كشفت مصادر من غزة، لـ"عربي بوست"، تفاصيل عن العصابات الإجرامية التي تقوم بسرقة المساعدات في القطاع، وكيف تحصل على تسهيلات ودعم من الاحتلال الإسرائيلي، وعن الأماكن التي تنشط فيها، في وقت يشهد فيه القطاع مجاعة وسط الحرب، وشح الموارد والإغاثة. العصابات في غزة ينشط لصوص المساعدات في غزة بمجموعات إجرامية، تقوم مؤخراً بالهجوم على شاحنات المساعدات على شكل عصابات، بحماية وتسهيل من جيش الاحتلال الإسرائيلي. بحسب مصادر حكومية في غزة لـ"عربي بوست"، فإن أبرز عصابتين إجراميتين تنشطان في سرقة المساعدات الإنسانية والإغاثية، هما: عصابة شادي الصوفي، وعصابة ياسر أبو شباب. وتُنسب العصابتان لاسمي زعيميهما، وهما مدانان سابقان، أحدهما محكوم عليه بالإعدام بسبب نشاطاته الإجرامية قبل الحرب في غزة. وقال إن "شادي الصوفي صدر بحقه سابقاً حكم إعدام، وكان مسجوناً ومداناً بقضية قتل، ولكن أطلق سراحه مع بداية الحرب مع جميع المساجين بسبب الظرف الأمني". أما ياسر أبو شباب، مدان بقضايا عدة، أهمها الاتجار بالمخدرات، مشيراً إلى أن هناك بعض العصابات الصغيرة الأخرى. مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة إسماعيل الثوابتة، أكد لـ"عربي بوست"، أن أفراد العصابات من أصحاب السوابق، وعليهم قضايا سابقة، وأحكام من الجهات القضائية في القطاع، وجزء منهم محكوم في القضايا المدانين فيها. أماكن نشاط لصوص المساعدات في غزة تنشط العصابات بشكل رئيسي في جنوبي شرقي غزة، حيث تدخل المساعدات من معبر كرم أبو سالم في رفح وحتى منطقة القرارة في خان يونس. وينقسم نشاط العصابتين أبو شباب والصوفي بحسب المصادر الحكومية إلى: عصابة الصوفي: من معبر كرم أبو سالم وحتى المستشفى الأوروبي. عصابة أبو شباب: من المستشفى الأوروبي إلى القرارة شمالاً.
وتحظى العصابات الإجرامية قرب معبر كرم أبو سالم ومعبر رفح بحماية إسرائيلية من ملاحقتهم من الأجهزة الأمنية الفلسطينية. وتمر المساعدات بشكل أساسي من خلال شارع صلاح الدين الذي يصل شمال غزة بجنوبها، وهناك حيث وقعت العديد من هجمات العصابات الإجرامية للسيطرة على المساعدات. لا تسمح سلطات الاحتلال بإدخال سوى عشرات الشاحنات المحملة بالمواد الغذائية والأدوية وغيرها يومياً إلى القطاع، متجاهلة مطالب المنظمات الدولية التي تؤكد حاجة غزة إلى أكثر من 500 شاحنة يومياً على الأقل.
تفاصيل عن التسهيلات الإسرائيلية لعمل العصابات أفاد أهالي من جنوب غزة لـ"عربي بوست"، بأن جيش الاحتلال الإسرائيلي زاد مؤخراً من تسهيل مهمة عصابات اللصوص في السطو على شاحنات المساعدات التي تدخل عبر المعابر الإسرائيلية إلى القطاع، في ظل تفشي المجاعة بين السكان. وأكدوا أن جيش الاحتلال يمنح مجموعات منظمة من اللصوص فرصة الوصول إلى مناطق قريبة من توغل دباباته ونقاط تمركزه دون استهدافها؛ كي يتسنى لهم نهب الشاحنات، بعيداً عن مناطق تواجد أفراد الشرطة الفلسطينية وعناصر التأمين التابعة للمقاومة. بهذا الخصوص، قال مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة إسماعيل الثوابتة لـ"عربي بوست"، إن "معلومات وصلتنا بأن عصابات خارجة عن القانون تقوم بالتنسيق مع الاحتلال لمعرفة موقع تحرك شاحنات المساعدات وأنواعها؛ من أجل السطو عليها وسرقتها تحت نظر الطيران الإسرائيلي". وأكد أن "هذه الفئات المنفلتة تعمل في مساحة جغرافية لا تستطيع الطواقم الشرطية التحرك فيها، بسبب خطورة الوضع