2024-12-05 04:31 ص

سقوط حلب ترجمة للتوازنات الجديدة.. ماذا عن حدود لبنان الشرقية؟

2024-12-03

سقوط حلب بعد هدوء استمر نحو أربعة أعوام، يؤكد الهجوم المفاجىء الذي شنته "هيئة تحرير الشام" ("جبهة النصرة" سابقاً) وفصائل من المعارضة السورية الموالية لتركيا في محافظتي حلب وإدلب السوريتين، أن ثمة لاعبين داخليين وإقليميين يريدون الاستثمار في التحولات التي أفرزتها الحرب الإسرائيلية على لبنان، والضربات التي تعرض لها "حزب الله" ومن خلفه إيران في الشهرين الماضيين.

يُؤشر اتساع الهجوم الذي نفذته المجموعات المسلحة، إلى أنه من غير الممكن حصوله من دون التمتع بضوء أخضر تركي. وهو يأتي عقب فشل محاولات بذلتها روسيا على مدى العام المنصرم لعقد قمة بين الرئيسين السوري بشار الأسد والتركي رجب طيب أردوغان. ويعزو وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف فشل هذه المحاولات، إلى وجود القوات التركية في شمال سوريا. وتتمسك دمشق بالانسحاب العسكري التركي شرطاً للمفاوضات، فيما ترى أنقرة إرجاء تلك الخطوة إلى مرحلة لاحقة. أما وزير الخارجية التركي حقان فيدان، فتوصل إلى استنتاج مفاده أن “الحكومة السورية ليست على استعداد للتوصل إلى اتفاق وإنهاء الصراع مع المعارضة السورية أو تطبيع العلاقات مع تركيا”. وبعد انجاز التطبيع بين تركيا ومصر والذي تُوّج بزيارة أردوغان للقاهرة في شباط/فبراير الماضي وفي زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى أنقرة في أيلول/سبتمبر الماضي، أبدى الرئيس التركي انفتاحاً على لقاء الأسد من دون شروط مسبقة. ودفعت روسيا وإيران والعراق في اتجاه التطبيع السوري-التركي، باعتبارها خطوة تشكل نقطة تحول في مسار الأزمة السورية وتساعد في تزخيم جهود التوصل إلى تسوية سياسية داخلية بديلاً للحلول الأمنية. وبعد الانفتاح العربي ولا سيما الخليجي ـ باستثناء قطر ـ على دمشق في العامين الأخيرين وبدايات “تطبيع” أوروبي، وجد الرئيس الأسد مساحة سياسية تُغنيه عن الذهاب في اتجاه تركيا، إذا لم يكن الثمن وقف الدعم التركي للمعارضة وفي مقدمها “الإخوان المسلمين”. كان هذا شرط السيسي للتطبيع مع أنقرة، فلماذا لا يحصل الأسد على المعاملة ذاتها؟ وتزامن تعثر الجهود الرامية إلى عقد القمة السورية-التركية، بالتزامن مع تصعيد إسرائيل لضرباتها لـ”حزب الله” في لبنان وسوريا، فضلاً عن قصف المعابر البرية الحدودية بين البلدين (الشرعية وغير الشرعية)، إلى استهدافات واسعة للفصائل المتحالفة مع إيران، وكان أبرزها الغارة التي استهدفت تدمر في 21 تشرين الثاني/نوفمبر. وفي التاسع من الشهر نفسه، أغارت مقاتلات إسرائيلية على مواقع للجيش السوري في منطقة سراقب في محافظة إدلب.

ترافق ذلك، مع توتر في العلاقات الروسية-التركية بسبب زيادة التعاون العسكري بين أنقرة وكييف. وهو تطور، وصفه وزير خارجية روسيا بأنه “مثير للاستغراب بينما تعرض تركيا تقديم خدماتها كوسيط”. ومنذ التوقيع على اتفاق “خفض التصعيد” بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وأردوغان في آذار/مارس 2020، في منطقتي إدلب وريف حلب الجنوبي، والتي باتت تعرف بمنطقة “بوتين-أردوغان”، كرّرت موسكو أكثر من مرة أن تركيا لم تفِ بتعهداتها بموجب هذا الاتفاق، وفي مقدمها عزل “هيئة تحرير الشام” (النصرة) باعتبارها تنظيماً إرهابياً والحد من نشاطها. في حين أن “الهيئة” وطدت نفوذها في مساحة تمتد على نصف محافظة إدلب وريف حلب الجنوبي، وحالت دون فتح الطريق السريع “إم 5” الواصل بين حلب واللاذقية. وفي الهجوم الذي بدأته الأربعاء الماضي قطعت طريق “إم 6” الواصل بين حلب ودمشق. اقتصر التنسيق الروسي-التركي على دوريات مشتركة في المنطقة بين الحين والآخر، بينما غرقت “منصة آستانا” التي تضم روسيا وتركيا وإيران، في اجتماعات روتينية بحضور ممثلين عن الحكومة السورية والمعارضة السورية المدعومة من تركيا وقطر.

