2025-01-07 09:29 ص

الصراع السياسي الإسرائيلي يطيل أمد حرب غزة

2025-01-02

تصاعدت وتيرة التصريحات الإسرائيلية المتعلقة باستمرار الحرب على قطاع غزة رغم استمرار المفاوضات التي تدور بشكل غير مباشر مع حركة "حماس" والفصائل الفلسطينية الأخرى بوساطة قطرية ومصرية ومتابعة أميركية. وتتمسك الفصائل في هذه المفاوضات بالوصول إلى اتفاق يضمن انتهاء حرب غزة والانسحاب الكامل وتنفيذ صفقة للتبادل وإعادة الإعمار، في الوقت الذي يتمسك فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالوصول إلى صفقات جزئية أو شاملة تضمن استعادة المحتجزين الإسرائيليين مع استمرار حالة الحرب.

وخلال الأيام الماضية تحدث كل من نتنياهو ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش عن استمرار الحرب في غزة حتى مع الوصول إلى صفقة تبادل، وهو أمر يخالف المطالب التي تبحث عنها الفصائل الفلسطينية، لا سيما مع مطالبتها بضمانات دولية من قبل دول مثل الولايات المتحدة وتركيا والصين وروسيا وقطر ومصر.

والاثنين الماضي، تحدث نتنياهو بشكل واضح ومعلن عن أن إسرائيل ستعود للقتال في غزة حتى لو تمّ التوصل إلى صفقة تبادل أسرى مع "حماس"، ورفض أي حل يؤدي إلى بقاء الحركة في القطاع بعد الحرب، لا سيما مع عدم الوصول إلى تصور لليوم التالي للحرب. أما سموتريتش فقد صدم عائلات الأسرى الإسرائيليين خلال لقاء عقده معهم حينما أخبرهم بأنه من الصعب استعادة الأسرى جميعاً أو تقديم وعود قطعية بتنفيذ الصفقة خلال الفترة المقبلة، وهو ما يعكس تناغماً داخل الائتلاف الحكومي الإسرائيلي.

وتتزامن هذه التصريحات مع استمرار حالة المراوحة في المفاوضات الدائرة بعد فترة من التصريحات التي كانت إيجابية خلال النصف الأول من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، قبل أن تتبدل وتعود حالة التشاؤم بالوصول إلى اتفاق نتيجة اشتراطات إسرائيلية جديدة وضعت. وتعكس التصريحات الإسرائيلية الأخيرة والمواقف الصادرة عن نتنياهو وسموتريتش بأن حرب غزة مستمرة لفترة قد لا تكون قصيرة، مع الحديث العلني الواضح عن أن الحرب ستعود بعد أي صفقة شاملة أو جزئية، تمسكاً واضحاً بتحقيق صورة النصر الكامل التي ينادي بها نتنياهو منذ اليوم الأول للحرب على القطاع.

وكان الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب قد دعا للوصول إلى صفقة تبادل قبل وصوله إلى البيت الأبيض في 20 يناير/ كانون الثاني الحالي، موجهاً تهديداً لـ"حماس" والشرق الأوسط في حال عدم الوصول إلى صفقة، قبل أن يكرر تحذيره، ليل الثلاثاء الأربعاء، معتبراً أنه "من الأفضل أن يسمحوا للأسرى بالعودة قريباً".

في المقابل، تتمسك الفصائل الفلسطينية وعلى رأسها حركة حماس برفض أي صفقات جزئية على اعتبار أنها لا تلبي المطالب الفلسطينية المتمثلة في عودة النازحين ووقف حرب غزة وفتح المعابر والانسحاب الإسرائيلي الكامل من كافة مناطق القطاع. في الوقت ذاته، يقرأ البعض الآخر من التصريحات الرسمية الصادرة عن المسؤولين الإسرائيليين بأنها موجهة إلى الشارع الإسرائيلي وتستهدف محاولة تمرير صفقة في المنظور القريب لاستعادة بعض الأسرى دون تنفيذ صفقة كاملة.

مصالح وأهداف وراء التعطيل الإسرائيلي
يقول المحلّل والخبير في الشأن الإسرائيلي سليمان بشارات إن هناك مصالح تحكم أطراف الائتلاف الحكومي، لا سيما بنيامين نتنياهو وائتلاف "الصهيونية الدينية" الذي يتزعمه سموتريتش، في ما يتعلق بتعطيل الصفقة خلال المرحلة الثانية. ويضيف بشارات، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن كل طرف يبحث عن تقديم إنجازات لبقاء الائتلاف الحكومي بتركيبته الحالية واستغلاله لتحقيق وتنفيذ البرامج الانتخابية التي تم التعهد بها وتقديمها إلى جمهور المستوطنين الإسرائيليين.

