ما زالت ألمانيا إلى جانب بقية العواصم الأوروبية تعيش هاجس، عودة المقاتلين الأجانب، وتعتبر عودتهم إلى ألمانيا، تهديدا مباشرا على أمن ألمانيا ودول أوروبا، وهذا كان من بين أبرز الأسباب التي تدفع ألمانيا برفض عودة المقاتلين الأجانب وعائلاتهم. كانت ألمانيا إلى جانب بقية دول أوروبا خضعت إلى الكثير من الضغوطات من الولايات المتحدة، والأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان، من أجل تغير موقفها باستعادة مقاتليها. وهنا يبرز السؤال: هل فعلا ألمانيا غير قادرة على استعادة مقاتليها؟ وهل الرفض الألماني، يأتي نتيجة موقف سياسي؟ أم لأسباب قانونية؟ وماذا عن الدستور الألماني والمحاكم الألمانية، حول عودة الدواعش الألمان؟
سافر حوالي 1150 جهاديًا من ألمانيا إلى الشرق الأوسط خلال السنوات الأخيرة في اعقاب اجتياح تنظيم داعش للمنطقة عام 2011. مات العديد منهم أو عادوا إلى بلادهم، لكن المئات قد يكونون ما زالوا يعيشون في المنطقة. ومع سقوط النظام السوري، يُحتمل أن يكون بعض الإسلاميين القادمين من ألمانيا قد انتقلوا أيضًا إلى دمشق، وفقًا لتقديرات خبراء أمن ألمان وأكراد.الجماعات التي سافرت إلى سوريا منذ سنوات واستقروا مؤخرًا في معقل المتمردين بإدلب، شاركوا في صفوف “هيئة تحرير الشام” في الهجوم ضد النظام الحاكم بقيادة بشار الأسد. تُعد “هيئة تحرير الشام” أهم الجماعات الإسلاموية المتطرفة في سوريا، وهي تسيطر على البلاد بعد هروب الأسد. نشأت الهيئة من “جبهة النصرة”، الفرع السوري لتنظيم القاعدة ، بينما ظهر تنظيم (داعش) من هياكل تنظيم القاعدة أيضًا.
ووفقًا لبيانات وزارة الداخلية الألمانية، غادر 1150 شخصًا ألمانيا منذ عام 2011 للانضمام إلى التنظيمات “الجهادية” في سوريا والعراق. بالإضافة إلى الألمان، شملت هذه الأعداد مواطنين أتراكًا وألبانًا وبوسنيين وروسًا كانوا يعيشون في ألمانيا. تشير التقارير إلى أن العديد من هؤلاء الإسلاميين لقوا حتفهم في الحرب أو الهجمات، بينما عاد آخرون إلى ألمانيا. ومع ذلك، تقدر الوزارة أن حوالي 400 شخص ممن غادروا البلاد لا يزالون في الخارج، بينهم 80 محتجزون في مراكز اعتقال بسوريا والعراق وتركيا.
أما الباقون، فيُعتقد أن ما لا يقل عن 320 شخصًا منهم ما زالوا نشطين في المنطقة، ويُرجح أن “نسبة ليست بالقليلة” قد لقوا حتفهم أيضًا. يقدّر خبراء الأمن أن عددًا قليلًا من الرجال ما زالوا نشطين في المنطقة، بينهم عناصر ضمن خلايا متفرقة لتنظيم الدولة الإسلامية في وسط سوريا.تُشير التقديرات غير الرسمية إلى أن عشرات “الجهاديين” الذين غادروا ألمانيا عاشوا لفترة في منطقة إدلب الخاضعة لسيطرة المتمردين. وقد حكمت “هيئة تحرير الشام” هذه المنطقة لسنوات، وهي تقود الآن حكومة الأمر الواقع الانتقالية في دمشق.
وترى وزارة الداخلية الألمانية أن نجاح المقاتلين “الجهاديين” يزيد من خطر سفر متعاطفين جدد من ألمانيا إلى سوريا. في شمال شرق البلاد، لا يزال الحكم بيد تحالف تقوده قوات كردية، والذي تعرض لهجمات متكررة من “الجهاديين”، فضلًا عن ضغوط من جيش الأسد.حاليًا، يشن “الجيش الوطني السوري”، المدعوم من تركيا، هجمات على مناطق الحكم الذاتي الكردي. منذ هزيمة تنظيم داعش كقوة إقليمية في عام 2019 على يد التحالف العسكري بقيادة “قوات سوريا الديمقراطية”، بقي نحو 60 ألف رجل وامرأة وطفل، ينتمون إلى شبكات داعش السابقة، محتجزين في مخيمات مغلقة شمال سوريا، بينهم مواطنون ألمان.
