2025-01-30 03:57 م

بعض المطلوب لمواجهة مخطط ترامب لتهجير غزة

2025-01-29

أعادت تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأخيرة بشأن نقل جزء من سكان قطاع غزة إلى الأردن ومصر لعدة سنوات من أجل إنجاز عملية إعادة الإعمار ضمن إطار صفقة وقف إطلاق النار، مخططات تهجير الفلسطينيين إلى الواجهة من جديد. ولم يشكّل مخطط ترامب لتهجير غزة وتصريحاته، صدمة للفلسطينيين، إذ اعتادوا منذ النكبة الفلسطينية عام 1948، على مخططات التوطين التي كان يعرضها الأميركيون والإسرائيليون على حدٍ سواء في سبيل تصفية القضية الفلسطينية، إلّا أنّ التوقيت هذه المرة يبدو مغايراً ومرتبطاً بقضية تبعات العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.

وسعى الاحتلال الإسرائيلي على مدار حرب الإبادة التي استمرت أكثر من 470 يوماً لفرض مخططات التهجير القسري، والذي أحبط بالمقابل من خلال اتفاق وقف النار وصفق التبادل الذي تم التوصل إليه وبعودة النازحين إلى مناطقهم التي نزحوا منها بفعل الإبادة والقصف. فضلاً عن طرح خطط للتهجير الطوعي لدفع بعض الدول الأفريقية والأوروبية لاستقبال الآلاف من الفلسطينيين لتفريغ القطاع. وسعت الأحزاب اليمينية في حكومة الاحتلال التي يمثلها وزير الأمن القومي المستقيل إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، لفرض الاستيطان في القطاع بالرغم من أنه لم يكن من الأهداف المعلنة للحرب، وهو ما لم يتحقق بالرغم من الدمار والمجازر التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي.

وحظي مخطط ترامب لتهجير غزة وتصريحاته الأخيرة، بترحيب من هذه الأحزاب اليمينية التي رأت فيها تحقق الأهداف التي فشلت بانتزاعها في إطار العملية العسكرية والحرب غير المسبوقة التي شهدها القطاع. وتفتح دعوة ترامب التي قوبلت برفض مصري وأردني رسمي وشعبي واسع، إلى جانب حالة الرفض الفلسطينية الرسمية والشعبية، الباب أمام عودة مخططات التهجير من جديد تحت استغلال دمار القطاع، وهو أمر يتطلب عملا رسميا وشعبيا للتصدي لهذه المخططات وإحباطها كما تم إحباط عشرات المشاريع السابقة.

أول رد على مخطط ترامب لتهجير غزة
قال الناطق باسم حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح)، منذر الحايك، إن عودة الفلسطينيين النازحين إلى مناطق مدينة غزة وشمالها بمثابة أول رد حقيقي على تصريحات ترامب وخططه لنقلهم إلى مصر والأردن. وأضاف في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "المطلوب فلسطينياً هو التوحد في القرار الفلسطيني وأن يكون مستقلاً"، موضحاً أنه "لا يمكن بأي حال من الأحوال تكرار نكبة عام 1948 أو عام 1967، وهو ما يتطلب مواقف سياسية جادة".

ولفت الحايك إلى أنّ "خريطة الطريق يجب أن تكون في تمكين الحكومة الفلسطينية برئاسة محمد مصطفى باعتبارها صاحبة الولاية القانونية لتوحيد الجغرافية الفلسطينية بين الضفة (الغربية المحتلة) وغزة". وشدّد على ضرورة "عدم التساوق مع مخططات (رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين) نتنياهو المتمثلة في بعض الطروحات كمسمى لجنة الإسناد المجتمعي وغيرها من المسميات التي تم رفضها (السلطة وقبلتها حركة حماس خلال محادثات في القاهرة) باعتبارها تكرس الانقسام بشكل جدي وحقيقي". وأشار إلى "ضرورة أن يتم تمكين الحكومة الفلسطينية برام الله ثم تجنيد الدعم الخارجي للإعمار ثم الذهاب نحو صناديق الاقتراع من أجل أن يختار الشعب الفلسطيني قيادته السياسية وممثليه، وهو أمر يجب أن تستمع له حركة حماس وكل الفصائل الفلسطينية". ووفق الحايك فإن مخطط ترامب لتهجير غزة "لا تعتبر الأولى، إذ سبق وطرحت عدة مقترحات في عام 1956 وعام 1974، وفي هذه الحرب سعى الاحتلال لفرض التهجير وإقناع الدول العربية باستقبال أهالي غزة وهو ما فشل في تحقيقه".

