليست طرفا في تلك التعاقدات، لكن المشاريع الممولة ربما تتوقف بعض الوقت بانتظار حصول أولئك الموظفين على رواتبهم الشهرية، كما تتم دراسة خيارات متاحة لاستمرار العمل.
وتنفذ الكثير من المشاريع التنموية والخدمية في العديد من القطاعات بتمويل من المساعدات الأميركية المخصصة للأردن.
الولايات المتحدة تدعم الأردن
تُعد الولايات المتحدة داعما أساسيا للأردن؛ إذ وقّع البلدان في سبتمبر 2022 مذكرة تفاهم، تقدم بموجبها واشنطن مساعدات مالية سنوية للمملكة بقيمة 1.45 مليار دولار للفترة بين 2023 و2029. ووقّع كل من الأردن والولايات المتحدة، في شهر ديسمبر الماضي، اتفاقية منحة مالية قيمتها الإجمالية 845.1 مليون دولار؛ لدعم موازنة المملكة للعام الجاري.
ووقع الاتفاقية نيابة عن الحكومة الأردنية، وزيرة التخطيط زينة طوقان، ومديرة بعثة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) ليزلي ريد. وتأتي اتفاقية المنحة النقدية كجزء من برنامج المساعدات الاقتصادية الأميركية السنوية للحكومة الأردنية.
وقال تقرير للسفارة الأميركية في عمّان أعلن عنه مؤخرا إنه منذ 70 عاما والولايات المتحدة ملتزمة تجاه ازدهار واستقرار جميع الأردنيين. ومنذ عام 1951 قدمت الولايات المتحدة أكثر من 20 مليار دولار مساعدات للأردن، حسب التقرير.
ومنذ انضمام الأردن لمنظمة التجارة العالمية وتوقيع اتفاقية التجارة الحرة بين الأردن والولايات المتحدة زادت التجارة بين البلدين بنسبة 800%.
توقعات بعودة المساعدات
نائب رئيس الوزراء الأسبق جواد العناني قال، في تصريحات صحافية، إن الأردن رغم أنه مشمول بقرار تعليق المساعدات، لكنه غير مقصود بالأصل، وأنه لن يتأثر به كونه حصل على دفعته من المساعدات قبل فترة قصيرة وأن الدفعة اللاحقة ستتم بعد الفترة المحددة في التعليق.
وبيّن العناني الذي يعتبر من أكثر المتعاملين بملف العلاقات الأردنية الأميركية أن الأردن يجب أن يأخذ في حساباته القرار وأي احتمالات قد تحدث لاحقا.
يُذكر أن تعليق المساعدات جاء متزامناً تقريباً مع إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن خطته لتهجير عدد من أبناء قطاع غزة إلى كل من مصر والأردن، وفي المقابل رفضت كل من مصر والأردن رسميا وشعبيا مقترح ترامب.
الملك عبد الله الثاني قال في تصريحات صحافية: "أعتقد أنه يمكنني التحدث ليس فقط نيابة عن الأردن وكذلك عن أصدقائنا في مصر والقول إن هذا خط أحمر.. لا لجوء إلى الأردن ولا لجوء إلى مصر".
إرباك في موازنة الأردن
الخبير الاقتصادي الأردني حسام عايش قال لـ"العربي الجديد" إن تعليق المساعدات الأميركية لا شك أنه سيؤدي إلى إشكاليات بالنسبة للبلدان التي تستفيد منها، وسيؤدي إلى إرباك في موازناتها وخططها التنموية خلال العام الحالي.
وأضاف أن توقّف العمل في المشاريع الممولة من المساعدات الأميركية والتي تتابعها وكالة الولايات المتحدة للإنماء الدولي يؤثر على سير العمل في المشاريع التي تتبع للعديد من الوزارات والمؤسسات الحكومية، إضافة إلى فقدان أعداد كبيرة من العاملين وظائفهم ولو مؤقتا؛ كون رواتبهم تدفع من قبل الوكالة التي ترتبط معها بتعاقدات.
ويرى مراقبون ضرورة زيادة الاعتماد على الذات حتى يصل الأردن إلى مرحلة تغطية نفقاته بالكامل من دون عجز ومعالجة مشكلاته الاقتصادية والحد منها على الأقل، بما يؤدي إلى تقليل آثار الانعكاسات السلبية لهكذا قرار.
