2024-11-26 04:22 م

الأزمة المالية الاميركية...مزيد من التردي

2013-03-07
صوفيا ـ جورج حداد*
بالرغم من الآمال الكبيرة والمحادثات المتواصلة بين "الديمقراطيين" و"الجمهوريين"، فإن الولايات المتحدة الأميركية تسقط في "الهوة المالية". فيوم الجمعة في 8 آذار/مارس الجاري يدخل الاقتصاد الاميركي في مرحلة متناقضة جديدة، حينما تدخل قيد التنفيذ التخفيضات الاوتوماتيكية لنفقات الخزينة بمقدار 85 مليار دولار لهذه السنة.

والتخفيضات هي جزء مما يسمى "الهوة المالية"، التي ستطال الاقتصاد الاميركي منذ مطلع هذه السنة. لقد نجح "الديمقراطيون" و"الجمهوريون" في التوصل الى تسوية حول مسألة رئيسية اخرى هي زيادة الضرائب. ولكن تم تأجيل النظر في مسألة النفقات العامة. والموعد الأخير للبت في هذه المسألة هو في منتصف ليل الجمعة 8 اذار/مارس، ولا يوجد في الأفق ما يشير الى ان السياسيين الأميركيين سيتوصلون الى تسوية حول هذه المسألة في الوقت المطلوب.

المحاولة الأخيرة

وتقول المعلومات الصحفية إن الرئيس باراك أوباما سيجتمع بقادة الكونغرس من الحزبين صباح اليوم الأخير ( الجمعة)، ولكن كل الدلائل تشير إلى ان مواقف الحزبين ستبقى على حالها. وقالت وكالة "رويتر" ان كلاً من الطرفين يأمل ان الناخبين سيتهمون الطرف الاخر حول التأثيرات السلبية للتخفيضات، مثل الفوضى المتوقعة في النقل الجوي، وخروج عشرات الاف الموظفين الفيديراليين في عطلة إلزامية. ولكن التخفيضات ستطبق تدريجيا حتى نهاية السنة المالية في شهر ايلول/سبتمبر، ولهذا ليس من الواضح اذا كان سيكون لها تأثير الصدمة على الخدمات العامة.



ولا يتراجع "الديمقراطيون" عن رغبتهم في أن يتم ربط قرار التخفيضات الاوتوماتيكية برفع الضرائب، وهو ما ليس مقبولا من قبل "الجمهوريين". وقد اعلن اوباما أنه "ينبغي ان نعمل معا، من اجل تخفيض العجز بطريقة متوازنة، بأن نقوم بإنفاقات عقلانية وفي الوقت ذاته نسد الثغرات الضريبية".

ويمكن للكونغرس في اي وقت كان ان يوقف التخفيضات الأوتوماتيكية اذا توصل الحزبان الى تسوية. وإذا لم يتم التوصل الى صفقة، فإنه يتوجب على وزارة الحرب الاميركية أن تخفض نفقاتها بمعدل 13% حتى 30 ايلول. والنفقات العسكرية تمثل تقريبا نصف مبلغ التخفيضات. أما البرامج الحكومية الأخرى، من الوكالة الفضائية NASA حتى نظام التعليم والبرامج الاسكانية، فستواجه التخفيض بنسبة 9%. ولكن في الوقت نفسه فإن البرامج الطبية كـ Medicare و Medicaid، وكذلك الضمانات الاجتماعية، التي تمثل 50.7% من الميزانية الفيديرالية، فلن يطالها التخفيض، باستثناء تخفيض 2% من المدفوعات للمستشفيات والاطباء.