مركز قيادة العمليات الخاصة الأمريكية المشتركة في الأردن ، “يجمع غالانت فينيكس” معلومات استخباراتية عن المقاتلين الذين قاتلوا من أجل أمثال ما يسمى بـ “الدولة الإسلامية” (IS والجماعات المتطرفة الأخرى. تشمل المعلومات ذات الصلة الوثائق والبيانات وآثار الحمض النووي وبصمات الأصابع التي تم استردادها من معاقل داعش السابقة.
الوضع القانوني الى” الجهاديين” الألمان
تعمل الحكومة الالمانية من خلال مكتب المدعي العام، في محكمة، “كارلسروه” الالمانية المختصة في قضايا الإرهاب، بارسال فريق عمل، يتحقق من وجود عناصر تنظيم داعش واماكن تواجدهم، ضمن مهمة سرية، كون المانيا لايوجد لها سفارة او قنصلية في سوريا. وتقول قوانين واجراءات وزارة الداخلية الالمانية : “ان جميع المواطنين الألمان لهم الحق في العودة (إلى ألمانيا) من الناحية المبدئية بمن فيهم أولئك المشتبه في قتالهم ضمن تنظيم داعش”.
ماتعمل عليه المانيا في الوقت الحاضر؟ العمل على جمع الادلة والشواهد الى عناصر داعش الموجودين في سوريا والعراق، من اجل اخضاعهم الى المحاكم حال عودتهم، وبدون حصول المانيا على تلك “المعلومات القضائية” هي لا تتمكن من إستعادتهم حسب قول الحكومة الالمانية.
يجب على أي شخص يذهب للقتال في صفوف الجماعات المتطرفة في الخارج منذ 9 أغسطس 2019، أن يتوقع تجريده من جنسيته الألمانية. ولأسباب تاريخية ، يحظر القانون الألماني الحرمان من الجنسية عندما يحمل الفرد الجنسية الألمانية فقط وينتهي به الأمر عديم الجنسية. وتبنّت الحكومة الألمانية ثلاثة أسس: فمن يحمل جنسية ثانية ويبلغ سن الرشد ويريد المشاركة مستقبلا في القتال يمكن مبدئيا أن يفقد الجنسية الألمانية. كما أنّ القانون ليس له مفعول رجعي على المقاتلين المعتقلين حاليا وقاتلوا لصالح داعش.
وجود مقاتلين ألمان في إدلب
منذ بداية الصراع السوري، سافر ما يقرب من 1150 شخصًا من ألمانيا إلى مناطق النزاع في سوريا والعراق للانضمام إلى جماعات جهادية، مثل “داعش” و”جبهة النصرة”. مع خسارة تنظيم “داعش” لأراضيه، تحول بعض “الجهاديين” إلى العمل مع جماعات أخرى، مثل “هيئة تحرير الشام”، التي تُعد القوة المهيمنة في إدلب. وفقًا لبعض التقديرات غير الرسمية، لا يزال عدد قليل من “الجهاديين” الألمان أو ذوي الخلفية الألمانية في المنطقة، بما في ذلك إدلب. تُعد إدلب آخر معقل رئيسي للمعارضة المسلحة والجماعات “الجهادية”، حيث تسيطر “هيئة تحرير الشام” على أجزاء كبيرة من المنطقة. يُعتقد أن هيئة تحرير الشام جذبت مقاتلين أجانب بسبب خلفيتها كفرع سابق لتنظيم القاعدة، بالإضافة إلى هيكلها التنظيمي القوي في إدلب.
السلطات الألمانية تعتبر أن وجود “جهاديين” في إدلب، سواء كانوا ألمانًا أو غير ذلك، يشكل تهديدًا أمنيًا محتملاً، خاصة إذا عاد هؤلاء الأفراد إلى أوروبا.
هناك تحذيرات من أن نجاح أي جماعة “جهادية” في سوريا قد يشجع مزيدًا من الأفراد على السفر للانضمام إلى هذه الجماعات. بينما لا توجد بيانات دقيقة ومحدثة حول أعداد محددة من الألمان ضمن “هيئة تحرير الشام”، تشير التقديرات إلى أن عدداً قليلاً منهم ربما ما زال نشطًا في المنطقة. تتعامل السلطات الألمانية والأوروبية مع هذه القضية بحذر بسبب المخاطر الأمنية المرتبطة بعودة المقاتلين الأجانب إلى بلدانهم الأصلية.
المصدر: المركز الاوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات