2025-01-30 05:12 م

مقترح ترامب لتهجير الفلسطينيين.. هل كان الرد المصري الأردني كافيًا؟

2025-01-29

لا تزال أصداء مقترح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن ترحيل فلسطينيي قطاع غزة إلى مصر والأردن تلقي بظلالها على المشهد الفلسطيني والإقليمي، تزامنًا مع العودة الأسطورية الملحمية لسكان الشمال الغزي إلى مناطقهم بعد تهجير دام قرابة 16 شهرًا تحت وطأة حرب الإبادة التي شنها جيش الاحتلال ضد القطاع منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 وحتى التاسع عشر من يناير/كانون الثاني 2025. تلك المشهدية التي اعتبرها البعض ردًا حاسمًا وعمليًا على ترامب، الذي يبدو أنه مُصر بشكل كبير على تنفيذ مقترحه الذي وصفه بـ “تطهير غزة”.

ونقل موقع “أكسيوس” الأمريكي، صباح اليوم الثلاثاء، عن ترامب أنه هاتف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بشأن نقل عدد من الفلسطينيين من غزة إلى مصر، وذلك بعد يومين من اتصال سابق مع ملك الأردن عبد الله الثاني، حيث أكدا خلال الاتصال على دعمهما للسلام في الشرق الأوسط، فيما يرجح الرئيس الأمريكي قبول نظيريه المصري والأردني استقبال الفلسطينيين من غزة.

وقال ترامب عن السيسي، بحسب الموقع الأمريكي: “أتمنى أن يأخذ البعض منهم”، مضيفًا: “ساعدناهم كثيرًا، وأنا متأكد من أنه سيساعدنا… كما يقولون، إنها منطقة صعبة، لكنني أعتقد أنه سيفعل ذلك، وأعتقد أن ملك الأردن سيفعل ذلك أيضًا”.

وفي رد على سؤال بشأن تأييده حل الدولتين، قال إنه سيناقش ذلك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عندما يزور البيت الأبيض.

تأتي تصريحات ترامب عشية جولة يقوم بها مبعوثه للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، تشمل العاصمة السعودية الرياض، حيث يلتقي خلالها ولي العهد محمد بن سلمان، ثم تل أبيب، التي من المتوقع أن يعقد فيها اجتماعًا مطولًا مع نتنياهو لمناقشة تنفيذ المرحلة الأولى من اتفاق تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار في غزة، وبدء المفاوضات بشأن المرحلة الثانية.

ورغم تأكيد الموقع الأمريكي المقرب من دوائر صنع القرار في واشنطن على إجراء هذا الاتصال، إلا أن مصدرًا مصريًا رفيع المستوى، لم يُذكر اسمه، نفى هذا الكلام جملة وتفصيلًا، حسبما نقلت قناة “القاهرة الإخبارية”. وأوضح المصدر أن أي اتصال هاتفي لرئيس الجمهورية يتم الإعلان عنه وفقًا للمتبع مع السادة رؤساء الدول.

وأكد أنه كان يجب تحري الدقة المطلوبة، خاصة فيما يتعلق باتصال على هذا المستوى وفي هذا التوقيت الدقيق الذي تمر به منطقة الشرق الأوسط، وعلى ضوء ما يمثله ذلك من أهمية خاصة في ظل العلاقات المتميزة التي تجمع بين رئيسي البلدين.

وكان ترامب قد أدلى بتصريحات صادمة، خلال لقاء له مع الصحفيين على متن طائرة الرئاسة الأمريكية “إير فورس وان”، الأحد 25 كانون الثاني/يناير 2025، حيث طلب من مصر والأردن استقبال المزيد من فلسطينيي غزة، بزعم ما سببته الحرب على مدار أكثر من 15 شهرًا من تدمير للقطاع يستوجب إخلاءه لإعادة الإعمار، لافتًا إلى أنه تحدث إلى العاهل الأردني وطلب منه ذلك، فيما ينتوي الاتصال بنظيره المصري لعرض ذات الطلب.

رفض مصري أردني.. هل كان كافيًا؟
بعيدًا عن صحة اتصال ترامب بالسيسي من عدمه، إلا أن الرئيس الأمريكي أعلن صراحة عن مقترح التهجير، كاشفًا أنه أجرى اتصالًا بنظيره الأردني وطلب منه نقل عدد كبير من سكان القطاع إلى الأراضي الأردنية، لافتًا إلى نيته إجراء اتصال مماثل مع السيسي للغاية ذاتها، وهو الأمر الذي كان يتطلب ردودًا مماثلة على مستوى المتحدث والقضية.