دراما أم لا؟

وقد حذر صندوق النقد الدولي من أن تخفيضات الميزانية الاميركية يمكن ان تخفض النمو الاقتصادي الاميركي بمقدار 0،5% في السنة. وحسب رأي بعض الخبراء فإن هذا يعني ان 750 الف وظيفة عمل ستكون مهددة. ولكن في الوقت نفسه فإن الكثير من المحللين يرون ان التخفيضات في الميزانية الفدرالية بنسبة 2،4% فقط، تزيد عن 3.55 مليار دولار. ومن جهتهم فإن "الجمهوريين" يتهمون ادارة اوباما بأنها تبالغ في الحديث عن تأثيرات التخفيضات، وذلك لاهداف سياسية.

وعلق مندوب نبراسكا في الكونغرس، "الجمهوري" لوي تيري، بالقول "انه يتم الايحاء للمجتمع بأن يوم السبت ستحدث هرمجدون (تقوم القيامة) ـ فالطائرات لن تطير، ولن يستطيع المواطن ان يشتري اللحم من المحلات، وسيتم اطلاق جميع اللاجئين غير الشرعيين، وستفتح الحدود امام الارهابيين من القاعدة". وهو يلاحظ ان حزبه يؤيد تخفيضات الميزانية، ولكنه يريد ان يكون هناك مرونة في تطبيقها. وفي حين أنه كان يتوقع في السنة الماضية ان "الهوة المالية" ستؤدي الى بيوعات تصفية كبيرة في الاسواق المالية، ففي الوقت الراهن لا يلاحظ شيء من ذلك، على الأغلب بسبب التأكيدات ان الفيديرال ريزرف (البنك المركزي) سوف يستمر في برنامجه لشراء اصول مالية بقيمة 85 مليار دولار شهريا.



ومن جهته حذر الرئيس اوباما انه اذا ما استمرت التخفيضات سارية المفعول حتى شهر ايلول/سبتمبر، فإن صرف العاملين في وكالة الطيران الفيديرالية سيؤدي الى مشكلات جديّة في النقل الجوي، والصناعة الحربية ستحرم من الكثير من الطلبيات، كما سيجري صرف عشرات الآلاف من المعلمين، مفتشي الصحة، حراس السجون وغيرهم. كما ان التخفيضات ستطال الكثير من الابحاث الطبية المدعومة من الدولة، بما في ذلك الابحاث حول الامراض السرطانية والزهايمر.

ويعقّب جارد برنشتاين، المستشار الاقتصادي السابق لنائب الرئيس جو بايدن بالقول، كما نقلت عنه قناة CNBC " ان السماء لن تنهار. والشركات الكبرى بصورة خاصة لن يكون لديها مشاكل بسبب احتياطاتها الكبيرة وسهولة الوصول الى المقرضين. اما الشركات الصغرى ذات الطلبيات الحكومية فيمكن ان لا تكون محمية من تلقي ضربة مشابهة".

قرار مؤقت

ان الهدف الاساسي للتخفيضات هو تخفيض عجز الميزانية الذي نما بشكل قياسي في السنوات التي اعقبت اندلاع الازمة المالية. وحسب التوقعات الرسمية فإن العجز هذه السنة سيتم خفضه حتى 845 مليار دولار في مقابل 1،4 تريليون دولار سنة 2009. ومن المتوقع ان خفض النفقات وتحسين الاقتصاد سوف يساعدان على تخفيض اكبر للعجز في السنوات القادمة.

ولكن جريدة Wall Street Journal تلاحظ ان ذلك سيؤدي فقط الى تمويه المشكلات الطويلة الاجل للميزانية. وحسب رأي الكثير من الاقتصاديين فبعد عشر سنوات فإن المشكلات المالية للولايات المتحدة الاميركية سوف تنمو بشكل انهيار ثلجي بسبب احالة "جيل اولاد الازدهار" الى التقاعد، ما سيحمّل اعباءً هائلة للصناديق الاجتماعية والصحية. فإذا كان في سنة 2012 حصل 46 مليون اميركي على معاشات التقاعد الاجتماعية، فحتى سنة 2023 سينمو هذا الرقم 40%. وسيحدث نمو مشابه في عدد المستفيدين من البرنامج الصحي Medicare، الذي سيصل الى استنفاد احتياطاته المالية سنة 2024.