شعار أميركا أولاً
وقال عايش إن الرئيس الأميركي يحاول تغيير كثير من القواعد التي تسير عليها سياسة المساعدات ويرفع شعار أميركا أولا، وأن ذلك سيحدد وجهة وقيمة تلك المساعدات والبلدان التي ستحظى بها والمساعدات الأميركية هي ثابتة منذ سنوات، وذلك لم يأت عبثا ولدور الأردن في المنطقة والرؤية الأميركية لهذا الدور.
وبين الخبير الاقتصادي الأردني أن اتصالات ترامب مع الملك والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قد تحمل في طياتها ربطا بالأحداث أو غير ذلك، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة لا تتعامل مع الأردن من منطلق ضيّق، وإنما من منطلق عام وله علاقة بموقف الأردن ودوره في المنطقة والعلاقة الاستراتيجية بين الجانبين.
وقال: لكن تعليق المساعدات في حال استمر سيؤثر على الكثير من الفرضيات وسيرفع عجز الموازنة، الأمر الذي يعني مزيدا من الكلف الإضافية والمديونية، ناهيك عن أن ذلك يحمل رسائل لكثير من الداعمين للأردن تراهن عمّان عليهم لتمويل مشروعات مثل الناقل الوطني للمياه.
ضغط ناعم
كما أن ذلك سيفرض تحديات اقتصادية ستواجه الأردن، ما يتطلب إعادة النظر في سلّم الأولويات وتغيير أدوات العملية الاقتصادية في البلاد، وسيكون لذلك تداعيات والثابت هي المساعدات الأميركية التي ساهمت في استقرار الموازنة، حسب عايش.
من جانبه، قال وزير الإعلام الأردني الأسبق سميح المعايطة، في تصريحات صحافية، إن الأردن يتعامل دوما مع الأزمات بكل حكمة ويخرج منها قويا، وأن تعليق المساعدات قد يكون نوعا من الضغط الناعم على الأردن للقبول بقضية التهجير وغيرها من المخططات التي تسعى إسرائيل إلى تطبيقها على أرض الواقع.
ونبهت شخصيات اقتصادية وسياسية إلى أخطار الاعتماد كثيرا على المساعدات، والذي قد يؤدي إلى ارتباك الأداء وتعطل تنفيذ مشاريع ذات أولوية.
أزمات الاقتصاد الأردني
ويعاني الأردن من أزمات اقتصادية خانقة في ظل التطورات والاضطرابات الإقليمية التي ارتدت سلبا على العديد من القطاعات، منها السياحة والتجارة والصناعة. وكان مجلس الوزراء الأردني برئاسة رئيس الوزراء جعفر حسان أقر، في نوفمبر الماضي مشروع قانون الموازنة العامة للسنة المالية 2025؛ وتمت إحالته إلى اللجنة المالية بمجلس الأمة (البرلمان) في ديسمبر الماضي.
وقال مجلس الوزراء إن مشروع قانون الموازنة للعام 2025 يستند إلى فرضيات واقعية، ويأتي منسجما مع متطلبات تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي، من خلال رصد المخصصات المالية اللازمة للبدء بتنفيذ المشاريع الكبرى؛ مثل مشروع الناقل الوطني للمياه، وسكة الحديد التي تربط ميناء العقبة بمناطق التعدين في الشيدية وغور الصافي.
وقدّر المشروع إجمالي النفقات العامة بما مقداره 17.9 مليار دولار، منها نفقات جارية بنحو 15.7 مليار دولار، ونفقات رأسمالية بنحو 2.1 مليار دولار، وذلك لتغطية تمويل المشاريع الكبرى، وبناء المستشفيات والمدارس الجديدة، وصيانة المستشفيات والمدارس الحالية. كما قدر مشروع قانون الموازنة الإيرادات العامة بنحو 14.6 مليار دولار، منها 13.5 مليار دولار إيرادات محلية و1.048 مليار دولار منحا خارجية، وبالتالي، فإن مشروع الموازنة وضع تقديرات واقعية للإيرادات بما يسهم في إدارة العملية التنموية بشكل أفضل، وفق وكالة الأنباء الأردنية (بترا). وخفّض مشروع القانون العجز الأولي لعام 2025 إلى ما نسبته 2% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة مع ما نسبته 2.9% عام 2024.
يشار إلى أن نسبة المنح الخارجية من إجمالي الإيرادات المحلية انخفضت تدريجيا منذ عام 2004 نتيجة جهود الدولة الأردنية في الاعتماد على الذات، حيث كانت تبلغ بين عامي 2004 و2008 قرابة 17.22%، وبين عامي 2009 و2013 قرابة 13.15%، لتصبح بين عامي 2019 و2022، 11.18%.
المصدر: القدس العربي