الأمني، لذلك فإنها تتحرك تحت نظر الاحتلال؛ بهدف تعزيز سياسة التجويع المتعمد للأهالي". أضاف الثوابتة: "حاولنا منذ اللحظة الأولى معالجة هذه الإشكالية مع الفئة الخارجة عن القانون، ومنذ أشهر طويلة، ونجحنا بشكل نسبي في هذا الأمر، ولكن ما زالت المشكلة قائمة إلى يومنا هذا". وشدد على أن "الحكومة تبذل كل الجهود في إطار معالجة المواقف الميدانية مع هذه العصابات الخارجة عن القانون"، لافتا إلى أن "الكثير منهم سلموا أنفسهم للأجهزة الحكومية وأبدوا تراجعهم عن هذه السلوكيات وتعهدوا بعدم تكرارها". تعهد أيضاً "بعمل الحكومة بكل الطرق المتاحة وبشتى الوسائل من أجل تحييد جميع العصابات الخارجة عن القانون، لضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها من أهالي غزة". يشار إلى أن الأجهزة الأمنية التابعة لحكومة القطاع، هاجمت مؤخراً عصابة أحد اللصوص الكبار المتعاونين مع الاحتلال الإسرائيلي ومجموعة يقودها، جنوب غزة، وتمكنت من قتل عدد منهم، قبل أن تتدخل القوات الإسرائيلية وتهاجم القوة الأمنية لتأمين هروب اللصوص. تحديات التصدي للعصابات في غزة بحسب المصادر الحكومية في غزة، فإنه خلال الأسابيع الأخيرة، ضاعفت قوات الاحتلال استهداف عناصر الشرطة ومجموعات لتأمين المساعدات التابعة لفصائل المقاومة والموكل لها حماية الشاحنات من النهب والسرقة في أنحاء متفرقة من القطاع، ما أسفر عن استشهاد العشرات منهم. وكانت الأجهزة الأمنية الحكومية في قطاع غزة التي تديرها حركة "حماس" هدفاً رئيسيا للغارات الإسرائيلية منذ اندلاع الحرب في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023؛ إذ دمرت معظم مقارها، وقُصفت سياراتها واستشهد مئات من عناصرها. خلق هذا الاستهداف الممنهج نوعاً من الفراغ الأمني والإداري داخل القطاع، وأضعف قدرة تلك الأجهزة على ملاحقة الحوادث الجنائية وحالات السطو والنهب، ما يمثل التحدي الأكبر في مواجهة العصابات الإجرامية خلال الحرب. وفي ظل ارتفاع وتيرة التعاون بين قوات الاحتلال ومجموعات اللصوص، بدأت الأجهزة الأمنية في قطاع غزة في الأيام الأخيرة حملة أمنية لملاحقتهم وحماية الشاحنات من النهب، وتأمين وصولها إلى الجمعيات والهيئات المسؤولة عن توزيعها للمواطنين، بحسب ما أكده مصدر أمني مطلع لمراسل "عربي بوست". أكد المصدر الذي طلب عدم الكشف عن هويته -لأسباب أمنية- أن الأجهزة الأمنية نجحت في حملتها الأخيرة بقتل وإصابة عشرات اللصوص بعدما ثبت تعاونهم مع الاحتلال الإسرائيلي. أوضح كذلك أن من التحديات، عدم وجود مراكز احتجاز، إلى جانب الظروف المعقدة التي تعمل بها الأجهزة الأمنية، بسبب الاستهداف الإسرائيلي، وصعوبة وصولها إلى بعض المناطق القريبة من تواجد القوات الإسرائيلية. وقال إن هذه المعطيات تجبر الأجهزة الأمنية على التعامل مع عصابات اللصوص -خصوصا المسلحة- ميدانياً، عبر استهدافها بالرصاص والأسلحة الأخرى، بحسب طبيعة المهمة. أشار المصدر الأمني أيضاً إلى جيش الاحتلال يتعاون بشكل وثيق مع تلك العصابات، ويوفر لها أسلحة وبنادق، بهدف تمكينها من إثارة الفوضى ومهاجمة الأجهزة الأمنية وفرق تأمين المساعدات. شدد كذلك على أن الحملة الأمنية لملاحقة اللصوص تحظى بموافقة من جميع الفصائل الفلسطينية، وتنال مباركة سكان القطاع الذين يعانون مجاعة شديدة فاقمتها عمليات السطو على الشاحنات، ما يحرمهم من نصيبهم منها. أخذ أتاوات من الهيئات الخيرية