دخلت هنا الحرب الإسرائيلية التي أضعفت قدرات “حزب الله” العسكرية في لبنان وسوريا، مع رفع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أولوية وقف الإمدادات التي تصل إلى الحزب من طريق سوريا. هذه الأولوية تعمل عليها إسرائيل بالغارات الجوية على المعابر والمرافىء السورية التي تشتبه في أنها تنقل السلاح إلى الحزب. وحذّر نتنياهو الأسد من أنه “يلعب بالنار” في حال تغاضى عن عملية اعادة بناء الحزب لمقدراته العسكرية. تزامن ذلك مع رسالة تهديد أميركية ـ إسرائيلية تلقاها الأسد في الأسابيع الأخيرة عن طريق الأردن، وفيها دعوة إلى تحييد أصول الدولة السورية عن أي برامج للدعم العسكري لحزب الله والمستشارين الإيرانيين على أرض سوريا أو لبنان، وذلك تحت طائل استهداف أصول الدولة و”رموزها”، في تهديد مباشر للأسد. وأردوغان نفسه الذي كان يُهدّد بتوسيع الشريط الأمني إلى عمق جديد في الأراضي السورية، تحت شعار إعادة نحو ثلاثة ملايين لاجىء سوري من تركيا إلى الأراضي السورية، استجاب لدعوة بوتين بعدم القيام بغزو جديد لسوريا في وقت كان يجري العمل لتوفير الظروف الملائمة للتطبيع مع دمشق.

أما الآن، فإن هذه الجهود قد انهارت ولن يتردد أردوغان في نيل حصته من التحولات الكبرى الجارية في المنطقة. والتمدد نحو حلب من شأنه توجيه ضربة قاسية للحكومة السورية، في ظل ما تعرض له “حزب الله” وإيران من جهة، ووسط انشغال روسي متصاعد بالحرب في أوكرانيا وحاجة موسكو إلى تركيز وجهة مواردها العسكرية والبشرية نحو الجبهة الأوكرانية إلى حد الإستعانة بالمقاتلين من كوريا الشمالية من جهة ثانية، وبالتالي لا ترف روسياً في استثمار موارد إضافية في الساحة السورية حالياً. إلى هذه الحسابات كلها، ينظر أردوغان إلى عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، بتفاؤل. ذلك أن ترامب لا يعنيه كثيراً أن تتوسع تركيا في سوريا على حساب الحكومة السورية أو على حساب الأكراد المدعومين من الولايات المتحدة في شمال شرق سوريا. وسبق له في ولايته الأولى أن أمر بسحب القوات الأميركية من هناك. وليس خافياً أن أردوغان يريد تحميل الأسد مسؤولية عدم تلقف كرة التطبيع المصالحة على مدى أكثر من سنة، كما أنه وقّت التصعيد العسكري في سوريا في هذه المرحلة الانتقالية بين رئاستي جو بايدن وترامب، كي يخلق واقعاً جديداً في سوريا والشرق الأوسط، في ظل تراجع وضعية إيران في المنطقة بعد تعرض حلفائها في فلسطين ولبنان لضربات قوية، وتوقع مزيد من الضغوط الأميركية عليها بعد عودة ترامب، فضلاً عن انهماك روسيا بتعزيز رصيدها العسكري في حربها مع أوكرانيا. مجدداً يختبر أردوغان روسيا وإيران كي يُعزّز مكانته الإقليمية إنطلاقاً من حلب. وهذه الإندفاعة التركية، بعناوين ومسميات سورية مختلفة، تطرح أي دور يمكن أن يلعبه “حزب الله” غداة المواجهة القاسية التي خاضها على مدى أكثر من سنة مع إسرائيل، وهل يُمكن للحزب أن ينكشف أمام الضربات الإسرائيلية على أرض سوريا ويُضحي بالآلاف من مقاتليه بعنوان حماية النظام السوري ومنع قطع خط الإمداد بين طهران وبيروت عبر سوريا والعراق، أم أن الحزب سيجد نفسه معنياً باتباع سياسة جديدة في مواجهة الخطر الإرهابي الذي يُطل برأسه عبر الحدود السورية في الأسابيع.. والأشهر المقبلة؟ الأسئلة كثيرة.. والهواجس أكثر، ولتكن العين مفتوحة على العراق في الأسابيع والأشهر المقبلة.

سميح صعب | 180Post