من جانبه، اعتبر عضو المكتب السياسي لحركة حماس، حسام بدران، أن "الشعب الفلسطيني بكل مكوناته لديه قرار حاسم وواضح منذ عقود باستحالة تكرار تجربة النزوح والهجرة التي كانت عقب النكبة الفلسطينية عام 1948". وأضاف في حديث لـ"العربي الجديد" أنه "لا يمكن للشعب الفلسطيني وتحديداً أهل قطاع غزة أن يسمحوا بفكرة التهجير، بالذات أن تجربة الحرب أثبتت أن كل الوسائل الإجرامية التي استخدمها الاحتلال لفرض التهجير لم تفلح". وأوضح أنّ "مشاهد عودة النازحين بمئات الآلاف في اليوم الأول للسماح لهم بعد الوصول إلى اتفاق وقف إطلاق النار، ورغم حالة التدمير وتخريب البنية التحتية تعكس التمسك الشعبي والوطني بالأرض الفلسطينية"، مشيراً إلى أن "أي دعوات تصدر حول محاولة تهجير الشعب الفلسطيني يجب أن تأخد بالكثير من الحذر، إذ إن المطلوب وطنياً وحدة موقف فلسطيني واضحة وحاسمة تؤكد لكل الأطراف الإقليمية والدولية استحالة تطبيق فكرة التهجير". وبحسب بدران فإن المطلوب "خطاب وطني وموقف فلسطيني موحد، يلزم الشعب الفلسطيني بأي خيارات لا يريدها أو يحاول التأثير عليه وتهجيره أو إخراجه من أراضيه".

خطط قديمة متجددة
تأمل الأحزاب الإسرائيلية المتطرفة أن ينجح ترامب في إقناع الدول العربية أو الآسيوية في استقبال الفلسطينيين سواء على مستوى غزة أو الضفة، لتحقيق حلمها في نشر الاستيطان وبناء المستوطنات وتقليص أعداد الفلسطينيين. وحول مخطط ترامب لتهجير غزة التي تعكسها تصريحاته الأخيرة، اعتبر مدير مركز عروبة للأبحاث والدراسات الاستراتيجية، أحمد الطناني، أن هذه التصريحات ليست الأولى من نوعها، إذ "سبقتها تصريحات قبيل تنصيب ترامب رئيساً، بأن إدارته تدرس نقل سكان غزة إلى خارج القطاع ضمن إطار إعادة الإعمار، واقتراح إندونيسيا واحدةً من الدول التي قد تستضيفهم مؤقتاً". وأضاف في حديث لـ"العربي الجديد"، أن ترامب وفي حملته الانتخابية، أشار إلى أنه يمكن أن تصبح غزة "أفضل من موناكو" إذا "بُنِيَت بالطريقة الصحيحة"، إذ اتسقت تصريحاته مع اقتراح صهره ومستشاره السابق جاريد كوشنر في فبراير/شباط الماضي، بإخلاء المدنيين من غزة لإفساح المجال أمام مشاريع استثمارية عقارية على شواطئها. يعكس ذلك وفق الطناني "انحيازاً واضحاً إلى رؤية استثمارية بحتة لا تتجاهل الحقوق الفلسطينية الأساسية فحسب، بل قائمة على فكرة البناء على أنقاضه".