في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني 2024، أفادت 29 منظمة دولية من بينها "أطباء العالم" و"أوكسفام" والمجلس النرويجي للاجئين في تقرير بأن جيش الاحتلال يشجع على نهب المساعدات الإنسانية في القطاع، عن طريق مهاجمته قوات الشرطة الفلسطينية التي تحاول تأمين الشاحنات. أضاف التقرير أن الجيش لا يمنع نهب الشاحنات، ولا يمنع العصابات المسلحة من ابتزاز المال من المنظمات الإنسانية، موضحاً أن "العديد من الحوادث وقعت بالقرب من القوات الإسرائيلية أو على مرأى منها، بدون أن تتدخل حتى عندما يطلب سائقو الشاحنات المساعدة". جاء هذا التقرير بعد أيام من تحقيق نشرته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية قالت فيه نقلاً عن مصادر في منظمات إغاثية دولية تعمل في غزة، إن القوات الإسرائيلية "تسمح لفلسطينيين مسلحين بنهب قوافل الإغاثة وبتحصيل إتاوات منها بذريعة تأمينها"، مضيفاً أن "بعض المنظمات ترفض دفع الإتاوات، ومن ثمّ تنتهي بها الحال إلى إبقاء المساعدات في مخازن يسيطر عليها الجيش". وصفت المصادر عمليات النهب هذه بـ"الممنهجة"، مشيرة إلى أن مسلحين ينتمون لعائلتين من منطقة رفح قد تسببوا في عدم دخول حصة كبيرة من شحنات الإغاثة إلى غزة. وتقول منظمات الإغاثة إنه "لا سبيل لوصول هذه المساعدات إلى سكان غزة بدون قوة شُرطية في القطاع، سواء كانت هذه القوة فلسطينية أو دولية. لكن كلاً من الحكومة والجيش الإسرائيليين يعارضان وجود مثل تلك القوة". وترغب الحكومة الإسرائيلية في أن يتولى الجيش مهمة توزيع المساعدات، لكن جيش الاحتلال يرفض من جانبه القيام بتلك المهمة، وفق "هآرتس". أفادت الصحيفة بأن "مشكلة العصابات المسلحة في قطاع غزة تفاقمت بعد سيطرة الجيش الإسرائيلي على معبر رفح الحدودي مع مصر في مايو/أيار 2024، وقيام مصر في المقابل بإغلاق المعبر. قبل ذلك، كان معبر رفح هو الممر الأساسي لدخول البضائع إلى غزة، وبعد إغلاقه باتت غالبية المساعدات تدخل إلى القطاع من خلال معبر كرم أبو سالم، "لكن العصابات المسلحة تسيطر على جانب غزة من المعبر"، بحسب الصحيفة ذاتها. وأكدت أن العصابات تعترض طريق الشاحنات المحملة بالمساعدات وتطالب سائقيها بنحو 15 ألف شيكل (4 آلاف دولار) – قيمة "رسم مرور"- وإذا ما رفض السائق الانصياع لمطالب أفراد العصابة فإنهم يخطفونه أو يسرقون ما تحمله الشاحنة. يأتي نشاط هذه العصابات في وقت تواجه فيه أسواق قطاع غزة حالة غير مسبوقة من الشح في كل السلع الأساسية وفي مقدمتها المواد الغذائية، الأمر الذي ساهم بتضاعف أسعار المتوفر منها، والمرتفعة بالفعل بسبب الحرب، مع تدمير ما يزيد عن 90% من القطاعات التجارية والصناعية والزراعية والسياحية الحيوية. ينذر ذلك بتفاقم الأوضاع الإنسانية الكارثية، مع النقص الشديد في البضائع داخل الأسواق والمحال التجارية بسبب الاحتكار والإغلاق الإسرائيلي المتواصل للمعابر، ومنع دخول البضائع والمواد الغذائية والأدوية والمستهلكات الطبية والمتطلبات الأساسية منذ بداية الحرب. بحسب شهادات الأهالي في جنوب غزة، فإنه منذ إغلاق معبر رفح بسبب العدوان الإسرائيلي عليه، تسبب ذلك في زيادة شح البضائع، تضاعف الأسعار حيث وصلت في العديد من الأصناف الأساسية إلى ما يزيد عن 30 ضعفاً. ومع قلة البضائع والمواد الأساسية مثل الطحين، والبقوليات والخضار والفواكه، تحذر المؤسسات الحقوقية الدولية من خطر المجاعة في غزة.
المصدر : عربي بوست