على الجانب الأردني، اكتفت عمّان بتصريحات وزير خارجيتها أيمن الصفدي، الذي أعلن رفض بلاده لمقترح ترامب، مؤكدًا تمسك المملكة بحل الدولتين كسبيل وحيد لتحقيق الأمن والاستقرار والسلام في المنطقة.

فيما قال الوزير خلال مؤتمر صحافي مشترك مع سيغريد كاغ، كبيرة منسقي الشؤون الإنسانية وشؤون إعادة الإعمار في غزة: “حل القضية الفلسطينية هو في فلسطين، وأن الأردن للأردنيين وفلسطين للفلسطينيين (…) ثوابتنا في المملكة واضحة ولن تتغير، وهو تثبيت الفلسطينيين على أرضهم ورفض التهجير”.

وعلى المستوى المصري، جاء الرد كذلك عبر بيان لوزارة الخارجية، أكدت فيه القاهرة تمسكها بثوابت ومحددات التسوية السياسية للقضية الفلسطينية، ورفضها المساس بحقوق الشعب الفلسطيني، التي وصفتها بأنها غير قابلة للتصرف “سواءً من خلال الاستيطان أو ضم الأرض، أو عن طريق إخلاء تلك الأرض من أصحابها من خلال التهجير أو تشجيع نقل أو اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم، سواءً كان بشكل مؤقت أو طويل الأجل، وبما يهدد الاستقرار وينذر بمزيد من امتداد الصراع إلى المنطقة”.

الرد، المصري والأردني، رغم أنهما واضحان، من حيث الإعلان صراحة وصياغة عن رفض مقترح التهجير، إلا أنهما لم يُقنعا البعض ممن طالبوا بضرورة أن يكون الرد على قدر الحدث. فحين يتحدث رئيس الولايات المتحدة عن قضية بهذه الحساسية والخطورة، التي تمس العمق الأمني العربي، ويتضمن الخطاب إشارة مباشرة وعلنية لرئيسي مصر والأردن، فلابد أن يكون الرد على مستوى الرئاسة، بحيث يخرج العاهل الأردني والرئيس المصري بتصريحات علنية واضحة لا تقبل التأويل، لا أن يكتفيا ببيانات وتصريحات منسوبة للخارجية.

الإعلامي المصري، المقيم خارج البلاد، حافظ المرازي، يرى أن البيان الوزاري المصري تحديدًا لم يكن كافيًا للرد على مقترح الرئيس الأمريكي، مرجعًا ذلك، في منشور كتبه عبر صفحته على “فيس بوك”، لسببين. الأول أنه لا يوجد ما يمنع وزير الخارجية المصري من أن يخرج ليقول هذا الكلام بنفسه بدلًا من إعادة تدوير بيانات الوزارة، التي غالبًا ما تتعرض للسخرية والتندر من قبل البعض، كما حدث مع الرئيس الراحل أنور السادات خلال مباحثات اتفاقيات السلام مع الكيان الإسرائيلي.

أما السبب الثاني فيتعلق بالسوابق التاريخية في هذا الشأن، حين تنصل السيسي من موقف سابق أمام ترامب، الذي كان الفائز حينها في الانتخابات التي جرت في نوفمبر/تشرين الثاني 2016. فبعد شهر واحد من هذا الفوز، تبنت القاهرة مشروع قرار أمام مجلس الأمن الدولي يدين الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية، بعد أن وعدت إدارة باراك أوباما المجموعة العربية والإسلامية في آخر شهر لها في الحكم بعدم استخدام حق الفيتو ضد القرار لتمريره، وذلك عقابًا لنتنياهو الذي تحدى أوباما في الكونغرس ضد الاتفاق النووي مع إيران.

حينها، وبحسب ما ذكره صهر ترامب ومساعده، جاريد كوشنر، في مذكراته، اتصل ترامب بالرئيس المصري للتعبير عن تحفظه على الموقف المصري وتبني مثل هذا المشروع داخل المنظمة الأممية، ليعتذر السيسي للرئيس الأمريكي، مدعيًا أنه لم يكن لديه علم بشأن تقديم الخارجية المصرية لهذه الورقة، التي سحبها على الفور من المجلس.

ومن ثم، يعتبر المرازي أن “خطوة بيان وزارة الخارجية المصرية في آخر نهار الأحد تمثل ردًا ضعيفًا، خجولًا، ومتأخرًا، وبدون اسم أو صوت حتى للوزير”، مطالبًا ببيان رسمي من السيسي نفسه “ولو حتى مشابه لتصريحه العام الماضي، وإن أغضب البعض باقتراح أن ينقلوهم إلى النقب، وكأن المشكلة ليست ضد التهجير القسري نفسه، طالما بعيدًا عن مصر”.