وبحسب الطناني فإن هذه التصريحات "تضع غزة مجدداً في قلب رؤية ترامب المثيرة للجدل حول القضية الفلسطينية، إلا أن هذا الطرح يتجاوز الحدود الإنسانية ليصل إلى إعادة إنتاج مموَّهة لمشاريع تهجير الفلسطينيين، خصوصاً مع طرح فكرة "تطهير" القطاع من سكانه بما يتماشى مع محاولات إسرائيلية سابقة لإفراغ المناطق الفلسطينية من سكانها الأصليين تحت ذرائع أمنية أو اقتصادية، كانت ذروتها عبر حرب الإبادة". وأشار إلى أنه "على مدار شهور الحرب، اصطدمت هذه المحاولات دائماً بصمود أهالي القطاع، خصوصاً في شماليِّه، فأفشل السكان مخططات الاحتلال السابقة لتهجيرهم بالقوة، وضربوا مثالاً في التمسك بأرضهم وحقوقهم رغم التحديات".

ورأى أن تجربة ترامب السابقة في إدارة الملفات الدولية، خصوصاً القضية الفلسطينية، تُظهر اعتماداً على استراتيجية إطلاق "بالونات اختبار" عبر تصريحات متفرقة وأفكار أولية لقياس ردود الأفعال المحلية والدولية، ثم تُدمج الأفكار ضمن رؤية شاملة، كما حدث في "صفقة القرن" (خطة السلام في الشرق الأوسط إبان ولايته الأولى 2017-2021). أما التصريحات الحالية لترامب، فتبدو وفق الطناني، جزءاً من نهج مشابه، إذ يُمهِّد ترامب الأرضية لما يمكن تعريفه بـ "صفقة القرن 2"، التي يُحتمل أن تكون "أكثر تطرفاً وإضراراً بالحقوق الفلسطينية مقارنةً بالأولى، وهو ما يتطلب خطة إسعافية فعالة وسريعة لإعادة الإعمار والعمل مع الدول العربية، خصوصاً مصر والأردن، على بلورة موقف إقليمي موحد من خطة ترامب.

على المستوى السياسي، أكد الطناني ضرورة تحقيق الوحدة الفلسطينية عبر برنامج مواجهة فلسطيني شامل للتصدي للتحديات، "وفي مقدمته توحيد المؤسسات الوطنية الفلسطينية على قاعدة الحفاظ على الوجود الفلسطيني والتصدي لمخططات التصفية، خصوصاً أن حديث ترامب عن سكان قطاع غزة، ليس سوى خطوة أولى سيتم استكمالها في الضفة الغربية لتسهيل إتمام خطة الضم وابتلاع ما تبقى من الأراضي الفلسطينية تمهيداً لتفكيك أي كينونة سياسية للفلسطينيين".

حشد عربي وإسلامي
إلى ذلك، رأى أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأمة في غزة، حسام الدجني، أن المطلوب فلسطينياً مقابل مخطط ترامب لتهجير غزة "هو تجنيد كل الدبلوماسية العربية والإسلامية لمواجهة خطة ترامب مستغلين صمود الشعب الفلسطيني في غزة والمشاهد التي تزامنت مع عودة النازحين لمناطق الشمال". وقال في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه "كان على ترامب أن يلتقط دعوة حركة حماس للحوار مع الإدارة الأميركية لتحقيق الاستقرار في المنطقة، وأن يذهب في اتجاه حلول ومقاربات سياسية، دون أن تذهب المنطقة لحالة التأزيم".

وأضاف أن "عملية بناء غزة يمكن أن تتم والشعب الفلسطيني على أرضه، ولن يقبل الفلسطينيون بأن يتم نقلهم أو تهجيرهم مؤقتاً تحت غطاء الإعمار، لا سيما أن نكبة عام 1948 وعام 1967 حاضرة في الذاكرة الفلسطينية". من جهة أخرى استبعد الدجني أن ينجح ترامب في فرض هذه الخطة أو تنفيذها سواء على الفلسطينيين أو حتى الدول العربية، خصوصاً مصر والأردن، إذ ترفضان هذه الخطط وتريان فيها تهديداً واضحاً لأمنهما القومي. وفي سياق مخطط ترامب لتهجير غزة فباعتقاد الدجني، "ما فشل عسكرياً لن ينجح سياسياً أو عبر الخطط التي يسعى لتمريرها، إضافة إلى أن النظام العربي والإقليمي الرافض لهذه الخطط والتي لا تمكن أي رئيس أو زعيم عربي من القبول بمثل هذه الخطط".

المصدر: العربي الجديد