ويلفت بشارات إلى أن هناك نوعاً من الإجماع الإسرائيلي ككل على دعم حرب غزة والعمليات العسكرية في القطاع، حتى أن المؤسسة الأمنية التي تنتقد المستوى السياسي، ما زالت تواصل تنفيذ قرارات الحكومة على الرغم من الثمن الذي تمّ دفعه.

ويشير الخبير إلى أن غياب الضغط الداخلي الإسرائيلي في ما يتعلق بصفقة التبادل يؤدي دوراً كبيراً ومهماً في حسم ملف الصفقة وإنهاء الحرب، علاوة على الدعم الأميركي الواضح للاحتلال في تنفيذ القرارات المتعلقة بالحرب. ووفقاً لبشارات، فإن حديث نتنياهو بشأن الوصول إلى صفقة وعدم انتهاء الحرب هو جزء من عملية التسويق للداخل الإسرائيلي، وهو الخطاب ذاته الذي قدّمه في ما يتعلق بصفقة وقف إطلاق النار في لبنان حين أعلن أن الاتفاق لا يعني انتهاء الحرب. ويرى بشارات أن كل المؤشرات المتوفرة حالياً تقول إنه لا أفق قريباً لانتهاء الحرب، مع بقاء احتمال الذهاب إلى صفقات مرحلية على شكل هدن إنسانية بالذات مع فترة وصول ترامب للبيت الأبيض في 20 يناير.

ويعرب الخبير في الشأن الإسرائيلي عن اعتقاده بأن حالة التعنت الإسرائيلي قد تدفع المقاومة الفلسطينية خلال الفترة المقبلة للقبول باتفاق مرحلي جزئي في إطار كسر الجمود القائم ومحاولة تحقيق اختراق في جدار الحرب بطريقة تقود للوصول لاحقاً إلى اتفاق أكثر شمولية يضمن إنهاء الحرب والإبادة في غزة.

تحولات ومتغيرات إسرائيلية في حرب غزة
من جهته، يرى المختص في الشأن الإسرائيلي محمد هلسة أنّ المتغيرات والتحولات في المشهد الإسرائيلي الداخلي والإقليمي والدولي دفعت نتنياهو لتقديم مقاربة جديدة لا تقوم على الرفض المطلق لتنفيذ صفقة تبادل واستعادة الأسرى الإسرائيليين بعدما كان يستخدم في السابق ذرائع منها معبر رفح ومحور صلاح الدين (فيلادلفي) ونتساريم.

ويوضح هلسة، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن السردية التي كان يروّج لها نتنياهو بالنصر المطلق تراجعت وضعفت بعدما أوقف الحرب مع حزب الله، وروّج داخلياً إلى أن الحرب لم تنته على الجبهة الشمالية (شمال فلسطين المحتلة، أي مع لبنان)، وهو ما أثار حفيظة الشارع الإسرائيلي الذي رأى أن هناك إمكانية لتقديم هذه المقاربة في جبهة غزة الأضعف عسكرياً مقارنة مع لبنان.

ويلفت هلسة إلى أن المقاربة الجديدة التي يريدها نتنياهو تقوم على صفقة جزئية يستعيد فيها العدد الأكبر من الأسرى الإسرائيليين بما يحقق أكبر قدر من الشروط الإسرائيلية مع ضمان أن تبقى الحرب قائمة بعد تنفيذ الصفقة. وبحسبه أيضاً، فإن مواقفه المتشنجة الإعلامية في ما يتعلق بالصفقة تأخذ عليه بأنه يعرقلها وبأنه يحاول أن يدفع الفصائل الفلسطينية إلى مغادرة طاولة المفاوضات خلال الفترة الحالية.

ويشير الخبير في الشأن الإسرائيلي إلى أن التسريبات التي صدرت عن مفاوضات حرب غزة خلال الفترة الماضية بقبول المقاومة بانسحابات مرحلية على مدار فترة تنفيذ الصفقة، دفعت نتنياهو للإعلان عن موقف سلبي واضح يتمثل بأن انسحاب القوات الإسرائيلية لن يتحقق وستستمر حالة الحرب. ويعتبر هلسة أن جملة التحولات في المواقف القائمة دفعت نتنياهو إلى وضع اشتراطات جديدة بهدف عدم الوصول إلى صفقة شاملة وكاملة تلبي المطالب الفلسطينية في نهايتها وعدم الدخول في المرحلتين الثانية والثالثة من الصفقة التي تحقق نهاية حرب غزة والانسحاب الكامل من القطاع.

المصدر: العربي الجديد