من جانبه، انتقد الخبير في شؤون الصراع العربي الإسرائيلي، محمد سيف الدولة، ما أسماها “اللهجة المخففة” في بيانات الرفض الصادرة عن وزارتي الخارجية المصرية والأردنية، مضيفًا أنه رغم رفض تلك البيانات لمقترح التهجير، إلا أنها تجنبت الإشارة إلى تصريحات ترامب وتوجيه خطاب شديد اللهجة له، مضيفًا أن تلك التصريحات تحمل تهديدًا خطيرًا للأمن القومي للدولتين، فضلًا عن أنها تمثل تصفية للقضية الفلسطينية وللشعب الفلسطيني.

أوراق ضغط عربية.. هل يُمكن استخدامها ولو لمرة واحدة؟
ويرى سيف الدولة في حديثه لـ “الجزيرة” أن مصر – وبطبيعة الحال الأردن- تمتلك أوراق ضغط يمكنها إفشال هذا المخطط أبرزها:

إعادة النظر في الترتيبات الأمنية والعسكرية المفروضة على مصر في سيناء بموجب اتفاقيات “كامب ديفيد”، داعيًا إلى استبدال القوات الأجنبية والأميركية في سيناء بقوات تابعة للأمم المتحدة.
وقف التسهيلات اللوجيستية المقدمة للقوات الأميركية في قناة السويس، والمطارات والمجال الجوي المصري.
إعادة النظر في قبول المعونة العسكرية الأمريكية المقدمة لمصر وتقييمها بشكل مختلف، مع ضرورة استبدال مصادر التسليح المصري وتنويعه.
الامتناع عن أي تدريبات عسكرية مشتركة مع الولايات المتحدة، وعدم إرسال بعثات عسكرية للتدريب في أميركا.
انسحاب مصر من أي تحالفات إقليمية أو دولية أسستها الولايات المتحدة، مع ضرورة إعادة تشكيل السياسات والعلاقات المصرية الخارجية على أسس مناهضة للنفوذ الأميركي.
وقف التعاون مع أمريكا في مجال مكافحة الإرهاب، والتعاون الأمني والمعلوماتي، وأهمية تقليص أنشطة المؤسسات المالية والاقتصادية الأميركية في مصر، مثل البنوك والشركات وغرفة التجارة الأميركية، وإعادة النظر في اتفاقية الكويز.
دعم حركات المقاطعة الشعبية للمنتجات الأميركية، والتركيز على الشركات الكبرى العاملة في مصر، خاصة في مجالات البترول والخدمات وتكنولوجيا المعلومات.
إطلاق سراح القوى الوطنية والشعبية المناهضة للولايات المتحدة وإسرائيل.
وفي ذات السياق استعرض أستاذ الدراسات العبرية بكلية الآداب بجامعة الإسكندرية أحمد فؤاد أنور عددًا من أوراق الضغط المصرية التي يمكن من خلالها مواجهة مخططات الرئيس الأميركي، منها:

التلويح بتعليق العمل بمعاهدة السلام مع إسرائيل، معتبرًا أن هذا التعليق يُعد “خطًا أحمرًا” لا يمكن لواشنطن أو تل أبيب السماح بالمساس به، خصوصا أن ذلك يهدد استقرار نموذج السلام المصري- الإسرائيلي الذي تسعى واشنطن للحفاظ عليه.
التحذير من تداعيات مقترح التهجير على أمن واستقرار الشرق الأوسط وتعريض مصالح الولايات المتحدة وحلفاءها للخطر والاستهداف.
تعطيل خطط ترامب لإبرام صفقات مالية كبيرة في المنطقة، أو توسيع “اتفاقيات إبراهام”، وهما الملفان الأكثر حساسية وأهمية بالنسبة للرئيس الأمريكي وإدارته في المرحلة القادمة، الأمر الذي قد يجبره على التراجع.
السؤال الأبرز هنا: هل يمكن لمصر أو الأردن توظيف أوراق الضغط تلك في مواجهة الإدارة الأمريكية؟ هل لديهما الشجاعة والإرادة السياسية القوية لإشهار مثل تلك الأسلحة في وجه ترامب؟ أسئلة ربما تجيب عنها مواقف القيادتين إزاء حرب الإبادة التي تعرضت لها غزة على مدار أكثر 480 يومًا وأسفرت عن نحو 158 ألف شهيد وجريح فلسطيني، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 14 ألف مفقود، فضلا عن تشريد مليوني فلسطيني وتدمير 90% من بنية القطاع.