نظرة إلى الاجراءات

ان جميع الوكالات الحكومية الاميركية ستكون ملزمة بأن تخفض نفقاتها السنوية بمقدار 5% تبعا لميزانيتها الاصلية حتى 30 ايلول. وسيطال هذا الاجراء جميع الوزارات، اما بالنسبة لوزارة الدفاع فيتوجب عليها ان تقلص ميزانيتها بمقدار 8 بالمائة. وتقول وكالة فرانس برس ان جميع الوكالات لن يكون بامكانها هي نفسها ان تقرر التخفيضات في خدماتها، من اكثرها الى اقلها اهمية. حيث ينبغي ان تطبق التقشف في جميع الخدمات بدون تمييز.

العمليات العسكرية 


ان جميع الموظفين المدنيين في نظام الدفاع سيضطرون للخروج في عطلة جزئية لمدة يوم في الاسبوع، وهذا يعني انه منذ نهاية شهر نيسان/ ابريل سيتم تخفيض اجورهم بمقدار 20%. والقوات البحرية سوف تخفض ايام خروجها في البحر بالسفن الحربية بمقدار 30 ـ 35 %. ومنذ الان ألغيت موضعة حاملة طائرات ثانية في الخليج الفارسي. وقد أجل الى تاريخ لاحق ارسال التعزيزات والتجهيزات الحربية للقواعد الخارجية، ما يقتضي صرف موظفين في سلك الدفاع. ولكن أجور العسكريين لن يجري تخفيضها.

التعليم

ان الحكومة الفيديرالية سوف تخفض المنح التي تقدم الى التعليم بمبلغ يساوي اجور 10000 معلم، و7200 معلم مختص للاولاد ذوي الاحتياجات الخاصة وغيرهم من اعضاء سلك التعليم. وسيفصل من نظام التعليم 70000 تلميذ فقير دون الخمس سنوات، وهو ما يساعد على صرف 14000 معلم من هذا السلك.

المطارات

ان اوقات انتظار الاجانب لدى المرور على نقاط التفتيش لدى سلطات الهجرة في المطارات الكبيرة سوف تزيد 30 حتى 50 بالمائة ويمكن ان يزيد الانتظار عن 4 ساعات في اوقات الذروة. وطوابير الانتظار عند نقاط التفتيش الخاصة بالأمن سوف تكبر بشكل ملحوظ. ذلك ان نظام خدمات الأمن في قطاع النقل سوف يكون مضطراً لأن يضع موظفيه الخمسين ألفا في عطلة جزئية مدة يوم واحد كل اسبوع. وستفرض العطلة الجزئية أيضا على مراقبي حركة الطيران، ما يقتضي اغلاق اكثر من 200 مطار صغير، حسب تقديرات مديرية الطيران الفيديرالية.

كما سيتم تجميد أو الغاء الكثير من البرامج العلمية والمعونات العلمية، وسيتم تأخير اذونات لبيع ادوية مدعومة. كما سيقلل المفتشون الصحيون عدد الدوريات التفتيشية الصحية على الاغذية. وتحذر الحكومة من انتشار الاوبئة عبر بعض الاطعمة الملوثة او الفاسدة. كما ان 398 من الحدائق العامة الوطنية الطبيعية مهددة بالاغلاق جزئيا أو كليا. إلى ذلك سيتم تحفيض ساعات عمل موظفي شرطة الحدود بما يعادل 5000 مناوبة عمل كاملة. وقد قامت دوائر الهجرة منذ الآن باطلاق سراح الأجانب الموقوفين ذوي الاوراق غير النظامية، بانتظار التخفيضات الخاصة بالميزانية. وسيخفض مكتب التحقيقات الفيديرالي (الاف بي آي) ساعات عمل عملائه بما يساوي دوام كامل لـ 1000 موظف.
*كاتب لبناني مستقل
المصدر: موقع "العهد الاخباري"