رفضًا للمقترح أم للتهديدات المترتبة عليه؟
رغم أن البيانات الصادرة عن خارجية البلدين، أكدت بشكل قاطع رفضهما لهذا المقترح انطلاقًا من ثوابتهما إزاء القضية الفلسطينية والحرص على التصدي لأي محاولة لتصفيتها، ودعما لحقوق الشعب الفلسطيني في الحفاظ على أرضه ودولته، إلا أن أصوات في الداخل الإسرائيلي ترجع هذا الرفض لأسباب أخرى غير التي تم ذكرها في البيانين.

الباحث في معهد السياسات والاستراتيجيات بجامعة رايخمان د. شاي هار- تسفي يرى أن “مصر والأردن تعتبران إمكانية نقل سكان غزة إلى أراضيهما تهديدًا حقيقيًا للأمن الوطني والاستقرار الداخلي، وليس عبثًا أنهما قد عبرتا عن معارضتهما لهذا الاقتراح”.

وأضاف في تصريحاته لصحيفة “معاريف” الإسرائيلية : “بالنسبة للأردن، هناك خوف حقيقي من احتمال بدء تجسيد فكرة الوطن البديل والتي قد تهدد التوازن الديموغرافي الدقيق في المملكة”.

وأضاف “حتى الآن، وفقًا لتقديرات مختلفة، أكثر من 50% من سكان المملكة، التي يبلغ عددهم حوالي 11 مليونًا، هم من أصل فلسطيني ولاجئين جاؤوا من العراق وسوريا علاوة على ذلك، يمكن أن ينعكس ذلك سلبًا على الوضع الاقتصادي والاجتماعي في المملكة، وفي الواقع يشكل تهديدًا لمستقبل السلالة الهاشمية” وعليه استعجل وزير الخارجية الأردني، “للتأكيد أن الحل للقضية الفلسطينية هو حل فلسطيني، حيث أن الأردن هو للأردنيين وفلسطين هي للفلسطينيين”.

ومن ناحية أخرى يتوقع  الباحث الإسرائيلي عدم موافقة القاهرة وعمًان على هذا المقترح لأنه “قد يرسمهما في العالم العربي والإسلامي كدول تشارك في خطط إسرائيل لترحيل الفلسطينيين، وفي الواقع تضر بمصالح الفلسطينيين الوطنية”، مستبعدًا أن يفرض ترامب وإدارته أي عقوبات على البلدين حال رفضهما – كما فعل مع كولومبيا- نظرًا لأهميتهما الاستراتيجية للمصالح الأمريكية في المنطقة،  لافتا أن “هذه مجرد بالون اختبار أطلقه ترامب في الهواء ليختبر اتجاه الرياح”.

واختتم هار- تسفي تصريحاته بالتأكيد على إصرار ترامب على إيجاد حل ما لسكان غزة، وتنفيذ مخطط التهجير ولو طواعية، حتى لو كان خارج منطقة الشرق الأوسط تجنبًا لإغضاب حلفاءه في الإقليم، منوها أنه قد طُرح سابقا أفكار أخرى في هذا الشأن كأن يتم نقلهم  إلى إندونيسيا أو ألبانيا، قائلًا “يبدو أن ترامب يعتقد أنه يمكنه إيجاد دولة توافق على استضافة مئات الآلاف من الفلسطينيين مقابل دفع تعويض مناسب”.

محصلة لما سبق..

ربما قال الفلسطينيون كلمتهم ردًا على هراء الترحيل، ووثقت مشهدية العودة وما تحمله من رمزيات، هذا الرد بالصوت والصورة وعلى الهواء مباشرة، إلا أن ترامب بمقترح التهجير هذا، وإصراره على تنفيذه بأي صورة كانت، وضع الدبلوماسية العربية في مأزق حقيقي، فالأمر هنا تجاوز فكرة المقاربة الأمنية الضيقة التي تتبناها مصر والأردن إزاء الملف الغزي منذ بداية الحرب وما قبلها، إلى آفاق وأبعاد أكثر خطورة، تفرض تحديات إقليمية تشتبك مع جذور الوجود العربي الإقليمي، وتفرض على الجميع إعادة النظر في مواضع أقدامه في ظل التغيرات الجذرية الذي يخطط لها الرئيس الأمريكي بشأن الشرق الأوسط الجديد، الذي يحاول هندسته على البوصلة الصهيونية وحسب المقاسات الإسرائيلية.

المصدر: نون بوست | صابر طنطاوي